أبو يوسف
22-03-2011, 10:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سألني أحدهم : هل هناك حد بين الحسد والغبطه ؛ فلم اجبه لأني لست بعالما ، بحثت عن جواب شاف فوجدت موضوعا يشفي الغليل
مختصر منهاج القاصدين/ ابن قدامة المقدسي/186/ تحقيق الأرنؤوط
واعلم : أن الله تعالى إذا نعم على أخيك نعمة، فلك فيها حالتان :
إحداها : أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، فهذا هو الحسد .
والحالة الثانية : أن لا تكره وجودها ولا تحب زوالها، ولكنك تشتهى لنفسك مثلها، فهذا يسمى غبطة . قال المصنف رحمه الله :
واعلم أنى ما رأيت أحداً حقق الكلام في هذا كما ينبغي، ولابد لى من كشفه فأقول : اعلم : أن النفس قد جلبت على حب الرفعة، فهي لا تحب أن يعلوها جنسها، فإذا علا عليها، شق عليها وكرهته، وأحبت زوال ذلك ليقع التساوي، وهذا أمر مركوز في الطباع . وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ثلاث لا ينجو منهن أحد : الظن، والطِّيرة، والحسد، وسأحدثكم ما المخرج من ذلك، إذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ .
وعلاج الحسد، تارة بالرضى بالقضاء، وتارة بالزهد في الدنيا، وتارة بالنظر فيما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة، فيتسلى بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلاً، ولا ينطق، فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جبلته . فأما من يحسد نبياً على نبوته، فيجب أن لا يكون نبياً، أو عالماً على علمه، فيؤثر أن يرزق ذلك أو يزول عنه، فهذا لا عذر له، ولا تجبل عليه إلا النفوس الكافرة أو الشريرة، فأما إن أحب أن يسبق أقرانه، ويطلع على ما لم يدركوه، فإنه لا يأثم بذلك، فإنه لم يؤثر زوال ما عندهم عنهم، بل أحب الارتفاع عنهم ليزيد حظه عند ربه، كما لو استبق عبدان إلى خدمة مولاهما، فأحب أحدهما أن يستبق . وقد قال الله تعالى : { وفى ذلك فليتنافس المتنافسون } [ المطففين : 26 ] . وفى "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضى الله عنهما، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله عز وجل القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه في الحق آناء الليل وآناء النهار " .
قال ابن القيم الجوزيه في كتابه مدارج السالكين : -
و بين المنافسة والغبطة جمع وفرق وبينهما وبين الحسد أيضا جمع وفرق
فالمنافسة تتضمن مسابقة واجتهادا وحرصا والحسد يدل على مهانة الحاسد وعجزه وإلا فنافس من حسدته فذلك أنفع لك من حسده كما قيل
إذا أعجبتك خلال امرىء = فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرما =ت إذا جئتها حاجب يحجبك
والغبطة تتضمن نوع تعجب وفرح للمغبوط واستحسان لحاله
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله في تفسير سورة الفلق : -
...........وللحسد ثلاث مراتب : إحداها هذه.
والثانية : تمنى استصحاب عدم النعمة. فهو يكره أن يحدث اللّه لعبده نعمة ، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله ، أو فقره ، أو ضعفه ، أو شتات قلبه عن اللّه ، أو قلة دينه. فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب. فهذا حسد على شيء مقدر. والأول حسد على شيء محقق.
وكلاهما حاسد ، عدو نعمة اللّه ، وعدو عباده ، وممقوت عند اللّه تعالى ، وعند الناس. ولا يسود أبدا ، ولا يواسى فإن الناس لا يسوّدون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم. فأما عدو نعمة اللّه عليهم فلا يسوّدونه باختيارهم أبدا إلا قهرا يعدونه من البلاء والمصائب التي ابتلاهم اللّه بها. فهم يبغضونه وهو يبغضهم.
والحسد الثالث : حسد الغبطة ، وهو تمنى أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه. فهذا لا بأس به ، ولا يعاب صاحبه ، بل هذا قريب من المنافسة ، وقد قال تعالى : : وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ و
في الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال : «لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه اللّه مالا ، وسلطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الله الحكمة. فهو يقضى بها ويعلمها الناس»
فهذا حسد غبطة ، الحامل لصاحبه عليه كبر نفسه ، وحب خصال الخير ، والتشبه بأهلها ، والدخول في جملتهم ، وأن يكون من سبّاقهم وعليتهم ومصلّيهم لا من فشاكلهم , فتحدث له من هذه الهمة المنافسة والمسابقة والمسارعة ، مع محبته لمن يغبطه ، وتمنى دوام نعمة اللّه عليه. فهذا لا يدخل في الآية بوجه ما.
.
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سألني أحدهم : هل هناك حد بين الحسد والغبطه ؛ فلم اجبه لأني لست بعالما ، بحثت عن جواب شاف فوجدت موضوعا يشفي الغليل
مختصر منهاج القاصدين/ ابن قدامة المقدسي/186/ تحقيق الأرنؤوط
واعلم : أن الله تعالى إذا نعم على أخيك نعمة، فلك فيها حالتان :
إحداها : أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، فهذا هو الحسد .
والحالة الثانية : أن لا تكره وجودها ولا تحب زوالها، ولكنك تشتهى لنفسك مثلها، فهذا يسمى غبطة . قال المصنف رحمه الله :
واعلم أنى ما رأيت أحداً حقق الكلام في هذا كما ينبغي، ولابد لى من كشفه فأقول : اعلم : أن النفس قد جلبت على حب الرفعة، فهي لا تحب أن يعلوها جنسها، فإذا علا عليها، شق عليها وكرهته، وأحبت زوال ذلك ليقع التساوي، وهذا أمر مركوز في الطباع . وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ثلاث لا ينجو منهن أحد : الظن، والطِّيرة، والحسد، وسأحدثكم ما المخرج من ذلك، إذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ .
وعلاج الحسد، تارة بالرضى بالقضاء، وتارة بالزهد في الدنيا، وتارة بالنظر فيما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة، فيتسلى بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلاً، ولا ينطق، فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جبلته . فأما من يحسد نبياً على نبوته، فيجب أن لا يكون نبياً، أو عالماً على علمه، فيؤثر أن يرزق ذلك أو يزول عنه، فهذا لا عذر له، ولا تجبل عليه إلا النفوس الكافرة أو الشريرة، فأما إن أحب أن يسبق أقرانه، ويطلع على ما لم يدركوه، فإنه لا يأثم بذلك، فإنه لم يؤثر زوال ما عندهم عنهم، بل أحب الارتفاع عنهم ليزيد حظه عند ربه، كما لو استبق عبدان إلى خدمة مولاهما، فأحب أحدهما أن يستبق . وقد قال الله تعالى : { وفى ذلك فليتنافس المتنافسون } [ المطففين : 26 ] . وفى "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضى الله عنهما، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله عز وجل القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه في الحق آناء الليل وآناء النهار " .
قال ابن القيم الجوزيه في كتابه مدارج السالكين : -
و بين المنافسة والغبطة جمع وفرق وبينهما وبين الحسد أيضا جمع وفرق
فالمنافسة تتضمن مسابقة واجتهادا وحرصا والحسد يدل على مهانة الحاسد وعجزه وإلا فنافس من حسدته فذلك أنفع لك من حسده كما قيل
إذا أعجبتك خلال امرىء = فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرما =ت إذا جئتها حاجب يحجبك
والغبطة تتضمن نوع تعجب وفرح للمغبوط واستحسان لحاله
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله في تفسير سورة الفلق : -
...........وللحسد ثلاث مراتب : إحداها هذه.
والثانية : تمنى استصحاب عدم النعمة. فهو يكره أن يحدث اللّه لعبده نعمة ، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله ، أو فقره ، أو ضعفه ، أو شتات قلبه عن اللّه ، أو قلة دينه. فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب. فهذا حسد على شيء مقدر. والأول حسد على شيء محقق.
وكلاهما حاسد ، عدو نعمة اللّه ، وعدو عباده ، وممقوت عند اللّه تعالى ، وعند الناس. ولا يسود أبدا ، ولا يواسى فإن الناس لا يسوّدون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم. فأما عدو نعمة اللّه عليهم فلا يسوّدونه باختيارهم أبدا إلا قهرا يعدونه من البلاء والمصائب التي ابتلاهم اللّه بها. فهم يبغضونه وهو يبغضهم.
والحسد الثالث : حسد الغبطة ، وهو تمنى أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه. فهذا لا بأس به ، ولا يعاب صاحبه ، بل هذا قريب من المنافسة ، وقد قال تعالى : : وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ و
في الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال : «لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه اللّه مالا ، وسلطه على هلكته في الحق. ورجل آتاه الله الحكمة. فهو يقضى بها ويعلمها الناس»
فهذا حسد غبطة ، الحامل لصاحبه عليه كبر نفسه ، وحب خصال الخير ، والتشبه بأهلها ، والدخول في جملتهم ، وأن يكون من سبّاقهم وعليتهم ومصلّيهم لا من فشاكلهم , فتحدث له من هذه الهمة المنافسة والمسابقة والمسارعة ، مع محبته لمن يغبطه ، وتمنى دوام نعمة اللّه عليه. فهذا لا يدخل في الآية بوجه ما.
.
.