جروح بارده
22-10-2011, 09:06 PM
قلوبنا على درب الإيمان ..!!
[ دروس من قوله تعالى (قالت الأعراب آمنّا..)]
اليوم أريد أن أحدث قلوبنا...
فقلوبنا محل الحب الذي يستثير في النفوس البذل والعطاء ، وبه تستطاب الآلام وتهون التضحيات ، فيُحرك الساكن ويسير بالقعيد ويحول بليد الذهن فاقد العزم إلى ألمعيٍ لا يعرف الكلل ولايستطيب القعود عن حبيبه ومولاه ، حتى يقول أحد من حرك الحب جوانب فؤاده ( إنها لحياةٌ طويلة حتى آكل هذه التمرات) ، ويصيح الآخر (غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه)....
وقلوبنا محل الخوف الذي يقلب انطلاقة النفس احجاماً ، ويلجم فيها جموحاً عن طوق الرشاد ، وركوناً إلى معصيةٍ تبدل حال الحر عبداً ، وتغير حال الرشيد الذكي فلا يكاد يختار إلا خراب داره وفساد حاله ، وكم من شغوفٍ ظمئٍ ظن رِيَّه في سمِّه فإذا الخوف في قلبه يغير ما كان يرومه من هلاكه نجاةً ، فاتعظ بحال من قيل له (اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه) فأبدله ذلك نجاة في غارٍ لا تقرضه فيه الشمس....
فقولبنا محل الإيمان الذي غير الأمم وألان الصخور الصمّ ،فأخرج من شحيح النفس والجيب كنوزه فنثرها في الطرقات ، وانطلق به من قيد الجبن إلى فساحة الإقدام وطلب الشهادة ، فأزال عن مرآته الكدر الذي منعه من رؤية الحياة فرأى الآخرين فأحبهم وبذل لهم ،فسطر التاريخ على هام الأمم أسماءاً ومفاخراً لم تكن لتُكتب إلا بنور الإيمان..
ولكن قلوباً لم تذق حلاوة الإيمان ولم ترتوي من غديره ، أعجبها رسمه وجميل اسمه ، وراعها أن يفوتها ما غيَّر حال رعاة الغنم إلى قادةً للأمم ،وأوجل قلبها أن لا تصيب خيره فتصطلي بالويل وتندم، وسمعت قوله مالكها (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فلم ترضَ أن يكون الأكرمين من غيرها فتحركت تطلبه....
ونِعمَ ما يطلبه المرء أن يطلب الإيمان...
ولكن في القلوب عجلةً، فسرعان ما تدعي ما لم تدفع له ثمن ،وتظنها حازت مغنماً لم يصبها منه مغرماً، ولا يعجبها أن يسبقها السابقون بالفضل فتتعامى عما قدموه من البذل وما طلقوه من الهزل، ويسوؤها أن تذكر ذنوباً أطلالها في القلوب لم تزل شاهدة أو تتذكر طاعاتٍ ما زالت عنها قاصرة...
وهكذا كان إيمان الأعراب فسرعان ما نهوا وقال لهم الأعلم بحالهم (لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) ، ثم دلهم على الدرب لمن طلب مرضاة الرب فقال (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) فجزاء أعمالكم ستجدوه في قلوبكم وتذوقوه في غدير إيمانكم ولن يترككم يوم لقاء مليككم...
فهل تتعلم قلوبنا في درب الإيمان أن العجلة انقطاع والصبر هرولةٌ؟
وهل تعلم القلوب طبيعة ما الدرب الذي فيه تسير ؟!
إنه دربٌ تعصف فيه أعاصير الابتلاء وتموج بالسائرين فيه فتنٌ الشبهات والشهوات، فتتكسر هممٍ لم تكن مستعدة لما ستلاقيه، فيرى المرء زلة قدم الرفيق إن انتبه إليه زلل معه وإن ثبتَ مكانه مضى وحده !! ..فطوبى للغرباء.
وفي هذا الدرب تتزلزل الأجواء حتى يهتز كل ما في القلوب (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) ، فتنظر إلى السالكين فإذا هذه حالهم كلهم (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول الذين آمنوا معه متى نصر الله) ، فتتحرك الأيادي قبل السقوط باحثةً عن معين وقد قل في الدرب الأمين، فلا تجد غير مولاها فـ(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)...فعندها - وليس قبل ذلك – يتميز أهل الإيمان من الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، فأما المؤمنون فـ (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
ولقد علَّم الله الأعراب هذا الدرس فقال لهم (إنما المؤمنون الذين آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (والريب ضد اليقين ،وهو نوع من الحركة والاضطراب..)مجموع الفتاوى،(واليقين يتضمن الطمأنينة والسكون)مجموع الفتاوى(والريب نوعان : نوعٌ يكون شكا لنقص العلم . ونوعٌ يكون اضطراباً في القلب)مجموع الفتاوى
فهل عرفت القلوب حقاً درب الإيمان ..؟؟!
وهل مازالت القلوب تريد أن تسير فيه ،أم تستحب العمى على الهدى بعد أن عاينت الطريق؟!
وهل ستثبت القلوب ، أم تهزها الشكوك وتضطرب مما تلاقيه فتسقط؟!
وهل سترضى أن تبذل لله ما أعطاها إياه، أم تتعلل بأن بيوتها عورةً لتترك المسير؟!
فإن سارت القلوب فستجد عدواً يُسلمها لعدو ، وسيلاحقها حبيبٌ ليوقعها في مصيدة العدو ، وستُخرج الأرض كنوزها لتقيد الأقدام عن المسير ، وستطلب القلوب من هؤلاء السلامة وتحاول أن تعقد معهم الهدنة فتتصافح الأيدي لتهوي في دركات السقوط...ولن يُكمل إلا المؤمنون الذين ثبتوا فلم يرتابوا (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وهذا ما علمه الله للأعراب ...
وقد علق سبحانه الهداية في كتابه على الجهاد فقال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)،( فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد)الفوائد،و(من جاهد الكفار، دل ذلك، على الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من باب أولى وأحرى؛ ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك، دليل على ضعف إيمانه)السعدي
فخض غمرات الموت واسمُ إلى العلا == لكي تدرك العــــــز الرفيع الدائم
فلا خيـر في نفــس تخـاف من الردى ==ولا همـة تصـــــبو إلى لــوم لائـم
فهل عرفت القلوب حقاً درب الإيمان ..؟؟!
نعم....
هاهي قلوبٌ قد عرفت الطريق فآمنت وصدقت وثبتت وسكنت وجاهدت وما هادنت .... ولكن يا ويحها مالي أراها سقطت وما أكملت؟!! مالي أراها تُضرم النار فتحرق إيمانها في نارها ؟؟!! مالي أراها تخلط صفو مائها بكدر أوحالها؟؟!!
يا ويح نفسي أبعد النصب والتعب ، وبعد البذل والعمل تضيع الجهود وتمحق النتائج ...
فياويحي ما السبب ؟!! ما السب؟!!
طاوعتهم قلوبهم بعد طول المسير - وقد مرّ بهم ما مرّ بهم - أن تُعجبهم أعمالهم ،ولم ييأس الشيطان أن يُفسد قلوبهم لتحبط أعمالهم ،فزين لهم طاعاتهم فأعجبتهم ومنُّوا بحسناتهم فصارت هباءً منثوراً ..
فرحم الله عمر يستحلف حذيفة (أسماني رسول الله في المنافقين) ،ورحم الله حذيفة وهو يقول له (لا ولا أزكي بعدك أحداً أبداً) ،ورحم الله ابن مسعود وهو يقول (ههنا رجل وَدَّ أنه إذا مات لم يبعث [ يعني نفسه ] ويقول أيضاً: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على رأسي التراب) ..رحمهم ورضي عنهم وأدخلهم الجنة عرفها لهم..
فيا قلب ويحي وويحك أي عملٍ أعجبك ؟!
أهذا الذي ينتابه النسيان وانشغال البال بالدنايا ؟!!
أم هذا الذي ما علمت أخلص لمولاك أم جُعل به سخط الناس إذ طُلِبَ به حوز رضاهم ؟؟!!
أم لعل القلب تُعجبك ركيعات يقيمك ربك لها ولو شاء لقيل (اقعدوا مع القاعدين)؟!!
فيا ويح قومٍ جُهال ظنوا أن لهم عند مدبر أحوالهم ما يكون في الدنيا من منافع لمن يخدم غيره ..
ولقد علم الله الأعراب هذا فقال لهم تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
أما علمت القلوب أن أعمالها لا تنفع غيرها قال تعالى ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وقال تعالى ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد )...
أما علمت القلوب أنها ما آمنت إلا بنور الله وما ثبتت إلا بعصمة الله وما زكت إلا بوحي الله ،فـهو سبحانه من(حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) فالفضل لله من قبل ومن بعد ...
وماذا تقول القلوب وقد أعجبتها أعمالٌ مُخلَطة وربها يقول (يا عبادي! كلكم ضالٌ إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته؛ فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم؛ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يُنقص المخيط إذا أدخل البحر، ياعبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)رواه مسلم ..؟!!
فهل وعت قلوبنا حقيقة الإيمان ؟؟!!
وأين الذين تعجلوا ادعاء الإيمان؟؟!! أين الذين ظنوا أنفسهم كالسابقين ولم يسيروا سيرهم..؟!
أيا قلبي...
إياك أن تعجل فالدرب طويل...
وإياك أن ترتابإذ تمر بمزالق الطريق ولو قلّ الرفيق ...
وإياك أن يُعجبكما بذلت فتخسر ما قدمت وما أخرت....
أيا قلبي حز الإيمان ولا تدعيه ...
وتعلم مما علمه ربك للأعراب فإنه درسٌ لكل من دخل الإسلام وأراد أن يحوز الإيمان
وأما الموعد .....فموعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر
[ دروس من قوله تعالى (قالت الأعراب آمنّا..)]
اليوم أريد أن أحدث قلوبنا...
فقلوبنا محل الحب الذي يستثير في النفوس البذل والعطاء ، وبه تستطاب الآلام وتهون التضحيات ، فيُحرك الساكن ويسير بالقعيد ويحول بليد الذهن فاقد العزم إلى ألمعيٍ لا يعرف الكلل ولايستطيب القعود عن حبيبه ومولاه ، حتى يقول أحد من حرك الحب جوانب فؤاده ( إنها لحياةٌ طويلة حتى آكل هذه التمرات) ، ويصيح الآخر (غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه)....
وقلوبنا محل الخوف الذي يقلب انطلاقة النفس احجاماً ، ويلجم فيها جموحاً عن طوق الرشاد ، وركوناً إلى معصيةٍ تبدل حال الحر عبداً ، وتغير حال الرشيد الذكي فلا يكاد يختار إلا خراب داره وفساد حاله ، وكم من شغوفٍ ظمئٍ ظن رِيَّه في سمِّه فإذا الخوف في قلبه يغير ما كان يرومه من هلاكه نجاةً ، فاتعظ بحال من قيل له (اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه) فأبدله ذلك نجاة في غارٍ لا تقرضه فيه الشمس....
فقولبنا محل الإيمان الذي غير الأمم وألان الصخور الصمّ ،فأخرج من شحيح النفس والجيب كنوزه فنثرها في الطرقات ، وانطلق به من قيد الجبن إلى فساحة الإقدام وطلب الشهادة ، فأزال عن مرآته الكدر الذي منعه من رؤية الحياة فرأى الآخرين فأحبهم وبذل لهم ،فسطر التاريخ على هام الأمم أسماءاً ومفاخراً لم تكن لتُكتب إلا بنور الإيمان..
ولكن قلوباً لم تذق حلاوة الإيمان ولم ترتوي من غديره ، أعجبها رسمه وجميل اسمه ، وراعها أن يفوتها ما غيَّر حال رعاة الغنم إلى قادةً للأمم ،وأوجل قلبها أن لا تصيب خيره فتصطلي بالويل وتندم، وسمعت قوله مالكها (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فلم ترضَ أن يكون الأكرمين من غيرها فتحركت تطلبه....
ونِعمَ ما يطلبه المرء أن يطلب الإيمان...
ولكن في القلوب عجلةً، فسرعان ما تدعي ما لم تدفع له ثمن ،وتظنها حازت مغنماً لم يصبها منه مغرماً، ولا يعجبها أن يسبقها السابقون بالفضل فتتعامى عما قدموه من البذل وما طلقوه من الهزل، ويسوؤها أن تذكر ذنوباً أطلالها في القلوب لم تزل شاهدة أو تتذكر طاعاتٍ ما زالت عنها قاصرة...
وهكذا كان إيمان الأعراب فسرعان ما نهوا وقال لهم الأعلم بحالهم (لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) ، ثم دلهم على الدرب لمن طلب مرضاة الرب فقال (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) فجزاء أعمالكم ستجدوه في قلوبكم وتذوقوه في غدير إيمانكم ولن يترككم يوم لقاء مليككم...
فهل تتعلم قلوبنا في درب الإيمان أن العجلة انقطاع والصبر هرولةٌ؟
وهل تعلم القلوب طبيعة ما الدرب الذي فيه تسير ؟!
إنه دربٌ تعصف فيه أعاصير الابتلاء وتموج بالسائرين فيه فتنٌ الشبهات والشهوات، فتتكسر هممٍ لم تكن مستعدة لما ستلاقيه، فيرى المرء زلة قدم الرفيق إن انتبه إليه زلل معه وإن ثبتَ مكانه مضى وحده !! ..فطوبى للغرباء.
وفي هذا الدرب تتزلزل الأجواء حتى يهتز كل ما في القلوب (هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً) ، فتنظر إلى السالكين فإذا هذه حالهم كلهم (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول الذين آمنوا معه متى نصر الله) ، فتتحرك الأيادي قبل السقوط باحثةً عن معين وقد قل في الدرب الأمين، فلا تجد غير مولاها فـ(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)...فعندها - وليس قبل ذلك – يتميز أهل الإيمان من الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، فأما المؤمنون فـ (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
ولقد علَّم الله الأعراب هذا الدرس فقال لهم (إنما المؤمنون الذين آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (والريب ضد اليقين ،وهو نوع من الحركة والاضطراب..)مجموع الفتاوى،(واليقين يتضمن الطمأنينة والسكون)مجموع الفتاوى(والريب نوعان : نوعٌ يكون شكا لنقص العلم . ونوعٌ يكون اضطراباً في القلب)مجموع الفتاوى
فهل عرفت القلوب حقاً درب الإيمان ..؟؟!
وهل مازالت القلوب تريد أن تسير فيه ،أم تستحب العمى على الهدى بعد أن عاينت الطريق؟!
وهل ستثبت القلوب ، أم تهزها الشكوك وتضطرب مما تلاقيه فتسقط؟!
وهل سترضى أن تبذل لله ما أعطاها إياه، أم تتعلل بأن بيوتها عورةً لتترك المسير؟!
فإن سارت القلوب فستجد عدواً يُسلمها لعدو ، وسيلاحقها حبيبٌ ليوقعها في مصيدة العدو ، وستُخرج الأرض كنوزها لتقيد الأقدام عن المسير ، وستطلب القلوب من هؤلاء السلامة وتحاول أن تعقد معهم الهدنة فتتصافح الأيدي لتهوي في دركات السقوط...ولن يُكمل إلا المؤمنون الذين ثبتوا فلم يرتابوا (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وهذا ما علمه الله للأعراب ...
وقد علق سبحانه الهداية في كتابه على الجهاد فقال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)،( فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد)الفوائد،و(من جاهد الكفار، دل ذلك، على الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من باب أولى وأحرى؛ ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك، دليل على ضعف إيمانه)السعدي
فخض غمرات الموت واسمُ إلى العلا == لكي تدرك العــــــز الرفيع الدائم
فلا خيـر في نفــس تخـاف من الردى ==ولا همـة تصـــــبو إلى لــوم لائـم
فهل عرفت القلوب حقاً درب الإيمان ..؟؟!
نعم....
هاهي قلوبٌ قد عرفت الطريق فآمنت وصدقت وثبتت وسكنت وجاهدت وما هادنت .... ولكن يا ويحها مالي أراها سقطت وما أكملت؟!! مالي أراها تُضرم النار فتحرق إيمانها في نارها ؟؟!! مالي أراها تخلط صفو مائها بكدر أوحالها؟؟!!
يا ويح نفسي أبعد النصب والتعب ، وبعد البذل والعمل تضيع الجهود وتمحق النتائج ...
فياويحي ما السبب ؟!! ما السب؟!!
طاوعتهم قلوبهم بعد طول المسير - وقد مرّ بهم ما مرّ بهم - أن تُعجبهم أعمالهم ،ولم ييأس الشيطان أن يُفسد قلوبهم لتحبط أعمالهم ،فزين لهم طاعاتهم فأعجبتهم ومنُّوا بحسناتهم فصارت هباءً منثوراً ..
فرحم الله عمر يستحلف حذيفة (أسماني رسول الله في المنافقين) ،ورحم الله حذيفة وهو يقول له (لا ولا أزكي بعدك أحداً أبداً) ،ورحم الله ابن مسعود وهو يقول (ههنا رجل وَدَّ أنه إذا مات لم يبعث [ يعني نفسه ] ويقول أيضاً: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على رأسي التراب) ..رحمهم ورضي عنهم وأدخلهم الجنة عرفها لهم..
فيا قلب ويحي وويحك أي عملٍ أعجبك ؟!
أهذا الذي ينتابه النسيان وانشغال البال بالدنايا ؟!!
أم هذا الذي ما علمت أخلص لمولاك أم جُعل به سخط الناس إذ طُلِبَ به حوز رضاهم ؟؟!!
أم لعل القلب تُعجبك ركيعات يقيمك ربك لها ولو شاء لقيل (اقعدوا مع القاعدين)؟!!
فيا ويح قومٍ جُهال ظنوا أن لهم عند مدبر أحوالهم ما يكون في الدنيا من منافع لمن يخدم غيره ..
ولقد علم الله الأعراب هذا فقال لهم تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
أما علمت القلوب أن أعمالها لا تنفع غيرها قال تعالى ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) وقال تعالى ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد )...
أما علمت القلوب أنها ما آمنت إلا بنور الله وما ثبتت إلا بعصمة الله وما زكت إلا بوحي الله ،فـهو سبحانه من(حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) فالفضل لله من قبل ومن بعد ...
وماذا تقول القلوب وقد أعجبتها أعمالٌ مُخلَطة وربها يقول (يا عبادي! كلكم ضالٌ إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته؛ فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم؛ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يُنقص المخيط إذا أدخل البحر، ياعبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)رواه مسلم ..؟!!
فهل وعت قلوبنا حقيقة الإيمان ؟؟!!
وأين الذين تعجلوا ادعاء الإيمان؟؟!! أين الذين ظنوا أنفسهم كالسابقين ولم يسيروا سيرهم..؟!
أيا قلبي...
إياك أن تعجل فالدرب طويل...
وإياك أن ترتابإذ تمر بمزالق الطريق ولو قلّ الرفيق ...
وإياك أن يُعجبكما بذلت فتخسر ما قدمت وما أخرت....
أيا قلبي حز الإيمان ولا تدعيه ...
وتعلم مما علمه ربك للأعراب فإنه درسٌ لكل من دخل الإسلام وأراد أن يحوز الإيمان
وأما الموعد .....فموعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر