خضر صبح
17-04-2009, 10:54 AM
رؤية نقدية في شعر (البحتري)
أولاً: يجب علينا قبل كلِّ شيء أنْ نُعرِّف بالشاعر – كما هي العادة – قبل الخوض في الحديث عنه في هذه الدراسة النقدية البسيطة عن (شعر البحتري) ، ولعلّ شهرة هذا الشاعر وسهولة البحث عنه تُغنينا عن الدخول في تفصيل نسبه وتفاصيل حياته ، فنكتفي بهذا التعريف الموجز عنه ، فنقول:
هو أبو عبادة ، الوليد بن عبيد الطائي ، أحد شعراء العصر العبّاسي ، لُقِّبَ بالبحتري نسبةً إلى أحد أجداده وهو (بحتر بن عتود).
بدأ البحتري بنظم الشعرِ صغيرًا حتى اتصل بأبي تمّام الطائي الشاعر المعروف فأنشده البحتري شعرًا أُعجِبَ به أبو تمّام فضمّه إليه ، وكتب إلى أهل معرّة النعمان يُوصيهم به.
وبعد أن استوثق البحتري من قوّة شاعريته يمّمَ شطر بغداد واتصل بالوزير (الفتح بن خاقان) ومدحه ، فكان بوابته التي أوصلته إلى الخليفة (المتوكل) العباسي الذي قرَّبهُ إليه حتى صارَ أحد ندمائه.
وقد عاصرَ البحتري بعد المتوكل خمسة خلفاء هم: (المنتصر ، والمستعين ، والمعتز ، والمهتدي ، ثم المعتمد).
ثانيًا: كثيرًا ما نجد في أيِّ دراسةٍ أدبيّة أو نقدية تناولت (شعر البحتري) عباراتٍ بعينها تتكرّر دائمًا في وصف شعره بسلاسة العبارة وحسن الديباجة ، ولعلّنا نستطيع الجزم بأن نَقَدَة الشعر القدماء أجمعوا على ذلك ، ونذكر منهم (الثعالبي) مثلاً حيث يقول: (يُضرَبُ به المثل ، لأنَّ الإجماع واقعٌ على أنّهُ في الشعر أطبعُ المحدثين والمولّدين ، وأنّ كلامه يجمعُ الجزالةَ والحلاوة والفصاحة والسلاسة ، ويُقال إنّ شعره كتابةٌ معقودةٌ بالقوافي).
ويقول ابن رشيق القيرواني في كتابه (العمدة): (وأمّا البحتري فكان أملح صنعةً وأحسنَ مذهبًا في الكلام ، يسلك فيه دماثةً وسهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقّة).
وعلى هذا النهج سار نقّاد عصرنا أمثال طه حسين والعقّاد وشوقي ضيف وغيرهم يتّبعون آثار القدماء فيمتدحون شعر البحتري ، وطه حسين يقول في ذلك: (وربّما أجود شعر البحتري ما قاله في المتوكل).
وهذا الحكم على شعر البحتري - في رأيي المتواضع - يرجع إلى أنّ هؤلاء النقّاد لم ينظروا إلى شعره (نظرة فنية) وإنّما كان حكمهم هذا من ناحية (الوضوح والخفاء ، ورشاقة العبارة والديباجة).
ولكنّنا نجد هنا رأيًا لعبدالقاهر الجرجاني يخالف كُلَّ ذلك عندما أصبحت نظرته لشعر البحتري نظرة فنيّة وخاصة فيما استحسنه (طه حسين) في مدائح البحتري للمتوكّل ، حيث انتقد عبد القاهر الجرجاني معاني النوع النازل الذي انحطّ له البحتري إلى المتوكّل.
وهناك سببٌ آخر أيضًا يُفسّر إعجاب القدماء بشعر البحتري نستطيع أن نستشفّه من نصيحة أبي تمّام له بقوله: (وجملة الحال أن تعتبر شِعركَ بما سلفَ من شِعر الماضين ، فما استحسنَ العلماءُ فاقصُدْه وما تَرَكوهُ فاجتنبْه ترْشَد إنْ شاء الله).
وهذا دليل قاطع على أنّ أبا تمّام كان على درايةٍ ووعيٍ بطريقة تفكير علماء عصره ، إذْ كان لهذه النصيحة دورٌ كبير في رفع مكانة البحتري إذْ نرى كيف أجمعَ عليه أهلُ عصره وختموا الشعراء به ، وما ذلك إلاّ لأنّ كلامه قدْ قرُبَ منهم وفهموه وعرفوا غرضه ولم ينظروا في كلامه النظرة الفنية ذلك لأنّ (النقد) لم يكن قد صار عِلْمًا بعد.
وقد يقول قائلٌ هنا: كيف ينصحُ أبو تمّام تلميذه البحتري بذلك وهو نفسه لا يؤمن بالتقليد ولا يعمل به ، ولو أُشير عليه بما أشار لرفض ، وذلك واضحٌ في شعره ؟!.
وهنا نقول: إنّ من وراء هذه الغرابة في النصيحة نُدركُ ذكاء أبي تمّام وموضِعَ البحتري ، فالأستاذ قدّرَ التلميذ قدره فأخلصَ له النصح بما يوافقه ، وجازت النصيحة على البحتري فعمِلَ بها فوقف على سياسة الشعر كما قال.
وفي ظنّي أنّ البحتري لو أراد اتّباع أستاذه لما استطاع لأنّه لم يكن له ما كان لأبي تمّام في محفوظه من الشعر والألفاظ ، ولم يكن لديه ما لدى أبي تمّام من علوم مختلفة.
ومن يرجع إلى ديوان البحتري -هذا الديوان الضخم- يجد فيه هذه الصفات العامة التي قال بها العلماء والنقّاد ، ولكن ليسَ معنى هذا أنّه يمتاز في ذلك عن بعض كبار الشعراء في العصر العبّاسي.
ومن خلال القراءة النقدية البسيطة لديوان البحتري يستطيع القارئ أن يلاحظ عدّة أمورٍ ، منها:
1. نلاحظ على مديح البحتري أنّه كان يعمد فيه إلى ربط المدح بالوصف – وصف القصور والحدائق والطبيعة – كنوع من أنواع الزينة الشعرية ، وكان هذا دَيْدَنَهُ ودستوره الذي سار عليه في أكثر مدائحه.
واعتقدُ أنّ ذلك ليسَ إلاّ ضربًا من ضروب التكلّف والصنعة ، ومن الأمثلة على ذلك مدحه للهيثم الغنوي في قصيدته التي مطلعها:
أكَانَ الصِّـبَا إلاّ خيالاً مُسلِّمَا ......... أقامَ كرجعِ الطّـرْفِ ثُمّ تصَرَّما
ونراه هنا قد ربط المدح بالوصف ، بل إنّه تَرَكَ الممدوح إلى وصف الربيع في أبياته المشهورة:
أتاكَ الربيعُ الطّلقُ يختالُ ضاحكًا ......... من الـحُسْنِ حتّى كادَ أن يتكلّمَا
وقدْ نبّهَ النوْرُوزُ في غَلَسِ الدجى ........ أوائِـلَ وَرْدٍ كُـنّ بالأمـسِ نوّمَا
يُـفـتِّـقُـها بَرْدُ الندى فكأنّهُ ......... يـبُثُّ حديثًا كان بالأمسِ مُكَتّمَا
ومن شجـرٍ ردَّ الربيعُ لِـبَاسَهُ ...... . عـليهِ كما نَـشَّرْتَ وشيًا مُنَمْنَمَا
أحَـلَّ ، فـأبْدَى للعيونِ بشاشةً ........ وكانَ قـذًى للعينِ إذْ كان مُحرّمَا
ورَقَّ نسيمُ الريحِ حتى حَسِبْـتُهُ .... ... يـجيءُ بـأنْـفَاسِ الأحـبّةِ نُعّمَا
كما يرى بعضُ النقّاد أنّ البحتري اختار هذهِ القافية لكي تلائم اسم الممدوح (هيثم) وذلك في البيت القائل:
أقِلَّ وأكْثِرْ ، لَسْتَ تُدْرِكُ غَايةً .......... تَبينُ بـها حتى تُضَارِعَ هيثما
وقد كان البحتري يعمد إلى ذلك في كثيرٍ من قصائده ، فمثلاً رائيّتهُ التي يمدح بها المتوكّل في البيت القائل:
اللهُ مكّنَ للخليـفةِ جَعْفَرٍ .......... مُلْكًا يُحسِّنُهُ الخليفةُ جَعْفَرُ
والانتقال إلى (وصف الطبيعة) كثيرٌ في شعره وخاصةً في القصائد التي يمدح بها وزير المتوكل (الفتح بن خاقان).
2. نلاحظ أنّ شعر البحتري اشتملَ على كثيرٍ من (معاني الحكمة) خاصةً في المدح والرثاء ، ومن أبياته الحكمية المشهورة من قصيدة يمدح بها (هيثم بن هارون المعمر) قوله:
إذا ما الجرحُ رُمَّ على فسَادٍ .......... تَـبَـيَّن فيه تَفْريطُ الطبيبِ
وقوله في قصيدةٍ يمدح بها (الفتح بن خاقان وابنه):
ولنْ تَسْتبينَ الدهرَ موضِعَ نِعْمَةٍ ........ إذا أنتَ لمْ تُدْلِلْ عليها بِحاسِدِ
وكذلك في مرثيّتهِ لأبي عيسى بن العلاء قوله:
أخي متى خاصمتَ نفسك فاحتشد .......... لها ، ومتى حدَّثْتَ نفْسَكَ فاصدُقِ
فقد كان فيها البحتري (حكيمًا) أكثر من كونه شاعرًا حيث ذهب البحتري فيها إلى اصطناع الحكمة إذْ تحدّثَ عن علل الأشياء وعن الدهر وسرِّ الحياة في مسلكٍ حكميٍّ منظوم ، ومثل ذلك كثيرٌ في شعره.
3. وردتْ أبياتٌ للبحتري في ديوانه تكاد تكون أقرب إلى النثر من كونها شعرًا ، وذلك مثل قوله:
إذا الـمرءُ لم يرضَ ما أمكنهْ .......... ولم يَـأْتِ من أمـرِهِ أزينهْ
وأُعْـجِـبَ بالعُجْبِ فاقتادهُ ......... وتـاهَ بهِ التِّـيهُ فاستحسنهْ
فَدَعْـهُ فـقد ساءَ تدبيـرهُ ........... سيضحكُ يومًا ويبكي سنهْ
أولاً: يجب علينا قبل كلِّ شيء أنْ نُعرِّف بالشاعر – كما هي العادة – قبل الخوض في الحديث عنه في هذه الدراسة النقدية البسيطة عن (شعر البحتري) ، ولعلّ شهرة هذا الشاعر وسهولة البحث عنه تُغنينا عن الدخول في تفصيل نسبه وتفاصيل حياته ، فنكتفي بهذا التعريف الموجز عنه ، فنقول:
هو أبو عبادة ، الوليد بن عبيد الطائي ، أحد شعراء العصر العبّاسي ، لُقِّبَ بالبحتري نسبةً إلى أحد أجداده وهو (بحتر بن عتود).
بدأ البحتري بنظم الشعرِ صغيرًا حتى اتصل بأبي تمّام الطائي الشاعر المعروف فأنشده البحتري شعرًا أُعجِبَ به أبو تمّام فضمّه إليه ، وكتب إلى أهل معرّة النعمان يُوصيهم به.
وبعد أن استوثق البحتري من قوّة شاعريته يمّمَ شطر بغداد واتصل بالوزير (الفتح بن خاقان) ومدحه ، فكان بوابته التي أوصلته إلى الخليفة (المتوكل) العباسي الذي قرَّبهُ إليه حتى صارَ أحد ندمائه.
وقد عاصرَ البحتري بعد المتوكل خمسة خلفاء هم: (المنتصر ، والمستعين ، والمعتز ، والمهتدي ، ثم المعتمد).
ثانيًا: كثيرًا ما نجد في أيِّ دراسةٍ أدبيّة أو نقدية تناولت (شعر البحتري) عباراتٍ بعينها تتكرّر دائمًا في وصف شعره بسلاسة العبارة وحسن الديباجة ، ولعلّنا نستطيع الجزم بأن نَقَدَة الشعر القدماء أجمعوا على ذلك ، ونذكر منهم (الثعالبي) مثلاً حيث يقول: (يُضرَبُ به المثل ، لأنَّ الإجماع واقعٌ على أنّهُ في الشعر أطبعُ المحدثين والمولّدين ، وأنّ كلامه يجمعُ الجزالةَ والحلاوة والفصاحة والسلاسة ، ويُقال إنّ شعره كتابةٌ معقودةٌ بالقوافي).
ويقول ابن رشيق القيرواني في كتابه (العمدة): (وأمّا البحتري فكان أملح صنعةً وأحسنَ مذهبًا في الكلام ، يسلك فيه دماثةً وسهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقّة).
وعلى هذا النهج سار نقّاد عصرنا أمثال طه حسين والعقّاد وشوقي ضيف وغيرهم يتّبعون آثار القدماء فيمتدحون شعر البحتري ، وطه حسين يقول في ذلك: (وربّما أجود شعر البحتري ما قاله في المتوكل).
وهذا الحكم على شعر البحتري - في رأيي المتواضع - يرجع إلى أنّ هؤلاء النقّاد لم ينظروا إلى شعره (نظرة فنية) وإنّما كان حكمهم هذا من ناحية (الوضوح والخفاء ، ورشاقة العبارة والديباجة).
ولكنّنا نجد هنا رأيًا لعبدالقاهر الجرجاني يخالف كُلَّ ذلك عندما أصبحت نظرته لشعر البحتري نظرة فنيّة وخاصة فيما استحسنه (طه حسين) في مدائح البحتري للمتوكّل ، حيث انتقد عبد القاهر الجرجاني معاني النوع النازل الذي انحطّ له البحتري إلى المتوكّل.
وهناك سببٌ آخر أيضًا يُفسّر إعجاب القدماء بشعر البحتري نستطيع أن نستشفّه من نصيحة أبي تمّام له بقوله: (وجملة الحال أن تعتبر شِعركَ بما سلفَ من شِعر الماضين ، فما استحسنَ العلماءُ فاقصُدْه وما تَرَكوهُ فاجتنبْه ترْشَد إنْ شاء الله).
وهذا دليل قاطع على أنّ أبا تمّام كان على درايةٍ ووعيٍ بطريقة تفكير علماء عصره ، إذْ كان لهذه النصيحة دورٌ كبير في رفع مكانة البحتري إذْ نرى كيف أجمعَ عليه أهلُ عصره وختموا الشعراء به ، وما ذلك إلاّ لأنّ كلامه قدْ قرُبَ منهم وفهموه وعرفوا غرضه ولم ينظروا في كلامه النظرة الفنية ذلك لأنّ (النقد) لم يكن قد صار عِلْمًا بعد.
وقد يقول قائلٌ هنا: كيف ينصحُ أبو تمّام تلميذه البحتري بذلك وهو نفسه لا يؤمن بالتقليد ولا يعمل به ، ولو أُشير عليه بما أشار لرفض ، وذلك واضحٌ في شعره ؟!.
وهنا نقول: إنّ من وراء هذه الغرابة في النصيحة نُدركُ ذكاء أبي تمّام وموضِعَ البحتري ، فالأستاذ قدّرَ التلميذ قدره فأخلصَ له النصح بما يوافقه ، وجازت النصيحة على البحتري فعمِلَ بها فوقف على سياسة الشعر كما قال.
وفي ظنّي أنّ البحتري لو أراد اتّباع أستاذه لما استطاع لأنّه لم يكن له ما كان لأبي تمّام في محفوظه من الشعر والألفاظ ، ولم يكن لديه ما لدى أبي تمّام من علوم مختلفة.
ومن يرجع إلى ديوان البحتري -هذا الديوان الضخم- يجد فيه هذه الصفات العامة التي قال بها العلماء والنقّاد ، ولكن ليسَ معنى هذا أنّه يمتاز في ذلك عن بعض كبار الشعراء في العصر العبّاسي.
ومن خلال القراءة النقدية البسيطة لديوان البحتري يستطيع القارئ أن يلاحظ عدّة أمورٍ ، منها:
1. نلاحظ على مديح البحتري أنّه كان يعمد فيه إلى ربط المدح بالوصف – وصف القصور والحدائق والطبيعة – كنوع من أنواع الزينة الشعرية ، وكان هذا دَيْدَنَهُ ودستوره الذي سار عليه في أكثر مدائحه.
واعتقدُ أنّ ذلك ليسَ إلاّ ضربًا من ضروب التكلّف والصنعة ، ومن الأمثلة على ذلك مدحه للهيثم الغنوي في قصيدته التي مطلعها:
أكَانَ الصِّـبَا إلاّ خيالاً مُسلِّمَا ......... أقامَ كرجعِ الطّـرْفِ ثُمّ تصَرَّما
ونراه هنا قد ربط المدح بالوصف ، بل إنّه تَرَكَ الممدوح إلى وصف الربيع في أبياته المشهورة:
أتاكَ الربيعُ الطّلقُ يختالُ ضاحكًا ......... من الـحُسْنِ حتّى كادَ أن يتكلّمَا
وقدْ نبّهَ النوْرُوزُ في غَلَسِ الدجى ........ أوائِـلَ وَرْدٍ كُـنّ بالأمـسِ نوّمَا
يُـفـتِّـقُـها بَرْدُ الندى فكأنّهُ ......... يـبُثُّ حديثًا كان بالأمسِ مُكَتّمَا
ومن شجـرٍ ردَّ الربيعُ لِـبَاسَهُ ...... . عـليهِ كما نَـشَّرْتَ وشيًا مُنَمْنَمَا
أحَـلَّ ، فـأبْدَى للعيونِ بشاشةً ........ وكانَ قـذًى للعينِ إذْ كان مُحرّمَا
ورَقَّ نسيمُ الريحِ حتى حَسِبْـتُهُ .... ... يـجيءُ بـأنْـفَاسِ الأحـبّةِ نُعّمَا
كما يرى بعضُ النقّاد أنّ البحتري اختار هذهِ القافية لكي تلائم اسم الممدوح (هيثم) وذلك في البيت القائل:
أقِلَّ وأكْثِرْ ، لَسْتَ تُدْرِكُ غَايةً .......... تَبينُ بـها حتى تُضَارِعَ هيثما
وقد كان البحتري يعمد إلى ذلك في كثيرٍ من قصائده ، فمثلاً رائيّتهُ التي يمدح بها المتوكّل في البيت القائل:
اللهُ مكّنَ للخليـفةِ جَعْفَرٍ .......... مُلْكًا يُحسِّنُهُ الخليفةُ جَعْفَرُ
والانتقال إلى (وصف الطبيعة) كثيرٌ في شعره وخاصةً في القصائد التي يمدح بها وزير المتوكل (الفتح بن خاقان).
2. نلاحظ أنّ شعر البحتري اشتملَ على كثيرٍ من (معاني الحكمة) خاصةً في المدح والرثاء ، ومن أبياته الحكمية المشهورة من قصيدة يمدح بها (هيثم بن هارون المعمر) قوله:
إذا ما الجرحُ رُمَّ على فسَادٍ .......... تَـبَـيَّن فيه تَفْريطُ الطبيبِ
وقوله في قصيدةٍ يمدح بها (الفتح بن خاقان وابنه):
ولنْ تَسْتبينَ الدهرَ موضِعَ نِعْمَةٍ ........ إذا أنتَ لمْ تُدْلِلْ عليها بِحاسِدِ
وكذلك في مرثيّتهِ لأبي عيسى بن العلاء قوله:
أخي متى خاصمتَ نفسك فاحتشد .......... لها ، ومتى حدَّثْتَ نفْسَكَ فاصدُقِ
فقد كان فيها البحتري (حكيمًا) أكثر من كونه شاعرًا حيث ذهب البحتري فيها إلى اصطناع الحكمة إذْ تحدّثَ عن علل الأشياء وعن الدهر وسرِّ الحياة في مسلكٍ حكميٍّ منظوم ، ومثل ذلك كثيرٌ في شعره.
3. وردتْ أبياتٌ للبحتري في ديوانه تكاد تكون أقرب إلى النثر من كونها شعرًا ، وذلك مثل قوله:
إذا الـمرءُ لم يرضَ ما أمكنهْ .......... ولم يَـأْتِ من أمـرِهِ أزينهْ
وأُعْـجِـبَ بالعُجْبِ فاقتادهُ ......... وتـاهَ بهِ التِّـيهُ فاستحسنهْ
فَدَعْـهُ فـقد ساءَ تدبيـرهُ ........... سيضحكُ يومًا ويبكي سنهْ