محمود عفيفى
09-02-2011, 10:27 PM
أنا خالد، يا سيادة الرئيس
خالد الشافعي
أنا خالد يا سيادة الرئيس، تراك تذكرني؟ لا أظن! بل لا أظن أنك تعرف شيئاً عني! سامحك الله يا سيادة الرئيس! أنا خالد الذي كتبت لك مقالاً منذ شهور بعنوان: وأنا أيضاً يا سيادة الرئيس (http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=6931)، تراك قرأته؟ طبعاً لا، طبعاً لم تقرأه، لم تقرأه، كما لم تقرأ ألوف المقالات، وكما لم تسمع ألوف النداءات، وكما لم تهتم بألوف التحذيرات، قطعاً لم تقرأه، لأنك لو فعلت، لربما ما كنا وصلنا لهذه اللحظة المرعبة، يا سيادة الرئيس.
للأسف يا سيادة الرئيس، لم تكن أذناك تسمع سوى صوت الملأ الفاسد، الذين حجبوا عنك ما حجبوا، وزينوا لك ما لم يحجبوه، ضللوك يا سيادة الرئيس -هذا أحسن ظني فيك- ضللوك، وخدعوك، وأغروك، وشغلوك، حتى أنك لم تسمع صفارات إنذار، تصم الآذان، وتطاردك حيث ذهبت، لكنك لم تسمع، أو سمعت ولم تكترث، ليس هناك كبير فرق الآن.
كانت صفارات الإنذار تدوي، وترتفع، وتتمدد، وتتوغل، وكانت رائحة الحرائق المدمرة، تزكم الأنوف، وألسنة اللهب تلفح الوجوه، ومع ذلك، لم تفعل شيئاً -أي شيء- يا سيادة الرئيس.
عاتبتك في مقالي، على أنك وجدت من الوقت ما يسمح لك بأن تلتقي بممثل مغمور، أدى دوراً تافهاً، في فيلم لا قيمة له، ومع ذلك، لما بلغك أنه يحلم أن يلقاك، لم تُكَذب خبراً، ولم ترد أن تكسر خاطره، فلبيت طلبه، وحققت له حلمه.
طلبت أنا أيضاً أن ألقاك، وأخبرتك أنني لست مثله -ممثلاً- بل كل حكاياتي حقيقية، ومأساوية، ومهمة، وملحة.
قلت لك ساعتها أنني لست أقل من طلعت زكريا، ولا من شيخ العرب همام، أنا لست طباخاً، ولا طبالاً، ولا لاعباً مشهوراً، أنا صانع ماهر، وفلاح نشيط، وتاجر حاذق، ومخترع عبقري، وطبيب ذكي، ومهندس لا مثيل لي، ومدرس موهوب، وفقيه متمكن، أنا من يحتاجه البلد، وينتفع به البلد، ويتقدم به البلد، أنا إنسان أحب هذا البلد وعلى استعداد أن أفعل كل ما تطلبه منى لأجله، فقط أحتاج إلى فرصة، أبى وأمي اللذان أنفقا أغلى أيامهما، وأنفس أموالهما، كي يحصل أبناءهما على تعليم عال، يوفر لهم حياة كريمة، ويؤمن لهم مستقبلاً معقولاً، أبى وأمي، يموتان من الحسرة، موتاً بطيئاً، وهما يشاهدان أبناءهما، يتناولون أدوية الاكتئاب، ويقتربون من الانتحار -في انتظار فرصة- ربما لن تأتى أبداً، ويزداد شعورهما بالقهر، حين يلمحان في الجريدة، راتب لاعب كرة فاشل، أو دخل راقصة هابطة.
وأكدت لك أنني لا أطلب الزيارة لنفسي فقط، وإنما لأجل مصر، مصر التي صارت أثراً بعد عين، مصر التي صارت على شفا جرف هار، مصر التي يُقتل المرء فيها في طابور العيش، مصر التي لا يجد نصف شعبها الكفاف، بينما هناك من ينفق في حفل زواج، ملايين من الجنيهات، فالزهور من هولندا، والطعام الساخن من باريس، مصر التي فقدت مكانتها، وريادتها، وسيادتها، مصر التي تصدر الغاز لإسرائيل، مصر صفر المونديال، مصر التي لا توجد لها جامعة في تصنيف الجامعات المحترمة.
طلبت الزيارة لأجل جارى الذي يموت من الجوع، و لأجل النساء اللاتي أراهن كل يوم على مقالب الزبالة يجمعن الطعام لأولادهن، ولأجل عشرات المعارف الذين ماتوا في حوادث طرق، أو قضوا بسرطان، أو فشل كلوي -عافانا الله وإياكم-. طلبت الزيارة لأجل أولادي الذين لا يحصلون على تعليم جيد ولا هواء نظيف ولا ماء نقى. طلبت الزيارة لأجل الغد، وأخبرتك أن الغد مرعب مرعب يا سيادة الرئيس، الغد مخيف لي ولأولادي وربما لأحفادك يا سيادة الرئيس، سبحان الله، لم أكن أرجم بالغيب، بل كنت أرى ما كان الجميع يراه، ويسمعه، ويشمه، تراك لم تلاحظ كل هذا؟؟!!
أخبرتك أيضاً أن المئات من أبناءك يحلمون بهذا اللقاء، ليبثوا لسيادتك بعضاً مما يعتمل في صدورهم، ويقصوا عليك بعضاً من حكاياتهم، التي تحتاج إلى كريم عنايتك. وذكرت لك منهم، عشرات المعتقلين خلف القضبان من أصحاب القضايا السياسية الملفقة، وكثير منهم لم يخضع لأي محاكمة ولم يعط فرصة للدفاع عن نفسه، وكثير منهم صدرت بحقه عشرات الأحكام بالإفراج الفوري ومع ذلك ترفض الأجهزة الأمنية تنفيذ أحكام القضاء، وهو ما يمثل تحدى سافر لسيادة القانون التي تؤكد عليها سيادتك في كل مناسبة، خاصة وأن كثيراً من هؤلاء يعانى من أمراض مزمنة، ومنهم من له سنوات طويلة في ظلمة السجن. وإلى جانب هؤلاء فإن ذويهم يحلمون هم أيضاً بلقاء الرئيس ليبثوا إليه همومهم وآلامهم وعذاباتهم التي لا يعلمها إلا الله وكيف أنهم يعيشون بلا عائل ولا مصدر رزق بعد أن سُجن العائل وصودرت الممتلكات. ومن هؤلاء بدو سيناء الذين يتعرضون لبطش أمنى ليس له مثيل، ومنهم ابن الرئيس محمد نجيب الذي انتهى به الحال أن يعمل سائق تاكسي في شوارع القاهرة ومع أن الرجل لم يشتكى ولا يجد في العمل مادام حلالاً غضاضة ولكنى مُصرٌ أن أصطحبه معي لأن هذا لا يليق بمصر يا سيادة الرئيس، لا يليق بها أن يكون ابن أول رئيس لها يكافح بهذه الصورة لأجل لقمة عيشه.
بناتك من المنتقبات اللاتي منعن من دخول الجامعة، وأداء الامتحانات رغم أن معهن عشرات الأحكام القضائية، وأنت من عودتنا على سيادة القانون، وأنه لا تدخل في أحكامه. أبناؤك من جماعات التيار الإسلامي، يريدون أن يقابلوك ليثبتوا لك أنهم أعقل أهل هذا الوطن، وأخوفهم عليه، وأرحمهم به، وأخلصهم له، وأنهم ليسوا من التشدد، ولا التزمت، ولا التعصب في شيء. الملايين أيضاً من حملات الشهادات العليا- بل والدكتوراه- ممن لم يجدوا فرصة، ولم يعينوا في الجامعات بسبب المحسوبية، ومنهم من يعمل أعمال مهينة، بعد أن أنفق أجمل سنوات حياته للحصول على هذه الشهادة، وكل جريمتهم أنهم لم يتعلموا ركل الكرة، أو هز الوسط، أو التمثيل.
وقلت لك حينها: صدقني يا سيادة الرئيس، في الوطن شرفاء كثيرون، على استعداد لوقف أعمارهم، وأموالهم، وأوقاتهم لخدمة هذا الوطن، وعلى استعداد لأن يكونوا رهن إشارتك، على استعداد لفعل أي شيء، ليعود هذا الوطن زهرة بلاد الإسلام يخرج فقهاء، وعلماء، وصناع، وزراع، وأدباء.
وأخبرتك أن كل هؤلاء على استعداد أن يبدءوا معك صفحة جديدة، ويحملوك على الأعناق حتى آخر العمر، بشرط أن تعيد إليهم كرامتهم، وأن تضعهم على طريق الأمل، على استعداد أن ينسوا كل شيء، ويبدءوا كألا شيء كان، فقط يشعروا أن البلد بلدهم، وأن خيرها لهم، وأن لديهم حد أدنى من الحقوق.
وذكرتك أن الناس في مصر -كما تعلم- طيبون يا سيادة الرئيس، ناسك الذين خرجت منهم، وتربيت بينهم طيبون، ومع أقل كلمة طيبة يسامحون، فقط كلمة طيبة، ولمسة حانية، وأمل، وسيغفرون كل شيء، ويبدءون من جديد.
الآن ضاع كل شيء، الآن فات الأوان يا سيادة الرئيس، وضاعت كل الفرص، تساقطت الاختيارات واحداً تلو الآخر، ولم يبق إلا خيار واحد: الرحيل، من فضلك، نستحلفك بالله، نناشدك الله والرحم، حقق لنا حلماً واحداً، استجب لنا مرة واحدة، استمع لنا في العمر مرة، تنازل عن عنادك، من فضلك إرحل في هدوء، إرحل، ولا تحاول أن تبتز مشاعرنا، فأنت -وليس سواك- من أهدر عشرات -بل مئات الفرص- أنت وليس سواك هو من صم أذنيه، وأغلق عينيه، وكتم أنفه، ومضى لا يستمع إلى أنات شعبه، وصرخات ناسه، أنت الذي أوصلتنا لهذه النهاية، أنت من وضعت شعباً بالكامل على حافة حريق مدمر، أنت من أوصلتنا إلى ما نحن فيه، سامحك الله.
الآن تريد فرصة أخرى؟ الآن تبحث عن تاريخ؟ الآن صرت ودوداً في حديثك؟ الآن بعد ما فات الأوان؟ صدقني فات الأوان يا سيادة الرئيس؟ بعدما احترق الوطن، ورُوع الناس ونهبت البلد، واقتتل الإخوة، وصار في يد أبناء الوطن، سكيناً، أو سيفاً، أو رشاشاً، الآن وقد عصيت قبل يا سيادة الرئيس؟ الآن بعد ما نصحك ألوف الشرفاء؟
اذهب و سيكون عندك من الوقت ما يكفي لتراجع ألوف المقالات، التي كانت تصرخ فيك لتفعل شيئا، لكنك لم تستمع إلا لصوت نفسك، وأصوات منافقيك.
من فضلك كفى ابتزازاً لمشاعر الناس، كان هذا ممكناً قبل بلوغ أرواحنا الحنجرة، كان هذا ممكناً قبل الغرغرة، أما الآن فمن فضلك، لو سمحت، ارحل ودعنا نغلق صفحتك، دعنا نحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه، دعنا نصلح ما أفسدته سنواتك، دعنا ننتشل بلادنا من وحل الضياع، والغثائية، والتفاهة، والفشل، دعنا نعيد للناس رشدهم، دعنا نبدأ من جديد، دعنا ولا تطلب منا صفحاً أو مغفرة، ارحل، ودعنا نطوى صفحتك، ونبدأ من جديد لكن بدونك يا سيادة الرئيس.
خالد الشافعي
أنا خالد يا سيادة الرئيس، تراك تذكرني؟ لا أظن! بل لا أظن أنك تعرف شيئاً عني! سامحك الله يا سيادة الرئيس! أنا خالد الذي كتبت لك مقالاً منذ شهور بعنوان: وأنا أيضاً يا سيادة الرئيس (http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=6931)، تراك قرأته؟ طبعاً لا، طبعاً لم تقرأه، لم تقرأه، كما لم تقرأ ألوف المقالات، وكما لم تسمع ألوف النداءات، وكما لم تهتم بألوف التحذيرات، قطعاً لم تقرأه، لأنك لو فعلت، لربما ما كنا وصلنا لهذه اللحظة المرعبة، يا سيادة الرئيس.
للأسف يا سيادة الرئيس، لم تكن أذناك تسمع سوى صوت الملأ الفاسد، الذين حجبوا عنك ما حجبوا، وزينوا لك ما لم يحجبوه، ضللوك يا سيادة الرئيس -هذا أحسن ظني فيك- ضللوك، وخدعوك، وأغروك، وشغلوك، حتى أنك لم تسمع صفارات إنذار، تصم الآذان، وتطاردك حيث ذهبت، لكنك لم تسمع، أو سمعت ولم تكترث، ليس هناك كبير فرق الآن.
كانت صفارات الإنذار تدوي، وترتفع، وتتمدد، وتتوغل، وكانت رائحة الحرائق المدمرة، تزكم الأنوف، وألسنة اللهب تلفح الوجوه، ومع ذلك، لم تفعل شيئاً -أي شيء- يا سيادة الرئيس.
عاتبتك في مقالي، على أنك وجدت من الوقت ما يسمح لك بأن تلتقي بممثل مغمور، أدى دوراً تافهاً، في فيلم لا قيمة له، ومع ذلك، لما بلغك أنه يحلم أن يلقاك، لم تُكَذب خبراً، ولم ترد أن تكسر خاطره، فلبيت طلبه، وحققت له حلمه.
طلبت أنا أيضاً أن ألقاك، وأخبرتك أنني لست مثله -ممثلاً- بل كل حكاياتي حقيقية، ومأساوية، ومهمة، وملحة.
قلت لك ساعتها أنني لست أقل من طلعت زكريا، ولا من شيخ العرب همام، أنا لست طباخاً، ولا طبالاً، ولا لاعباً مشهوراً، أنا صانع ماهر، وفلاح نشيط، وتاجر حاذق، ومخترع عبقري، وطبيب ذكي، ومهندس لا مثيل لي، ومدرس موهوب، وفقيه متمكن، أنا من يحتاجه البلد، وينتفع به البلد، ويتقدم به البلد، أنا إنسان أحب هذا البلد وعلى استعداد أن أفعل كل ما تطلبه منى لأجله، فقط أحتاج إلى فرصة، أبى وأمي اللذان أنفقا أغلى أيامهما، وأنفس أموالهما، كي يحصل أبناءهما على تعليم عال، يوفر لهم حياة كريمة، ويؤمن لهم مستقبلاً معقولاً، أبى وأمي، يموتان من الحسرة، موتاً بطيئاً، وهما يشاهدان أبناءهما، يتناولون أدوية الاكتئاب، ويقتربون من الانتحار -في انتظار فرصة- ربما لن تأتى أبداً، ويزداد شعورهما بالقهر، حين يلمحان في الجريدة، راتب لاعب كرة فاشل، أو دخل راقصة هابطة.
وأكدت لك أنني لا أطلب الزيارة لنفسي فقط، وإنما لأجل مصر، مصر التي صارت أثراً بعد عين، مصر التي صارت على شفا جرف هار، مصر التي يُقتل المرء فيها في طابور العيش، مصر التي لا يجد نصف شعبها الكفاف، بينما هناك من ينفق في حفل زواج، ملايين من الجنيهات، فالزهور من هولندا، والطعام الساخن من باريس، مصر التي فقدت مكانتها، وريادتها، وسيادتها، مصر التي تصدر الغاز لإسرائيل، مصر صفر المونديال، مصر التي لا توجد لها جامعة في تصنيف الجامعات المحترمة.
طلبت الزيارة لأجل جارى الذي يموت من الجوع، و لأجل النساء اللاتي أراهن كل يوم على مقالب الزبالة يجمعن الطعام لأولادهن، ولأجل عشرات المعارف الذين ماتوا في حوادث طرق، أو قضوا بسرطان، أو فشل كلوي -عافانا الله وإياكم-. طلبت الزيارة لأجل أولادي الذين لا يحصلون على تعليم جيد ولا هواء نظيف ولا ماء نقى. طلبت الزيارة لأجل الغد، وأخبرتك أن الغد مرعب مرعب يا سيادة الرئيس، الغد مخيف لي ولأولادي وربما لأحفادك يا سيادة الرئيس، سبحان الله، لم أكن أرجم بالغيب، بل كنت أرى ما كان الجميع يراه، ويسمعه، ويشمه، تراك لم تلاحظ كل هذا؟؟!!
أخبرتك أيضاً أن المئات من أبناءك يحلمون بهذا اللقاء، ليبثوا لسيادتك بعضاً مما يعتمل في صدورهم، ويقصوا عليك بعضاً من حكاياتهم، التي تحتاج إلى كريم عنايتك. وذكرت لك منهم، عشرات المعتقلين خلف القضبان من أصحاب القضايا السياسية الملفقة، وكثير منهم لم يخضع لأي محاكمة ولم يعط فرصة للدفاع عن نفسه، وكثير منهم صدرت بحقه عشرات الأحكام بالإفراج الفوري ومع ذلك ترفض الأجهزة الأمنية تنفيذ أحكام القضاء، وهو ما يمثل تحدى سافر لسيادة القانون التي تؤكد عليها سيادتك في كل مناسبة، خاصة وأن كثيراً من هؤلاء يعانى من أمراض مزمنة، ومنهم من له سنوات طويلة في ظلمة السجن. وإلى جانب هؤلاء فإن ذويهم يحلمون هم أيضاً بلقاء الرئيس ليبثوا إليه همومهم وآلامهم وعذاباتهم التي لا يعلمها إلا الله وكيف أنهم يعيشون بلا عائل ولا مصدر رزق بعد أن سُجن العائل وصودرت الممتلكات. ومن هؤلاء بدو سيناء الذين يتعرضون لبطش أمنى ليس له مثيل، ومنهم ابن الرئيس محمد نجيب الذي انتهى به الحال أن يعمل سائق تاكسي في شوارع القاهرة ومع أن الرجل لم يشتكى ولا يجد في العمل مادام حلالاً غضاضة ولكنى مُصرٌ أن أصطحبه معي لأن هذا لا يليق بمصر يا سيادة الرئيس، لا يليق بها أن يكون ابن أول رئيس لها يكافح بهذه الصورة لأجل لقمة عيشه.
بناتك من المنتقبات اللاتي منعن من دخول الجامعة، وأداء الامتحانات رغم أن معهن عشرات الأحكام القضائية، وأنت من عودتنا على سيادة القانون، وأنه لا تدخل في أحكامه. أبناؤك من جماعات التيار الإسلامي، يريدون أن يقابلوك ليثبتوا لك أنهم أعقل أهل هذا الوطن، وأخوفهم عليه، وأرحمهم به، وأخلصهم له، وأنهم ليسوا من التشدد، ولا التزمت، ولا التعصب في شيء. الملايين أيضاً من حملات الشهادات العليا- بل والدكتوراه- ممن لم يجدوا فرصة، ولم يعينوا في الجامعات بسبب المحسوبية، ومنهم من يعمل أعمال مهينة، بعد أن أنفق أجمل سنوات حياته للحصول على هذه الشهادة، وكل جريمتهم أنهم لم يتعلموا ركل الكرة، أو هز الوسط، أو التمثيل.
وقلت لك حينها: صدقني يا سيادة الرئيس، في الوطن شرفاء كثيرون، على استعداد لوقف أعمارهم، وأموالهم، وأوقاتهم لخدمة هذا الوطن، وعلى استعداد لأن يكونوا رهن إشارتك، على استعداد لفعل أي شيء، ليعود هذا الوطن زهرة بلاد الإسلام يخرج فقهاء، وعلماء، وصناع، وزراع، وأدباء.
وأخبرتك أن كل هؤلاء على استعداد أن يبدءوا معك صفحة جديدة، ويحملوك على الأعناق حتى آخر العمر، بشرط أن تعيد إليهم كرامتهم، وأن تضعهم على طريق الأمل، على استعداد أن ينسوا كل شيء، ويبدءوا كألا شيء كان، فقط يشعروا أن البلد بلدهم، وأن خيرها لهم، وأن لديهم حد أدنى من الحقوق.
وذكرتك أن الناس في مصر -كما تعلم- طيبون يا سيادة الرئيس، ناسك الذين خرجت منهم، وتربيت بينهم طيبون، ومع أقل كلمة طيبة يسامحون، فقط كلمة طيبة، ولمسة حانية، وأمل، وسيغفرون كل شيء، ويبدءون من جديد.
الآن ضاع كل شيء، الآن فات الأوان يا سيادة الرئيس، وضاعت كل الفرص، تساقطت الاختيارات واحداً تلو الآخر، ولم يبق إلا خيار واحد: الرحيل، من فضلك، نستحلفك بالله، نناشدك الله والرحم، حقق لنا حلماً واحداً، استجب لنا مرة واحدة، استمع لنا في العمر مرة، تنازل عن عنادك، من فضلك إرحل في هدوء، إرحل، ولا تحاول أن تبتز مشاعرنا، فأنت -وليس سواك- من أهدر عشرات -بل مئات الفرص- أنت وليس سواك هو من صم أذنيه، وأغلق عينيه، وكتم أنفه، ومضى لا يستمع إلى أنات شعبه، وصرخات ناسه، أنت الذي أوصلتنا لهذه النهاية، أنت من وضعت شعباً بالكامل على حافة حريق مدمر، أنت من أوصلتنا إلى ما نحن فيه، سامحك الله.
الآن تريد فرصة أخرى؟ الآن تبحث عن تاريخ؟ الآن صرت ودوداً في حديثك؟ الآن بعد ما فات الأوان؟ صدقني فات الأوان يا سيادة الرئيس؟ بعدما احترق الوطن، ورُوع الناس ونهبت البلد، واقتتل الإخوة، وصار في يد أبناء الوطن، سكيناً، أو سيفاً، أو رشاشاً، الآن وقد عصيت قبل يا سيادة الرئيس؟ الآن بعد ما نصحك ألوف الشرفاء؟
اذهب و سيكون عندك من الوقت ما يكفي لتراجع ألوف المقالات، التي كانت تصرخ فيك لتفعل شيئا، لكنك لم تستمع إلا لصوت نفسك، وأصوات منافقيك.
من فضلك كفى ابتزازاً لمشاعر الناس، كان هذا ممكناً قبل بلوغ أرواحنا الحنجرة، كان هذا ممكناً قبل الغرغرة، أما الآن فمن فضلك، لو سمحت، ارحل ودعنا نغلق صفحتك، دعنا نحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه، دعنا نصلح ما أفسدته سنواتك، دعنا ننتشل بلادنا من وحل الضياع، والغثائية، والتفاهة، والفشل، دعنا نعيد للناس رشدهم، دعنا نبدأ من جديد، دعنا ولا تطلب منا صفحاً أو مغفرة، ارحل، ودعنا نطوى صفحتك، ونبدأ من جديد لكن بدونك يا سيادة الرئيس.