مستزيد
03-11-2008, 02:32 AM
عندما يرضى عنا أهل الصليب
[الكاتب : وسيم فتح الله]
كانت الآية تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوعد من الله تعالى بالمغفرة والرضوان والفوز بالجنة فيُشفق الصحابة على أنفسهم خشية ألا يكونوا من أهلها، ثم تنزل أخرى بالوعيد والسخط من الله تعالى نسأل الله العافية فيُشفق الصحابة رضوان الله عليهم على أنفسهم خشية أن يكونوا من أهلها.
فيا له من جيلٍ ويا لهم من صُحبةٍ اختارها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم .
نزل قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82]ن فسُقط في أيدي الصحابة وهرعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأينا لم يظلم نفسه؟} فما زالوا وجلين مشفقين حتى نزل قوله تعالى مبيِّناً: {إن الشرك لظُلمٌ عظيم} [لقمان: 31].
ونزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2]، وكان ثابت بن قيس رضي الله عنه رفيع الصوت - أي عالي الصوت بطبعه - فخشي أن يكون ممن تشملهم الآية وأشفق على نفسه قائلاً: {أنا من أهل النار حبِط عملي}، وجلس في أهله حزيناً حتى فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل من يستقصي أمره فلما أخبرهم بظنه أن الآية فيه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بل هو من أهل الجنة) - والقصة في البخاري -
وهكذا كان حال رجل من الأنصار رآه النبي صلى الله عليه وسلم محزوناً فسأله عن ذلك، فقال: (يا نبي الله، شيءٌ فكرت فيه)، قال: (ما هو؟)، قال: (نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً تُرفع مع النبيين فلا نصل إليك)، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئاً فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً} [النساء: 69] [رواه ابن جرير وقد روي مرسلاً ومرفوعاً بأسانيد حسان كما ذكر ابن كثير].
قلت: هكذا كانت تهمة القوم لأنفسهم مع حسن ظنهم بالله، يتهمون أنفسهم في مظان الزلل ويحسنون الظن بربهم حيث يذكرون قدره وحقه سبحانه وتعالى فتتضاءل أعمالهم في أعينهم أمام حق ربهم ومولاهم، يسمع أحدهم البشارة والوعد الجميل فلا يرى نفسه أهلاً لها بعمله بل يدفعه حبه لله تعالى وحسن ظنه بربه عز وجل إلى استشراف تلك المكانة.
تأمل بشارة النبي صلى الله عليه وسلم في السبعين ألف من أمته الذين يدخلون الجنة بغير حساب فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقال: (يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعله منهم) [الحديث في الصحيحين].
ولقد حاول أهل الشرك قديماً أن يستميلوا النبي صلى الله عليه وسلم ليقول ما يرضيهم في مقابل أن يقولوا ما يرضيه، ولكن كان المنهج القرآني لهم بالمرصاد: {فلا تُطع المكذبين. ودُّوا لو تُدهن فيُدهنون} [القلم: 8-9]، وحاولوا فتنته صلوات الله وسلامه عليه ليرضيهم بالقول في مقابل الوعد بالمخاللة والمنَعة فكان المنهج القرآني لهم بالمرصاد: {وإن كادوا لَيفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً} [الإسراء: 73-74].
ولما كانت أمانة الدعوة موروثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاملي لواء التوحيد؛ كان الوعيد الشديد من الله تعالى لمن ركن إلى أهل الكفر وأرضاهم: {إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً} [الإسراء: 75]، والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فإن عصمة الله تعالى له تحول بينه وبين هذا الوعيد، حتى إذا امتنعت العصمة عن ورثة الدعوة عاد خطر المشيئة واقعاً متربصاً بمن تسوِّل له نفسه نيل رضا أهل الكفر وخِلتهم وركنهم بقولٍ أو فعل، ولما كانت مسؤولية الأنبياء أكبر كان العذاب المتوعد ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة، فدل هذا على أن من زل في هاوية استرضاء الكفار من ورثة الدعوة فإنه متوعد بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة... فتأمل!
إن النظر فيما تقدم من سَنن الصحابة في محاسبة أنفسهم بمقتضى نصوص الوعد والوعيد، ثم التأمل في علامات الزلل في التعامل مع أهل الكفر - وهي؛ رضاهم عن الفرد ومخاللته ونصرته بكل ما أوتوا من قوة يركن إليها الفرد - أقول إن كل ذلك ليبعث في قلوبنا الروع والوجل عند تدبر حال بعض المتحكمين بدفة الأمة الإسلامية اليوم ممن يُغدق عليهم أهل الكفر والصليب بأوسمة الرضا وشهادات الابتهاج والسرور بما يفعلون ويقولون، وذلك حيث نقرأ قول الله عز وجل: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة: 120].
تأمل هذه الآية وتأمل من قائلها وتأمل ما غايتها؛ إن القائل هو الله سبحانه وتعالى ولا أصدق من الله قيلاً، وإن غايتها واضحة محدد تكاد تكون حصرية حيث اجتمع النفي والاستثناء، فليس من المبالغة أن نقول إن رضا أهل الصليب عن المنتسِب إلى الإسلام دليلٌ على انتحالِ هذا الفرد لطريق الغضب والضلال على تفاوتٍ في مدى السير في هذين الطريقين.
نقول هذا الكلام وقلوبنا تتفطر أسى كلما أثنى رأسٌ من رؤوس الصليبية الحقود وحفيدٌ من أحفاد الخنازير والقرود على منتسبٍ للإسلام ممن يتزعم كِبر الفتنة في بلادنا - أعني فتنة الدين - متلبساً بلبوس شتى؛
فتارةً هو الحاكم بأمر الله؛ في حين يشهد فعله ورضا أهل الصليب عنه أنه حاكمٌ بأمر إبليس.
وتارةً هو الأمين على حرمات المسلمين وأمنهم فإذا به من يسفك دماءهم.
وتارةً هو المستنكر لإثخان العدو في المسلمين وإهانتهم وإذلالهم وإذا به هو الذي دل على عوراتهم.
وتارةً هو الذي يُحكِّم الشرع والدين فإذا به الذي يتحاكم إلى شريعة الإبليسيين في أروقة الطاغوت الأممي.
وتارةً هو الذي يكافح الفقر ويسد جوع المسلمين فإذا به الذي يتخم بطون الصليبيين والصهاينة ويتذرع بِذَرِّ الفتات على موائد جموع المساكين ويضخ الأموال للصليب بالبلايين، أما نصيب الأمة الإسلامية فصناديق طعام لمخيمات اللاجئين، سفارات وزيارات ومكاتب اتصال مع تل أبيب وأورشليم أما نصيب القدس ففلوس وملالييم.
وإذا أردت مصداق كل ما نقول فانظر إلى رضا بني صهيون وحملة الصليب عنهم.
إن قضية رضا عُبَّاد العجل والصليب عن منتسبي ملة التوحيد ليست بالقضية اليسيرة ولا الحقيرة، فلعمر الحق إنها قضية الردة عن الدين.
تأمل معي قول الله تعالى في سورة "القتال": {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطانُ سوَّل لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط اللهَ وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [محمد: 25-28].
فالتلازم صريحٌ بين طاعة أهل الكفر والزهد في رضوان الله تعالى وآيات القرآن تستغني بذكر بعض الأضداد عن بعض؛ فمن قال لأهل الكفر؛ سنطيعكم في بعض الأمر، فإنه مخالفٌ لله تعالى في هذا الأمر لا مندوحة، ومن فاز برضا أهل الكفر خسر رضوان الله تعالى والعياذ بالله، وإذا كان الوعيد الشديد هنا في مجرد القول فهو يتناول من باب أولى من عمل عملاً يُرضي أهل الكفر، ولئن كان الوعيد شديداً في قوله تعالى: {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم}، فكيف بقوله تعالى: {فأحبط أعمالهم}؟
هنيئاً لكم إذن يا من تقلدتم أوسمة الرضا ممن تسعون في رضاهم ممن كره شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وممن عقد لواء الصليب ليقتحم على المسلمين أعراضهم ودماءهم وأموالهم بعونٍ منكم وردءٍ منكم وإسرارٍ منكم وطاعةٍ منكم لهم في بعض القول - إن لم يكن كله -
هنيئاً لكم كل تصريح وبيان من البيوت البيضاء والوجوه السوداء ومن أروقة الطاغوت الأممي الذي تحاكمتم إليه من دون الله وأخضعتم رقاب المسلمين له من دون الله.
وهنيئاً لكم وفاؤكم بعقد الذمة مع من لا ذمة له يا من خفرتم اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم في ذمته في أهل القبلة، فيمن زوال الدنيا أهون عند الله تعالى من قتل واحد منهم.
ألا فليستنفر خدمُ الطاغوت وليستنفر خدمُ الصليب وليستنفر خدمُ العجل فإن أوامر أسيادهم لم تنته بعد، وإن طلبات من يسعون في رضاهم لم تنته بعد، ولا أقولها خرقاً لحجب الغيب ولكن أقولها لأن الله تعالى قال ومن أصدق من الله قيلاً: {حتى تتبعوا ملتهم}، إنهم لن يرضوا إذن حتى يكون تمام الاتباع في ملتهم، نعم إن الذين تسعون في رضاهم من أهل الكتاب من أهل الإنجيل المحرَّف والتوراة الملفَقة لن يرضيهم عنكم إلا انسلاخٌ تام عن الإسلام كل الإسلام، وإن كل إشارةٍ من إشارات رضاهم عنكم اليوم ليست إلا مرحلةً قطعتموها من مراحل السفر في طريق الغضب والضلال، ألا فلتستكثروا أو فلتقفلوا، راجعين حيث لا يزال للتوبة والندم سبيل، أما طلوع الشمس من مغربها فلات حين ندم، وأما حين تغرغر وتُحشرج فملائكةٌ يضربون الوجوه والأدبار.
اللهم إنا نبرأ إليك منهم ونعوذ بك من أن نصير إلى ما صاروا إليه.
الأمر إذن خطير، والمصيبة عظيمة حين يكون عاجل بشرى العبد من الدنيا رضا أهل الكفر عنه.
ولئن عدنا إلى منهج الصحابة رضوان الله عليهم وإشفاقهم على أنفسهم من أدنى شبهة أو ملابسة بين حالهم وصفة أهل الوعيد في آيات القرآن لأدركنا كم بعيدون نحن عن فهم وتدبر كتاب الله، وتأمل كيف كان عاجل بشرى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم نجاة من النار وفوز بالجنة لما علمه الله تعالى من صدق إشفاقهم وبعدهم عن مظان التهمة، وتأمل كيف كان عاجل سوء العاقبة لمن سعى في مرضاة أهل الكفر أن وَكَلهم الله تعالى إلى رضاهم.
فيا لها من خسارة ويا له من حبوط ويا لها من خلةٍ مآلها إلى ما لا تحمد عقباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم
[الكاتب : وسيم فتح الله]
كانت الآية تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوعد من الله تعالى بالمغفرة والرضوان والفوز بالجنة فيُشفق الصحابة على أنفسهم خشية ألا يكونوا من أهلها، ثم تنزل أخرى بالوعيد والسخط من الله تعالى نسأل الله العافية فيُشفق الصحابة رضوان الله عليهم على أنفسهم خشية أن يكونوا من أهلها.
فيا له من جيلٍ ويا لهم من صُحبةٍ اختارها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم .
نزل قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82]ن فسُقط في أيدي الصحابة وهرعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأينا لم يظلم نفسه؟} فما زالوا وجلين مشفقين حتى نزل قوله تعالى مبيِّناً: {إن الشرك لظُلمٌ عظيم} [لقمان: 31].
ونزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2]، وكان ثابت بن قيس رضي الله عنه رفيع الصوت - أي عالي الصوت بطبعه - فخشي أن يكون ممن تشملهم الآية وأشفق على نفسه قائلاً: {أنا من أهل النار حبِط عملي}، وجلس في أهله حزيناً حتى فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل من يستقصي أمره فلما أخبرهم بظنه أن الآية فيه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بل هو من أهل الجنة) - والقصة في البخاري -
وهكذا كان حال رجل من الأنصار رآه النبي صلى الله عليه وسلم محزوناً فسأله عن ذلك، فقال: (يا نبي الله، شيءٌ فكرت فيه)، قال: (ما هو؟)، قال: (نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً تُرفع مع النبيين فلا نصل إليك)، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئاً فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً} [النساء: 69] [رواه ابن جرير وقد روي مرسلاً ومرفوعاً بأسانيد حسان كما ذكر ابن كثير].
قلت: هكذا كانت تهمة القوم لأنفسهم مع حسن ظنهم بالله، يتهمون أنفسهم في مظان الزلل ويحسنون الظن بربهم حيث يذكرون قدره وحقه سبحانه وتعالى فتتضاءل أعمالهم في أعينهم أمام حق ربهم ومولاهم، يسمع أحدهم البشارة والوعد الجميل فلا يرى نفسه أهلاً لها بعمله بل يدفعه حبه لله تعالى وحسن ظنه بربه عز وجل إلى استشراف تلك المكانة.
تأمل بشارة النبي صلى الله عليه وسلم في السبعين ألف من أمته الذين يدخلون الجنة بغير حساب فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقال: (يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعله منهم) [الحديث في الصحيحين].
ولقد حاول أهل الشرك قديماً أن يستميلوا النبي صلى الله عليه وسلم ليقول ما يرضيهم في مقابل أن يقولوا ما يرضيه، ولكن كان المنهج القرآني لهم بالمرصاد: {فلا تُطع المكذبين. ودُّوا لو تُدهن فيُدهنون} [القلم: 8-9]، وحاولوا فتنته صلوات الله وسلامه عليه ليرضيهم بالقول في مقابل الوعد بالمخاللة والمنَعة فكان المنهج القرآني لهم بالمرصاد: {وإن كادوا لَيفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً} [الإسراء: 73-74].
ولما كانت أمانة الدعوة موروثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاملي لواء التوحيد؛ كان الوعيد الشديد من الله تعالى لمن ركن إلى أهل الكفر وأرضاهم: {إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً} [الإسراء: 75]، والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فإن عصمة الله تعالى له تحول بينه وبين هذا الوعيد، حتى إذا امتنعت العصمة عن ورثة الدعوة عاد خطر المشيئة واقعاً متربصاً بمن تسوِّل له نفسه نيل رضا أهل الكفر وخِلتهم وركنهم بقولٍ أو فعل، ولما كانت مسؤولية الأنبياء أكبر كان العذاب المتوعد ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة، فدل هذا على أن من زل في هاوية استرضاء الكفار من ورثة الدعوة فإنه متوعد بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة... فتأمل!
إن النظر فيما تقدم من سَنن الصحابة في محاسبة أنفسهم بمقتضى نصوص الوعد والوعيد، ثم التأمل في علامات الزلل في التعامل مع أهل الكفر - وهي؛ رضاهم عن الفرد ومخاللته ونصرته بكل ما أوتوا من قوة يركن إليها الفرد - أقول إن كل ذلك ليبعث في قلوبنا الروع والوجل عند تدبر حال بعض المتحكمين بدفة الأمة الإسلامية اليوم ممن يُغدق عليهم أهل الكفر والصليب بأوسمة الرضا وشهادات الابتهاج والسرور بما يفعلون ويقولون، وذلك حيث نقرأ قول الله عز وجل: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة: 120].
تأمل هذه الآية وتأمل من قائلها وتأمل ما غايتها؛ إن القائل هو الله سبحانه وتعالى ولا أصدق من الله قيلاً، وإن غايتها واضحة محدد تكاد تكون حصرية حيث اجتمع النفي والاستثناء، فليس من المبالغة أن نقول إن رضا أهل الصليب عن المنتسِب إلى الإسلام دليلٌ على انتحالِ هذا الفرد لطريق الغضب والضلال على تفاوتٍ في مدى السير في هذين الطريقين.
نقول هذا الكلام وقلوبنا تتفطر أسى كلما أثنى رأسٌ من رؤوس الصليبية الحقود وحفيدٌ من أحفاد الخنازير والقرود على منتسبٍ للإسلام ممن يتزعم كِبر الفتنة في بلادنا - أعني فتنة الدين - متلبساً بلبوس شتى؛
فتارةً هو الحاكم بأمر الله؛ في حين يشهد فعله ورضا أهل الصليب عنه أنه حاكمٌ بأمر إبليس.
وتارةً هو الأمين على حرمات المسلمين وأمنهم فإذا به من يسفك دماءهم.
وتارةً هو المستنكر لإثخان العدو في المسلمين وإهانتهم وإذلالهم وإذا به هو الذي دل على عوراتهم.
وتارةً هو الذي يُحكِّم الشرع والدين فإذا به الذي يتحاكم إلى شريعة الإبليسيين في أروقة الطاغوت الأممي.
وتارةً هو الذي يكافح الفقر ويسد جوع المسلمين فإذا به الذي يتخم بطون الصليبيين والصهاينة ويتذرع بِذَرِّ الفتات على موائد جموع المساكين ويضخ الأموال للصليب بالبلايين، أما نصيب الأمة الإسلامية فصناديق طعام لمخيمات اللاجئين، سفارات وزيارات ومكاتب اتصال مع تل أبيب وأورشليم أما نصيب القدس ففلوس وملالييم.
وإذا أردت مصداق كل ما نقول فانظر إلى رضا بني صهيون وحملة الصليب عنهم.
إن قضية رضا عُبَّاد العجل والصليب عن منتسبي ملة التوحيد ليست بالقضية اليسيرة ولا الحقيرة، فلعمر الحق إنها قضية الردة عن الدين.
تأمل معي قول الله تعالى في سورة "القتال": {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطانُ سوَّل لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط اللهَ وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [محمد: 25-28].
فالتلازم صريحٌ بين طاعة أهل الكفر والزهد في رضوان الله تعالى وآيات القرآن تستغني بذكر بعض الأضداد عن بعض؛ فمن قال لأهل الكفر؛ سنطيعكم في بعض الأمر، فإنه مخالفٌ لله تعالى في هذا الأمر لا مندوحة، ومن فاز برضا أهل الكفر خسر رضوان الله تعالى والعياذ بالله، وإذا كان الوعيد الشديد هنا في مجرد القول فهو يتناول من باب أولى من عمل عملاً يُرضي أهل الكفر، ولئن كان الوعيد شديداً في قوله تعالى: {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم}، فكيف بقوله تعالى: {فأحبط أعمالهم}؟
هنيئاً لكم إذن يا من تقلدتم أوسمة الرضا ممن تسعون في رضاهم ممن كره شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وممن عقد لواء الصليب ليقتحم على المسلمين أعراضهم ودماءهم وأموالهم بعونٍ منكم وردءٍ منكم وإسرارٍ منكم وطاعةٍ منكم لهم في بعض القول - إن لم يكن كله -
هنيئاً لكم كل تصريح وبيان من البيوت البيضاء والوجوه السوداء ومن أروقة الطاغوت الأممي الذي تحاكمتم إليه من دون الله وأخضعتم رقاب المسلمين له من دون الله.
وهنيئاً لكم وفاؤكم بعقد الذمة مع من لا ذمة له يا من خفرتم اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم في ذمته في أهل القبلة، فيمن زوال الدنيا أهون عند الله تعالى من قتل واحد منهم.
ألا فليستنفر خدمُ الطاغوت وليستنفر خدمُ الصليب وليستنفر خدمُ العجل فإن أوامر أسيادهم لم تنته بعد، وإن طلبات من يسعون في رضاهم لم تنته بعد، ولا أقولها خرقاً لحجب الغيب ولكن أقولها لأن الله تعالى قال ومن أصدق من الله قيلاً: {حتى تتبعوا ملتهم}، إنهم لن يرضوا إذن حتى يكون تمام الاتباع في ملتهم، نعم إن الذين تسعون في رضاهم من أهل الكتاب من أهل الإنجيل المحرَّف والتوراة الملفَقة لن يرضيهم عنكم إلا انسلاخٌ تام عن الإسلام كل الإسلام، وإن كل إشارةٍ من إشارات رضاهم عنكم اليوم ليست إلا مرحلةً قطعتموها من مراحل السفر في طريق الغضب والضلال، ألا فلتستكثروا أو فلتقفلوا، راجعين حيث لا يزال للتوبة والندم سبيل، أما طلوع الشمس من مغربها فلات حين ندم، وأما حين تغرغر وتُحشرج فملائكةٌ يضربون الوجوه والأدبار.
اللهم إنا نبرأ إليك منهم ونعوذ بك من أن نصير إلى ما صاروا إليه.
الأمر إذن خطير، والمصيبة عظيمة حين يكون عاجل بشرى العبد من الدنيا رضا أهل الكفر عنه.
ولئن عدنا إلى منهج الصحابة رضوان الله عليهم وإشفاقهم على أنفسهم من أدنى شبهة أو ملابسة بين حالهم وصفة أهل الوعيد في آيات القرآن لأدركنا كم بعيدون نحن عن فهم وتدبر كتاب الله، وتأمل كيف كان عاجل بشرى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم نجاة من النار وفوز بالجنة لما علمه الله تعالى من صدق إشفاقهم وبعدهم عن مظان التهمة، وتأمل كيف كان عاجل سوء العاقبة لمن سعى في مرضاة أهل الكفر أن وَكَلهم الله تعالى إلى رضاهم.
فيا لها من خسارة ويا له من حبوط ويا لها من خلةٍ مآلها إلى ما لا تحمد عقباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم