أبو يوسف
31-10-2010, 03:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.=.
وطاوِي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ=بِتَيْهاءَ لَم يَعرِفْ بِها ساكِنٌ رَسْما
أَخي جَفوَةٍ فيهِ مِنَ الإِنسِ وَحشَةٌ=يَرى البُؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعمى
وَأَفرَدَ في شِعبٍ عَجُوزاً إِزاءها=ثَلاثَةُ أَشباحٍ تَخالُهُمُ بَهْما
رَأى شَبَحاً وَسْطَ الظَّلامِ فَراعَهُ=فَلَمّا بَدا ضَيفاً تَسَوَّرَ واهْتَمّا
وقالَ ابْنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ=أَيا أَبَتِ اذْبَحْني وَيَسِّرْ لَهُ طُعْما
ولا تَعتَذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَرا=يَظُنُّ لَنا مالاً فَيوسِعُنا ذَمّا
فَرَوَّى قَليلاً ثُمَّ أَجْحمَ بُرهَةً=وإِنْ هُوَ لَم يَذبَحْ فَتاهُ فَقَد هَمَّا
فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ=قَدِ انتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظْما
عِطاشاً تُريدُ الماءَ فَانْسابَ نَحوَها=عَلى أَنَّهُ مِنها إِلى دَمِها أَظْما
فَأَمْهَلَها حَتّى تَرَوَّت عِطاشُها=فَأَرسَلَ فيها مِن كِنانَتِهِ سَهما
فَخَرَّت نَحوصٌ ذاتُ جَحشٍ سَمينَةٌ=قَدِ اكْتَنَزَت لَحماً وَقَد طُبِّقَت شَحْما
فَيا بِشْرَهُ إِذْ جَرَّها نَحوَ قَومِهِ=وَيا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلْمَها يَدْمَى
فَباتَوا كِراماً قَد قَضَوْا حَقَّ ضَيْفِهِم=فَلَم يَغْرَموا غُرْماً وَقَد غَنِموا غُنْما
وباتَ أَبوهُمْ مِن بَشاشَتِهِ أَباً=لِضَيفِهِمُ والأُمُّ مِن بِشْرِها أُمّا
.=.
مما أعجبني هذه القصيدة التي سُجّلت وعُرفت بأنها من أروع وأبدع روائع
الشعر العربي ..
(وهذا لا يعني بحال تفضيل شاعرها بالمطلق على باقي الشعراء).
لقد بلغت هذه القصيدة النهاية في البلاغة إذ أن كل بيت فيها يحتاج لو حُلَّ
إلى حبر كثير إضافة إلى براعة ودقة التصوير حيث كل بيت فيها يجعل القارئ
أو السامع يتخيل المشهد وكأنه ماثلٌ أمام عينيه ولنأخذ هذا البيت مثالا:
فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ=قَدِ انتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظْما
فبينما هما في أخذ ورد وشد وجذب وإقدام وإحجام و..و.. ظهر من بعيد
قطيعٌ من حمر الوحش قد انتظمت ذكوره وإناثه صفّا خلف قائد القطيع..
ألا ترون معي أن المشهد ماثلٌ أمام أعيننا وكأننا هناك ننظر إلى الرجل وابنه
ونرى ما هما فيه من حوار ثم نتفاجأ معهما بهذا القطيع الذي ظهر فجأة من بعيد؟؟
ولو تابعنا للبيت الذي بعده لازدادت الصورة روعة وجمالا، وكل أبياته تحوي هذا
الضرب من التصوير الدقيق الذي يشبه النقل التلفزيوني المباشر.
ولو لم يكن في هذه القصيدة إلا أمران لكانت أروع ما اختير:
- الأمر الأول: قائلها، فهو مضرب المثل في البخل إلا أنه صور الكرم العربي
بطريقة لا أعتقد أنه يوجد أجمل ولا أبلغ و لا أروع منها، والشاعر الذي
يستطيع تصوير شيء ليس من صفاته هو شاعر مفلق مفضل لأنه صور لنا ما
لا يعرفه وما لم يستشعره وما لم يحسّ به في حياته وكان موفقا غاية التوفيق.
- الأمر الثاني: أسلوب القص في القصيدة حيث جاءت على شكل قصة
رائعة لو كُلِّف بكتابتها ناثرٌ ما استطاع أن يحكيها بهذه التفاصيل الدقيقة
وبهذا التسلسل المترقرق الخالي من التكلف والتذبذب والانقطاع..
ولو أنشد أحدنا القصيدة لوجدها تجري على لسانه كالماء الرقراق عذوبةً
وانسيابا وهذا لتآلف ألفاظها ودقة اختيار كلماتها، كما أنها ذات إيقاع
موسيقي مطرب متناغم مع تسلسل القصة يطرِب المنشدَ والسامعَ.
في هذه القصيدة كل التفاعلات الحركية والقلبية والمؤثرات الصوتية والبصرية
والأحوال البيئية والجوية وكذلك الأسرية !
الصحراء / العزلة / الفقر / الجوع / البؤس / العزة / الأنفة / الإيثار / الكرم / الحوار الأسري
/الأبوة / البر / النباهة / دقة الملاحظة / الترصد / الرفق بالحيوان ! / مهارة الرمي / القوة الجسمانية / السمر / النهاية السعيدة
كل هذه المعاني مزجت بسلاف هذه القصيدة
منقول ..
..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.=.
وطاوِي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ=بِتَيْهاءَ لَم يَعرِفْ بِها ساكِنٌ رَسْما
أَخي جَفوَةٍ فيهِ مِنَ الإِنسِ وَحشَةٌ=يَرى البُؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعمى
وَأَفرَدَ في شِعبٍ عَجُوزاً إِزاءها=ثَلاثَةُ أَشباحٍ تَخالُهُمُ بَهْما
رَأى شَبَحاً وَسْطَ الظَّلامِ فَراعَهُ=فَلَمّا بَدا ضَيفاً تَسَوَّرَ واهْتَمّا
وقالَ ابْنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ=أَيا أَبَتِ اذْبَحْني وَيَسِّرْ لَهُ طُعْما
ولا تَعتَذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَرا=يَظُنُّ لَنا مالاً فَيوسِعُنا ذَمّا
فَرَوَّى قَليلاً ثُمَّ أَجْحمَ بُرهَةً=وإِنْ هُوَ لَم يَذبَحْ فَتاهُ فَقَد هَمَّا
فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ=قَدِ انتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظْما
عِطاشاً تُريدُ الماءَ فَانْسابَ نَحوَها=عَلى أَنَّهُ مِنها إِلى دَمِها أَظْما
فَأَمْهَلَها حَتّى تَرَوَّت عِطاشُها=فَأَرسَلَ فيها مِن كِنانَتِهِ سَهما
فَخَرَّت نَحوصٌ ذاتُ جَحشٍ سَمينَةٌ=قَدِ اكْتَنَزَت لَحماً وَقَد طُبِّقَت شَحْما
فَيا بِشْرَهُ إِذْ جَرَّها نَحوَ قَومِهِ=وَيا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلْمَها يَدْمَى
فَباتَوا كِراماً قَد قَضَوْا حَقَّ ضَيْفِهِم=فَلَم يَغْرَموا غُرْماً وَقَد غَنِموا غُنْما
وباتَ أَبوهُمْ مِن بَشاشَتِهِ أَباً=لِضَيفِهِمُ والأُمُّ مِن بِشْرِها أُمّا
.=.
مما أعجبني هذه القصيدة التي سُجّلت وعُرفت بأنها من أروع وأبدع روائع
الشعر العربي ..
(وهذا لا يعني بحال تفضيل شاعرها بالمطلق على باقي الشعراء).
لقد بلغت هذه القصيدة النهاية في البلاغة إذ أن كل بيت فيها يحتاج لو حُلَّ
إلى حبر كثير إضافة إلى براعة ودقة التصوير حيث كل بيت فيها يجعل القارئ
أو السامع يتخيل المشهد وكأنه ماثلٌ أمام عينيه ولنأخذ هذا البيت مثالا:
فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ=قَدِ انتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظْما
فبينما هما في أخذ ورد وشد وجذب وإقدام وإحجام و..و.. ظهر من بعيد
قطيعٌ من حمر الوحش قد انتظمت ذكوره وإناثه صفّا خلف قائد القطيع..
ألا ترون معي أن المشهد ماثلٌ أمام أعيننا وكأننا هناك ننظر إلى الرجل وابنه
ونرى ما هما فيه من حوار ثم نتفاجأ معهما بهذا القطيع الذي ظهر فجأة من بعيد؟؟
ولو تابعنا للبيت الذي بعده لازدادت الصورة روعة وجمالا، وكل أبياته تحوي هذا
الضرب من التصوير الدقيق الذي يشبه النقل التلفزيوني المباشر.
ولو لم يكن في هذه القصيدة إلا أمران لكانت أروع ما اختير:
- الأمر الأول: قائلها، فهو مضرب المثل في البخل إلا أنه صور الكرم العربي
بطريقة لا أعتقد أنه يوجد أجمل ولا أبلغ و لا أروع منها، والشاعر الذي
يستطيع تصوير شيء ليس من صفاته هو شاعر مفلق مفضل لأنه صور لنا ما
لا يعرفه وما لم يستشعره وما لم يحسّ به في حياته وكان موفقا غاية التوفيق.
- الأمر الثاني: أسلوب القص في القصيدة حيث جاءت على شكل قصة
رائعة لو كُلِّف بكتابتها ناثرٌ ما استطاع أن يحكيها بهذه التفاصيل الدقيقة
وبهذا التسلسل المترقرق الخالي من التكلف والتذبذب والانقطاع..
ولو أنشد أحدنا القصيدة لوجدها تجري على لسانه كالماء الرقراق عذوبةً
وانسيابا وهذا لتآلف ألفاظها ودقة اختيار كلماتها، كما أنها ذات إيقاع
موسيقي مطرب متناغم مع تسلسل القصة يطرِب المنشدَ والسامعَ.
في هذه القصيدة كل التفاعلات الحركية والقلبية والمؤثرات الصوتية والبصرية
والأحوال البيئية والجوية وكذلك الأسرية !
الصحراء / العزلة / الفقر / الجوع / البؤس / العزة / الأنفة / الإيثار / الكرم / الحوار الأسري
/الأبوة / البر / النباهة / دقة الملاحظة / الترصد / الرفق بالحيوان ! / مهارة الرمي / القوة الجسمانية / السمر / النهاية السعيدة
كل هذه المعاني مزجت بسلاف هذه القصيدة
منقول ..
..