محمود عفيفى
01-10-2010, 05:37 PM
هكذا جُمع القرآن يا بيشوي
أبو الهيثم محمد درويش
الحمد لله الذي شرف هذه الأمة بخاتم رسله وآخر كتبه، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
حاول أحد الأقزام أن يطعن في كتاب أمة الإسلام من باب رمتني بدائها وانسلت، وكأن الرجل المتيقن من زجاجية بيته يرمي أصحاب القصور العالية علو السماء بالحجارة، فيا عجبا، ولكن والله لقد سلى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بكلمات من نور حتى لا يحزن قلبه من مثل هذه الافتراءات ومحاولة الإلحاد في آيات الله فقال تعالى عن بيشوي وأمثاله وهو أحكم القائلين :
ِ{إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ . مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ . وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ . وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [فصلت:40-45].
وللجاهل بيشوي الذي يدعي بأن آيات من كتاب الله قد تم دسها في عهد عثمان رضي الله عنه والذي يحاول أن يرضي غرور أعوانه ممن هم أجهل منه، هذه مراحل تدوين وجمع القرآن في عهد رسول الله وفي عهد أبي بكر وفي عهد عثمان الذي تريد أن تتمسح فيه والذي ثبت يقينا أنه ما جمع وإنما فقط نسخ المصحف الثابت المتواتر والذي شهد له جميع الصحابة بتواتره وما جاء بجديد وإنما أشهد الصحابة جميعهم على صحة النسخ وعدم وجود أي خطأ.
فلا أدري والله أكتاب الله القرآن هو ما يقال عنه هذا أم أسفارك المحرفة يا صاحب نشيد الإنشاد ويا من شهد علماء ديانتك بثبوت تحريف كتابك وأنه ليس كلام الله (إليك هذه الهدية يا بيشوي: محاضرة مترجمة لعالم اللاهوت الأمريكي بارت إيرمان عميد كلية لاهوت يثبت علمياً تحريف الكتاب المقدس وأنه ليس كلام الله)
http://www.ebnmaryam.com/vb/t22836.html
وعلى من يريد التأكد خاصة من أتباع الكنيسة ماعليه فقط إلا أن يكتب بارت إيرمان على محركات البحث أو في اليوتيوب.
أما عن كتابنا نحن (القرآن الكريم) قرة العين ونور الفؤاد كلام الله فإليك يا بيشوي بكل أدب أنت ومن تبعك مراحل تدوين وجمع القرآن لتعلم يقيناً أن عثمان وعهد عثمان ليس له أي يد أو دخل في التدوين وإنما هو نسخ للمصحف قامت عليه لجنة علمية وشهد عليها وراجعها الصحابة أجمعين فكان ما حدث هو أن الله قيد جنده لحفظ كتابه مصداقاً لقوله : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
أولاً : تدوين القرآن في العهد النبوي:
شرَّف الله أمة الإسلام بخصيصة لم تكن لأحد غيرهم، وهي حفظهم لكتاب ربهم عن ظهر قلب. وكان من أسباب حفظ الله لكتابه أن وفَّق هذه الأمة إلى حفظ قرآنها واستظهاره.
وقد تظاهرت الأدلة من السنة على فضل حفظ القرآن واستظهاره. وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحث أصحابه على حفظ ما ينزل عليه من القرآن، فكان الصحابة يحفظونه بسماعه منه صلى الله عليه وسلم، فهذه أم هشام رضي الله عنها تروي كيف أنها حفظت سورة {ق} من رسول لله صلى الله عليه وسلم، فتقول: "كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين، وما أخذتُ {ق والقرآن المجيد} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم" [رواه مسلم].
وكان من حرصه - صلى الله عليه وسلم - على تعليم صحابته للقرآن وحفظهم له أنه كان يتعاهد كل من يلتحق بدار الإسلام فيدفعه إلى من يعلمه القرآن، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغَل، فإذا قَدِمَ رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن" [رواه أحمد].
وقد حفظ القرآن الكريم جَمَعٌ من الصحابة يصعب حصرهم، عُرف منهم الخلفاء الراشدون، وطلحة، وسعد، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وغيرهم كثير. وفي حديث قتادة قال: قلت لأنس من جَمَع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أربعة كلهم من الأنصار: أُبي بن كعب، ومعاذ، وزيد بن ثابت، ورجل من الأنصار، يُكنى أبا زيد" [متفق عليه].
ومن الصحابيات اللاتي جمعن القرآن أم ورقة رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤمَّ أهل دارها. والحديث في [مسند أحمد].
وكان من مزيد عناية النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالقرآن أن اعتنوا بكتابته وتدوينه، كي يكون ذلك حصناً ثانياً لحمايته من الضياع والتغيير. فبعد أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بحفظ القرآن في صدورهم طلب منهم حفظه في السطور، ونهى في بداية الأمر عن كتابة شيء غير القرآن حتى لا يلتبس بغيره من الكلام.
ففي [صحيح مسلم] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» قال النووي في توجيه ذلك: وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة. وقال ابن حجر: إن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره.
وقد بلغ من عناية النبي - صلى الله عليه وسلم - بتدوين القرآن أنه كان إذا نزل عليه شيء من القرآن دعا أحد كُتَّابه، وأمره بكتابة ما نزل عليه، ففي الحديث عن زيد - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] فجاءه ابن أم مكتوم وهو يُمِلُّها عليه[متفق عليه].
وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم وما توفر في بيئتهم من أدوات لذلك، فكانوا يستعملون الجلود والعظام والألواح والحجارة ونحوها، كأدوات للكتابة، فعن البراء رضي الله عنه قال: "لما نزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعُ لي زيداً، وليجئ باللوح والدواة والكتف، ثم قال اكتب» [رواه البخاري]. وفي حديث زيد عندما أمره أبو بكر - رضي الله عنه بجمع القرآن - قال: "فتتبعتُ القرآن أجمعه من العسب واللحاف والأضلاع والأقتاب" [رواه البخاري]. والعسب: جريد النخيل، واللحاف: صفائح الحجارة، والأقتاب: الخشب الذي يوضع على ظهر البعير.
هذه الآثار وغيرها تدلنا على عظيم بلاء الصحابة - رضي الله عنهم - في كتابة القرآن، وما تحملوه من المشاق لتدوينه والحفاظ عليه. وبقي القرآن مكتوباً على هذه الأشياء محفوظاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ولم يجمع في صحف أو مصاحف في عهده صلى الله عليه وسلم. قال القسطلاني: وقد كان القرآن كله مكتوباً في عهده - صلى الله عليه وسلم - غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور، وقُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحال كتابة القرآن على ما ذكرنا.
ولسائل أن يسأل: لماذا لم يَجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في مصحف واحد كما فعل أبو بكر وعثمان فيما بعد؟ وقد أجاب العلماء أن مرد ذلك كان لاعتبارات عدة منها ما يأتي:
- أنه لم يوجد من دواعي كتابته مجموعاً في مصحف مثل واحد ما وجد على عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بصدد أن ينزل عليه من الوحي ما قد يكون ناسخاً لبعض آيات القرآن.
- أن القرآن لم ينزل جملة واحدة بل نزَّل مفرقاً، ولم يكن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النزول، ولو جُمِعَ القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة للتغير المصاحف كلها كلما نزلت آية أو سورة.
ومن المسائل التي بحثها العلماء هنا مسألة ترتيب الآيات في السورة، ومسألة ترتيب سور القرآن في المصحف، وحاصل القول في المسألة الأولى، أن الإجماع منعقد على أن ترتيب الآيات في السورة كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، ولم يُعلم مخالف لذلك، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة سبق أن ذكرنا بعضاً منها، ونضيف هنا حديث ابن الزبير رضي الله عنه قال:"قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ? فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ? وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:240] قد نسختها الآية الأخرى، فَلِمَ تكتبها، قال: يا ابن أخي، لا أغيِّرُ شيئاً منه في مكانه" [رواه البخاري].
أما ترتيب السور، فالقول الأرجح عند أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فوَّض أمره إلى أمته من بعده، يعني أن هذا الترتيب فعله الصحابة رضي الله عنهم.
وبعد، فهذا جملة القول في مسألة جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم، ومنه يتبيَّن أن القرآن قد دُوِّن في عهده صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك ردٌّ على من زعم أن القرآن لم يدون في عهده صلى الله عليه وسلم. نسأله تعالى أن يجعلنا من الحافظين لكتابه والمحافظين عليه، والقائمين عليه حق القيام آمين.
ثانياً : جمع القرآن في عهد أبي بكر
توفي النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم لم يُجمع في مصحف واحد مكتوب، وإنما كان متفرقاً في الصدور والألواح ونحوها من وسائل الكتابة، حيث لم تكن ثمة دواع في حياته صلى الله عليه وسلم استدعت جمع القرآن في مصحف واحد.
وبعد أن تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان هناك من الأسباب والبواعث، التي دفعت الصحابة رضي الله عنهم إلى القيام بجمع القرآن في الصحف.
وكان من أولى تلك الدوافع لحوق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، الذي ترتب عليه انقطاع الوحي، فكان ذاك المصاب الجَلَل من البواعث المهمة التي دفعت الصحابة لجمع القرآن.
ثم كانت واقعة اليمامة التي قُتل فيها عدد كبير من الصحابة، وكان من بينهم عدد كبير من القراء، مما دفع عمر - رضي الله عنه -إلى أن يذهب إلى أبي بكر ويطلب منه الإسراع في جمع القرآن وتدوينه، حتى لا يذهب القرآن بذهاب حفاظه. وهذا الذي فعله أبو بكر رضي الله عنه، بعد أن تردد في البداية في أن يعمل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن وقعة اليمامة كانت من أهم الأحداث التي حملت الصحابة على تدوين القرآن، وحفظه في المصاحف.
وقد دلت عامة الروايات على أن أول من أمر بجمع القرآن من الصحابة، أبو بكر رضي الله عنه عن مشورة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن الذي قام بهذا الجمع زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقد روى البخاري في [صحيحه] عن زيد رضي الله عنه أنه قال: "أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ - أي اشتد وكثر - يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا إن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر" [رواه البخاري].
والذي عليه أكثر أهل العلم أن أولية أبي بكر رضي الله عنه في جمع القرآن أولية خاصة، إذ قد كان للصحابة مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه، قبل جمع أبي بكر، إلا أن تلك الجهود كانت أعمالاً فردية،لم تظفر بما ظفر به مصحف الصديق من دقة البحث والتحري، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حد التواتر، والإجماع عليها من الصحابة، إلى غير ذلك من المزايا التي كانت لمصحف الصديق رضي الله عنه.
ولك أن تسأل: لماذا وقع اختيار أبي بكر على زيد بن ثابت لجمع القرآن الكريم دون غيره من الصحابة؟ وفي الإجابة نقول: إن مرد ذلك يرجع إلى أسباب منها:
- أنه كان شاباً يافعاً، وهذه الصفات تؤهله للقيام بمثل هذا العمل الصعب.
- أن زيداً كان معروفاً بوفرة عقله، وهذا مما يؤهله لإتمام هذه المهمة.
- أن زيداً كان يلي كتابة الوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شاهد من أحوال القرآن ما لم يشاهده غيره.
- أنه لم يكن متهماً في دينه، فقد كان معروفاً بشدة الورع والأمانة وكمال الخلق والاستقامة في الدين.
- أنه كان حافظاً للقرآن الكريم عن ظهر قلب، وكان حفظه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفق العرضة الأخيرة، فقد رُوي أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن، قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سُميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت، لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمد عليه أبو بكر وعمر في جمع القرآن، وولاه عثمان كتابة المصاحف.
وقد شرع زيد في جمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال، وأشرف عليه وعاونه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة، فعن عروة بن الزبير قال: لما استحرَّ القتل بالقراء يومئذ، فرِقَ أبو بكر على القرآن أن يضيع - أي خاف عليه - فقال لعمر بن الخطاب وزيد ابن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. قال ابن حجر: رجاله ثقات مع انقطاعه.
وبهذه المشاركة من الصحابة أخذ هذا الجمع للقرآن الصفة الإجماعية، حيث اتفق عليه الصحابة، ونال قبولهم كافة، فجُمِعَ القرآن على أكمل وجه وأتمه.
ونختم هذا المقال بما رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "رحمة الله على أبي بكر، كان أعظم الناس أجراً في جمع المصاحف، وهو أول من جمع بين اللوحين"، قال ابن حجر: وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يُعدُّ في فضائله، ويُنوِّه بعظيم منقبته، لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» [رواه مسلم]. ثم قال: فما جمع أحد بعده إلا كان له مثل أجره إلى يوم القيامة.
وهكذا فإن الله سبحانه قد هيأ لحفظ قرآنه رجالاً حفظوه وحافظوا عليه، تصديقاً لقوله تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9] وكان أبو بكر على رأس هؤلاء الرجال الذين اختارهم الله للقيام بهذه المهمة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وأما عن جمع القرآن في زمن عثمان والذي يتضح لنا منه أنه فقط نسخ المصحف الأصلي المدون وأمر بإرساله إلى الأمصار وإحراق ما دونه حتى لا يدخل التحريف إلى كلام الله وأشهد جميع الصحابة على النسخ واجتمعوا عليها.
ثالثا: جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان – رضي الله عنه -:
يقول العلامة عبد القيوم السندي في كتابه: جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين:
المطلب الأول عثمان بن عفان وعهده: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، أمير المؤمنين وذو النورين، ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنتيه، وثالث الخلفاء الراشدين، وأحد المبشرين بالجنة، ولد بمكة سنة : (47) ق هـ، وأسلم بعد البعثة بقليل، كان من أغنياء قريش، وأشرافهم، ومن كتاب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من السابقين الأولين، ورابع أربعة ممن دخل في الإسلام، وأول المهاجرين مع أهله الهجرتين إلى الحبشة [تاريخ الخلفاء للسيوطي:117] ثم إلى المدينة، وأحد الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وأحد الذين جمعوا القرآن في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم – وحفظوه [طبقات ابن سعد:3/61، وتاريخ الخلفاء للسيوطي:148] وكان أشبه الناس بإبراهيم - عليه السلام - وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – [تاريخ الخلفاء:151] واستشهد صبيحة عيد الأضحى في بيته بالمدينة وهو يقرأ القرآن سنة: 35 هـ [غاية النهاية:1/507، الأعلام:4/210].
يبدأ عهد عثمان - رضي الله عنه - بعد استشهاد عمر - رضي الله عنه - في غرة محرم عام: 24 هـ، حيث بويع بالخلافة بعد دفن عمر بثلاث ليال، وقد اتسعت الفتوحات في زمنه - رضي الله عنه - ففي عهده فتحت الري، وحصون كثيرة من الروم، وتوسع في المسجد النبوي، وفتحت الأندلس، واصطخر، وبلاد كثيرة من خراسان، ونيسابور، وطوس وسرخس ومرو وبيهق وغيرها من البلاد [تاريخ الخلفاء:156] وكثر العمران، وتفرق المسلمون في أرجاء البلاد الإسلامية وأقطارها، ونشأ جيل جديد، وطال عهد الناس بالرسول والوحي، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بصورة فتحت باب الشقاق والنزاع في المسلمين في أمر القراءة.
المطلب الثاني بواعث الجمع في العهد العثماني:
الباعث الأساس في جمع القرآن في عهد عثمان - رضي الله عنه - هو : استدراك اختلاف القراء في وجوه قراءة القرآن الكريم وتخطئة بعضهم البعض، فأراد - رضي الله عنه - جمع الأمة على مصحف موحد مجمع عليه.
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: عن ابن شهاب أن أنس بن مالكٍ حدَّثه أنّ حذيفة بن اليمان [هو حذيفة بن حِسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله، صحابي من الولاة الشجعان الفاتحين، صاحب سر النبي في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره، ولاه عمر على المدائن بفارس، وهاجم نهاوند سنة 22 هـ، وفتح الدينور وسندان وهمذان والري عنوةً، توفي في المدائن سنة 36 هـ، تهذيب التهذيب:2/219، غاية النهاية:1/203، وفيه توفي بعد عثمان بأربعين يومًا، الأعلام:2/171] قدِمَ على عثمانَ وكانَ يغازي أهلَ الشام في فتح إِرْمينية [اسم لصُقع عظيم في جهة الشمال.. قيل هما إرمينيتان، وقيل:ثلاث، وقيل:أربع، وقد أطال الحموي في وصفها، وكانت هي بأيدي الروم حتى جاء الإسلام، انظر معجم البلدان:1/159-161] وأذربيجان [ذكر الحموي في ضبطها أربعة أقوال: أذَرَبيجان، أذَرْبيجان، آذرْبيجَان، وآذرِبيجَان، معناها: بيت النار بالفارسية، أو خازن النار، إقليم وساع، وصُقْع جليل، وملكة عظيمة، من مدنها: تبريز، الغالب عليها الجبال، ذات قلاع كثيرة، وخيرات واسعة، وفواكه جمة، وبساتين كثيرة ومياه وافرة وعيون جارية، فتحت أيام عمر بن الخطاب فولى عليها الحذيفة بن اليمان، ثم عزله وولى عليها عتبة بن فرقد، ثم لما عزل عثمان بن عفان عتبة بن فرقد نقضوا، فغزاهم الوليد بن عقبة سنة خمس وعشرين، ثم صالح أهلها على صلح حذيفة، انظر: معجم البلدان للحموي:1 128-129] مع أهل العراقِ فأفزَعَ حُذيفةَ اختلافُهم في القراءةِ فقالَ حُذيفة لعثمانَ: يا أميرَ المؤمنينَ أدركْ هذه الأمّةَ قبلَ أن يختلِفُوا في الكتابِ اختلافَ اليهودِ والنصارى فأرْسَلَ عثمانُ إلى حفصةَ أن أرسلي إلينا بالصُّحف ننسخُها في المصاحفِ ثم نردُّها إليكِ فأرسلتْ بها حفصَةُ إلى عثمانَ فأمَرَ زيدَ بن ثابت وعبد الله بن الزبيرِ وسعيدَ بن العاصِ وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف [البخاري، فضائل القرآن:4604، الترمذي، أبواب تفسير القرآن:3029، وانظر كتاب المصاحف:1/204، والفتح:9/11، والمقنع:4] وأخرج ابن أبي داود [عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، أبو بكر، من كبار المحدثين والمقرئين، صاحب كتاب المصاحف، ولد في سجستان (من بلاد أفغانستان الحالية) 230هـ، وتوفي سنة 316هـ، الغاية:1/420، ميزان الاعتدال:2/ 43، الأعلام:4/91]. من طريق أبي قلابة أنه قال: "لما كانت خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، قال أيوب: لا أعلمه إلا قال: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبًا فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد فيه اختلافًا وأشد لحنًا، اجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوه للناس إمامًا" [كتاب المصاحف:1/211-212، والأثر مما انفرد به المؤلف بتخريجه، وله شاهدان لديه، وإسناده هنا منقطع لإرسال أبي قلابة حيث لم يصرح هنا بمن حدثه عنه].
وأخرج ابن أبي داود من طريق سويد بن غفلة الجعفي قول علي رضي الله عنه: "يا أيها الناس: لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرًا.. فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا، فقال: ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفرًا، قلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت.. قال: قال علي: والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل [كتاب المصاحف: 1/ 213-214، وراجع السنن الكبرى للبيهقي:2/42، والمرشد الوجيز:54، ولطائف القسطلاني:1/61، والإتقان للسيوطي:1/ 169-170].
لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الأمر، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف لإرسالها إلى الأمصار، فيؤمر الناس باعتمادها، والتزام القراءة بما يوافقها، وبإحراق كل ما عداها، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية الأساس والمرجع المعتمد لحسم الخلاف وقطع النزاع والمراء [راجع الإتقان:1/187، وما بعدها، ومناهل العرفان:1/ 255-257].
وقد نظم ذلك الإمام أبو عمرو الداني - رحمه الله – [الأرجوزه المنبهة للداني، الأبيات رقم :179-182] فقال:
فحضهم معا على الجهاد *** فانبعث القوم على ميعاد
وقصدوا مصححين النية *** نحو أذربيجان وإرمينيه
فاجتمع الشامي والعراقي *** في ذلك الغزو على وفاق
فسمع البعض قراةَ البعض *** فقابلوا قراتهم بالنقض
واختلفوا في أحرف التلاوة *** حتى بدت بينهم العداوه
ووصل الأمر إلى عثمان *** أخبره حذيفةٌ بالشان
وما جرى بينهم هناكا *** وما رأى من أمرهم في ذاكا
وقال هذا الأمر فأدركه *** فهو معضل فلا تتركه
فجمع الإمام من في الدار *** من المهاجرين والأنصار
وقال : قد رأيت أمرًا فيه *** مصلحة وهو ما أحكيه
رأيت أن أجمع هذه الصحف *** في مصحف بصورة لا تختلف
أدخله ما بين دفتين *** فصوّب الكل لذي النورين
مقاله وما رأى من ذاكا *** ولم يكن مخالف هناكا
المطلب الثالث لجنة الجمع في العهد العثماني: ما عليه الجمهور: أنهم أربعة: زيد بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (الثلاثة من قريش) [الفتح:9/11، كتاب المصاحف:1/205، لطائف القسطلاني:1/ 57-58].
أما زيد بن ثابت فقد سبقت ترجمته، وأما الثلاثة فهم:
عبد الله بن الزبير: هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو بكر، أمه: أسماء بنت أبي بكر الصديق، أحد العبادلة الأربعة، فارس قريش في زمنه، من خطباء قريش المعدودين، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة، بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة 64 هـ، وجعل قاعدة ملكه المدينة، ودامت خلافته تسع سنين، وهو أول من ضرب الدراهم المستديرة، وقتل مظلومًا بمكة بعد قتال عنيف بينه وبين الحجاج بن يوسف الثقفي، في جمادى الأولى سنة 73 هـ [الكامل:4/135، شذرات الذهب:1/ 79-81، الأعلام:4/87].
سعيد بن العاص: هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي القرشي، صحابي من الأمراء الولاة الفاتحين، تربى في حجر عمر بن الخطاب، وولاه عثمان الكوفة، وهو شاب، ثم استدعاه عثمان إلى المدينة فأقام فيها إلى أن كانت الثورة على عثمان، فدافع سعيد عنه وقاتل دونه إلى أن استشهد عثمان، فخرج إلى مكة فأقام فيها إلى أن ولي معاوية الخلافة، فعهد إليه بولاية المدينة فتولاها إلى أن مات بها في سنة 59 هـ، وكانت ولادته قبل بدر، وهو فاتح طبرستان، وأحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، كان قويًّا فيه تجبر وشدة، سخيًّا فصيحًا، عاقلًا حليمًا، اعتزل الجمل والصفين، وكان أشبههم لهجة برسول الله - صلى الله عليه وسلم – [طبقات ابن سعد:5/19، شذرات الذهب:1/65، الأعلام :3/96-97].
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي القرشي المدني، أبو محمد، ختن عثمان - رضي الله عنه - وتزوج عمر - رضي الله عنه - والدته بعد وفاة أبيه في طاعون عمواس بالشام، فتربى في حجره، تابعي ثقة جليل القدر، ولد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه، من أشراف قريش، أحد الأربعة الذين تولوا نسخ المصاحف العثمانية، وابنه أبو بكر أحد الفقهاء السبعة المعروفين، توفي بالمدينة سنة 43 هـ [تهذيب التهذيب:6/156، الإصابة:6195، الأعلام:3/303].
هؤلاء الأربعة هم الذين كوّن عثمان لجنة منهم، وعهد إليهم تنفيذ قرار نسخ المصاحف.
قال الحافظ ابن حجر: وكان ذلك في أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين، وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أن إرمينية فتحت فيه [الفتح:9/14].
المطلب الرابع كيفية الجمع: أرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر، فبعثت إليه بالصحف التي جمع القرآن فيها على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - وتسلمت اللجنة هذه الصحف واعتبرتها المصدر الأساس في هذا الخطب الجلل، ثم أخذت في نسخها، حسب الدستور الذي وضعه لهم عثمان - رضي الله عنه - وكان ما ذكر من منهجهم أنهم كانوا لا يكتبون شيئاً في هذه المصاحف إلا بعد ما يتحققون منه أنه قرآن متلوّ، وغير منسوخ، وذلك بعرضه على حملته من قراء الصحابة، أما لو ثبت نسخ شيء من ذلك تركوه فكتبت يقول العلامة الزرقاني: "والذي دعا الصحابة إلى انتهاج هذه الخطة في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجميع وجوه قراءاته، وبكافة حروفه التي نزل عليها، فكانت هذه الطريقة أدنى إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها، حتى لا يقال: إنهم أسقطوا شيئاً من قراءاته، أو منعوا أحداً من القراءة بأي حرف شاء على حين أنها كلها منقولة نقلاً متواتراً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا» [أحمد:4/204، راجع مناهل العرفان:1/259].
بعد أن تم نسخ المصاحف العثمانية بالكيفية التي أوضحناها سابقاً، أمر أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بإرسالها إلى الأقطار الإسلامية الشهيرة، وأرسل مع كل مصحف مقرئاً من الذين توافق قراءته في أغلبه قراءة أهل ذلك القطر، وذلك لأن التلقي أساس في قراءة القرآن، وأمر أن يحرق كل ما عداها من الصحف أو المصاحف الشخصية الموجودة لدى الصحابة.
ففي صحيح البخاري : "حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحفِ ردّ عثمانُ الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق".
واجتمعوا جميعاً على المصاحف العثمانية.
مزايا المصاحف العثمانية:
الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحاداً.
إهمال ما نسخت تلاوته ولم يستقر في العرضة الأخيرة.
ترتيب السور على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر - رضي الله عنه - فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
تجريدها من كل ما ليس قرآناً كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة شرحاً لمعنى، أو بياناً لناسخ ومنسوخ، أو نحو ذلك. أ هـ
وأخيراً:
أبعد هذا الطرح الوافي شك أو مجرد وهم لأمثال بيشوي الموتور المغتاظ مما هو فيه وقومه من هوان ومذلة ناشئة عن دخول أبناء جلدتهم في دين الله أفواجاً.
أبو الهيثم محمد درويش
الحمد لله الذي شرف هذه الأمة بخاتم رسله وآخر كتبه، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
حاول أحد الأقزام أن يطعن في كتاب أمة الإسلام من باب رمتني بدائها وانسلت، وكأن الرجل المتيقن من زجاجية بيته يرمي أصحاب القصور العالية علو السماء بالحجارة، فيا عجبا، ولكن والله لقد سلى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بكلمات من نور حتى لا يحزن قلبه من مثل هذه الافتراءات ومحاولة الإلحاد في آيات الله فقال تعالى عن بيشوي وأمثاله وهو أحكم القائلين :
ِ{إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ . مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ . وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ . وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [فصلت:40-45].
وللجاهل بيشوي الذي يدعي بأن آيات من كتاب الله قد تم دسها في عهد عثمان رضي الله عنه والذي يحاول أن يرضي غرور أعوانه ممن هم أجهل منه، هذه مراحل تدوين وجمع القرآن في عهد رسول الله وفي عهد أبي بكر وفي عهد عثمان الذي تريد أن تتمسح فيه والذي ثبت يقينا أنه ما جمع وإنما فقط نسخ المصحف الثابت المتواتر والذي شهد له جميع الصحابة بتواتره وما جاء بجديد وإنما أشهد الصحابة جميعهم على صحة النسخ وعدم وجود أي خطأ.
فلا أدري والله أكتاب الله القرآن هو ما يقال عنه هذا أم أسفارك المحرفة يا صاحب نشيد الإنشاد ويا من شهد علماء ديانتك بثبوت تحريف كتابك وأنه ليس كلام الله (إليك هذه الهدية يا بيشوي: محاضرة مترجمة لعالم اللاهوت الأمريكي بارت إيرمان عميد كلية لاهوت يثبت علمياً تحريف الكتاب المقدس وأنه ليس كلام الله)
http://www.ebnmaryam.com/vb/t22836.html
وعلى من يريد التأكد خاصة من أتباع الكنيسة ماعليه فقط إلا أن يكتب بارت إيرمان على محركات البحث أو في اليوتيوب.
أما عن كتابنا نحن (القرآن الكريم) قرة العين ونور الفؤاد كلام الله فإليك يا بيشوي بكل أدب أنت ومن تبعك مراحل تدوين وجمع القرآن لتعلم يقيناً أن عثمان وعهد عثمان ليس له أي يد أو دخل في التدوين وإنما هو نسخ للمصحف قامت عليه لجنة علمية وشهد عليها وراجعها الصحابة أجمعين فكان ما حدث هو أن الله قيد جنده لحفظ كتابه مصداقاً لقوله : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
أولاً : تدوين القرآن في العهد النبوي:
شرَّف الله أمة الإسلام بخصيصة لم تكن لأحد غيرهم، وهي حفظهم لكتاب ربهم عن ظهر قلب. وكان من أسباب حفظ الله لكتابه أن وفَّق هذه الأمة إلى حفظ قرآنها واستظهاره.
وقد تظاهرت الأدلة من السنة على فضل حفظ القرآن واستظهاره. وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحث أصحابه على حفظ ما ينزل عليه من القرآن، فكان الصحابة يحفظونه بسماعه منه صلى الله عليه وسلم، فهذه أم هشام رضي الله عنها تروي كيف أنها حفظت سورة {ق} من رسول لله صلى الله عليه وسلم، فتقول: "كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين، وما أخذتُ {ق والقرآن المجيد} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم" [رواه مسلم].
وكان من حرصه - صلى الله عليه وسلم - على تعليم صحابته للقرآن وحفظهم له أنه كان يتعاهد كل من يلتحق بدار الإسلام فيدفعه إلى من يعلمه القرآن، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشغَل، فإذا قَدِمَ رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن" [رواه أحمد].
وقد حفظ القرآن الكريم جَمَعٌ من الصحابة يصعب حصرهم، عُرف منهم الخلفاء الراشدون، وطلحة، وسعد، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وغيرهم كثير. وفي حديث قتادة قال: قلت لأنس من جَمَع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أربعة كلهم من الأنصار: أُبي بن كعب، ومعاذ، وزيد بن ثابت، ورجل من الأنصار، يُكنى أبا زيد" [متفق عليه].
ومن الصحابيات اللاتي جمعن القرآن أم ورقة رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤمَّ أهل دارها. والحديث في [مسند أحمد].
وكان من مزيد عناية النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالقرآن أن اعتنوا بكتابته وتدوينه، كي يكون ذلك حصناً ثانياً لحمايته من الضياع والتغيير. فبعد أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بحفظ القرآن في صدورهم طلب منهم حفظه في السطور، ونهى في بداية الأمر عن كتابة شيء غير القرآن حتى لا يلتبس بغيره من الكلام.
ففي [صحيح مسلم] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» قال النووي في توجيه ذلك: وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة. وقال ابن حجر: إن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره.
وقد بلغ من عناية النبي - صلى الله عليه وسلم - بتدوين القرآن أنه كان إذا نزل عليه شيء من القرآن دعا أحد كُتَّابه، وأمره بكتابة ما نزل عليه، ففي الحديث عن زيد - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] فجاءه ابن أم مكتوم وهو يُمِلُّها عليه[متفق عليه].
وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم وما توفر في بيئتهم من أدوات لذلك، فكانوا يستعملون الجلود والعظام والألواح والحجارة ونحوها، كأدوات للكتابة، فعن البراء رضي الله عنه قال: "لما نزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعُ لي زيداً، وليجئ باللوح والدواة والكتف، ثم قال اكتب» [رواه البخاري]. وفي حديث زيد عندما أمره أبو بكر - رضي الله عنه بجمع القرآن - قال: "فتتبعتُ القرآن أجمعه من العسب واللحاف والأضلاع والأقتاب" [رواه البخاري]. والعسب: جريد النخيل، واللحاف: صفائح الحجارة، والأقتاب: الخشب الذي يوضع على ظهر البعير.
هذه الآثار وغيرها تدلنا على عظيم بلاء الصحابة - رضي الله عنهم - في كتابة القرآن، وما تحملوه من المشاق لتدوينه والحفاظ عليه. وبقي القرآن مكتوباً على هذه الأشياء محفوظاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ولم يجمع في صحف أو مصاحف في عهده صلى الله عليه وسلم. قال القسطلاني: وقد كان القرآن كله مكتوباً في عهده - صلى الله عليه وسلم - غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور، وقُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحال كتابة القرآن على ما ذكرنا.
ولسائل أن يسأل: لماذا لم يَجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في مصحف واحد كما فعل أبو بكر وعثمان فيما بعد؟ وقد أجاب العلماء أن مرد ذلك كان لاعتبارات عدة منها ما يأتي:
- أنه لم يوجد من دواعي كتابته مجموعاً في مصحف مثل واحد ما وجد على عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بصدد أن ينزل عليه من الوحي ما قد يكون ناسخاً لبعض آيات القرآن.
- أن القرآن لم ينزل جملة واحدة بل نزَّل مفرقاً، ولم يكن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النزول، ولو جُمِعَ القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة للتغير المصاحف كلها كلما نزلت آية أو سورة.
ومن المسائل التي بحثها العلماء هنا مسألة ترتيب الآيات في السورة، ومسألة ترتيب سور القرآن في المصحف، وحاصل القول في المسألة الأولى، أن الإجماع منعقد على أن ترتيب الآيات في السورة كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، ولم يُعلم مخالف لذلك، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة سبق أن ذكرنا بعضاً منها، ونضيف هنا حديث ابن الزبير رضي الله عنه قال:"قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ? فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ? وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:240] قد نسختها الآية الأخرى، فَلِمَ تكتبها، قال: يا ابن أخي، لا أغيِّرُ شيئاً منه في مكانه" [رواه البخاري].
أما ترتيب السور، فالقول الأرجح عند أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فوَّض أمره إلى أمته من بعده، يعني أن هذا الترتيب فعله الصحابة رضي الله عنهم.
وبعد، فهذا جملة القول في مسألة جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم، ومنه يتبيَّن أن القرآن قد دُوِّن في عهده صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك ردٌّ على من زعم أن القرآن لم يدون في عهده صلى الله عليه وسلم. نسأله تعالى أن يجعلنا من الحافظين لكتابه والمحافظين عليه، والقائمين عليه حق القيام آمين.
ثانياً : جمع القرآن في عهد أبي بكر
توفي النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم لم يُجمع في مصحف واحد مكتوب، وإنما كان متفرقاً في الصدور والألواح ونحوها من وسائل الكتابة، حيث لم تكن ثمة دواع في حياته صلى الله عليه وسلم استدعت جمع القرآن في مصحف واحد.
وبعد أن تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان هناك من الأسباب والبواعث، التي دفعت الصحابة رضي الله عنهم إلى القيام بجمع القرآن في الصحف.
وكان من أولى تلك الدوافع لحوق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، الذي ترتب عليه انقطاع الوحي، فكان ذاك المصاب الجَلَل من البواعث المهمة التي دفعت الصحابة لجمع القرآن.
ثم كانت واقعة اليمامة التي قُتل فيها عدد كبير من الصحابة، وكان من بينهم عدد كبير من القراء، مما دفع عمر - رضي الله عنه -إلى أن يذهب إلى أبي بكر ويطلب منه الإسراع في جمع القرآن وتدوينه، حتى لا يذهب القرآن بذهاب حفاظه. وهذا الذي فعله أبو بكر رضي الله عنه، بعد أن تردد في البداية في أن يعمل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن وقعة اليمامة كانت من أهم الأحداث التي حملت الصحابة على تدوين القرآن، وحفظه في المصاحف.
وقد دلت عامة الروايات على أن أول من أمر بجمع القرآن من الصحابة، أبو بكر رضي الله عنه عن مشورة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن الذي قام بهذا الجمع زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقد روى البخاري في [صحيحه] عن زيد رضي الله عنه أنه قال: "أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ - أي اشتد وكثر - يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا إن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر" [رواه البخاري].
والذي عليه أكثر أهل العلم أن أولية أبي بكر رضي الله عنه في جمع القرآن أولية خاصة، إذ قد كان للصحابة مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه، قبل جمع أبي بكر، إلا أن تلك الجهود كانت أعمالاً فردية،لم تظفر بما ظفر به مصحف الصديق من دقة البحث والتحري، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حد التواتر، والإجماع عليها من الصحابة، إلى غير ذلك من المزايا التي كانت لمصحف الصديق رضي الله عنه.
ولك أن تسأل: لماذا وقع اختيار أبي بكر على زيد بن ثابت لجمع القرآن الكريم دون غيره من الصحابة؟ وفي الإجابة نقول: إن مرد ذلك يرجع إلى أسباب منها:
- أنه كان شاباً يافعاً، وهذه الصفات تؤهله للقيام بمثل هذا العمل الصعب.
- أن زيداً كان معروفاً بوفرة عقله، وهذا مما يؤهله لإتمام هذه المهمة.
- أن زيداً كان يلي كتابة الوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شاهد من أحوال القرآن ما لم يشاهده غيره.
- أنه لم يكن متهماً في دينه، فقد كان معروفاً بشدة الورع والأمانة وكمال الخلق والاستقامة في الدين.
- أنه كان حافظاً للقرآن الكريم عن ظهر قلب، وكان حفظه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفق العرضة الأخيرة، فقد رُوي أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن، قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سُميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت، لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمد عليه أبو بكر وعمر في جمع القرآن، وولاه عثمان كتابة المصاحف.
وقد شرع زيد في جمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال، وأشرف عليه وعاونه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة، فعن عروة بن الزبير قال: لما استحرَّ القتل بالقراء يومئذ، فرِقَ أبو بكر على القرآن أن يضيع - أي خاف عليه - فقال لعمر بن الخطاب وزيد ابن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. قال ابن حجر: رجاله ثقات مع انقطاعه.
وبهذه المشاركة من الصحابة أخذ هذا الجمع للقرآن الصفة الإجماعية، حيث اتفق عليه الصحابة، ونال قبولهم كافة، فجُمِعَ القرآن على أكمل وجه وأتمه.
ونختم هذا المقال بما رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "رحمة الله على أبي بكر، كان أعظم الناس أجراً في جمع المصاحف، وهو أول من جمع بين اللوحين"، قال ابن حجر: وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يُعدُّ في فضائله، ويُنوِّه بعظيم منقبته، لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» [رواه مسلم]. ثم قال: فما جمع أحد بعده إلا كان له مثل أجره إلى يوم القيامة.
وهكذا فإن الله سبحانه قد هيأ لحفظ قرآنه رجالاً حفظوه وحافظوا عليه، تصديقاً لقوله تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9] وكان أبو بكر على رأس هؤلاء الرجال الذين اختارهم الله للقيام بهذه المهمة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وأما عن جمع القرآن في زمن عثمان والذي يتضح لنا منه أنه فقط نسخ المصحف الأصلي المدون وأمر بإرساله إلى الأمصار وإحراق ما دونه حتى لا يدخل التحريف إلى كلام الله وأشهد جميع الصحابة على النسخ واجتمعوا عليها.
ثالثا: جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان – رضي الله عنه -:
يقول العلامة عبد القيوم السندي في كتابه: جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين:
المطلب الأول عثمان بن عفان وعهده: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، أمير المؤمنين وذو النورين، ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنتيه، وثالث الخلفاء الراشدين، وأحد المبشرين بالجنة، ولد بمكة سنة : (47) ق هـ، وأسلم بعد البعثة بقليل، كان من أغنياء قريش، وأشرافهم، ومن كتاب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من السابقين الأولين، ورابع أربعة ممن دخل في الإسلام، وأول المهاجرين مع أهله الهجرتين إلى الحبشة [تاريخ الخلفاء للسيوطي:117] ثم إلى المدينة، وأحد الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وأحد الذين جمعوا القرآن في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم – وحفظوه [طبقات ابن سعد:3/61، وتاريخ الخلفاء للسيوطي:148] وكان أشبه الناس بإبراهيم - عليه السلام - وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم – [تاريخ الخلفاء:151] واستشهد صبيحة عيد الأضحى في بيته بالمدينة وهو يقرأ القرآن سنة: 35 هـ [غاية النهاية:1/507، الأعلام:4/210].
يبدأ عهد عثمان - رضي الله عنه - بعد استشهاد عمر - رضي الله عنه - في غرة محرم عام: 24 هـ، حيث بويع بالخلافة بعد دفن عمر بثلاث ليال، وقد اتسعت الفتوحات في زمنه - رضي الله عنه - ففي عهده فتحت الري، وحصون كثيرة من الروم، وتوسع في المسجد النبوي، وفتحت الأندلس، واصطخر، وبلاد كثيرة من خراسان، ونيسابور، وطوس وسرخس ومرو وبيهق وغيرها من البلاد [تاريخ الخلفاء:156] وكثر العمران، وتفرق المسلمون في أرجاء البلاد الإسلامية وأقطارها، ونشأ جيل جديد، وطال عهد الناس بالرسول والوحي، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بصورة فتحت باب الشقاق والنزاع في المسلمين في أمر القراءة.
المطلب الثاني بواعث الجمع في العهد العثماني:
الباعث الأساس في جمع القرآن في عهد عثمان - رضي الله عنه - هو : استدراك اختلاف القراء في وجوه قراءة القرآن الكريم وتخطئة بعضهم البعض، فأراد - رضي الله عنه - جمع الأمة على مصحف موحد مجمع عليه.
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: عن ابن شهاب أن أنس بن مالكٍ حدَّثه أنّ حذيفة بن اليمان [هو حذيفة بن حِسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله، صحابي من الولاة الشجعان الفاتحين، صاحب سر النبي في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره، ولاه عمر على المدائن بفارس، وهاجم نهاوند سنة 22 هـ، وفتح الدينور وسندان وهمذان والري عنوةً، توفي في المدائن سنة 36 هـ، تهذيب التهذيب:2/219، غاية النهاية:1/203، وفيه توفي بعد عثمان بأربعين يومًا، الأعلام:2/171] قدِمَ على عثمانَ وكانَ يغازي أهلَ الشام في فتح إِرْمينية [اسم لصُقع عظيم في جهة الشمال.. قيل هما إرمينيتان، وقيل:ثلاث، وقيل:أربع، وقد أطال الحموي في وصفها، وكانت هي بأيدي الروم حتى جاء الإسلام، انظر معجم البلدان:1/159-161] وأذربيجان [ذكر الحموي في ضبطها أربعة أقوال: أذَرَبيجان، أذَرْبيجان، آذرْبيجَان، وآذرِبيجَان، معناها: بيت النار بالفارسية، أو خازن النار، إقليم وساع، وصُقْع جليل، وملكة عظيمة، من مدنها: تبريز، الغالب عليها الجبال، ذات قلاع كثيرة، وخيرات واسعة، وفواكه جمة، وبساتين كثيرة ومياه وافرة وعيون جارية، فتحت أيام عمر بن الخطاب فولى عليها الحذيفة بن اليمان، ثم عزله وولى عليها عتبة بن فرقد، ثم لما عزل عثمان بن عفان عتبة بن فرقد نقضوا، فغزاهم الوليد بن عقبة سنة خمس وعشرين، ثم صالح أهلها على صلح حذيفة، انظر: معجم البلدان للحموي:1 128-129] مع أهل العراقِ فأفزَعَ حُذيفةَ اختلافُهم في القراءةِ فقالَ حُذيفة لعثمانَ: يا أميرَ المؤمنينَ أدركْ هذه الأمّةَ قبلَ أن يختلِفُوا في الكتابِ اختلافَ اليهودِ والنصارى فأرْسَلَ عثمانُ إلى حفصةَ أن أرسلي إلينا بالصُّحف ننسخُها في المصاحفِ ثم نردُّها إليكِ فأرسلتْ بها حفصَةُ إلى عثمانَ فأمَرَ زيدَ بن ثابت وعبد الله بن الزبيرِ وسعيدَ بن العاصِ وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف [البخاري، فضائل القرآن:4604، الترمذي، أبواب تفسير القرآن:3029، وانظر كتاب المصاحف:1/204، والفتح:9/11، والمقنع:4] وأخرج ابن أبي داود [عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، أبو بكر، من كبار المحدثين والمقرئين، صاحب كتاب المصاحف، ولد في سجستان (من بلاد أفغانستان الحالية) 230هـ، وتوفي سنة 316هـ، الغاية:1/420، ميزان الاعتدال:2/ 43، الأعلام:4/91]. من طريق أبي قلابة أنه قال: "لما كانت خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، قال أيوب: لا أعلمه إلا قال: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبًا فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد فيه اختلافًا وأشد لحنًا، اجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوه للناس إمامًا" [كتاب المصاحف:1/211-212، والأثر مما انفرد به المؤلف بتخريجه، وله شاهدان لديه، وإسناده هنا منقطع لإرسال أبي قلابة حيث لم يصرح هنا بمن حدثه عنه].
وأخرج ابن أبي داود من طريق سويد بن غفلة الجعفي قول علي رضي الله عنه: "يا أيها الناس: لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرًا.. فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا، فقال: ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفرًا، قلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت.. قال: قال علي: والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل [كتاب المصاحف: 1/ 213-214، وراجع السنن الكبرى للبيهقي:2/42، والمرشد الوجيز:54، ولطائف القسطلاني:1/61، والإتقان للسيوطي:1/ 169-170].
لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الأمر، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف لإرسالها إلى الأمصار، فيؤمر الناس باعتمادها، والتزام القراءة بما يوافقها، وبإحراق كل ما عداها، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية الأساس والمرجع المعتمد لحسم الخلاف وقطع النزاع والمراء [راجع الإتقان:1/187، وما بعدها، ومناهل العرفان:1/ 255-257].
وقد نظم ذلك الإمام أبو عمرو الداني - رحمه الله – [الأرجوزه المنبهة للداني، الأبيات رقم :179-182] فقال:
فحضهم معا على الجهاد *** فانبعث القوم على ميعاد
وقصدوا مصححين النية *** نحو أذربيجان وإرمينيه
فاجتمع الشامي والعراقي *** في ذلك الغزو على وفاق
فسمع البعض قراةَ البعض *** فقابلوا قراتهم بالنقض
واختلفوا في أحرف التلاوة *** حتى بدت بينهم العداوه
ووصل الأمر إلى عثمان *** أخبره حذيفةٌ بالشان
وما جرى بينهم هناكا *** وما رأى من أمرهم في ذاكا
وقال هذا الأمر فأدركه *** فهو معضل فلا تتركه
فجمع الإمام من في الدار *** من المهاجرين والأنصار
وقال : قد رأيت أمرًا فيه *** مصلحة وهو ما أحكيه
رأيت أن أجمع هذه الصحف *** في مصحف بصورة لا تختلف
أدخله ما بين دفتين *** فصوّب الكل لذي النورين
مقاله وما رأى من ذاكا *** ولم يكن مخالف هناكا
المطلب الثالث لجنة الجمع في العهد العثماني: ما عليه الجمهور: أنهم أربعة: زيد بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (الثلاثة من قريش) [الفتح:9/11، كتاب المصاحف:1/205، لطائف القسطلاني:1/ 57-58].
أما زيد بن ثابت فقد سبقت ترجمته، وأما الثلاثة فهم:
عبد الله بن الزبير: هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو بكر، أمه: أسماء بنت أبي بكر الصديق، أحد العبادلة الأربعة، فارس قريش في زمنه، من خطباء قريش المعدودين، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة، بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة 64 هـ، وجعل قاعدة ملكه المدينة، ودامت خلافته تسع سنين، وهو أول من ضرب الدراهم المستديرة، وقتل مظلومًا بمكة بعد قتال عنيف بينه وبين الحجاج بن يوسف الثقفي، في جمادى الأولى سنة 73 هـ [الكامل:4/135، شذرات الذهب:1/ 79-81، الأعلام:4/87].
سعيد بن العاص: هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي القرشي، صحابي من الأمراء الولاة الفاتحين، تربى في حجر عمر بن الخطاب، وولاه عثمان الكوفة، وهو شاب، ثم استدعاه عثمان إلى المدينة فأقام فيها إلى أن كانت الثورة على عثمان، فدافع سعيد عنه وقاتل دونه إلى أن استشهد عثمان، فخرج إلى مكة فأقام فيها إلى أن ولي معاوية الخلافة، فعهد إليه بولاية المدينة فتولاها إلى أن مات بها في سنة 59 هـ، وكانت ولادته قبل بدر، وهو فاتح طبرستان، وأحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، كان قويًّا فيه تجبر وشدة، سخيًّا فصيحًا، عاقلًا حليمًا، اعتزل الجمل والصفين، وكان أشبههم لهجة برسول الله - صلى الله عليه وسلم – [طبقات ابن سعد:5/19، شذرات الذهب:1/65، الأعلام :3/96-97].
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي القرشي المدني، أبو محمد، ختن عثمان - رضي الله عنه - وتزوج عمر - رضي الله عنه - والدته بعد وفاة أبيه في طاعون عمواس بالشام، فتربى في حجره، تابعي ثقة جليل القدر، ولد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه، من أشراف قريش، أحد الأربعة الذين تولوا نسخ المصاحف العثمانية، وابنه أبو بكر أحد الفقهاء السبعة المعروفين، توفي بالمدينة سنة 43 هـ [تهذيب التهذيب:6/156، الإصابة:6195، الأعلام:3/303].
هؤلاء الأربعة هم الذين كوّن عثمان لجنة منهم، وعهد إليهم تنفيذ قرار نسخ المصاحف.
قال الحافظ ابن حجر: وكان ذلك في أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين، وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أن إرمينية فتحت فيه [الفتح:9/14].
المطلب الرابع كيفية الجمع: أرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر، فبعثت إليه بالصحف التي جمع القرآن فيها على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - وتسلمت اللجنة هذه الصحف واعتبرتها المصدر الأساس في هذا الخطب الجلل، ثم أخذت في نسخها، حسب الدستور الذي وضعه لهم عثمان - رضي الله عنه - وكان ما ذكر من منهجهم أنهم كانوا لا يكتبون شيئاً في هذه المصاحف إلا بعد ما يتحققون منه أنه قرآن متلوّ، وغير منسوخ، وذلك بعرضه على حملته من قراء الصحابة، أما لو ثبت نسخ شيء من ذلك تركوه فكتبت يقول العلامة الزرقاني: "والذي دعا الصحابة إلى انتهاج هذه الخطة في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجميع وجوه قراءاته، وبكافة حروفه التي نزل عليها، فكانت هذه الطريقة أدنى إلى الإحاطة بالقرآن على وجوهه كلها، حتى لا يقال: إنهم أسقطوا شيئاً من قراءاته، أو منعوا أحداً من القراءة بأي حرف شاء على حين أنها كلها منقولة نقلاً متواتراً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا» [أحمد:4/204، راجع مناهل العرفان:1/259].
بعد أن تم نسخ المصاحف العثمانية بالكيفية التي أوضحناها سابقاً، أمر أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بإرسالها إلى الأقطار الإسلامية الشهيرة، وأرسل مع كل مصحف مقرئاً من الذين توافق قراءته في أغلبه قراءة أهل ذلك القطر، وذلك لأن التلقي أساس في قراءة القرآن، وأمر أن يحرق كل ما عداها من الصحف أو المصاحف الشخصية الموجودة لدى الصحابة.
ففي صحيح البخاري : "حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحفِ ردّ عثمانُ الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق".
واجتمعوا جميعاً على المصاحف العثمانية.
مزايا المصاحف العثمانية:
الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحاداً.
إهمال ما نسخت تلاوته ولم يستقر في العرضة الأخيرة.
ترتيب السور على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر - رضي الله عنه - فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
تجريدها من كل ما ليس قرآناً كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة شرحاً لمعنى، أو بياناً لناسخ ومنسوخ، أو نحو ذلك. أ هـ
وأخيراً:
أبعد هذا الطرح الوافي شك أو مجرد وهم لأمثال بيشوي الموتور المغتاظ مما هو فيه وقومه من هوان ومذلة ناشئة عن دخول أبناء جلدتهم في دين الله أفواجاً.