خضر صبح
24-01-2011, 07:23 PM
(1)الفرج بعد الشدة
الدنيا دار ابتلاء وعمل، يصيب الإنسانَ فيها المصائبُ والأمراضُ وما يكدر خاطره، وكل ذلك بتقدير الحكيم العليم، وهذه المصائب والشدائد في الغالب سببها الذنوب، فهي إما لتكفير سيئات العبد، وإما أن تكون رفعا لدرجاته ومكانته عند رب العالمين كما هو الحال مع أنبياء الله تعالى، يقول النبي : ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجلُ على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُليَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)).
فهذا أوضح دليل على أن الابتلاء علامة محبة الله تعالى لعبده، فإن كان العبد صالحا كان ذلك رفعا لدرجاته، وإن كان عاصيا كان الابتلاء نذيرا له كي يعود إلى رشده، فإن لم يتب ويقلع عن ذنوبه كان البلاء عقوبة من ربه، يقول نبينا : ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم)).
فابتلاء الله للمؤمن تكفيرٌ لسيئاته كي يقدم على الله ولا ذنب عليه، فهذا نبي الله آدم يبتليه الله تعالى بالأكل من الشجرة فيُحرم من البقاء في الجنة. وهذا نبي الله نوح عليه السلام يكاد يحترق فؤاده على ابنه الذي أبى أن يركب معه السفينة، فكان من المغرقين ومع الكافرين. وهذا نبي الله موسى عليه السلام يدافع عن رجل من شيعته فيُقتل المعتدي على يده ويكون سببا لغربته عشر سنوات في بلاد غريبة عنه. ونبي الله يوسف عليه السلام يُبتلى في عرضه ويُراود عن شرفه فيأبى أن يستجيب لدعاء الرذيلة، فيُمضي أحلى سني عمره في السجن. ونبي الله إبراهيم عليه السلام يرزقه الله بغلام على كِبَرٍ وقد يئس من حصوله على الذرية، فلما بلغ معه السعي وأصبح قادرا على المشي معه وإعانته على العمل، لما أصبح قرة عين تُعد له الخطط وتُعقد عليه الآمال أتاه الأمر من الكبير المتعال أن اذبح ابنك ذبحا، فصلى الله على نبينا إبراهيم، لم يجزع ولم يراجع ربه في الأمر بل صمد للاختبار، وأذعن لأمر العزيز الجبار، فكان أن فرج الله كربته وفداه بذبح عظيم.
إن المتدبر لآيات الكتاب المبين,, وسنة سيد المرسلين, وقصص السابقين ليجد جليا أن الشدة لا تدوم، ولا بد أن يعقب الإعصار سلام وهدوء، يقول تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، ويقول تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا
لقد أسلم الصحابة الأوائل في مكة، فخسروا بإسلامهم ثرواتهم وقبائلهم وقراباتهم وأصبحوا منبوذين، ولقد سامهم المشركون سوء العذاب مع أنهم على الحق المبين، وكان آخر ذلك حصارهم للمسلمين في شعب بني هاشم، لم يحاصروهم يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا، لقد حاصروهم ثلاث سنين كاملة، يمنعون عنهم الطعام والمعونة، حتى إن الصحابة كانوا يأكلون أوراق الشجر من الجوع،. ثم أعقب الله الشدة بفرج، إذ أصبح سعد أحدَ أثرياء المدينة.
ويكفينا في ذلك أن نبينا ابتلاه الله تعالى بشتى أنواع الابتلاءات، فمن اضطهاد المشركين له ولأتباعه وقتلهم لعمه حمزة، إلى أذية المنافقين ، ومع ذلك فقد صبر لأمر الله تعالى، فكان عاقبة صبره أنه ما مات إلا وقد دانت له العرب كلها، وما عند الله خير وأبقى.
أشكر لكم حسن إصغائكم وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(2)الخطبة الثانية (الابتلاء)
يقول نبينا : ((النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا)).
عباد الله، إن حياة أحدنا لا يمكن أن تستمر على وتيرة واحدة، فلا بد للمرء منا أن يبتليه الله يوما من الدهر، ولا بد لهذا البلاء أن يرتفع يوما .
وإن من أهم أسباب تفريج الكرب وزوال الشدة أن يكون العبد قبل وقوع الضائقة من الصالحين، وذلك لقول النبي : ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة))؛ لذا جاء في التفسير أن الملائكة سمعت صوتا في جوف الحوت، فسألت عنه ربنا، فقال لهم: إنه يونس، فقالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ فقال: نعم، فشفعوا له فأنجاه الله من الحوت. ومثل ذلك أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، فتوسل كل واحد منهم إلى الله تعالى بأرجى عمل عمله، ففرج الله كربتهم وأخرجهم من الكهف. فالأعمال الصالحة في أوقات الرخاء والعافية من أهم الأسباب في رفع البلاء، لذا ينبغي على كل منا أن يسأل نفسه: هل له من الأعمال الصالحة ما يفرج الله بها عنه كرب الدنيا؟
إن ابتلاءات الله تعالى من النعم على العباد؛ لأنها تعيد العبد الآبق إلى سيده، وتوقظ الغافل من غفلته، ولا يعني هذا أبدا أن يتمنى العبد البلاء، فقد قال النبي : ((سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يُعط بعد اليقين خيرا من العافية)). ولكن إذا حصل البلاء ووقع الكرب فإن على العبد أن يصبر ويحتسب وأن لا يجزع، يقول النبي : ((ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كربٌ أو بلاءٌ من أمر الدنيا دعا به ففُرِّج عنه؟ دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)).
فيا من ابتلاه الله بمرض أو بِدَيْن أو بمصيبة أو بظلم، اعلم أن ذلك بسبب ذنوبك، فتب إلى الله وأقلع عنها، فإن اشتدت ظلمة الليل فأبشر بالفجر، وإن ضاقت بك الأرض بما رحبت فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، واربط قلبك بربك ولا تربطه بأحد غيره، فقد قال نبينا عن نبي الله يوسف: ((ولولا الكلمة لما لبث في السجن حيث يبتغي الفرج من عند غير الله عز وجل)).
وأما أنت يا من حباه الله بما يحب من مال وجمال وعافية، إن كنت مقيما على معصية الله فلا تظنن أن ذلك لكرامتك على الله، لا تغتر بما آتاك الله؛ لأن نبينا يقول: ((إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج)). فسارع إلى التحرز من ذلك البلاء بالتعرف إلى الله في الرخاء كي يعرفك في الشدة، بادر بالمحافظة على الصلوات الخمس في المسجد وإلى صلة الأرحام وتطهير لسانك من فاحش القول وقلبك من ضغائن الأخلاق، تكون بذلك من أولياء الله الصالحين.
أشكر لكم حسن إصغائكم وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________
(3)أخوة الإسلام :
إن حبنا الغريزي المباح لوطننا في الدنيا .. والذي يمثل دار إقامتنا وملتقى أقاربنا وجيراننا وأحبتنا يحملنا على السعي في نفعه ، وصدق الولاء له وجدية الانتماء إليه ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، إن حبنا لوطننا عموما ولمحافظتنا هذه الحبيبة إلى نفوسنا خصوصا يحملنا على النصح لأهلها ، وعلى السعي في توثيق أواصر الحب والألفة بعيدا عن الشقاق والخلاف والنزاع .. خاصة على متاع الدنيا وظلها الزائل .. فما أجمل أن تلتقي قلوبنا على الألفة والمحبة والخير متجردة من أدواء الحسد والحقد والبغض والكيد .. إن المواطنة الحقيقية والانتماء الصادق عندما يبصِّر بعضنا بعضا بزلاته وهناته ليتداركها .. عندما يضع بعضنا يده في يد أخيه دالا له على الخير موجها له لما يرى فيه المصلحة يقوده في ذلك أمر الله ورسوله لا الهوى والمداراةُ والمداهنة .. ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
إن المواطنة الصادقة تكمن في رعاية الحقوق واجتناب الظلم واحترام حق الغير ، والسعي الجاد من كل مواطن مسئول أو غير مسئول لتأمين الآخرين على أموالهم وأنفسهم ، إذ لا خير في وطنية تقدس الأرض والتراب وتهين الإنسان ، فالوطن حقاً هو الإنسان الذي كرمه الله بالإنسانية وشرفه بالملة المحمدية .
إن حبنا لوطننا وحرصنا على علو كعبه وظهور شأنه وسمو أمره ينبغي أن يحملنا على التنازل عن مصالحنا الشخصية إذا تعارضت مع المصالح العامة .. ينبغي أن يحملنا على إثراء حركته العلمية بتشجيع الدروس والمحاضرات بحضورها والاستفادة منها .. وإثراء حركته الاقتصادية بالمشاريع التجارية والعقارية التي تجعله موردا يتهاتفت الناس عليه ليجدوا فيه ما لا يجدونه في غيره .. ينبغي أن يحملنا حب الوطن المتزن على عدم العنصرية بجفاء غيره أو التهكم فيما سواه فكلنا بحمد الله تحت راية بلاد التوحيد حماها الله من كل مكروه ... ينبغي أن يحملنا صدق الانتماء إلى أن نكون كالأسرة الواحدة يحب بعضنا بعضا ويذب بعضنا عن أعراض بعض ، ويحسن بعضنا الظن بالآخر ، ويحب كل واحد منا لأخيه ما يحب لنفسه .
إن حب الوطن وصدق الانتماء يحملنا على تحصين محافظتنا من كل مخالفة للشرع المطهر والخلق الكريم والفطرة السليمة ، فإنه لا يحب وطنه حقا من يسعى فيه لإشاعة الفاحشة عبر بيع المحرم من دخان أو مجلة خالعة أو لبس فاضح أو نحو ذلك .. لا يحب وطنه حقا من يرضى فيه بالمعصية أو ينادي بها .. ولذا فإن أولئك المتشدقين بالوطنية والولاء لدولتنا المباركة من الكتّاب الذين يطبلون للحرية والسفور والاختلاط وتكميم أفواه الصالحين ، وتكتيف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .. أولئك هم معاول هدم الوطنية ودعاة وأدها وتقويضها ..
إن الوطنية الصادقة تحملنا على الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعتُه قولا كان ذلك أو عملا أو فكراً ، وتحملنا على التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن ، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة .
إن الوطنية المحمودة هي التي تكون فيها جسور الحب والنصح ممدودة بين الرئيس والمرؤوس وسائر المواطنين فلا يتردد المواطن من خلالها من إبداء نصح أو ملحوظة ، أو اقتراح لأي جهة حكومية أو أهلية ،..
إننا نأمل بكل ثقة واعتزاز أن نرى محافظتنا هذه مثالا يحتذى في كل خير .. فقد حبانا الله من المواقع أجملها ومن التربة والأرض أخصبها .. ومن الأموال أكثرها حتى رأينا من أبناء بلدتنا هذه من فاض خيره وما حباه الله به حتى غطى الجيران ومن بعدهم بعدما أعطى بلدته حقها من المشاريع الخيرية ، والخاصة . زاده الله بركة ورفعه في الآخرة درجات .
فلنلتق على الحب والخير في كل حين ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .
أشكر لكم حسن إصغائكم وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدنيا دار ابتلاء وعمل، يصيب الإنسانَ فيها المصائبُ والأمراضُ وما يكدر خاطره، وكل ذلك بتقدير الحكيم العليم، وهذه المصائب والشدائد في الغالب سببها الذنوب، فهي إما لتكفير سيئات العبد، وإما أن تكون رفعا لدرجاته ومكانته عند رب العالمين كما هو الحال مع أنبياء الله تعالى، يقول النبي : ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجلُ على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُليَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)).
فهذا أوضح دليل على أن الابتلاء علامة محبة الله تعالى لعبده، فإن كان العبد صالحا كان ذلك رفعا لدرجاته، وإن كان عاصيا كان الابتلاء نذيرا له كي يعود إلى رشده، فإن لم يتب ويقلع عن ذنوبه كان البلاء عقوبة من ربه، يقول نبينا : ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم)).
فابتلاء الله للمؤمن تكفيرٌ لسيئاته كي يقدم على الله ولا ذنب عليه، فهذا نبي الله آدم يبتليه الله تعالى بالأكل من الشجرة فيُحرم من البقاء في الجنة. وهذا نبي الله نوح عليه السلام يكاد يحترق فؤاده على ابنه الذي أبى أن يركب معه السفينة، فكان من المغرقين ومع الكافرين. وهذا نبي الله موسى عليه السلام يدافع عن رجل من شيعته فيُقتل المعتدي على يده ويكون سببا لغربته عشر سنوات في بلاد غريبة عنه. ونبي الله يوسف عليه السلام يُبتلى في عرضه ويُراود عن شرفه فيأبى أن يستجيب لدعاء الرذيلة، فيُمضي أحلى سني عمره في السجن. ونبي الله إبراهيم عليه السلام يرزقه الله بغلام على كِبَرٍ وقد يئس من حصوله على الذرية، فلما بلغ معه السعي وأصبح قادرا على المشي معه وإعانته على العمل، لما أصبح قرة عين تُعد له الخطط وتُعقد عليه الآمال أتاه الأمر من الكبير المتعال أن اذبح ابنك ذبحا، فصلى الله على نبينا إبراهيم، لم يجزع ولم يراجع ربه في الأمر بل صمد للاختبار، وأذعن لأمر العزيز الجبار، فكان أن فرج الله كربته وفداه بذبح عظيم.
إن المتدبر لآيات الكتاب المبين,, وسنة سيد المرسلين, وقصص السابقين ليجد جليا أن الشدة لا تدوم، ولا بد أن يعقب الإعصار سلام وهدوء، يقول تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، ويقول تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا
لقد أسلم الصحابة الأوائل في مكة، فخسروا بإسلامهم ثرواتهم وقبائلهم وقراباتهم وأصبحوا منبوذين، ولقد سامهم المشركون سوء العذاب مع أنهم على الحق المبين، وكان آخر ذلك حصارهم للمسلمين في شعب بني هاشم، لم يحاصروهم يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا، لقد حاصروهم ثلاث سنين كاملة، يمنعون عنهم الطعام والمعونة، حتى إن الصحابة كانوا يأكلون أوراق الشجر من الجوع،. ثم أعقب الله الشدة بفرج، إذ أصبح سعد أحدَ أثرياء المدينة.
ويكفينا في ذلك أن نبينا ابتلاه الله تعالى بشتى أنواع الابتلاءات، فمن اضطهاد المشركين له ولأتباعه وقتلهم لعمه حمزة، إلى أذية المنافقين ، ومع ذلك فقد صبر لأمر الله تعالى، فكان عاقبة صبره أنه ما مات إلا وقد دانت له العرب كلها، وما عند الله خير وأبقى.
أشكر لكم حسن إصغائكم وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(2)الخطبة الثانية (الابتلاء)
يقول نبينا : ((النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا)).
عباد الله، إن حياة أحدنا لا يمكن أن تستمر على وتيرة واحدة، فلا بد للمرء منا أن يبتليه الله يوما من الدهر، ولا بد لهذا البلاء أن يرتفع يوما .
وإن من أهم أسباب تفريج الكرب وزوال الشدة أن يكون العبد قبل وقوع الضائقة من الصالحين، وذلك لقول النبي : ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة))؛ لذا جاء في التفسير أن الملائكة سمعت صوتا في جوف الحوت، فسألت عنه ربنا، فقال لهم: إنه يونس، فقالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ فقال: نعم، فشفعوا له فأنجاه الله من الحوت. ومثل ذلك أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، فتوسل كل واحد منهم إلى الله تعالى بأرجى عمل عمله، ففرج الله كربتهم وأخرجهم من الكهف. فالأعمال الصالحة في أوقات الرخاء والعافية من أهم الأسباب في رفع البلاء، لذا ينبغي على كل منا أن يسأل نفسه: هل له من الأعمال الصالحة ما يفرج الله بها عنه كرب الدنيا؟
إن ابتلاءات الله تعالى من النعم على العباد؛ لأنها تعيد العبد الآبق إلى سيده، وتوقظ الغافل من غفلته، ولا يعني هذا أبدا أن يتمنى العبد البلاء، فقد قال النبي : ((سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يُعط بعد اليقين خيرا من العافية)). ولكن إذا حصل البلاء ووقع الكرب فإن على العبد أن يصبر ويحتسب وأن لا يجزع، يقول النبي : ((ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كربٌ أو بلاءٌ من أمر الدنيا دعا به ففُرِّج عنه؟ دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)).
فيا من ابتلاه الله بمرض أو بِدَيْن أو بمصيبة أو بظلم، اعلم أن ذلك بسبب ذنوبك، فتب إلى الله وأقلع عنها، فإن اشتدت ظلمة الليل فأبشر بالفجر، وإن ضاقت بك الأرض بما رحبت فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، واربط قلبك بربك ولا تربطه بأحد غيره، فقد قال نبينا عن نبي الله يوسف: ((ولولا الكلمة لما لبث في السجن حيث يبتغي الفرج من عند غير الله عز وجل)).
وأما أنت يا من حباه الله بما يحب من مال وجمال وعافية، إن كنت مقيما على معصية الله فلا تظنن أن ذلك لكرامتك على الله، لا تغتر بما آتاك الله؛ لأن نبينا يقول: ((إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج)). فسارع إلى التحرز من ذلك البلاء بالتعرف إلى الله في الرخاء كي يعرفك في الشدة، بادر بالمحافظة على الصلوات الخمس في المسجد وإلى صلة الأرحام وتطهير لسانك من فاحش القول وقلبك من ضغائن الأخلاق، تكون بذلك من أولياء الله الصالحين.
أشكر لكم حسن إصغائكم وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________
(3)أخوة الإسلام :
إن حبنا الغريزي المباح لوطننا في الدنيا .. والذي يمثل دار إقامتنا وملتقى أقاربنا وجيراننا وأحبتنا يحملنا على السعي في نفعه ، وصدق الولاء له وجدية الانتماء إليه ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، إن حبنا لوطننا عموما ولمحافظتنا هذه الحبيبة إلى نفوسنا خصوصا يحملنا على النصح لأهلها ، وعلى السعي في توثيق أواصر الحب والألفة بعيدا عن الشقاق والخلاف والنزاع .. خاصة على متاع الدنيا وظلها الزائل .. فما أجمل أن تلتقي قلوبنا على الألفة والمحبة والخير متجردة من أدواء الحسد والحقد والبغض والكيد .. إن المواطنة الحقيقية والانتماء الصادق عندما يبصِّر بعضنا بعضا بزلاته وهناته ليتداركها .. عندما يضع بعضنا يده في يد أخيه دالا له على الخير موجها له لما يرى فيه المصلحة يقوده في ذلك أمر الله ورسوله لا الهوى والمداراةُ والمداهنة .. ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
إن المواطنة الصادقة تكمن في رعاية الحقوق واجتناب الظلم واحترام حق الغير ، والسعي الجاد من كل مواطن مسئول أو غير مسئول لتأمين الآخرين على أموالهم وأنفسهم ، إذ لا خير في وطنية تقدس الأرض والتراب وتهين الإنسان ، فالوطن حقاً هو الإنسان الذي كرمه الله بالإنسانية وشرفه بالملة المحمدية .
إن حبنا لوطننا وحرصنا على علو كعبه وظهور شأنه وسمو أمره ينبغي أن يحملنا على التنازل عن مصالحنا الشخصية إذا تعارضت مع المصالح العامة .. ينبغي أن يحملنا على إثراء حركته العلمية بتشجيع الدروس والمحاضرات بحضورها والاستفادة منها .. وإثراء حركته الاقتصادية بالمشاريع التجارية والعقارية التي تجعله موردا يتهاتفت الناس عليه ليجدوا فيه ما لا يجدونه في غيره .. ينبغي أن يحملنا حب الوطن المتزن على عدم العنصرية بجفاء غيره أو التهكم فيما سواه فكلنا بحمد الله تحت راية بلاد التوحيد حماها الله من كل مكروه ... ينبغي أن يحملنا صدق الانتماء إلى أن نكون كالأسرة الواحدة يحب بعضنا بعضا ويذب بعضنا عن أعراض بعض ، ويحسن بعضنا الظن بالآخر ، ويحب كل واحد منا لأخيه ما يحب لنفسه .
إن حب الوطن وصدق الانتماء يحملنا على تحصين محافظتنا من كل مخالفة للشرع المطهر والخلق الكريم والفطرة السليمة ، فإنه لا يحب وطنه حقا من يسعى فيه لإشاعة الفاحشة عبر بيع المحرم من دخان أو مجلة خالعة أو لبس فاضح أو نحو ذلك .. لا يحب وطنه حقا من يرضى فيه بالمعصية أو ينادي بها .. ولذا فإن أولئك المتشدقين بالوطنية والولاء لدولتنا المباركة من الكتّاب الذين يطبلون للحرية والسفور والاختلاط وتكميم أفواه الصالحين ، وتكتيف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .. أولئك هم معاول هدم الوطنية ودعاة وأدها وتقويضها ..
إن الوطنية الصادقة تحملنا على الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعتُه قولا كان ذلك أو عملا أو فكراً ، وتحملنا على التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن ، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة .
إن الوطنية المحمودة هي التي تكون فيها جسور الحب والنصح ممدودة بين الرئيس والمرؤوس وسائر المواطنين فلا يتردد المواطن من خلالها من إبداء نصح أو ملحوظة ، أو اقتراح لأي جهة حكومية أو أهلية ،..
إننا نأمل بكل ثقة واعتزاز أن نرى محافظتنا هذه مثالا يحتذى في كل خير .. فقد حبانا الله من المواقع أجملها ومن التربة والأرض أخصبها .. ومن الأموال أكثرها حتى رأينا من أبناء بلدتنا هذه من فاض خيره وما حباه الله به حتى غطى الجيران ومن بعدهم بعدما أعطى بلدته حقها من المشاريع الخيرية ، والخاصة . زاده الله بركة ورفعه في الآخرة درجات .
فلنلتق على الحب والخير في كل حين ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .
أشكر لكم حسن إصغائكم وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته