أبو يوسف
06-10-2010, 12:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب وقع بيدي بعنوان استشهاديات رسمن طريق البطولة بالدم والجهاد بدأت اقرأ فيه وقد راعني ما وجدت رغم معرفتي مسبقا بمن ذكر ولكن إستوقفتني بعض التفاصيل ومن هذه التفاصيل أنقل حرفيا عن مجاهدة من فلسطين
آيات الأخرس
عروس بفستان الشهادة
هذه الصبية الفلسطينية الحسناء طالبة في الصف الثالث الثانوي، لخصت مأساة الفلسطينيين برسالة مفتوحة وجهتها إلى ثلاث جهات قبل أن تفجر نفسها في القدس. الجزء الأول من الرسالة وجهته إلى الحكام العرب قائلة "كفاكم تخاذلاً"، الجزء الثاني وجهته إلى الجيوش العربية الذين يجلسون في مقاعد المتفرجين ينظرون إلى بنات فلسطين وهن يدافعن عن الأقصى على حد وصفها ... وكان الجزء الثالث موجهاً إلى إسرائيل من خلال عمليتها البطولية التي نفذتها داخل الكيان الصهيوني بتاريخ 29/آذار/2002
الشهيدة "الأخرس" من مواليد 20-2-1985, الرابعة بين أخواتها السبع وإخوانها الثلاثة, عرفت بتفوقها الدراسي, حيث حصلت على تقدير امتياز في الفصل الأول لعامها الدراسي, ورغم معرفتها بموعد استشهادها فإنها واصلت مذاكرة دروسها, وقضت طوال ساعات آخر ليلة تذاكر دروسها, وذهبت إلى مدرستها لتحضر آخر درس تعليمي لتؤكد لزميلاتها أهمية العلم الذي أوصتهم به.
وحول ذلك تؤكد زميلاتها بضرورة الاهتمام بالدراسة, والحرص على إكمال مشوارهن التعليمي مهما ألم بهن من ظروف وأخطار.
وتضيف هيفاء التي ما زالت ترفض أن تصدق خبر استشهاد آيات: كانت آيات تحتفظ بكافة صور الشهداء في مقعدها الدراسي الذي كتبت عليه العديد من الشعارات التي تبين فضل الشهادة والشهداء, ولكن لم يدر بخلدي أنها تنوي أن تلحق بهم, فهي حريصة على تجميع صور الشهداء منذ مطلع الانتفاضة, وهي أشد حرصاً على أن تحصد أعلى الدرجات في المدرسة.
وفي يوم الاستشهاد امتزجت الزغاريد بالبكاء فاليوم عرسها, وإن لم تلبس الفستان الأبيض وتزف إلى عريسها الذي انتظر يوم زفافه ما يزيد على عام ونصف!! وارتدت بدلاً منه بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية, وتزينت بدمها الأحمر الحر لتحوله إلى عرس فلسطيني يدخل البهجة والفرح على قلب أم كل شهيد وجريح.
ففي شهر يوليو من العام 2002 كان المتوقع أن تقيم آيات محمد الأخرس حفل زفافها كأي فتاة في العالم, ولكنها أبت إلا أن تزف ببدلة الدم التي لا يزف بها مثلها, لتصنع مجد شعبها الفلسطيني بنجاحها في قتل وإصابة عشرات المحتلين الصهاينة في عملية بطولية ناجحة نفذتها في قلب الكيان الصهيوني.
عرس لا عزاء:
وفي بيت متواضع في مخيم الدهيشة أقيم عزاء الشهيدة آيات الأخرس، اعتقد الجميع أن يُسمع صوت العويل والصراخ على العروس التي لم تكتمل فرحتها, ولكن فوجئوا بصوت الزغاريد والغناء تطرب له الأذان على بعد أمتار من المنزل, ووالدة الشهيدة الصابرة المحتسبة تستقبل المهنئات لها, وتصف صباح آخر يوم خرجت فيه "آيات" من المنزل, فقالت: "استيقظت آيات مبكرة على غير عادتها, وإن لم تكن عينها قد عرفت النوم في هذه الليلة, وصلت الصبح, وجلست تقرأ ما تيسر لها من كتاب الله, وارتدت ملابسها المدرسية لتحضر ما فاتها من دروس، فاستوقفتها, فاليوم الجمعة عطلة رسمية في جميع مدارس الوطن! ولكنها أخبرتني أنه أهم أيام حياتها, فدعوت الله أن يوفقها ويرضى عنها"
وتكمل الأم: وما كدت أكمل هذه الجملة حتى لاحظت بريق عينيها وكأني دفعت بها الأمل, ووهبتها النجاح في هذه الكلمات, فنظرت إليّ بابتسامتها المشرقة, وقالت: هذا كل ما أريده منك يا أمي, وخرجت مسرعة تصاحبها شقيقتها سماح إلى المدرسة.
وداع سماح:
وتستطرد والدة الأخرس بعد أن سقطت دمعة من عينها أبت إلا السقوط: وعادت شقيقتها سماح مع تمام الساعة العاشرة بدونها, فخفت وبدأت دقات قلبي تتصارع، فالأوضاع الأمنية صعبة جداً, والمخيم يمكن أن يتعرض للاقتحام في أي لحظة, وغرقت في هاجس الخوف ووابل الأسئلة التي لا تنتهي أين ذهبت؟ وهل يعقل أن تكون قد نفذت ما تحلم به من الاستشهاد؟ ولكن كيف؟ وخطيبها؟ وملابس الفرح التي أعدتها؟ وأحلامها؟؟
وبينما الأم في صراعات بين صوت عقلها الذي ينفي, ودقات قلبها التي تؤكد قيامها بعملية إستشهادية, وإذ بوسائل الإعلام تعلن عن تنفيذ عملية إستشهادية في نتانيا, وأن منفذها فتاة, وتضيف الأم وقد اختنقت عبراتها بدموعها: فأيقنت أن آيات ذهبت ولن تعود, وأصبحت عروس فلسطين, فقد كانت مصممة على أن تنتقم لكل من "عيسى فرح" و "سائد عيد" اللذين استشهدا إثر قصف صاروخي لمنزلهما المجاور لنا.
ويشار إلى أن الشهيدة الأخرس كانت حريصة على أن تحتفظ بكافة أسماء وصور الشهداء, وخاصة الإستشهاديين الذين كانت تحلم بأن تصبح مثلهم, ولكن طبيعتها الأنثوية كانت أكبر عائق أمامها, فقضت أيامها شاردة الذهن غارقة في أحلام الشهادة حتى نجحت الشهيدة وفاء إدريس بتنفيذ أول عملية إستشهادية تنفذها فتاة فلسطينية، وزادت رغبتها في تعقب خطاهم, وحطمت كافة القيود الأمنية, واستطاعت أن تصل إلى قادة العمل العسكري, ليتم تجنيدها في كتائب شهداء الأقصى رغم رفضها السابق اتباع أي تنظيم سياسي أو المشاركة في الأنشطة الطلابية.
وأكدت والدة الأخرس أنها كانت تجاهد نفسها لتغطي حقيقة رغبتها بالشهادة التي لا تكف الحديث عنها, وقولها: "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا, وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت"
أما شقيقتها سماح طالبة الصف العاشر, وصديقتها المقربة, وحافظة سرها, فقد فقدت وعيها فور سماعها نبأ استشهاد شقيقتها آيات رغم علمها المسبق بنيتها تنفيذ عمليتها البطولية, وتصف لنا لحظات وداعها الأخير لها فتقول بصوت مخنوق بدموعها الحبيسة: رأيت النور يتلألأ في وجهها ويتهلل فرحاً لم أعهده من قبل, وهي تعطيني بعض حبات الشوكولاته, وتقول لي بصوت حنون: "صلي واسألي الله لي التوفيق". وقبل أن أسألها: على ماذا؟ قالت لي: اليوم ستبشرين بأحلى بشارة, فاليوم أحلى أيام عمري حيث انتظرته طويلاً, هل تودين أن أسلم لك على أحد؟ فرددت عليها باستهزاء: سلمي على الشهيد محمود والشهيد سائد, لأني على يقين أنها لن تجرؤ على تنفيذ عملية بطولية, فحلم الاستشهاد يراود كل فتاة وشاب, وقليل جداً من ينجح منهم. ثم سلمت علىّ سلاماً حاراً وغادرتني بسرعة لتذهب إلى فصلها.
وسكتت سماح برهة لتمسح دموعها التي أبت إلا أن تشاطرها أحزانها, وتابعت تقول: شعرت أن نظراتها غير طبيعية, وكأنها تودع كل ما حولها, لكني كنت أكذب أحاسيسي, فأي جرأة ستمتلكها لكي تنفذ عملية إستشهادية؟ ومن سيجندها, وهي ترفض الانضمام إلى منظمة الشبيبة الطلابية؟ ولكنها سرعان ما استدركت قائلة: هنيئا لها الشهادة, فجميعنا مشروع شهادة.
أما "شادي أبو لبن" زوج آيات المنتظر, فقبل ساعات قليلة من استشهادها كانا يحلقان معاً في فضاء أحلام حياتهما الزوجية وبيت الزوجية الذي لم ينتهيا بعد من وضع اللمسات الأخيرة له قبل أن يضمهما معاً في شهر يوليو القادم بعد انتهائها من تقديم امتحانات الثانوية العامة, وكاد صبرهما الذي مر عليه أكثر من عام ونصف أن ينفد, وحلما بالمولود البكر الذي اتفقا على تسميته "عدي" بعد مناقشات عديدة, وكيف سيربيانه ليصبح بطلاً يحرر الأقصى من قيد الاحتلال
ولكن فجأة وبدون مقدمات سقط شادي من فضاء حلمه على كابوس الإحتلال, ففتاة أحلامه زفت إلى غيره, وأصبحت عروس فلسطين, بعدما فجرت نفسها في قلب الكيان الصهيوني. وقال شادي بعبرات امتزجت بالدموع: "خططنا ان يتم الفرح بعد إنهائها امتحانات الثانوية العامة هذا العام, لكن يبدو أن الله تعالى كتب لنا شيئاً آخراً, لعلنا نلتقي في الجنة, كما كتبت لي في رسالتها الأخيرة"
وصمت شادي قليلا ليشخص بصره في "آيات" التي ما زال طيفها ماثلاً أمامه ليكمل: "كانت احب إلىّ من نفسي, عرفتها قوية الشخصية, شديدة العزيمة, ذكية, تعشق الوطن, محبة للحياة, تحلم بالأمان لأطفالها, لذلك كان كثيراً ما يقلقها العدوان الصهيوني". وأردف قائلا: "كلما حلمت بالمستقبل قطع حلمها الاستشهاد, فتسرقني من أحلام الزوجية إلى التحليق في العمليات الإستشهادية, وصور القتلى من العدو ودمائنا التي ستننزف بها معاً إلى الجنة, فنتواعد بتنفيذها معاً.
واستطرد شادي وقد أشرقت ابتسامة على وجهه المفعم بالحزن :لقد كانت في زيارتي الأخيرة أكثر إلحاحاً علي بأن أبقى بجوارها, وكلما هممت بالمغادرة كانت تطلب مني أن أبقى وألا أذهب, وكأنها تودعني, أو بالأحرى تريد لعيني أن تكتحل للمرة الأخيرة بنظراتها المشبعة بالحب لتبقى أخر عهدي بها". ورغم أن شادي حاول جاهداً أن يظهر الصبر والجلد على فراق آيات, ليبوح لنا بأمنيته الغالية: "كنت أتمنى أن أرافقها بطولتها, ونستشهد معاً.. فهنيئا لها الشهادة, وأسأل الله أن يلحقني بها قريباً..قريباً!!
وستبقى عروس فلسطين آيات الأخرس مثلا وقدوة لكل فتاة وشاب فلسطيني ينقب عن الأمن بين ركام مذابح المجرمين الصهاينه ويدفع دمه ومستقبله ثمناً لهذا الأمن.
وللأوطان في دم كل حرّ = يد سلفت ودين مستحق
بلاد مات فتيتها لتحيا=وزالوا دون قومهم ليبقوا
وللحرية الحمراء باب =بكل يد مضرجة يدقّ
.
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب وقع بيدي بعنوان استشهاديات رسمن طريق البطولة بالدم والجهاد بدأت اقرأ فيه وقد راعني ما وجدت رغم معرفتي مسبقا بمن ذكر ولكن إستوقفتني بعض التفاصيل ومن هذه التفاصيل أنقل حرفيا عن مجاهدة من فلسطين
آيات الأخرس
عروس بفستان الشهادة
هذه الصبية الفلسطينية الحسناء طالبة في الصف الثالث الثانوي، لخصت مأساة الفلسطينيين برسالة مفتوحة وجهتها إلى ثلاث جهات قبل أن تفجر نفسها في القدس. الجزء الأول من الرسالة وجهته إلى الحكام العرب قائلة "كفاكم تخاذلاً"، الجزء الثاني وجهته إلى الجيوش العربية الذين يجلسون في مقاعد المتفرجين ينظرون إلى بنات فلسطين وهن يدافعن عن الأقصى على حد وصفها ... وكان الجزء الثالث موجهاً إلى إسرائيل من خلال عمليتها البطولية التي نفذتها داخل الكيان الصهيوني بتاريخ 29/آذار/2002
الشهيدة "الأخرس" من مواليد 20-2-1985, الرابعة بين أخواتها السبع وإخوانها الثلاثة, عرفت بتفوقها الدراسي, حيث حصلت على تقدير امتياز في الفصل الأول لعامها الدراسي, ورغم معرفتها بموعد استشهادها فإنها واصلت مذاكرة دروسها, وقضت طوال ساعات آخر ليلة تذاكر دروسها, وذهبت إلى مدرستها لتحضر آخر درس تعليمي لتؤكد لزميلاتها أهمية العلم الذي أوصتهم به.
وحول ذلك تؤكد زميلاتها بضرورة الاهتمام بالدراسة, والحرص على إكمال مشوارهن التعليمي مهما ألم بهن من ظروف وأخطار.
وتضيف هيفاء التي ما زالت ترفض أن تصدق خبر استشهاد آيات: كانت آيات تحتفظ بكافة صور الشهداء في مقعدها الدراسي الذي كتبت عليه العديد من الشعارات التي تبين فضل الشهادة والشهداء, ولكن لم يدر بخلدي أنها تنوي أن تلحق بهم, فهي حريصة على تجميع صور الشهداء منذ مطلع الانتفاضة, وهي أشد حرصاً على أن تحصد أعلى الدرجات في المدرسة.
وفي يوم الاستشهاد امتزجت الزغاريد بالبكاء فاليوم عرسها, وإن لم تلبس الفستان الأبيض وتزف إلى عريسها الذي انتظر يوم زفافه ما يزيد على عام ونصف!! وارتدت بدلاً منه بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية, وتزينت بدمها الأحمر الحر لتحوله إلى عرس فلسطيني يدخل البهجة والفرح على قلب أم كل شهيد وجريح.
ففي شهر يوليو من العام 2002 كان المتوقع أن تقيم آيات محمد الأخرس حفل زفافها كأي فتاة في العالم, ولكنها أبت إلا أن تزف ببدلة الدم التي لا يزف بها مثلها, لتصنع مجد شعبها الفلسطيني بنجاحها في قتل وإصابة عشرات المحتلين الصهاينة في عملية بطولية ناجحة نفذتها في قلب الكيان الصهيوني.
عرس لا عزاء:
وفي بيت متواضع في مخيم الدهيشة أقيم عزاء الشهيدة آيات الأخرس، اعتقد الجميع أن يُسمع صوت العويل والصراخ على العروس التي لم تكتمل فرحتها, ولكن فوجئوا بصوت الزغاريد والغناء تطرب له الأذان على بعد أمتار من المنزل, ووالدة الشهيدة الصابرة المحتسبة تستقبل المهنئات لها, وتصف صباح آخر يوم خرجت فيه "آيات" من المنزل, فقالت: "استيقظت آيات مبكرة على غير عادتها, وإن لم تكن عينها قد عرفت النوم في هذه الليلة, وصلت الصبح, وجلست تقرأ ما تيسر لها من كتاب الله, وارتدت ملابسها المدرسية لتحضر ما فاتها من دروس، فاستوقفتها, فاليوم الجمعة عطلة رسمية في جميع مدارس الوطن! ولكنها أخبرتني أنه أهم أيام حياتها, فدعوت الله أن يوفقها ويرضى عنها"
وتكمل الأم: وما كدت أكمل هذه الجملة حتى لاحظت بريق عينيها وكأني دفعت بها الأمل, ووهبتها النجاح في هذه الكلمات, فنظرت إليّ بابتسامتها المشرقة, وقالت: هذا كل ما أريده منك يا أمي, وخرجت مسرعة تصاحبها شقيقتها سماح إلى المدرسة.
وداع سماح:
وتستطرد والدة الأخرس بعد أن سقطت دمعة من عينها أبت إلا السقوط: وعادت شقيقتها سماح مع تمام الساعة العاشرة بدونها, فخفت وبدأت دقات قلبي تتصارع، فالأوضاع الأمنية صعبة جداً, والمخيم يمكن أن يتعرض للاقتحام في أي لحظة, وغرقت في هاجس الخوف ووابل الأسئلة التي لا تنتهي أين ذهبت؟ وهل يعقل أن تكون قد نفذت ما تحلم به من الاستشهاد؟ ولكن كيف؟ وخطيبها؟ وملابس الفرح التي أعدتها؟ وأحلامها؟؟
وبينما الأم في صراعات بين صوت عقلها الذي ينفي, ودقات قلبها التي تؤكد قيامها بعملية إستشهادية, وإذ بوسائل الإعلام تعلن عن تنفيذ عملية إستشهادية في نتانيا, وأن منفذها فتاة, وتضيف الأم وقد اختنقت عبراتها بدموعها: فأيقنت أن آيات ذهبت ولن تعود, وأصبحت عروس فلسطين, فقد كانت مصممة على أن تنتقم لكل من "عيسى فرح" و "سائد عيد" اللذين استشهدا إثر قصف صاروخي لمنزلهما المجاور لنا.
ويشار إلى أن الشهيدة الأخرس كانت حريصة على أن تحتفظ بكافة أسماء وصور الشهداء, وخاصة الإستشهاديين الذين كانت تحلم بأن تصبح مثلهم, ولكن طبيعتها الأنثوية كانت أكبر عائق أمامها, فقضت أيامها شاردة الذهن غارقة في أحلام الشهادة حتى نجحت الشهيدة وفاء إدريس بتنفيذ أول عملية إستشهادية تنفذها فتاة فلسطينية، وزادت رغبتها في تعقب خطاهم, وحطمت كافة القيود الأمنية, واستطاعت أن تصل إلى قادة العمل العسكري, ليتم تجنيدها في كتائب شهداء الأقصى رغم رفضها السابق اتباع أي تنظيم سياسي أو المشاركة في الأنشطة الطلابية.
وأكدت والدة الأخرس أنها كانت تجاهد نفسها لتغطي حقيقة رغبتها بالشهادة التي لا تكف الحديث عنها, وقولها: "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا, وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت"
أما شقيقتها سماح طالبة الصف العاشر, وصديقتها المقربة, وحافظة سرها, فقد فقدت وعيها فور سماعها نبأ استشهاد شقيقتها آيات رغم علمها المسبق بنيتها تنفيذ عمليتها البطولية, وتصف لنا لحظات وداعها الأخير لها فتقول بصوت مخنوق بدموعها الحبيسة: رأيت النور يتلألأ في وجهها ويتهلل فرحاً لم أعهده من قبل, وهي تعطيني بعض حبات الشوكولاته, وتقول لي بصوت حنون: "صلي واسألي الله لي التوفيق". وقبل أن أسألها: على ماذا؟ قالت لي: اليوم ستبشرين بأحلى بشارة, فاليوم أحلى أيام عمري حيث انتظرته طويلاً, هل تودين أن أسلم لك على أحد؟ فرددت عليها باستهزاء: سلمي على الشهيد محمود والشهيد سائد, لأني على يقين أنها لن تجرؤ على تنفيذ عملية بطولية, فحلم الاستشهاد يراود كل فتاة وشاب, وقليل جداً من ينجح منهم. ثم سلمت علىّ سلاماً حاراً وغادرتني بسرعة لتذهب إلى فصلها.
وسكتت سماح برهة لتمسح دموعها التي أبت إلا أن تشاطرها أحزانها, وتابعت تقول: شعرت أن نظراتها غير طبيعية, وكأنها تودع كل ما حولها, لكني كنت أكذب أحاسيسي, فأي جرأة ستمتلكها لكي تنفذ عملية إستشهادية؟ ومن سيجندها, وهي ترفض الانضمام إلى منظمة الشبيبة الطلابية؟ ولكنها سرعان ما استدركت قائلة: هنيئا لها الشهادة, فجميعنا مشروع شهادة.
أما "شادي أبو لبن" زوج آيات المنتظر, فقبل ساعات قليلة من استشهادها كانا يحلقان معاً في فضاء أحلام حياتهما الزوجية وبيت الزوجية الذي لم ينتهيا بعد من وضع اللمسات الأخيرة له قبل أن يضمهما معاً في شهر يوليو القادم بعد انتهائها من تقديم امتحانات الثانوية العامة, وكاد صبرهما الذي مر عليه أكثر من عام ونصف أن ينفد, وحلما بالمولود البكر الذي اتفقا على تسميته "عدي" بعد مناقشات عديدة, وكيف سيربيانه ليصبح بطلاً يحرر الأقصى من قيد الاحتلال
ولكن فجأة وبدون مقدمات سقط شادي من فضاء حلمه على كابوس الإحتلال, ففتاة أحلامه زفت إلى غيره, وأصبحت عروس فلسطين, بعدما فجرت نفسها في قلب الكيان الصهيوني. وقال شادي بعبرات امتزجت بالدموع: "خططنا ان يتم الفرح بعد إنهائها امتحانات الثانوية العامة هذا العام, لكن يبدو أن الله تعالى كتب لنا شيئاً آخراً, لعلنا نلتقي في الجنة, كما كتبت لي في رسالتها الأخيرة"
وصمت شادي قليلا ليشخص بصره في "آيات" التي ما زال طيفها ماثلاً أمامه ليكمل: "كانت احب إلىّ من نفسي, عرفتها قوية الشخصية, شديدة العزيمة, ذكية, تعشق الوطن, محبة للحياة, تحلم بالأمان لأطفالها, لذلك كان كثيراً ما يقلقها العدوان الصهيوني". وأردف قائلا: "كلما حلمت بالمستقبل قطع حلمها الاستشهاد, فتسرقني من أحلام الزوجية إلى التحليق في العمليات الإستشهادية, وصور القتلى من العدو ودمائنا التي ستننزف بها معاً إلى الجنة, فنتواعد بتنفيذها معاً.
واستطرد شادي وقد أشرقت ابتسامة على وجهه المفعم بالحزن :لقد كانت في زيارتي الأخيرة أكثر إلحاحاً علي بأن أبقى بجوارها, وكلما هممت بالمغادرة كانت تطلب مني أن أبقى وألا أذهب, وكأنها تودعني, أو بالأحرى تريد لعيني أن تكتحل للمرة الأخيرة بنظراتها المشبعة بالحب لتبقى أخر عهدي بها". ورغم أن شادي حاول جاهداً أن يظهر الصبر والجلد على فراق آيات, ليبوح لنا بأمنيته الغالية: "كنت أتمنى أن أرافقها بطولتها, ونستشهد معاً.. فهنيئا لها الشهادة, وأسأل الله أن يلحقني بها قريباً..قريباً!!
وستبقى عروس فلسطين آيات الأخرس مثلا وقدوة لكل فتاة وشاب فلسطيني ينقب عن الأمن بين ركام مذابح المجرمين الصهاينه ويدفع دمه ومستقبله ثمناً لهذا الأمن.
وللأوطان في دم كل حرّ = يد سلفت ودين مستحق
بلاد مات فتيتها لتحيا=وزالوا دون قومهم ليبقوا
وللحرية الحمراء باب =بكل يد مضرجة يدقّ
.
.