الوئــام
29-12-2010, 10:53 AM
شعراء يكفكفون دموع اليتامى شعراً
أنا اليتيم وما لدربي عناوين
الشعر الخالد كان ولا يزال ذلك الشعر الذي يحمل بين طيّاته رسالة مؤثرة أو صورة معبرة تستحِث المتلقي وتُحرِك في دواخله الكامن من المشاعر التي تتحول إلى مُحرِض يدفعه للبذل والعطاء إن اقتضى الأمر بذلاً أو وصل ووفاء إن اقتضى الأمر وصلاً...
هذا ويُعد موضوع اليتيم من أبرز الموضوعات الإنسانية والاجتماعية التي أسهب الشعراء في تناولها من خلال قصائد شعرية لها وقع السحر في النفوس بما حملته من تصوير صادق ومعبر للحالة النفسية التي يمر بها اليتيم وأقصد به هنا من فقد أحد والديه أو كلاهما مما حدا به إلى الانطواء على نفسه وانعزال الناس نتيجة لشعوره وإحساسه الداخلي بفقدان الأمان أو الحنان أو كلاهما وبالأخص عندما يكون اليتيم لا يزال طفلاً صغيراً غير قادر على الاعتماد على نفسه وخدمتها مقارنةً بالأطفال الذين يعيشون في كنف والديهم وفي السطور القادمة وقفة مع عدد من الشعراء الذين صوروا حال اليتيم بعدسة قصائدهم إما لكونهم عانوا من ذات التجربة المريرة وأقصد بها تجربة اليُتم أو لكونهم عايشوا حالات مرّت بذات التجربة فانهمرت دموعهم شعراً انسكب على أديم الورق فكان له بالغ الأثر في النفس والحِس والنماذج الشعرية كثيرة نستهلها أولاً بقصيدة للشاعر ثنيان بن سرور الرشيدي وقد كتبهـا الشاعر في ابن أخيه بندر عند وفاة والده حيث يقول مواسياً لابن أخيه:
يا بندر العب وجـور الوقـت لا يهمـك
لاتفكـر انـك يتيـم وفاقـدٍ والــي
العب وخل الشقـا كلـه علـى عمـك
تراك غالـي وأمانـة والأبـو غالـي
لو تعرف اشعور عمك كلمـا ضمـك
ولله لتـــــرتـاح لا تفــــــكــــــــر ولا تبـــــــــالـي
عطني اهمومك وسهر اعيونك وغمـك
واقسم لي المر وأنا اقسـم لـك الحالـي
وإن كان مـــــــا اوفيت في عهدي وأنا عمـك
مانـي برجـال لـو ينقال رجـالـي
أما الشاعر فؤاد قاسم الزهيري فله قصيدة كتبها بلسان حال اليتيم من تجربةً صادقة إذ أنه كما قال عاش طفولة الحرمان لموت والده وهو في سن الثالثة من العمر فلم يعرف وجه والده «رحمه الله» فذاق مرارة اليتم لذا كتب هذه القصيدة التي عبر من خلالها عن كل يتيمٍ في هذه الدنيا وهي بعنوان «طفولة الحرمان» اخترت لكم منها الأبيات التالية:
خيوط ثوب الليل من أحزاني
اليتمُ حاك نسيجه فكساني
والدمع ينحت لوحةً للحزن في
خدي ملخصةً بها أشجاني
يا نجم أين أبي الحنون بقلبه
من لوْ رآني معذباً لفداني
لما أرى الأطفال بين رياضهم
كالزهر مبتسماً من الولهانِ
حاولت أرسم في الخيال سعادةً
من طيفها أنسى عنا حرماني
لكنْ بنار القهر ذابت أدمعي
فمحت رسوم سعادةٍ بجناني
ثم نجده يختم أبياته برسالة إلى أصحاب القلوب الرحيمة خصيصاً يحثهم فيها على كفالة يتيم ومقدار الأجر والثواب الذي ينتظر كافل اليتيم في الجنة حيث يقول :
فعصرت باقي الروح حبر قصيدةٍ
عنْ قصتي تحكي مدى الأزمانِ
أنشدت عن حالي لتسمع بي الدنا
أدعو أخ الإسلام لا ينساني
فكفالة الأيتام خير تجارةِ
كفلت بأرباحِ من الرحمنٍ
فلكافلي البشرى برفقة أحمدٍ
في جنة الفردوس والرضوانٍ
بلسان حالٍ لليتيم بحرقةٍ
إني أخاطب مهجة الإنسانٍ
... ومن زاوية أخرى نجد شاعر آخر يصور مشهد إنساني جمعه بيتيم فقد أمه وحنّ إلى تلك الأيام التي شهدت أروع اللحظات العاطفية فيقول على لسان الشاعر :
يقول كيف افرح وأنا ريحـة الشـال
أشمها حتـى بمكـان الدراسة
وأتذكر ليـا لبستنـي وأنا اختـال
من فرحتي بالعيد في وسـط ناسـه
وأتذكر كلمتها «متى تصير رجال»؟
متى تشيل الحمـل وتـدق ساسـه
راحت وخلتني وأنا كيـف باحتـال
مادام مالي .. أم .. وين الو ناسة؟
والحديث عن اليتيم في نصوص الشعراء يطول ولا يتسع المقام للتطرق لكل ما جاء حوله من أبيات ومقطوعات تتضمن تصويراً للمعاناة أو مواساةً لصاحبها غير أنني أختم حديثي بقصيدة لي كنتُ قد نظمتها حول ذات الموضوع وعنونتها بـ«دموع وشموع» أقول فيها :
بين النخيلِ رأيتُ طفلاً باكياً
مـا زاورت أركــانَـــه الأطيـــارُ
لازال منطويـــاً ويبـكــي حـرقـــةً
فكــأنّ صوت نحيبــهِ إعصـارُ
فدنــوتُ منــهُ سـألتهُ عــن أمـرهِ
لِـمَ يـا صغيــري تشتكي وتحارُُ
قـل لي بربـك ما الحكــاية ربمــا
عــونًا أكـــونُ وللسقــامِ عقـــارُ
قـال: الحكـــايــة أنني فـي دُنيتـي
وحــــدي يــتـــيــــمٌ لا أبٌ لا دارُ
لا أمَّ تحويـني بحضــنٍ دافــئ
لا قـلب يؤوينـــي ولا أبصـــــــارُ
وحدي مع الأحزانِ أشربُ علقما
ودمـــوعُ عينــي مــاؤُها مـدرارُ
وهنـاكَ قلتُ لهُ رويــدك يـا أخي
كفكـف دمـــوعك فـالحيــاةُ قطــارُ
لا تنحنــي لليــأسِ هيـــا وابتسِّـم
مـا اليُــتـمُ داءٌ عـــائـقٌ أو عـــارُ
صبراً صغيري فـالحيـاةُ جميلـةٌ
وغـداً ستعبـقُ فـي المـدى أزهـارُ
أو مـا رأيــتَ الرعد بعد هزيمهِ
بـرقُ تـلاهُ و تنزِلُ الأمطــــارُ
وانظر إلى صنع الإلهِ وخلقهِ
إنّ الجمـــالَ تبــيـــدهُ الأكـــــدارُ
أمرُ الإلهِ هو الذي يجري فلا
تحـزن إذا عصفـت بــك الأقــــــدارُ
إنّ الحيـــاةَ بِِحِـلوِها وبِمـُرِهـا
كـالنهـرِ خـالـط مــاءَهُ الأحجــــارُ
بقلم / نجاة الماجد
تم نشر المقال في صحيفة الصباح الكويتية
أنا اليتيم وما لدربي عناوين
الشعر الخالد كان ولا يزال ذلك الشعر الذي يحمل بين طيّاته رسالة مؤثرة أو صورة معبرة تستحِث المتلقي وتُحرِك في دواخله الكامن من المشاعر التي تتحول إلى مُحرِض يدفعه للبذل والعطاء إن اقتضى الأمر بذلاً أو وصل ووفاء إن اقتضى الأمر وصلاً...
هذا ويُعد موضوع اليتيم من أبرز الموضوعات الإنسانية والاجتماعية التي أسهب الشعراء في تناولها من خلال قصائد شعرية لها وقع السحر في النفوس بما حملته من تصوير صادق ومعبر للحالة النفسية التي يمر بها اليتيم وأقصد به هنا من فقد أحد والديه أو كلاهما مما حدا به إلى الانطواء على نفسه وانعزال الناس نتيجة لشعوره وإحساسه الداخلي بفقدان الأمان أو الحنان أو كلاهما وبالأخص عندما يكون اليتيم لا يزال طفلاً صغيراً غير قادر على الاعتماد على نفسه وخدمتها مقارنةً بالأطفال الذين يعيشون في كنف والديهم وفي السطور القادمة وقفة مع عدد من الشعراء الذين صوروا حال اليتيم بعدسة قصائدهم إما لكونهم عانوا من ذات التجربة المريرة وأقصد بها تجربة اليُتم أو لكونهم عايشوا حالات مرّت بذات التجربة فانهمرت دموعهم شعراً انسكب على أديم الورق فكان له بالغ الأثر في النفس والحِس والنماذج الشعرية كثيرة نستهلها أولاً بقصيدة للشاعر ثنيان بن سرور الرشيدي وقد كتبهـا الشاعر في ابن أخيه بندر عند وفاة والده حيث يقول مواسياً لابن أخيه:
يا بندر العب وجـور الوقـت لا يهمـك
لاتفكـر انـك يتيـم وفاقـدٍ والــي
العب وخل الشقـا كلـه علـى عمـك
تراك غالـي وأمانـة والأبـو غالـي
لو تعرف اشعور عمك كلمـا ضمـك
ولله لتـــــرتـاح لا تفــــــكــــــــر ولا تبـــــــــالـي
عطني اهمومك وسهر اعيونك وغمـك
واقسم لي المر وأنا اقسـم لـك الحالـي
وإن كان مـــــــا اوفيت في عهدي وأنا عمـك
مانـي برجـال لـو ينقال رجـالـي
أما الشاعر فؤاد قاسم الزهيري فله قصيدة كتبها بلسان حال اليتيم من تجربةً صادقة إذ أنه كما قال عاش طفولة الحرمان لموت والده وهو في سن الثالثة من العمر فلم يعرف وجه والده «رحمه الله» فذاق مرارة اليتم لذا كتب هذه القصيدة التي عبر من خلالها عن كل يتيمٍ في هذه الدنيا وهي بعنوان «طفولة الحرمان» اخترت لكم منها الأبيات التالية:
خيوط ثوب الليل من أحزاني
اليتمُ حاك نسيجه فكساني
والدمع ينحت لوحةً للحزن في
خدي ملخصةً بها أشجاني
يا نجم أين أبي الحنون بقلبه
من لوْ رآني معذباً لفداني
لما أرى الأطفال بين رياضهم
كالزهر مبتسماً من الولهانِ
حاولت أرسم في الخيال سعادةً
من طيفها أنسى عنا حرماني
لكنْ بنار القهر ذابت أدمعي
فمحت رسوم سعادةٍ بجناني
ثم نجده يختم أبياته برسالة إلى أصحاب القلوب الرحيمة خصيصاً يحثهم فيها على كفالة يتيم ومقدار الأجر والثواب الذي ينتظر كافل اليتيم في الجنة حيث يقول :
فعصرت باقي الروح حبر قصيدةٍ
عنْ قصتي تحكي مدى الأزمانِ
أنشدت عن حالي لتسمع بي الدنا
أدعو أخ الإسلام لا ينساني
فكفالة الأيتام خير تجارةِ
كفلت بأرباحِ من الرحمنٍ
فلكافلي البشرى برفقة أحمدٍ
في جنة الفردوس والرضوانٍ
بلسان حالٍ لليتيم بحرقةٍ
إني أخاطب مهجة الإنسانٍ
... ومن زاوية أخرى نجد شاعر آخر يصور مشهد إنساني جمعه بيتيم فقد أمه وحنّ إلى تلك الأيام التي شهدت أروع اللحظات العاطفية فيقول على لسان الشاعر :
يقول كيف افرح وأنا ريحـة الشـال
أشمها حتـى بمكـان الدراسة
وأتذكر ليـا لبستنـي وأنا اختـال
من فرحتي بالعيد في وسـط ناسـه
وأتذكر كلمتها «متى تصير رجال»؟
متى تشيل الحمـل وتـدق ساسـه
راحت وخلتني وأنا كيـف باحتـال
مادام مالي .. أم .. وين الو ناسة؟
والحديث عن اليتيم في نصوص الشعراء يطول ولا يتسع المقام للتطرق لكل ما جاء حوله من أبيات ومقطوعات تتضمن تصويراً للمعاناة أو مواساةً لصاحبها غير أنني أختم حديثي بقصيدة لي كنتُ قد نظمتها حول ذات الموضوع وعنونتها بـ«دموع وشموع» أقول فيها :
بين النخيلِ رأيتُ طفلاً باكياً
مـا زاورت أركــانَـــه الأطيـــارُ
لازال منطويـــاً ويبـكــي حـرقـــةً
فكــأنّ صوت نحيبــهِ إعصـارُ
فدنــوتُ منــهُ سـألتهُ عــن أمـرهِ
لِـمَ يـا صغيــري تشتكي وتحارُُ
قـل لي بربـك ما الحكــاية ربمــا
عــونًا أكـــونُ وللسقــامِ عقـــارُ
قـال: الحكـــايــة أنني فـي دُنيتـي
وحــــدي يــتـــيــــمٌ لا أبٌ لا دارُ
لا أمَّ تحويـني بحضــنٍ دافــئ
لا قـلب يؤوينـــي ولا أبصـــــــارُ
وحدي مع الأحزانِ أشربُ علقما
ودمـــوعُ عينــي مــاؤُها مـدرارُ
وهنـاكَ قلتُ لهُ رويــدك يـا أخي
كفكـف دمـــوعك فـالحيــاةُ قطــارُ
لا تنحنــي لليــأسِ هيـــا وابتسِّـم
مـا اليُــتـمُ داءٌ عـــائـقٌ أو عـــارُ
صبراً صغيري فـالحيـاةُ جميلـةٌ
وغـداً ستعبـقُ فـي المـدى أزهـارُ
أو مـا رأيــتَ الرعد بعد هزيمهِ
بـرقُ تـلاهُ و تنزِلُ الأمطــــارُ
وانظر إلى صنع الإلهِ وخلقهِ
إنّ الجمـــالَ تبــيـــدهُ الأكـــــدارُ
أمرُ الإلهِ هو الذي يجري فلا
تحـزن إذا عصفـت بــك الأقــــــدارُ
إنّ الحيـــاةَ بِِحِـلوِها وبِمـُرِهـا
كـالنهـرِ خـالـط مــاءَهُ الأحجــــارُ
بقلم / نجاة الماجد
تم نشر المقال في صحيفة الصباح الكويتية