المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أراد الشعب الحياة يا ابا القاسم الشابي


أبو يوسف
17-01-2011, 03:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في مثل اليوم الذي تداعي فيه نظام "ابن علي" على يد الشعب التونسي كتب قبل ثلاثة وثمانين عاماً فتى تونس الشاب (أبو القاسم الشابي) رحمه الله قصيدة عنونها بهذا العنوان الغريب! «وقالت الأيام»!!
عدت إلى أشعار أبي القاسم الذي لم يكد يبلغ الخامسة والعشرين من عمره حتى أسلم الروح إلى باريها بعد جهد جهيد من مصارعة الحياة بالبدن المنهك والقلب المتزعزع!
في الثامن من يناير ليس في عام 2011 وإنما في 1928 بعث حكيم الأدب التونسي برسالة إلى المتعنت في "قرطاج" رسالة إليه من قبل أن يكون عنوانها "قالت الأيام"، يقول فيها:

يا أيها السادر في غيه!
ياواقفاً فوق حطام الجباه!

مهلاً ففي أنّات من دستهم
صوتٌ رهيب سوف يدوي صداه...
* * *
لا تأمننّ الدهر، إما غفا
في كهفه الداجي، وطالت رؤاه

فإن قضى اليوم وما قبله
ففي الغد الحيّ صباح الحياهْ

* * *
يا أيها الجبار لا تزدري
فالحق جبار طويل الأناهْ
يغفي، وفي أجفانه يقظة
ترنو إلى الفجر الذي تراه...

وبعد هذا الإنذار الذي جاء في وسط المعمعة.. دوّى ذلك الصوت الرهيب! كما توعده الفتى! فكتب إليه! في الثامن عشر من فبراير [!] بعد سقوطه المريع رسالة يذكره برسالته السابقة ولكنه هذه المرة جعل عنوانها "إلى الطاغية" يقول فيها:

يقولون: «صوت المستذَلين خافتٌ
وسمع طغاة الأرض [أطرش] أضخمُ»

وفي صيحة الشعب المسخر زعزع
تخر لها شم العروش، وتُهدَمُ

ولعلعة الحق الغضوب لها صدى
ودمدمة الحرب الضروس لها فمُ

إذا التفّ حول الحق قوم فإنه
يصرّم أحداث الزمان ويُبرمُ
* * *
لك الويل يا صرحَ المظالم من غد
إذا نهض المستضعفون، وصمموا!

إذا حطم المستعبدون قيودهم
وصبوا حميم السخط أيّان تعلم..!

أغرّك أن الشعب مغضٍ على قذى
وأن الفضاء الرحب وسنانُ، مظلمُ؟

ألا إنّ أحلامَ البلاد دفينةٌ
تجمجم في أعماقها ما تجمجم

ولكن سيأتي بعد لأي نشورها
وينبثق اليوم الذي يترنّم

هو الحق يغفي... ثم ينهض ساخطاً
فيهدم ماشاد الظِّلام ويحطمُ

غدا الروع، إن هب الضعيف ببأسه،
ستعلم من منا سيجرفه الدم
إلى حيث تجني كفه بذر أمسه
ومُزدَرِعُ الأوجاع لابد يندم
ستجرع أوصاب الحياة، وتنتشي
فتصغي إلى الحق الذي يتكلمُ
إذا ما سقاك الدهر من كأسه التي
قرارتها صابٌ مريرٌ، وعلقمُ
إذا صعق الجبار تحت قيوده
يصيخ لأوجاع الحياة ويفهم!!

وكان قبل أن تنطلق شرارة الأحداث بيومين قد بعث[!] بموعظة رمزية جعل عنوانها "نشيد الجبار" ومما قال فيها:

«لا يُطفئ اللهبَ المؤجج في دمي
موجُ الأسى، وعواصف الأرزاء»
...
«إن المعاول لا تهد مناكبي
والنار لا تأتي على أعضائي»


أما في أثناء أوج "لعلة الحق الغضوب" فقد وقف أبو القاسم على ربوة ليسطر للتأريخ و ينقل للعالم مشهداً مسجلاً من المستقبل هذه المرة ويطلعهم على "زئير العاصفة" فيقول:

تُسائلني: «مالي سكتُّ، ولمأُهِبْ
بقومي، وديجورُ المصائبِ مُظْلِمُ»

«وَسَيْلُ الرَّزايا جَارفٌ،متدفّعٌ
غضوبٌ، وجه الدّهر أربدُ،أقتمُ؟»

سَكَتُّ، وقد كانت قناتيَ غضَّة
تصيحُ إلى همس النسَّيم،وتحلمُ

وقلتُ، وقد أصغتْ إلى الرّيحِ مرّة ً
فجاش بها إعصارهُ المتهزِّمُ

وقلتُ وقد جاش القَريضُ بخاطري
كما جاش صخَّابُ الأواذيِّ،أسْحَمُ:

«أرى المجدَ معصوب الجبين مُجدَّلاًً
على حَسَكِ الآلم، يغمرهُ الدَّمُ»

«وقد كان وضَّاحَ الأساريرَ،باسماً
يهبُّ إلى الجلَّى ، ولا يَتَبَرّمُ»

«فيا إيها الظلمُ المصَّعرُحدَّه
رويدكَ! إن الدّهر يبني ويهدمُ»

«سيثارُ للعز المحطّم تاجه
رجالٌ، إذا جاش الرِّدى فهمُ هُمُ»

«رجالٌ يرون الذَُلَّ عاراًو سبَّة ً
ولا يرهبون الموت، والموتُ مقدمُ»

«وهل تعتلي إلا نفوسٌ أبيِّة
تصدَّع أغلالَ الهوانِ،وتَحطِمُ»


وما إن تصرّم الطاغية بنار الأمة المنتفضة وصار جاهزاً للتقديم كوجبة اعتبار شهية، بعث "الفتى" بموعظة أخيرة إلى "طغاة العالم" يخاطبهم فرداً فرداً:

ألا أيها الظَّالمُ المستبدُ
حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ

سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ
وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ

وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ
وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ

رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ
وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ

ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام
وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ

حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ
ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

تأملْ! هنالِكَ.. أنّى حَصَدْتَ
رؤوسَ الورى ، وزهورَ الأمَلْ

ورَوَيَّت بالدَّم قَلْبَ التُّرابِ
وأشْربتَه الدَّمعَ، حتَّى ثَمِلْ

سيجرفُكَ السيلُ، سيلُ الدماء
ويأكلُك العاصفُ المشتعِلْ


ثم انتهى المشهد الرهيب وأغلقت "دمدمة الحرب الضروس فمها" فكتب أبو القاسم خاتمة الدرس المستخلص من جملة الأحداث وأطلق للفضاء الرحب مقولته الشهيرة!:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر!!

...

«أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذّ ركوب الخطر»
«وألعن من لا يماشي الزمان، ويقنع بالعيش عيشِ الحجر»
« هو الكون حيّ، يحب الحياة ويحتقر الميت، مهما كبُر»
«فلا الأفق يحضن ميت الطيور، ولا النحل يلثم ميت الزهر»


فهنيئاً لشعب تونس هذه الخطوة والعقبى للاستقرار وقطف الثمرة الحلوة قبل أن تتدخل الأيدي العابثة! ورحم الله أبا القاسم الشابي فقد صدق إذ قال:

ومن لا يحب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر!


ـــــ

كل القصائد مأخوذة من "الأعمال الشعرية الكاملة" لأبي القاسم الشابي.منقول

المغربي الجديد
17-01-2011, 07:25 PM
جزاك الله خيرا
وبارك الله بك وفيك الى يوم الدين
موضوع مختار بأناة وروية فجاء اليوم افضل هدية
جعل الله عملك في ميزان حسناتك
تسلم الايادي
:abc_152:

أبو يوسف
19-01-2011, 04:47 PM
بوركت أخي المغربي الأصيل

وكأن ابا القاسم الشابي بين ظهرانيهم

.

خضر صبح
26-01-2011, 08:15 AM
حياك من حياك

اخ ومعلمي ابا يوسف

رسالة الشعر رسالة الحياة

والوزارة الحقيقة ليست تلك التي يزكى صاحبها اسطوته وظلمه وغطرسته

وانما وزارة الشعر

رحم الله الشاعرالوزير.. والقائد الشاعر ابا القاسم الشابي
الم تكن قصائده نشيد التونسيين الزاحفين نحو التحرر
هذا الاستفتاء الحقيقي
لا ما يدعيه السياسيون

جهد طيب

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .