خضر صبح
27-11-2012, 05:43 AM
يقظة
قصَّة قصيرة
بقلم خضر صبح
تثاءب بقوة وهو يرفص غطاءه يبعده عن جسده .. يشعر بإرهاق شديد مع افتقاره للنوم بسبب الحرارة الشديدة التي تجتاح المنطقة برمتها .. قاده التفكير بعيدا وهو يتأمّل النّجوم في السّماء ويقلِّب بصره بينها .. هل يحاول عدَّها .. اخذت جفونه تتثاقل شيئا فشيئا وانسلّت بهدوء تعانق أختها في الناحية الثانية, ثم استسلم للنوم.
فتح عينيه يحسّ بشيء يلتصق به لا يفارقه ..
همّ بالحركة..
فشعر به يزداد التصاقا...
فكّر في تحريك يده لكن خاف أن يلفت نظره وحصول ما لا تحمد عقباه .
..لقد حذرته أمه من النوم على السطح لأنه سيكون عرضة لحشرات الليل التي ستقضّ مضجعه.. وتمنع راحته ..
لكن ما يلتصق به أثقل بكثير من حشرات الليل. انه يتمدد فوقه تماما من رأسه حتى رجليه وقد يكون اكبر..
لا بد انه يحلم ..نعم انه يحلم
لِمَ لا يحاول فتح عينيه عن آخرهما ويبصق شمالا ويستعيذ بالله من الشياطين؟[1] .
أهو حلم ام حقيقة ؟
ليفتح عينيه عن آخرها وينهض ويحمل فراشه وينفض ما علق فيه من غبار وكأن شيئا لم يكن.. ويدخل منزله ويكمل نومه بين الأجساد التي تمتلئ بها الغرفة .. وكأن شيئا لم يكن ... ما أسعدهم!
..........فتح عينيه بعد طول مكابدة لكنه أغلقها مباشرة بعد أن حبس صرخة كادت تفلت منه.رأى عينين تنظران في عينيه مباشرة .. جسد يتمدد بين عينيه فوق انفه وفمه .. بدا جسده يرتجف بشدة ... إنها أفعى .. نعم أفعى .. عيناها باردتان تنظران في عينيه .. رأسها فوق رأسه صدرها فوق صدره .. غصّ حلقه بقدر هائل من المرارة .. ليته استمع لنصيحة أمه .. تذكر في تلك اللحظة قول أخيه الكبير أن الأفعى لا تؤذي النائم .. إذن عليه أن يتصنع النوم فلعلها تكفيه شرها , وتذهب الى حال سبيلها , لكن هذا الارتجاف يفضحه .
..........تذكر كلام صديق أخيه الكبير
انه يمسك الأفاعي بسهولة .. يمد يده بسرعة إلى خلف رأسها تماما ويمسكها بقوة فيقيد حركتها ويتصرف بها كما يحلو له.
..........لكن كيف يحرك يده إن أي حركة قد تكون الأخيرة ... ماذا لو كانت الأفعى شعرت بارتجافه وهي الآن تبحث عن مكان مناسب تغرس فيه نابها وتفرغ سمها..هل ستلدغه من جبينه .. شعر بحرارة في جبينه وألم حاد .
هل لدغته؟!
لا , انه الوهم.
الأفعى تلدغ في اليد أو الرجل ..
لعلها تلدغه في رجله وتمضي ..
ما أهون لدغة الرجل إذا قورنت بلدغة الوجه أو الرأس .
هل هي من نفس النوع الذي لدغ جاره أبا رائد قبل عامين في يده وكادت تقضي عليه لولا أن تداركته رحمة الله..
لا .
إن ذلك النوع مقتصر على الأراضي الزراعية ..
يا للهول إلا توجد أفاعي مختصة في البيوت ..؟
..........تذكر قول والدته إن أفاعي البيوت قد تكون من الجنّ لذلك ينبغي ان نحلف عليها ان تخرج من البيت ... فاخذ يحلفها أن تبتعد عنه بالله .. لكنها ثابتة لا تتزحزح.[2]
..........فكر لحظة هذه الأفعى ليس أفعى بيت .. إنها أفعى سطح .. اخذ يعصر دماغه يبحث عما يحفظ من كتاب الله أو في سنته ما يدفع عنه هذا البلاء .. فاخذ يلوم نفسه على عدم متابعة الحفظ واخذ على نفسه عهدا أن يجعل أيامه كلها حفظا ان نجا من هذه الكارثة.
عليه أن يتصرف بسرعة ..إما أن يموت ملدوغا أو يفر هاربا .. فلعل في ذلك النجاة ..أفضل طريقة ان يجمع قوته ويزيح نفسه جانبا ويدفع الأفعى بيده اليمنى بقوة ثم ينهض بعيدا الى جانب الباب .
..........انتظر برهة يقلب الخطة على وجوهها المختلفة .. إنها أفضل من ان ينتظر موته دون حراك .. قطع أنفاسه وبدا العد : ثلاثة اثنان واحد ..ازداد ارتجافه .. فشعر بدنو أجله ..وصرخ عقله يحذر جسده من النتائج الرهيبة للموقف فاستنفر قواه كلها واطلق صرخة لعضلاته فانقبضت كلها ثم انبسطت فلينتفض جسده في عنف فاندفعت يده تبعد الأفعى ودحرج جسده بسرعة في محاولة للافلات منها ثم نهض واقفا ينظر باتجاه الأفعى ويتحرك إلى الخلف وقلبه يخفق في عنف شديد .
..........استقرت الأفعى بعيدة عنه دون حراك .. استمر في التراجع وعيناه تدوران في محجريهما تبحثان في الأرجاء عن شيء يساعده على مواجهتها والقضاء عليها .
بدأت أنفاسه تنتظم حين لمح قطعة حديدية تستخدم لتوصيل المياه .. تناولها بسرعة دون أن يرفع عينيه عن الأفعى .
..........سار هادئا بخطوات بطيئة وعلى أطراف أصابعه تجاهها.. تعجب من عدم حركتها ..لعلها تتحفز للانقضاض عليه .. حرك القطعة الحديدية للإمام .. اقترب .. عليه ان يباغتها بانقضاضة سريعة ينهي فيها العملية ..
..........هل يضربها على رأسها؟ فيجهز عليها بضربة واحدة .. قد يخطئها فيسمح بهجمتها ..هل يضربها على وسطها فيعيق حركتها ثم يجهز عليها.. الهدف أوسع ومجال الخطأ فيه اقل .. استقررأيه على الخطة الثانية .
..........قفز قفزة هائلة وأهوى بسلاحه على وسطها فشطرها شطرين .. تراجع بسرعة ينظر صوبها .. انها لا تتحرك .. تقدم وحرك طرفها .. فتحرك مع حركة القطعة الحديدية في يده .. تقدم أكثر .. تأملها عن قرب .. إنها ليست أفعى .. انه حبل الغسيل الذي طلبت إليه والدته إصلاحه قبل أن ينقطع.
--------------------------------------------------------------------------------
( [1] ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فلينفث عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ولينفث عن يساره ثلاثاً ثم لينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحد،
[2] * روي عن أبي السائب أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلي أن اجلس فجلست فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت ؟ فقلت: نعم فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار ويرجع إلى أهله فاستأذنه يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة فقالت اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى ؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك وقلنا: ادع الله يحييه لنا قال: استغفروا لصاحبكم ثم قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان } وفي لفظ آخر لمسلم أيضا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليه ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر } وقال لهم: { اذهبوا فادفنوا صاحبكم . رواه مسلم
قصَّة قصيرة
بقلم خضر صبح
تثاءب بقوة وهو يرفص غطاءه يبعده عن جسده .. يشعر بإرهاق شديد مع افتقاره للنوم بسبب الحرارة الشديدة التي تجتاح المنطقة برمتها .. قاده التفكير بعيدا وهو يتأمّل النّجوم في السّماء ويقلِّب بصره بينها .. هل يحاول عدَّها .. اخذت جفونه تتثاقل شيئا فشيئا وانسلّت بهدوء تعانق أختها في الناحية الثانية, ثم استسلم للنوم.
فتح عينيه يحسّ بشيء يلتصق به لا يفارقه ..
همّ بالحركة..
فشعر به يزداد التصاقا...
فكّر في تحريك يده لكن خاف أن يلفت نظره وحصول ما لا تحمد عقباه .
..لقد حذرته أمه من النوم على السطح لأنه سيكون عرضة لحشرات الليل التي ستقضّ مضجعه.. وتمنع راحته ..
لكن ما يلتصق به أثقل بكثير من حشرات الليل. انه يتمدد فوقه تماما من رأسه حتى رجليه وقد يكون اكبر..
لا بد انه يحلم ..نعم انه يحلم
لِمَ لا يحاول فتح عينيه عن آخرهما ويبصق شمالا ويستعيذ بالله من الشياطين؟[1] .
أهو حلم ام حقيقة ؟
ليفتح عينيه عن آخرها وينهض ويحمل فراشه وينفض ما علق فيه من غبار وكأن شيئا لم يكن.. ويدخل منزله ويكمل نومه بين الأجساد التي تمتلئ بها الغرفة .. وكأن شيئا لم يكن ... ما أسعدهم!
..........فتح عينيه بعد طول مكابدة لكنه أغلقها مباشرة بعد أن حبس صرخة كادت تفلت منه.رأى عينين تنظران في عينيه مباشرة .. جسد يتمدد بين عينيه فوق انفه وفمه .. بدا جسده يرتجف بشدة ... إنها أفعى .. نعم أفعى .. عيناها باردتان تنظران في عينيه .. رأسها فوق رأسه صدرها فوق صدره .. غصّ حلقه بقدر هائل من المرارة .. ليته استمع لنصيحة أمه .. تذكر في تلك اللحظة قول أخيه الكبير أن الأفعى لا تؤذي النائم .. إذن عليه أن يتصنع النوم فلعلها تكفيه شرها , وتذهب الى حال سبيلها , لكن هذا الارتجاف يفضحه .
..........تذكر كلام صديق أخيه الكبير
انه يمسك الأفاعي بسهولة .. يمد يده بسرعة إلى خلف رأسها تماما ويمسكها بقوة فيقيد حركتها ويتصرف بها كما يحلو له.
..........لكن كيف يحرك يده إن أي حركة قد تكون الأخيرة ... ماذا لو كانت الأفعى شعرت بارتجافه وهي الآن تبحث عن مكان مناسب تغرس فيه نابها وتفرغ سمها..هل ستلدغه من جبينه .. شعر بحرارة في جبينه وألم حاد .
هل لدغته؟!
لا , انه الوهم.
الأفعى تلدغ في اليد أو الرجل ..
لعلها تلدغه في رجله وتمضي ..
ما أهون لدغة الرجل إذا قورنت بلدغة الوجه أو الرأس .
هل هي من نفس النوع الذي لدغ جاره أبا رائد قبل عامين في يده وكادت تقضي عليه لولا أن تداركته رحمة الله..
لا .
إن ذلك النوع مقتصر على الأراضي الزراعية ..
يا للهول إلا توجد أفاعي مختصة في البيوت ..؟
..........تذكر قول والدته إن أفاعي البيوت قد تكون من الجنّ لذلك ينبغي ان نحلف عليها ان تخرج من البيت ... فاخذ يحلفها أن تبتعد عنه بالله .. لكنها ثابتة لا تتزحزح.[2]
..........فكر لحظة هذه الأفعى ليس أفعى بيت .. إنها أفعى سطح .. اخذ يعصر دماغه يبحث عما يحفظ من كتاب الله أو في سنته ما يدفع عنه هذا البلاء .. فاخذ يلوم نفسه على عدم متابعة الحفظ واخذ على نفسه عهدا أن يجعل أيامه كلها حفظا ان نجا من هذه الكارثة.
عليه أن يتصرف بسرعة ..إما أن يموت ملدوغا أو يفر هاربا .. فلعل في ذلك النجاة ..أفضل طريقة ان يجمع قوته ويزيح نفسه جانبا ويدفع الأفعى بيده اليمنى بقوة ثم ينهض بعيدا الى جانب الباب .
..........انتظر برهة يقلب الخطة على وجوهها المختلفة .. إنها أفضل من ان ينتظر موته دون حراك .. قطع أنفاسه وبدا العد : ثلاثة اثنان واحد ..ازداد ارتجافه .. فشعر بدنو أجله ..وصرخ عقله يحذر جسده من النتائج الرهيبة للموقف فاستنفر قواه كلها واطلق صرخة لعضلاته فانقبضت كلها ثم انبسطت فلينتفض جسده في عنف فاندفعت يده تبعد الأفعى ودحرج جسده بسرعة في محاولة للافلات منها ثم نهض واقفا ينظر باتجاه الأفعى ويتحرك إلى الخلف وقلبه يخفق في عنف شديد .
..........استقرت الأفعى بعيدة عنه دون حراك .. استمر في التراجع وعيناه تدوران في محجريهما تبحثان في الأرجاء عن شيء يساعده على مواجهتها والقضاء عليها .
بدأت أنفاسه تنتظم حين لمح قطعة حديدية تستخدم لتوصيل المياه .. تناولها بسرعة دون أن يرفع عينيه عن الأفعى .
..........سار هادئا بخطوات بطيئة وعلى أطراف أصابعه تجاهها.. تعجب من عدم حركتها ..لعلها تتحفز للانقضاض عليه .. حرك القطعة الحديدية للإمام .. اقترب .. عليه ان يباغتها بانقضاضة سريعة ينهي فيها العملية ..
..........هل يضربها على رأسها؟ فيجهز عليها بضربة واحدة .. قد يخطئها فيسمح بهجمتها ..هل يضربها على وسطها فيعيق حركتها ثم يجهز عليها.. الهدف أوسع ومجال الخطأ فيه اقل .. استقررأيه على الخطة الثانية .
..........قفز قفزة هائلة وأهوى بسلاحه على وسطها فشطرها شطرين .. تراجع بسرعة ينظر صوبها .. انها لا تتحرك .. تقدم وحرك طرفها .. فتحرك مع حركة القطعة الحديدية في يده .. تقدم أكثر .. تأملها عن قرب .. إنها ليست أفعى .. انه حبل الغسيل الذي طلبت إليه والدته إصلاحه قبل أن ينقطع.
--------------------------------------------------------------------------------
( [1] ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فلينفث عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ولينفث عن يساره ثلاثاً ثم لينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحد،
[2] * روي عن أبي السائب أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلي أن اجلس فجلست فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت ؟ فقلت: نعم فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار ويرجع إلى أهله فاستأذنه يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة فقالت اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى ؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك وقلنا: ادع الله يحييه لنا قال: استغفروا لصاحبكم ثم قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان } وفي لفظ آخر لمسلم أيضا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليه ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر } وقال لهم: { اذهبوا فادفنوا صاحبكم . رواه مسلم