ابو زكريا
11-03-2009, 09:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أن السياسة هي فن السطوة وليس فن إدارة المصالح تبعا لموازين قوى محددة فحسب، ففي السياسة لا أحد يتنازل بمحض إرادته عما في مقدوره فرضه على الآخرين عنوة وبسهولة.
من الواضح في هذه المعادلة القاسية أن هناك غياباً كلياً لأي من الصفات التي يفترض تحلي الإنسان بها، كمثل التسامح أو التعايش أو الرأفة أو التآخي، في مشهد يطغى عليه لون الدم الأحمر القاني على حساب لون السلام الأبيض الناصع.
بحيث يصبح القتل عنوان عصور متعاقبة تمتد على طول تاريخ الإنسان، ما يستدعي وقفة جدية جديدة أمام سائر التعريفات التقليدية التي تشمل كافة أوجه فكر وممارسة هذا الإنسان الجبار، الذي لم يعد يحمل من صفاته الإنسانية الأصيلة سوى قشور الاسم ليس إلا.
وإذ نعتقد أن الأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، فإن عينة واحدة فقط تكفي وتزيد لإثبات ما ذهبنا إليه في تعريف السياسة ووصفها بالوحشية، ذلك أن تواصل المشهد الدامي في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم انعدام تكافؤ القوى وغياب ردود أفعال ترقى إلى مستوى الجريمة، يشي وينبئ حتى بما هو أسوأ مما ذهبنا إليه مجسدا بانعدام المشاعر والأحاسيس حتى على الصعيد الفردي أيضا.
وذلك بعد أن أصبح بوسع أفراد الأسرة استكمال تناول وجبة طعام شهية، وهم جالسون أمام شاشة التلفزيون أثناء بث نشرة أخبار طبقها الرئيسي دماء وجثث نظراء لهم في الإنسانية قابعين تحت قبضة احتلال تسانده كل شياطين الأرض وأعوانهم.
كيف يمكن النظر للسياسة، إذن، وما محلها من الإعراب في حناجر الأمهات الثكالى والشقيقات المفجوعات والآباء والأشقاء المقهورين والأصدقاء الذين لا يفصلهم عن المصير نفسه سوى مسألة وقت؟ أين السياسة، إذن من عقول الجالسين على الأرائك مع قادة أخطر عصابة إرهابية في الدنيا تدعى الحركة الصهيونية، التي تدعي لنفسها دولة وعلما بحجة حماية يهوديتها العنصرية، يقتلون ويفتكون ليل نهار بشعب بريء أعزل لا حول له ولا قوة في ظل سيادة سياسة فرض المصالح البغيضة بغض النظر عن الوسيلة؟
على ضوء ذلك يبدو عبثيا الحديث عن مبدأ تبادل المصالح، أما محاولة اعتماد الطرق الدبلوماسية فتبدو في هذا المقام ضربا خالصا من الخيال إن لم نقل من الجنون، في حين يغدو الحديث عن السلام والحوار مجرد مضيعة للوقت ومحاولة للتشويش وخلط أوراق لا لبس فيها، الكلمة الفصل فيها للغة القوة والقوة فقط.
وما عدا ذلك ما هو إلا إمعان في ممارسة الكذب والدجل والتسويف من قبل أشخاص وجهات وحتى حكومات ودول، قادهم عجزهم وتخاذلهم قبل خذلانهم إلى التلاعب بأبسط حقوق شعوبهم في حياة كريمة، بعيدا عن عالم مريض خال من أي مبدأ من تلك المبادئ التي يفترض أن السياسة قامت عليها.
من هنا يغدو حتميا تسمية المسميات بأسمائها والقول: إن القضية الفلسطينية تتعرض لأخطر عملية خلط للأوراق منذ فجر التاريخ، يبدو أن أبطالها يؤمنون بنظرية «نهاية التاريخ» التي تخلى عنها حتى صاحبها فرانسيس فوكوياما، الذي ادعى ذات مرة أن النموذج الرأسمالي الأميركي إنما هو نهاية المطاف بالنسبة لتاريخ الإنسان.
لكنه سرعان ما تراجع عن هذا الطرح لما ينطوي عليه من مغالطات لا مكان لها في صيرورة تطور الإنسان وارتقائه، في حين بقي له، على ما يبدو، الكثير من المريدين حول العالم عموما وفي العالم العربي على وجه الخصوص.
فلقد سلم هؤلاء بسطوة الآلة الحربية الصهيوأميركية وتناسوا طبيعة الناس ومقدرتهم على المقاومة والفعل، بما في ذلك ما عرف في التجربة الهندية من مقاومة سلبية تمكنت من دحر مستعمر غاشم.
كما أنهم يحاولون إيهام الناس بأن السلطة الفلسطينية والمقاومة والمشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية هي وجوه لعملة واحدة، مع أنهم يعلمون قبل غيرهم أن القضية الفلسطينية أكبر من حدود 67 وأكبر من أي تعديلات حدودية، وأكبر من أي سلطة أو حكم ذاتي، وأكبر من أي مشروع أمني أو خدمي يقوم على التكنوقراط والمتاجرة بالخدمات..
القضية الفلسطينية قضية شعب وأرض، قضية وجود وليس قضية حدود، قضية لا مكان فيها لفرض مصالح شعب مزعوم على مصالح شعب أصيل.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
البيان الإماراتية
أن السياسة هي فن السطوة وليس فن إدارة المصالح تبعا لموازين قوى محددة فحسب، ففي السياسة لا أحد يتنازل بمحض إرادته عما في مقدوره فرضه على الآخرين عنوة وبسهولة.
من الواضح في هذه المعادلة القاسية أن هناك غياباً كلياً لأي من الصفات التي يفترض تحلي الإنسان بها، كمثل التسامح أو التعايش أو الرأفة أو التآخي، في مشهد يطغى عليه لون الدم الأحمر القاني على حساب لون السلام الأبيض الناصع.
بحيث يصبح القتل عنوان عصور متعاقبة تمتد على طول تاريخ الإنسان، ما يستدعي وقفة جدية جديدة أمام سائر التعريفات التقليدية التي تشمل كافة أوجه فكر وممارسة هذا الإنسان الجبار، الذي لم يعد يحمل من صفاته الإنسانية الأصيلة سوى قشور الاسم ليس إلا.
وإذ نعتقد أن الأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، فإن عينة واحدة فقط تكفي وتزيد لإثبات ما ذهبنا إليه في تعريف السياسة ووصفها بالوحشية، ذلك أن تواصل المشهد الدامي في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم انعدام تكافؤ القوى وغياب ردود أفعال ترقى إلى مستوى الجريمة، يشي وينبئ حتى بما هو أسوأ مما ذهبنا إليه مجسدا بانعدام المشاعر والأحاسيس حتى على الصعيد الفردي أيضا.
وذلك بعد أن أصبح بوسع أفراد الأسرة استكمال تناول وجبة طعام شهية، وهم جالسون أمام شاشة التلفزيون أثناء بث نشرة أخبار طبقها الرئيسي دماء وجثث نظراء لهم في الإنسانية قابعين تحت قبضة احتلال تسانده كل شياطين الأرض وأعوانهم.
كيف يمكن النظر للسياسة، إذن، وما محلها من الإعراب في حناجر الأمهات الثكالى والشقيقات المفجوعات والآباء والأشقاء المقهورين والأصدقاء الذين لا يفصلهم عن المصير نفسه سوى مسألة وقت؟ أين السياسة، إذن من عقول الجالسين على الأرائك مع قادة أخطر عصابة إرهابية في الدنيا تدعى الحركة الصهيونية، التي تدعي لنفسها دولة وعلما بحجة حماية يهوديتها العنصرية، يقتلون ويفتكون ليل نهار بشعب بريء أعزل لا حول له ولا قوة في ظل سيادة سياسة فرض المصالح البغيضة بغض النظر عن الوسيلة؟
على ضوء ذلك يبدو عبثيا الحديث عن مبدأ تبادل المصالح، أما محاولة اعتماد الطرق الدبلوماسية فتبدو في هذا المقام ضربا خالصا من الخيال إن لم نقل من الجنون، في حين يغدو الحديث عن السلام والحوار مجرد مضيعة للوقت ومحاولة للتشويش وخلط أوراق لا لبس فيها، الكلمة الفصل فيها للغة القوة والقوة فقط.
وما عدا ذلك ما هو إلا إمعان في ممارسة الكذب والدجل والتسويف من قبل أشخاص وجهات وحتى حكومات ودول، قادهم عجزهم وتخاذلهم قبل خذلانهم إلى التلاعب بأبسط حقوق شعوبهم في حياة كريمة، بعيدا عن عالم مريض خال من أي مبدأ من تلك المبادئ التي يفترض أن السياسة قامت عليها.
من هنا يغدو حتميا تسمية المسميات بأسمائها والقول: إن القضية الفلسطينية تتعرض لأخطر عملية خلط للأوراق منذ فجر التاريخ، يبدو أن أبطالها يؤمنون بنظرية «نهاية التاريخ» التي تخلى عنها حتى صاحبها فرانسيس فوكوياما، الذي ادعى ذات مرة أن النموذج الرأسمالي الأميركي إنما هو نهاية المطاف بالنسبة لتاريخ الإنسان.
لكنه سرعان ما تراجع عن هذا الطرح لما ينطوي عليه من مغالطات لا مكان لها في صيرورة تطور الإنسان وارتقائه، في حين بقي له، على ما يبدو، الكثير من المريدين حول العالم عموما وفي العالم العربي على وجه الخصوص.
فلقد سلم هؤلاء بسطوة الآلة الحربية الصهيوأميركية وتناسوا طبيعة الناس ومقدرتهم على المقاومة والفعل، بما في ذلك ما عرف في التجربة الهندية من مقاومة سلبية تمكنت من دحر مستعمر غاشم.
كما أنهم يحاولون إيهام الناس بأن السلطة الفلسطينية والمقاومة والمشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية هي وجوه لعملة واحدة، مع أنهم يعلمون قبل غيرهم أن القضية الفلسطينية أكبر من حدود 67 وأكبر من أي تعديلات حدودية، وأكبر من أي سلطة أو حكم ذاتي، وأكبر من أي مشروع أمني أو خدمي يقوم على التكنوقراط والمتاجرة بالخدمات..
القضية الفلسطينية قضية شعب وأرض، قضية وجود وليس قضية حدود، قضية لا مكان فيها لفرض مصالح شعب مزعوم على مصالح شعب أصيل.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
البيان الإماراتية