مشاهدة النسخة كاملة : كيفية الايمان بالقدر عند أهل السنة والجماعة ...
جروح بارده
14-08-2010, 06:26 PM
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيفية الايمان بالقدر عند أهل السنة والجماعة .
الايمان بالقدر أصل من أصول الإيمان، فلاإيمان لمن أنكره أوآمن بقدر وكذب بقدر، وقد عني العلماء بتقرير هذا الأصل العظيم وتحريره لكثرة الشبهات حوله ، وأفردوا لأدلته كتبا خاصة ،ككتاب القدرمن صحيح البخاري وكتاب القدر للفريابي . وللقدر مراتب لايتحقق إيمان عبد إلا باستكمالها ، وهي :-
1- مرتبة العلم ؛ بمعنى الإيمان بسبق علم الله تعالى بحال كل مخلوق وعمله ومآله قبل وجوده . وهذه المرتبة محل إجماع بين المسلمين إلا ما يذكر عن القدرية الأولى فإنهم أنكروها وزعموا أن الأمر أنف ؛ أي أن الله تعالى لا يعلم الكائنات إلا بعد وجودها . وقد أنكر مقالتهم ابن عمر وعلماء السلف وصرح بعضهم بكفرهم بهذه المقالة المنكرة . وممن ضل في هذه المرتبة غلاة الشيعة؛ فإنهم يصفون الله تعالى بالبداء ؛ وهو ظهور أمر خفي على الله من قبل !! وكذلك ضل في هذه المرتبة الفلاسفة الإلهيون ؛ فإنهم يزعمون أن علم الله تعالى إنما يتعلق بالكليات الثابتة دون الجزئيات المتغيرة . وهذا يعني أن الله تعالى لا يعلم شيئا عن هذا العالم كله ، وأن علمه إنما يتعلق بالعقول العشرة التي تخيلوها ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) .
2- مرتبة الكتابة ؛ وذلك بالإيمان بأن الله تعالى كتب مقاديرالخلائق قبل وجودهم، وأن أعمالهم وأحوالهم ومآلهم تجري على ما سبق في علم الله تعالى وكتابه،قال تعالى http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ) ، وقال :salla::" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء "، وقال :salla:http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifإن أول ماخلق الله القلم فقال له أكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شئ حتى تقوم الساعة ) . وهذه الكتابة هي أصل التقادير ؛ فلا يدخلها محو ولا إثبات ألبتة ، قال تعالى ( يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ؛ أي أصله الذي لايغير ولايبدل ، وهو اللوح المحفوظ ؛ فإنه أصل جميع كتب التقادير العامة والخاصة ؛ وهي التقدير الحولي العام ليلة القدر والتقدير الخاص ببني آدم يوم الميثاق أولا ثم التقدير الخاص بكل واحد منهم بعينه ؛ وهو الذي يحصل لكل جنين في أول الأربعين الثانية أونهاية الأربعين الثالثة ( فيرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه واجله وعمله وشقي أو سعيد ). وهذه الكتابة تقبل المحو والإثبات بأسباب معينة جاءت بها النصوص ؛ كصلة الرحم ، ففي الحديث ( من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه ) ، وكحسن الجوار وحسن الخلق ففي الحديث (حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار ) ، وكبر الوالدين لحديث ( من سره أن يمد له في عمره ويزاد له في رزقه فليبروالديه وليصل رحمه )، وكأفعال الخير والمعروف ففي الحديث(صنائع المعروف تقي مصارع السوء ) ، وكالدعاء فإنه ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، ففي الحديث ( لايرد القضاء إلا الدعاء ) . فعلى المسلم أن يحرص على هذه الأسباب حتى يبارك له فيما قدر له من الخير ، ويدرأ عنه ماشاء الله مما قدر عليه من الشر .
3- مرتبة المشيئة ؛ فحركات الكون وسكناته بمافي ذلك أفعال العباد خيرها وشرها كلها واقعة بمشيئة الله تعالى وإرادته الكونية ، قال تعالىhttp://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifمن يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم )، وقالhttp://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifوكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله مافعلوه فذرهم وما يفترون )، وقال: (وماتشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما), وقالhttp://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifفمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعدفي السماء).
4- مرتبة الخلق ؛فالعالم كله علويه وسفليه بمافي ذلك العباد وأفعالهم كلهم من خلق الله تعالى وحده ، قال تعالى http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifالله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل)، وقال http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifوالله خلقكم وماتعملون ) ، وفي الحديثhttp://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gif إن الله خلق كل صانع وصنعته).
وقد خالف السلف في هذا المعتقد طائفتان مشهورتان ؛ القدرية الثانية والجبرية ؛ فأنكرت القدرية الثانية (المعتزلة والزيدية والشيعة الإمامية) عموم المشيئة والخلق ؛ وزعموا أن العبد يخلق فعله ؛ ولهذا قالوا باختيار العباد اختيارا مطلقا . وهذا المعتقد يناقض الأدلة المذكورة آنفا في مرتبة المشيئة والخلق ويستلزم الوقوع في شرك الربوبية ؛ لأن كل عبد بزعمهم مستقل بإيجاد فعله بمعزل عن قدرة الرب ومشيئته ؛ ولهذا سماهم السلف بمجوس الأمة لشبه قولهم بمذهب المجوس في القول بالخالقين !
وفي المقابل غلت الجبرية في التعلق بنصوص القدر حتى أنكرت أثر العبد في فعله ، وزعمت أنه مع القدر كالشجرة في مهب الريح . وهذا يناقض الشرع والواقع ؛ فقد دل الشرع على ثبوت مشيئة العبد وقدرته ووقوع أفعاله الاختيارية تبعا لها ، قال تعالى http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifفمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ) ، وقال http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifفأتوا حرثكم أنى شئتم ) ،ولكنها ليست مشيئة مستقلة وإنما هى تابعة لمشيئة الله تعالى (وماتشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )؛ ولهذا كان الصحيح أن الإنسان مع القدر ليس بمخير كما قالت القدرية وليس بمسير كما قالت الجبرية وإنما هو ميسر ؛ فمن كان أهلا للخير يسره الله له بفضله تعالى ورحمته وإلا خذله وحرمه بعدله سبحانه وحكمته .
وهذا هو الذي نطقت به النصوص ، قال تعالى http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifفأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) ، وقال :salla:http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifمامنكم من نفس منفوسة إلاقدعلم الله مكانها من الجنة والنار شقية أم سعيدة . فقال رجل من القوم : يارسول الله أفلا ندع العمل فنتكل على كتابنا فمن كان من أهل السعادة صار إلى السعادة ومن كان من أهل الشقاوة يعني صار إلى الشقاوة ؟ فقال رسول الله :salla:http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifاعملوا فكل ميسر من كان من أهل السعادة يسر لعملها ومن كان من أهل الشقاوة يسر لعملها). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنهhttp://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifقلت :يارسول الله أرأيت عملنا هذا على أمر قد فرغ منه أم على أمر نستقبله ؟ فقال رسول الله :salla::بل على أمر قد فرغ منه . فقال عمر : ففيم العمل؟ فقال رسول الله :salla::كلا لاينال إلابعمل . فقال عمر إذن نجتهد ) وكذلك قال سراقة ابن مالك http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifفالآن نجد، الآن نجد، الآن نجد )؛ فلم يفهموا من الإيمان بالقدر تعطيل الأسباب وإنما فهموا الجد والاجتهاد في مباشرتها ؛ لأنها من قدر الله تعالى وسنته في خلقه .
وينبغي للمسلم أن يعتصم بالنصوص في دينه عامة وفي الإيمان بالقدر خاصة ؛ فإن الضلالات في القدر لاتكاد تنحصر، وبعضها من إرث الجاهلية الأولى ؛ كاتخاذ القدر حجة في تعطيل الشرع وتبرير الاستمرار في المعصية ، قال تعالىhttp://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifسيقول الذين أشركوا لوشاء الله ماأشركنا ولاآباؤنا)،وقالhttp://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifوقالوا لوشاء الرحمن ماعبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون)؛ فذمهم على احتجاجهم بالقدر لتبرير الاستمرار فيما هم فيه من شرك وضلالة ، وهكذا كل من اتخذ القدر حجة لدفع الحق أوتبرير ماهو فيه من باطل . ويذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقطع سارق فقال ياأمير المؤمنين : سرقت بقدر الله . فقال عمر : ونحن نقطعك بقدر الله !!
وأما ماثبت من احتجاج آدم على موسى بالقدر ، وأنه حجه بذلك فإنما احتج به على مصيبة الخروج من الجنة ، والقدر يحتج به في المصائب لافي المعائب . وكذلك فإنه احتج به على الذنب بعد التوبة منه لالرد الحق أو تبرير الاستمرار في الذنب .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
عيسى عبدالله السعدي
ملتقى أهل الحديث </B>
أبو يوسف
14-08-2010, 06:36 PM
جزيت خيرا اختنا الكريمة عابرة سبيل
فالإيمان بالقدر : خيره وشره من ثوابت ديننا الحنيف ؛
قال عليه السلام : واعلم أن ما اصابك لم يكن ليخطئك ؛ وما أخطأك لم يكن ليصيبك ..)
جروح بارده
14-08-2010, 06:37 PM
القضاء والقدر
( قد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة وعدد من يدخل النار )
الشرح :
أي أنه سبحانه وتعالى علم ذلك في الأزل فلم يحدث له علم بذلك إنما علمه سبحانه وتعالى علماً مسبقاً , وهكذا كل شيء يحدث فإن الله سبحانه وتعالى كان عالماً به قبل حدوثه وفي الأزل أيضاً , وكلامه هذا متمش مع مذهب السلف رحمهم الله , وهو أن الله سبحانه قبل أن يقدر الأشياء علمها أولاً , ثم قدّرها ثم كتبها على وفق ما علم وقدر , وقول المصنف هذا فيه رد على غلاة المعتزلة ومن وافقهم على مذهبهم الذين يقولون : إن الله لا يعلم آثار العباد حتى يخلقوها و يوجدوها , فهم ينفون العلم وينفون التقدير وينفون خلق الله لأفعال العباد , وهذا كله على خلاف ما عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم .
وهذه المسألة – القضاء والقدر – من المسائل الكبار التي ضل فيها فئام من الناس انقسموا فيها إلى ثلاثة أقسام , ومن المعلوم أن المراد بالقضاء والقدر والمشيئة معنى متقارب , فتقول قضى الله كذا , وشاء كذا , وقدر كذا , وأراد كذا بمعنى واحد إذا كانت الإرادة المراد بها الإرادة الكونية .
وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة وقسم القضاء والقدر إلى مراتب(1) , فجعل :
المرتبة الأولى : العلم , وهي علم الله القديم والذي هو موصوف به أزلاً وأبداً , علمه بالكائنات , وعلمه بما سيكون وما لا يكون وبما لم يكن لو كان كيف يكون(2) .
المرتبة الثانية : لما علم سبحانه وتعالى أحوال العباد وأحوال العالمين كتبها في اللوح المحفوظ (3) .
المرتبة الثالثة : وهي درجة المشيئة , يعني شاء سبحانه وتعالى أن توجد الأمور التي علم أنها ستكون , شاء أن توجد في الأوقات المحددة لها(4) .
المرتبة الرابعة : وجود المقدرات في أوقاتها(5) .
ثم إن الناس في هذه المسألة افترقوا ثلاث فرق :
الفريق الأول : فرقة آمنت بالقضاء والقدر , وآمنت أن كل شيء يحدث فهو بالقضاء والقدر , وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن , وأن الله يسر العباد لما قدّر عليهم وقضاه لهم ,وجعل لهم مشيئة وفعلاً , فالعبد فاعل بمشيئته لكن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى , هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة .
الفريق الثاني : نفوا القضاء والقدر وقالوا إن الله لم يقدر أفعال العباد , بل لا يعلمها إلا إذا فعلوها وأوجدوها , وهذا مذهب القدرية من معتزلة وغيرها .
والقدرية إذا أطلق يراد به الذين نفوا القدر وأنكروه ونفوا أن يكون الله خالقاً لأفعال العباد , والقدر يشمل المعتزلة والرافضة وطوائف أخرى , وأول ما نشأت هذه البدعة أنشأها رجل يهودي من يهود البصرة يقال له سوسن اليهودي , وهو أول من تكلم بنفي القدر سراً , فأخذه عنه بعض الناس ونشروه كمعبد الجهني وغيلان الدمشقي وأمثالهما , ثم تطور أمر هذه البدعة وهذه الضلالة وتصدر لها واصل بن عطاء , وهو الذي وضع القواعد لهذا المذهب ونظمه وجعله مقالة ومذهباً يصار إليه , إلى جانب ما أحدثه من نفي الصفات ومن القول بالمنزلة بين المنزلتين ومن القول بتخليد أهل المعاصي في النار .
ثم تطورت هذه الضلالات وانتشرت وتشعبت , فالقدرية في أول الأمر كانوا يقولون إن الله لا يقدر المعاصي والكفر والفسوق لكنه قدر الخير وخلقه , فيقولون الشر من العبد والعبد الخالق له والله لم يقدره , ولما أخبر ابن عباس رضي الله عنهما بذلك قال : ( هذا أول شرك في الإسلام والذي نفسي بيده ليؤولن بهم رأيهم إلى أن يخرجوا الله من أن يكون قدر الخير كما أخرجوه من أن يكون قدر الشر )(6) , وفعلاً وقع ذلك قريباً وصدق ما توقعه ابن عباس رضي الله عنه , فما هي إلا سنوات حتى اتفقت القدرية على أن الله سبحانه وتعالى لم يقدر شيئاً من أفعال العباد لا الخير ولا الشر .
هذه أصول الفرق وكل ينزَع لدليل , فالقدرية النفاة لهم شبه يستدلون بها , يقولون : لو قلنا بأن الله قدر المعاصي على العباد وخلقها لكان ظالماً لهم إذا عذبهم كيف يقدر عليهم المعصية ويخلقها ثم يعاقبهم عليها , ولكن الأئمة رضوان الله عليهم ناظروهم وناقشوهم وأبطلوا مذهبهم بالحجج العقلية , فالإمام الشافعي رحمه الله يقول : ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا .
ووجه ذلك أن تسأل القدري إذا قال إن الله لم يخلق أفعال العباد – تسأله :
هل كان عالماً بها أو لا ؟
فإن قال : لا . لم يكن عالماً بها لزمه وصف الله بالجهل , ومن وصف الله بالجهل فقد كفر إجماعاً .
وإن قال : بلى علمه .
قيل له : لما علمه هل كان قادراً على صرفهم عنها أو لا ؟ .
فإن قال : نعم . كان قادراً على صرفهم عنها لكنه لم يصرفهم .
قيل : كيف يكون قادرا على صرفهم عن المعصية ولم يصرفهم , إذاً يكون ظالما , فيلزمهم في ذلك نظير ما فروا منه .
فإن قال : لم يكن قادرا كفر إجماعا , لأن من وصف الله بالعجز فهو كافر .
وقد جرت مناظرة بين عبد الجبار الهمذاني المعتزلي وبين أبي إسحاق الإسفرائيني الأشعري حيث دخل عبد الجبار على الصاحب بن عباد وكان عنده الإسفرائيني :
فقال عبدالجبار على الفور : سبحان من تنـزه عن الفحشاء .
فقال الإسفرائيني فورا : كلمة حق أريد بها باطل , سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء .
فقال عبدالجبار – وفهم انه قد عرف مراده - : أيريد ربنا أن يعصى ؟
فقال أبو إسحاق : أيعصى ربنا قهرا ؟
فقال عبد الجبار : أرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى , أحسن إلي أم أساء ؟
فقال الإسفرائيني : إن كان منعك ماهو لك فقد أساء , وإن كان منعك ماهو له فيختص برحمته من يشاء .
فانقطع القدري عبدالجبار وسكت ولم يجد جواباً (7) .
فحينما قال عبدالجبار سبحان من تنـزه عن الفحشاء عرف الاسفرائيني أنه يريد بذلك تنزيه الله عن أن يكون قدر المعاصي وخلقها , فقال : سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء , ومراد الاسفرائيني أنه إذا كنت تقول : إن الله لا يريد المعاصي ثم وقعت فمعناه أنه وقع في ملكه ما لا يشاء , فلما أدرك عبدالجبار أن الاسفرائيني ظهر عليه قال : أتراه يمنعني .. يعني قد عرفنا أن التوفيق ملك لله لكن ألا يكون ظالما لي أن منعني إياه ؟ فقال له الاسفرائيني : كلا , انظر إن كان التوفيق ملكك ثم منعك إياه فقد ظلمك , وإن كان ملكه فالمالك للشيء يتصرف فيه كيف يشاء .
فصاح الحاضرون كلهم والله ما لهذا من جواب.
وقد سبق أن ذكرت أن علماء الكلام – القدرية وغيرهم – لا يرون في النصوص السمعية حجة على مسائل العقيدة لكن إذا كان النص معهم فإنهم يستدلون به من باب إلزام الخصم بما يراه , فمما يستدلون به قوله تعالى : ﴿ فتبارك الله أحسن الخالقين ﴾ فقالوا هذا يدل على أن هناك خالقين غير الله , وخالقين صفة ذم , ولكن السلف ردوا عليهم هذا التأويل وهذا الفهم وقالوا (8) : إن الخالقين في الآية ليس معناها الموجدين بل المراد بها معنى آخر , لأن خلق في اللغة تطلق ويراد بها أمور , منها :
1 – يقال : خلق بمعنى أوجد كما في قوله سبحانه و تعالى : ﴿ خلق الله السماوات والأرض ﴾ .
2 – ويقال : خلق الخياط الثوب بمعنى قدره وفصله , وخلق الخرّاز النعل بمعنى قاسها وقدرها وصورها على القياس الذي يريد , وفعله هذا يسمى خلقا , كل هذا يقال في اللغة العربية(9) .
فيكون قوله : ﴿ تبارك الله أحسن الخالقين ﴾ يعني أحسن المصورين والمقدرين , وليس المعنى الموجدين أو أحسن المخترعين , لأنه لا موجد ولا مخترع إلا الله , وهذا معروف في لغة العرب أن الخلق يطلق ويراد به غير الإيجاد مثل قول الشاعر :
ولأنت تفري مـا خلقت وبعـض القوم يخلق ثم لا يفرى(10)
يقول إن الممدوح لا ينازعه أحد , فهو إذا قدر أمراً أوجده ولا يخشى من أحد , أما غيره فإنه يقدّر ويصوّر ولكن ليست لديه القدرة في التنفيذ , وقوله : بعض القوم يخلق أي يقدر و يقيس .
هذا ما يتعلق بمذهب القدرية , والبحث في مذهبهم والرد عليهم يطول لكن هذه نبذة تعطيك فكرة عنهم .
الفريق الثالث : الجهمية الذين أثبتوا القدر كما أثبته أهل السنة والجماعة يعني آمنوا بأن الله سبحانه وتعالى قضى وقدر كل شيء على عباده وأنه لا شيء يوجد إلا بمشيئة الله وإرادته لكنهم غلوا في هذا التقرير وفي هذا الإثبات حتى جعلوا العبد مجبوراً على أفعاله , وقالوا إن العبد لا فعل له , وأفعال العباد هي أفعال الله حقيقة , فأخرجوا العبد من أن يكون له مشيئة وإرادة يفعل بها ويتصرف على ضوئها .
جروح بارده
14-08-2010, 06:39 PM
والقرآن كله مملوء مما يخالف هذا الكلام , كقوله سبحانه تعالى : ﴿ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ﴾ قوله : ﴿ ألهمها ﴾ فيه التوفيق والإعانة , ﴿ فجورها ﴾ فيه الدلالة على أن الفجور من العبد , لأنه أضافه إليه فقال ﴿ فجورها وتقواها ﴾ , فلو لم يكن للعبد فعل إذا فجر وفعل إذا اتقى لما صح إضافة الفجور والتقوى إليه , والأدلة كثيرة جدا .
ومما يستدلون به أن الرسول -:salla:- في إحدى المواقف أخذ كفا من الحصى ورمى بها المشركين , فانزل الله تعالى قوله : ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ , يقولون : إن الله سبحانه وتعالى نفى عن نبيه الفعل مع أنه صادر عنه فقال : ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ قالوا : فهذا دليل على أن العبد ليس له فعل , وأن الأفعال التي تصدر عنه هي أفعال الله .
ورد أهل السنة والجماعة عليهم هذا الاستدلال فقالوا : إن الرمي في اللغة يطلق ويراد به أحد أمرين :
1 – تارة يطلق ويراد به الحذف .
2 – وتارة يطلق ويراد به إصابة الغرض .
إذا حذفت السهم من القوس أو أطلقت الرصاصة من البندقية تقول رميت , سواء أصبت أم لم تصبه , وتقول رميت الغرض إذا أصبته , فالذي نفي عن النبي -:salla:- هو الإصابة ( فما رميت ) أي ما أصبت , ( إذ رميت ) إذ حذفت , ( ولكن الله رمى ) ولكن الله أصاب , فالفعل الذي نفي عن النبي:salla: هو الإصابة , والإصابة لا تكون إلا بإذن الله وبإرادة الله , والرامي يرمي ويحتاط ويسدد الرمية للغرض ولكن قد يصيب وقد لا يصيب , فإذا أراد الله الإصابة حبس السهم في الرمية , وإن لم يرد ذلك طاش السهم أو زل يميناً أو شمالاً .
( جملة واحدة , فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه )
الشرح :
يعني علم عددهم جملة واحدة , بمعنى أنه سبحانه وتعالى لم يكن علْمه متدرجاً حتى حدث له علم ببعض أهل الجنة وبعض أهل النار , بل كان الكل معلوماً لديه لأن علمه شامل سبحانه وتعالى , كما قال عز وجل : ﴿ لا يعزب عنه مثقال ذرة ﴾ فهو علم ذلك قبل أن يكون .
( وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه , وكل ميسر لما خلق له )
الشرح :
هو قضى وقدر وكل ميسر لما خلق له , وهذا العبارة التي قالها رحمه الله تتفق مع الحديث الذي ثبت عنه -http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/sala.gif- أنه لما ذكر القضاء والقدر قال له سراقة بن مالك : يا رسول الله : بين لنا ديننا ، كأنا خلقنا الآن ، فيم العمل اليوم ؟ أفيما جفت به الأقـلام وجرت به المقادير ، أم فيما يستقبل ؟ قـال : « لا ، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير » , قـال : ففيم العمل ؟ فقال : « اعملوا فكل ميسر لما خلـق له » (11) .
وجاء في مسلم أيضا عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله -:salla:- فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال : « ما منكم من أحد , ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار , وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة » قال : فقال رجل : يا رسول الله : أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فقال : « من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة » , ثم قال : « اعملوا فكل ميسر لما خلق له , أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة » , ثم قرأ ﴿ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ﴾ .
فعلى الإنسان في هذا الباب أن يؤمن بالقضاء والقدر وعليه أن يعمل بما أمر به ولا يوجِد بينهما تناقضا حتى لا يكون من الطائفة الإبليسية التي تدعم إبليس في إلقاء الشبه والمعارضات حين قالت : كيف يقدر علينا الأفعال ثم يعاقبنا عليها ؟ أيقدر علينا الكفر ويأمرنا باجتناب الكفر ؟ هذا تناقض , وهؤلاء يسمون الإبليسية لأن شبهتهم تماثل شبهة إبليس لعنه الله حيث قال : ﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ فكيف يسجد من خلقه من النار القوية لمن خلقه من الطين الضعيفة , هؤلاء قالوا نعم : نصدق بأن الله قدر وقضى , ونصدق بأن الله أمرنا أن نطيعه ونهانا أن نعصيه , ولكن هذا تناقض من الخالق , كيف يقدر شيئا ويأمر بخلافه ؟
فالرسول -:salla:- لما ذكر لهم القضاء والقدر وأنه سبقت مشيئة الله وأنه ما من حركة وسكون يقع من البشر إلا الله خالقه ومقدره , كأنهم استشكلوا هذا فقالوا يا رسول الله هل الثواب والعقاب متعلق بالمشيئة والقدَر أم أنه متعلق بما نستأنفه من الأفعال ؟ فقال عليه الصلاة والسلام بل بما قضي وقدر , وعليكم أن تعملوا وكل ميسر لما خلق له , وقال : فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة , وأهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة , يعني أنه لا يحتج الإنسان بالقضاء والقدر على ترك الأوامر , أو ينظر إلى جانب الأوامر ويهمل القضاء والقدر , عليه أن يصدق بما أخبر به ويعمل بما أمر به .
( والأعمال بالخواتيم والسعيد من سَعُد بقضاء الله والشقي من شقي بقضاء الله )
الشرح :
يعني أن الله سبحانه وتعالى جعل مناط السعادة والشقاوة ما يختم للإنسان به , فإن ختم له بخير فإنه يكون من أهل السعادة , وإن ختم له بخلاف ذلك – والعياذ بالله – فإنه يكون من أهل الشقاوة , ولا عبرة لما يكون عليه الإنسان قبل أن يختم له , فلا يقطع له بالجنة إذا رئي متعبدا ومطيعا لله ومتبعا لأوامره , ولا يقطع له بالنار إذا رئي مسرفا على نفسه و مرتكبا للمعاصي والسيئات , كما قال -http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/sala.gif-: « إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً , ثم يكون علقة مثل ذلك , ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح » ثم قال -:salla:- : « والذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها » (12) , فالعبرة بالخواتيم , الخاتمة هي مناط الشقاوة أو السعادة , فقد يكون الإنسان مسرفا في حياته , أو قد يكون كافرا وفي آخر حياته منّ الله عليه بالتوفيق و الهداية فهداه للإيمان و دخل في الإسلام واستقام وصار من عباد الله المؤمنين فيختم له بخير وقد يكون بخلاف ذلك , نسأل الله العافية .
و السعيد من قدر الله له السعادة والشقي من قدر الله عليه الشقاوة .
(و أصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل )
الشرح :
قال ابن عباس رضي الله عنهما : (القدر سر الله في خلقه فلا تكشفوه)(13) فلا ينبغي التعمق بالقدر والتنطع والبحث عن الأمور التي تخفى على الإنسان كالعلل والأحكام والأسرار , ولا ينبغي(14) أن يحاول الغوص فيها واكتشافها واجتنائها وهي مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
والقضاء والقدر مترادفان , فتطلق قضى على قدَّر فتكون هي والقدر سواء , إلا أن القضاء قد يطلق على أمور غير القدر كالحكم والأمر , كقوله : ﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ﴾ , لكن إذا أطلق القضاء فقيل قضى الله كذا فيكون القضاء والقدر بمعنى واحد . </B>
جروح بارده
14-08-2010, 06:41 PM
رسالة في القضاء و القدر ..
للعلامة محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلٌغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد
فيا أيها الإخوة الكرام :
إننا في هذا اللقاء الذي نرجو أن يفتح الله علينا فيه من خزائن فضله ورحمته وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ومن القادة المصلحين ومن المستمعين ، المنتفعين ، نبحث في أمر مهم يهم جميع المسلمين ألا وهو (( قضاء الله وقدره )) والأمر ولله الحمد واضح، ولولا أن التساؤلات قد كثرت ولولا أن الأمر اشتبه على كثير من الناس، ولولا كثرة من خاض في الموضوع بالحق تارة وبالباطل تارات ونظراً إلى أن الأهواء انتشرت وكثرت وصار الفاسق يريد أن يبرر لفسقه بالقضاء والقدر ، لولا هذا وغيره ما كنا نتكلم في هذا الأمر .
والقضاء والقدر ما زال النزاع فيه بين الأمة قديما وحديثا فقد روى أن النبي :salla: خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فنهاهم عن ذلك وأخبر أنه ما أهلك الذين من قبلكم ألا هذا الجدال(1).
ولكن فتح الله على عباده المؤمنين السلف الصالح الذين سلكوا طريق العدل فيما علموا وفيما قالوا وذلك أن قضاء الله تعالى وقدره من ربوبيته سبحانه وتعالى لخلقه فهو داخل في أحد أقسام التوحيد الثلاثة التي قسم أهل العلم إليها توحيد الله عز وجل :
القسم الأول : توحيد الألوهية ، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة .
القسم الثاني : توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير .
القسم الثالث : توحيد الأسماء والصفات ، وهو توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته .
فالإيمان بالقدر هو من ربوبية الله عز وجل ولهذا قال الأمام احمد رحمه الله تعالى : القدر قدرة الله.ا.هـ لأنه من قدرته ومن عمومها بلا شك وهو أيضاً سرٌ الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى . مكتوب في اللوح المحفوظ في الكتاب المكنون الذي لا يطٌلع عليه أحد ونحن لا نعلم بما قدّره الله لنا أو علينا أو بما قدَّره الله تعالى في مخلوقاته إلا بعد وقوعه أو الخبر الصادق عنه .
والأمة الإسلامية انقسمت في القدر إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : غلوا في إثبات القدر وسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا : أن العبد ليس له قدرة ولا اختيار وإنما هو مسير لا مخير كالشجرة في مهب الريح ، ولم يفرقوا بين فعل العبد الواقع باختياره وبين فعله الواقع بغير اختياره . ولا شك أن هؤلاء ضالون لأنه مما يعلم بالضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري
القسم الثاني : غلوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون الله تعالى مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد مستقل بعمله حتى غلا طائفة منهم فقالوا أن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد إلا بعد أن يقع منهم وهؤلاء أيضا غلوا وتطرفوا تطرفا عظيماً في إثبات قدرة العبد واختياره .
القسم الثالث : وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق وهم أهل السنة والجماعة سلكوا في ذلك مسلكاً وسطاً قائماً على الدليل الشرعي وعلى الدليل العقلي وقالوا إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى- من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه كإنزال المطر وإنبات الزرع والإحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار وليس لأحد فيها مشيئة وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار .
القسم الثاني: ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها وإرادتهم لان الله تعالى جعل ذلك إليهم قال الله تعالى http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gifلمن شاء منكم أن يستقيم ) (التكوير :28) وقال تعالى(منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) (آل عمران 152) وقال تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف : 29 ) والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار . فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف انه مختار ولكنه يسقط هاوياً من السطح يعرف انه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وأن الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان يعرف ذلك .
وكذلك الإنسان يعرف انه إذا أصيب بمرض سلس البول فإن البول يخرج منه بغير اختياره وإذا كان سليماً من هذا المرض فإن البول يخرج منه باختياره . ويعرف الفرق بين هذا وهذا ولا أحد ينكر الفرق بينهما . وهكذا جميع ما يقع من العبد يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع اضطراراً وإجباراً بل إن من رحمة الله عز وجل أن من الأفعال ما هو باختيار العبد ولكن لا يلحقه منه شيء كما في فعل الناسي والنائم ويقول الله تعالى في قصة أصحاب الكهف http://www.abc4web.net/vb/images/smilies/frown.gif ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) (الكهف : 18 ) وهم الذين يتقلبون ولكن الله تعالى نسب الفعل إليه لان النائم لا اختيار له ولا يؤاخذ بفعله ، فنسب فعله إلى الله عز وجل ويقول :salla: ( من نسى وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )[2]
فنسب هذا الإطعام وهذا الإسقاء إلى الله عز وجل لأن الفعل وقع منه بغير ذكر فكأنه صار بغير اختياره وكلنا يعرف الفرق بين ما يجده الإنسان من آلم بغير اختياره وما يجده من خفة في نفسه أحياناً بغير اختياره ولا يدرى ما سببه وبين أن يكون الألم هذا ناشئاً من فعل هو الذي اكتسبه أو هذا الفرح ناشئاً من شي هو الذي اكتسبه وهذا الأمر ولله الحمد واضح لا غبار عليه .
ولو قلنا بقول الفريق الأول الذين غلوا في إثبات القدر لبطلت الشريعة من أصلها لأن القول بأن فعل العبد ليس له فيه اختيار يلزم من أن لا يحمد على فعل محمود ولا يلام على فعل مذموم لأنه في الحقيقة بغير اختيار وإرادة منه وعلى هذا فالنتيجة إذن أن الله تبارك وتعالى يكون ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ ظالماً لمن عصى إذا عذبه وعاقبه على معصيته ، لأنه عاقبة على أمر لا اختيار له فيه ولا إرادة وهذا بلا شك مخالف للقران صراحة يقول الله تبارك وتعالى : ( وقال قرينه هذا ما لدى عتيد (23) القيا في جهنم كل كفار عنيد(24) مناعٍ للخير معتدٍ مريبٍ (25) الذي جعل مع الله آلهاً آخر فالقياه في العذاب الشديد (26) قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد(27) قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد(28) ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) [ ق :23- 29 ] .
فبين سبحانه أن هذا العقاب منه ليس ظلماً بل هو كمال العدل لأنه قد قدم إليهم بالوعيد وبين لهم الطرق وبين لهم الحق وبين لهم الباطل ولكنهم اختاروا لأنفسهم أن يسلكوا طريق الباطل فلم يبق لهم حجة عند الله عز و وجل ولو قلنا بهذا القول الباطل لبطل قول الله تعالى : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء : 165 ] فإن الله تبارك وتعالى نفى أن يكون للناس حجة بعد إرسال الرسل لأنهم قامت عليهم الحجة بذلك فلو كان القدر حجة لهم لكانت هذه الحجة باقية حتى بعد بعث الرسل لان قدر الله تعالى لم يزل ولا يزال موجوداً قبل إرسال الرسل وبعد إرسال الرسل.
إذن فهذا القول تبطله النصوص ويبطله الواقع كما فصلنا بالأمثلة السابقة .
أما أصحاب القول الثاني فإنهم أيضا ترد عليهم النصوص والواقع ذلك لان النصوص صريحة في أن مشيئة الإنسان تابعة لمشيئة الله عز وجل ( لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) [ التكوير : 28 ، 29 ] ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) [ القصص:68 ] ( والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) [ يونس : 25 ] .
والذين يقولون بهذا القول هم في الحقيقة مبطلون لجانب من جوانب الربوبية وهم أيضا مدعون بأن في ملك الله تعالى ما لا يشاء ولا يخلقه والله تبارك وتعالى شاء لكل شي خالق لكل شي مقدر لكل شي وهم أيضا مخالفون لما يعلم بالاضطرار من أن الخلق كله ملك لله عز وجل ذواته وصفاته لا فرق بين الصفة والذات ولا بين المعنى وبين الجسد .
إذن فالكل لله عز وجل ولا يمكن أن يكون في ملكه ما لا يريد تبارك وتعالى ولكن يبقى علينا إذا كان الأمر راجعاً إلى مشيئة الله تبارك وتعالى وأن الأمر كله بيده فما طريق الإنسان إذن وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قدر عليه أن يضل ولا يهتدي ؟
فنقول الجواب عن ذلك . أن الله تبارك وتعالى إنما يهدى من كان أهلاً للهداية ، ويضل من كان أهلاً للضلالة ، يقول الله تبارك وتعالى .( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) [ الصف :5] ويقول تعالى ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ) [المائدة :13] </B>
جروح بارده
14-08-2010, 06:42 PM
فبين الله تبارك أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه ، والعبد كما أسلفنا آنفاً لا يدرى ما قدر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور .
فهو لا يدرى هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟ فما باله يسلك طريق الضلال ثم يحتج بان الله تعالى قد أراد له ذلك أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول أن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم ؟ أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة وقدريا عند الطاعة كلا لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية فإذا ضل أو عصى الله قال هذا أمر قد كتب علي وقدر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله وقدر وإذا كان في جانب الطاعة ووفقه الله للطاعة والهداية زعم أن ذلك منه ثم منّ به على الله وقال أنا أتيت به من عند نفسي فيكون قدرياً في جانب الطاعة جبرياً في جانب المعصية هذا لا يمكن أبداً فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق وبأخفى من أبواب طلب العلم . والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قدر له ما قدر من الرزق ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً لا يجلس في بيته ويقول إن قدر لي رزق فانه يأتيني ، بل هو يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل كما ثبت ذلك عن النبي :salla:.من حديث ابن مسعود رضى الله عنه ( أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد )[3]. فهذا الرزق أيضا مكتوب كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لزرق الدنيا ولا تعمل عملاً صالحاً لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم إن البابين واحد ليس بينهما فرق فكما انك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ومع ذلك فإن لك ما قدر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قدر الله لي أن يمتد الأجل امتد . بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس إن يقدر الله الشفاء على يديه فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفي العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟ وقد سبق أن قلنا أن القضاء سر مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه فأنت الآن بين طريقين:
1- طريق يؤدى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة.
2- طريق يؤدى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة.
وأنت الآن واقف بينهما ومخير ليس أمامك من يمنعك من سلوك طريق اليمين ولا من سلوك طريق الشمال إذا شئت ذهبت إلى هذا وإذا شئت ذهبت إلى هذا فما بالك تسلك الطريق الشمال ثم تقول أنه قد قدر علي آفلا يليق بك أن تسلك طريق اليمين وتقول إنه قد قٌدٌر لي فلو أنك أردت السفر إلى بلد ما وكان أمامك طريقان إحداهما معبد قصير آمن والآخر غير معبد وطويل ومخوف لوجدنا أنك تختار المعبد القصير الآمن ولا تذهب إلى الطريق الذي ليس بمعبد وليس بقصير وليس بآمن هذا في الطريق الحسي .
إذن فالطريق المعنوي مواز له ولا يختلف عنه أبداً ولكن النفوس والأهواء هي التي تتحكم أحياناً في العقل وتغلب على العقل والمؤمن ينبغي أن يكون عقله غالبا على هواه وإذا حكم عقله فالعقل بالمعنى الصحيح يعقل صاحبه عما يضره ويدخله فيما ينفعه ويسره .
بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً ليس إجبارياً وأنه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً وهو إن شاء جعل هذه السلعة أو تلك تجارته ، فكذلك أيضاً هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً ، بل إن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا لأن بيّن طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله :salla:. فلابد أن تكون طرق الآخرة أكثر بياناً أجلى وضوحاً من طرق الدنيا . ومع ذلك فإن الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامناً لنتائجها ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة لأنها ثابتة بوعد الله و الله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد .
بعد هذا نقول : إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره وانه يقول كما يريد ولكن أرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بأن مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته وأنه سبحانه و تعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ولكنها مشيئة تابعة لحكمته لأن من أسماء الله تعالى الحكيم ، والحكيم هو: الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً ويحكمها عملاً وصنعاً والله تعالى بحكمته يقدر الهداية لمن أرادها لمن يعلم سبحانه وتعالى انه يريد الحق وأن قلبه على الاستقامة ويقدر الضلالة لمن لم يكن كذلك لمن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنما يصعد في السماء .
فان حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين إلا أن يجدد الله له عزماً ويقلب إرادته إلى إرادة أخرى والله تعالى على كل شي قدير ولكن حكمة الله تأبى إلا أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبباتها . </B>
جروح بارده
14-08-2010, 06:43 PM
ومراتب القضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة أربع مراتب :
المرتبة الأولى : العلم وهي أن يؤمن الإنسان إيمانا جازماً بأن الله تعالى بكل شي عليم وأنه يعلم ما في السماوات والأرض جملة وتفصيلاً سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته وأنه لا يخفى على الله شي في الأرض ولا في السماء .
المرتبة الثانية : الكتابة وهي أن الله تبارك وتعالى كتب عنده في اللوح المحفوظ مقادير كل شي .وقد جمع الله تعالى بين هاتين المرتبتين في قوله .( آلم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض أن ذلك في كتاب أن ذلك على الله يسير)[الحج :70] فبدأ سبحانه بالعلم وقال إن ذلك في كتاب أي انه مكتوب في اللوح المحفوظ كما جاء به الحديث عن رسوله الله:salla:.(إن أول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال رب ماذا اكتب ؟ قال اكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ))[4] .
ولهذا سئل النبي :salla:عما نعمله أشي مستقبل أم شي قد قضي وفرغ منه ؟ قال (( انه قد قضى وفرغ منه ))[5] وقال أيضا حين سئل : أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب الأول قال ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له )[6].
فأمرهم النبي :salla:بالعمل فأنت يا أخي اعمل وأنت ميسر لما خلقت له .
ثم تلا :salla:قوله تعالى : (( فآما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى)) [ الليل: 5 ـ 10]
المرتبة الثالثة : المشيئة وهى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وجد موجود إلا بمشيئة الله تعالى وما عدم معدوم إلا بمشيئة الله تعالى وهذا ظاهر في القران الكريم وقد أثبت الله تعالى مشيئته في فعله ومشيئته في فعل العباد فقال الله تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) [ التكوير : 28، 29 ] ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) [ الأنعام : 112 ] ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) [ البقرة : 253 ] .
فبين الله تعالى أن فعل الناس كائن بمشيئته وأما فعله تعالى فكثير قال تعالى ( ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها )[ الأنعام :13] وقوله(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) [ هود 118] إلى آيات كثيرة تثبت المشيئة في فعله تبارك وتعالى فلا يتم الإيمان بالقدر إلا أن نؤمن بأن مشيئة الله عامة لكل موجود أو معدوم فما من معدوم إلا وقد شاء الله تعالى عدمه وما من موجود إلا وقد شاء الله تعالى وجوده ولا يمكن أن يقع شيء في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئة الله تعالى .
المرتبة الرابعة : الخلق أي أن نؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء فما من موجود في السماوات والأرض إلا الله خالقه حتى الموت يخلقه الله تبارك وتعالى وان كان هو عدم الحياة يقول الله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) [الملك : 2] فكل شيء في السماوات أو في الأرض فإن الله تعالى خالقه لا خالق إلا الله تبارك وتعالى وكلنا يعلم أن ما يقع من فعله سبحانه وتعالى بأنه مخلوق له فالسماوات والأرض والجبال والأنهار والشمس والقمر والنجوم والرياح والإنسان والبهائم كلها مخلوقات الله وكذلك ما يحدث لهذه المخلوقات من صفات وتقلبات أحوال كلها أيضا مخلوقة لله عز وجل .ولكن قد يشكل على الإنسان كيف يصح أن نقول في فعلنا وقولنا الاختياري انه مخلوق لله عز وجل . فنقول نعم يصح أن نقول ذلك لأن فعلنا وقولنا ناتج عن أمرين :
أحدهما : القدرة
والثاني: الإرادة
فإذا كان فعل العبد ناتجاً عن إرادته وقدرته فان الذي خلق هذه الإرادة وجعل قلب الإنسان قابلاً للإرادة هو الله عز وجل وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله عز وجل ويخلق السبب التام الذي يتولد عنه المسبب نقول إن خالق السبب التام خالق للمسبب أي أن خالق المؤثر خالق للأثر فوجه كونه تعالى خالقا لفعل العبد أن نقول فعل العبد وقوله ناتج عن أمرين هما :
1ـ الإرادة
2ـ القدرة
فلولا الإرادة لم يفعل ولولا القدرة لم يفعل لأنه إذا أراد وهو عاجز لم يفعل لعجزه عن الفعل وإذا كان قادرا ولم يرد لم يكن الفعل فإذا كان الفعل ناتجا عن إرادة جازمة وقدرة كاملة فالذي خلق الإرادة الجازمة والقدرة الكاملة هو الله وبهذه الطريق عرفنا كيف يمكن أن نقول إن الله تعالى خالق لفعل العبد وإلا فالعبد هو الفاعل في الحقيقة فهو المتطهر وهو المصلي وهو المزكي وهو الصائم وهو الحاج وهو المعتمر وهو العاصي وهو المطيع لكن هذه الأفعال كلها كانت ووجدت بإرادة وقدرة مخلوقتين لله عز وجل والأمر ولله الحمد واضح . </B>
جروح بارده
14-08-2010, 06:43 PM
وهذه المراتب الأربع المتقدمة يجب أن تثبت لله عز وجل وهذا لا ينافى أن يضاف الفعل إلى فاعله من ذوى الإرادة .
كما أننا نقول النار تحرق والذي خلق الإحراق فيها هو الله تعالى بلا شك فليست محرقة بطبيعتها بل هي محرقة بكون الله تعالى جعلها محرقة ولهذا لم تكن النار التي ألقى فيها إبراهيم محرقة لأن الله قال لها: ( كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) [ الأنبياء : 69 ] فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم فالنار بذاتها لا تحرق ولكن الله تعالى خلق فيها قوة الإحراق، وقوة الإحراق هي في مقابل فعل العبد كإرادة العبد وقدرته فبالإرادة والقدرة يكون الفعل وبالمادة المحرقة في النار يكون الإحراق فلا فرق بين هذا وهذا ولكن العبد لما كان له إرادة وشعور واختيار وعمل صار الفعل ينسب إليه حقيقة وحكماً وصار مؤاخذا بالمخالفة معاقباً عليها لأنه يفعل باختيار ويدع باختيار .
وأخيرا نقول : على المؤمن أن يرضى بالله تعالى رباٌ ومن تمام رضاه بالربوبية أن يؤمن بقضاء الله وقدره ويعلم أنه لا فرق في هذا بين الأعمال التي يعملها وبين الأرزاق التي يسعى لها وبين الآجال التي يدافعها ، الكل بابه سواء والكل مكتوب والكل مقدر وكل إنسان ميسر لما خلق الله .
أسال الله عز وجل أن يجعلنا ممن ييسرون لعمل أهل السعادة وان يكتب لنا الصلاح في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين
(1) رواه الترمذي ،كتاب القدر باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر رقم (2133) وابن ماجة في المقدمة ، باب في القدر رقم (85).
[2] رواه مسلم، كتب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر رقم (1155).
[3] رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة رقم (3208) ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه رقم ( 2643)
[4] رواه أبو داود، كتاب السنة، باب القدر رقم(4700) والترمذي ،كتاب القدر رقم(2155).
[5]رواه أحمد(1/29) والترمذي ،كتاب تفسير القران باب من سورة هود رقم (3111) .
[6] رواه البخاري ،كتاب الجنائز باب موعظة المحدث عند القبر رقم(1362) ومسلم كتاب القدر ، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه رقم (2647) </b>
الأستاذ حلمي ضهير
10-11-2010, 11:11 AM
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اليكم هذه القصه علها تكون عبرة لكم
كان أحد الصالحين مبتلىفي أولاده ، فكلما جاءه ولد وترعرع قليلاً فرح به خطفه الموت ، وتركه حزيناً كسير القلب ، ولكن الرجل لشدة إيمانه لا يملك إلا أن يحتسب ويصبر ويقول :"لله ما أعطى ولله ما أخذ اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها"
حتى كان الولد الثالث ، وبعد سنوات مرض الولد واشتد به المرض ، وأشرف على الموت والأب إلى جواره تدمع عينه!. فأخذته سنة من النوم فرأى في منامه أن القيامة قامت.. وأن أهوال القيامة قد برزت فرأى الصراط وقد ضرب على متن جهنم واستعد الناس للعبور ورأى الرجل نفسه فوق الصراط وأراد أن يمضي فخشى الوقوع ، فجاءه ولده الأول الذي مات يجري قال: أنا أسندك يا أبتاه وبدأ الأب يسير ولكنه خشى أن يقع من الناحية الأخرى ، فرأى ولده الثاني يأتيه ويمسك بيده من الناحية الثانية وفرح الرجل أيما فرح وبعد أن مضى قليلاً شعر بعطش شديد فطلب من أحد ولديه ان يسقيه قال: لا "إن أحدنا إن تركت وقعت في النار فماذا تفعل؟"
قال أحدهما: يا أبي لو كان أخونا الثالث معنا لسقاك الآن..!
وتنبه الرجل من نومه مذعوراً يحمد الله على أنه لا يزال في دنياه ، ولم تحن القيامة بعد ، وحانت منه التفاته نحو ولده المريض بجانبه فإذا به قد قبض! فصاح الحمد لله لقد ادخرتك ذخراً وأجراً وأنت فرطي على الصراط يوم القيامة ، وكان موته برداً وسلاماً على قلبه..!!
اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبى على دينك
جزاك الله خيرا بنيتي وأسأل الله لكِ ولي ولكل المسلمين الثبات على الحق في الدنيا وعند الممات وفي القبر وعلى الصراط وفي الآخرة عموما .
وأسأل الله أن يبارك لي فيكي
فلسطيني
10-11-2010, 10:31 PM
بارك الله فيكِ اخت جروح
و الشكر موضول للأخ الاستاذ حلمي
تحياتي :abc_152:
مرام الاميرة
10-11-2010, 11:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرااا جرووح على الموضوع المميز
جعله الله بميزان حسناتك
http://www.s3udy.net/pic/decoration001_files/8.gif
http://www.s3udy.net/pic/thankyou003_files/22.gif
http://www.s3udy.net/pic/decoration001_files/8.gif
جروح بارده
28-11-2010, 07:04 PM
بارك الله فيكم
سررت بتواجدكم المميز
تحيتي العطرة
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2024, abohmam