مشاهدة النسخة كاملة : موضوع للمناقشة : هل الإحاطة بعلوم اللغة العربية شرط من شروط الإجتهاد
أبو يوسف
24-04-2009, 12:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يخفى علينا ما تعرضت له اللغة العربية من هجمات داخلية وخارجية لمحوها وبما ان القرآن الكريم عربيا والله تعهد بحفظه فقد بقيت وستبقى اللغة العربية رائدة اللغات في العالم ووسيبقى طائفة من أهل هذا الدين يبعثها الله لتقويم ما اعوجّ من السنة الناس وتبيان الحق ..
ببداية هذا البحث اود أن اشير إلى بعض الأمور :-
بداية أن الإجتهاد ليس في مورد نص وحيثما وجد النص بطل الإجتهاد فلا إجتهاد بمورد نص
وثانيا : الأفضل دائما التحري عن مورد نص لأن كل إختلاف الأئمة سببه الإجتهاد وصدق من قال : الرأي ليل والدليل نهار
والأمر الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم مبلغ عن ربه، وقد أمره الله عز وجل أن يبين للناس ما نزل إليهم، وبين للأمة ما نزل عليه غاية البيان كما أمره ربه، وتركهم على المحجة البيضاء، ولا نزاع في هذا ولا نزاع في هذا.
فإذا أراد أي إنسان في العالم أن يبين شيئا ما لأحد الأشخاص، فلا بد أن يعمد إلى لسان هذا الشخص فيكلمه به ويبين له بالطريقة التي يفهمها هذا الشخص، وإلا لم يكن مبينا. وهذا لا نزاع فيه كذلك.
الأمر الآخر : -
إذا اختلف فهمنا للكلام عن فهم العرب للكلام فلا بد أن فهم العرب هو الصواب؛ لأن البيان كان موجها إليهم ابتداء، ثم وقع لنا تبعا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب العرب بما لا يفهمونه.
فإذا ثبت أن العبرة بفهم العرب في معرفة معاني النصوص، ثبت كذلك أن من أراد الاجتهاد في الشرع فعليه أن يتأهل بمثل هذا الفهم؛ لأنه إذا تعين سبيل واحد للوصول إلى شيء ما، كان شرطا في الوصول إليه.وهناك قاعدة أصولية تقول : -
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
فلا يمكن أن نفهم معاني شريعتنا الغراء بدون فهمنا الصحيح للغة التي جاء بها
وسأنقل بحثا للأخ أمجد الفلسطيني جزاه الله خيرا بعنوان :-
ما مدى صحة اشتراط الشاطبي بلوغ درجة الاجتهاد في اللغة للمجتهد في الشريعة ؟؟
فبحثه ولو كان مقتصرا على إشتراط الثعالبي إلا أنه بحث جامع وماتع وفيه تحقيق الغاية من موضوعنا
أبو يوسف
24-04-2009, 12:22 PM
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات 5/52 :
"وأما الثاني من المطالب: وهو فرض علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه، فإن كان ثم علم لا يحصل الاجتهاد في الشريعة إلا بالاجتهاد فيه، فهو لا بد مضطر إليه؛ لأنه إذا فرض كذلك لم يمكن في العادة الوصول إلى درجة الاجتهاد دونه، فلا بد من تحصيله على تمامه، وهو ظاهر، إلا أن هذا العلم مبهم في الجملة فيسأل عن تعيينه.
والأقرب في العلوم إلى أن يكون هكذا علم اللغة العربية، ولا أعني بذلك النحو وحده، ولا التصريف وحده، ولا اللغة، ولا علم المعاني، ولا غير ذلك من أنواع العلوم المتعلقة باللسان، بل المراد جملة علم اللسان ألفاظ أو معاني كيف تصورت، ما عدا الغريب، والتصريف المسمى بالفعل، وما يتعلق بالشعر من حيث هو الشعر كالعروض والقافية، فإن هذا غير مفتقر إليه هنا، وإن كان العلم به كمالًا في العلم بالعربية
وبيان تعين هذا العلم ما تقدم في كتاب المقاصد من أن الشريعة عربية، وإذا كانت عربية؛ فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان في النمط ما عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا؛ فهو متوسط في فهم الشريعة والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة؛ فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة، فمن لم يبلغ شأوهم؛ فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل من قصر فهمه لم يعد حجة، ولا كان قوله فيها مقبولًا.
فلا بد من أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيها؛ كالخليل، وسيبويه، والأخفش، والجرمي، والمازني ومن سواهم
وقد قال الجرمي: "أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه"
وفسروا ذلك بعد الاعتراف به بأنه كان صاحب حديث، وكتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفتيش، والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في النحو، فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب، وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك، بل هو يبين في كل باب ما يليق به، حتى إنه احتوى على علم المعاني والبيان ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني، ومن هنالك كان الجرمي على ما قال، وهو كلام يروى عنه في صدر "كتاب سيبويه" من غير إنكار.
ولا يقال: إن الأصوليين قد نفوا هذه المبالغة في فهم العربية؛ فقالوا: ليس على الأصولي أن يبلغ في العربية مبلغ الخليل وسيبويه وأبي عبيدة والأصمعي، الباحثين عن دقائق الإعراب ومشكلات اللغة، وإنما يكفيه أن يحصل منها ما تتيسر به معرفة ما يتعلق بالأحكام بالكتاب والسنة.
لأنا نقول: هذا غير ما تقدم تقريره، وقد قال الغزالي في هذا الشرط: "إنه القدر الذي يفهم به خطاب العرب وعادتهم في الاستعمال، حتى يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله، وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه، ونصه وفحواه ولحنه ومفهمومه".
وهذا الذي اشترط لا يحصل إلا لمن بلغ في اللغة العربية درجة الاجتهاد، ثم قال: "والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ مبلغ الخليل والمبرد، وأن يعلم جميع اللغة ويتعمق في النحو".
وهذا أيضًا صحيح، فالذي نفي اللزوم فيه ليس هو المقصود في الاشتراط، وإنما المقصود تحرير الفهم حتى يضاهي العربي في ذلك المقدار، وليس من شرط العربي أن يعرف جميع اللغة ولا أن يستعمل الدقائق، فكذلك المجتهد في العربية، فكذلك المجتهد في الشريعة، وربما يفهم بعض الناس أنه لا يشترط أن يبلغ مبلغ الخليل وسيبويه في الاجتهاد في العربية، فيبني في العربية على التقليد المحض، فيأتي في الكلام على مسائل الشرعية بما السكوت أولى به منه، وإن كان ممن تعقد عليه الخناصر جلالة في الدين، وعلمًا في الأئمة المهتدين.
وقد أشار الشافعي في "رسالته" إلى هذا المعنى، وأن الله خاطب العرب بكتابه بلسانها على ما تعرف من معانيها، ثم ذكر مما يعرف من معانيها اتساع لسانها وأن تخاطب بالعام مرادًا به ظاهره، وبالعام يراد به العام ويدخله الخصوص، ويستدل على ذلك ببعض ما يدخله في الكلام، وبالعام يراد به الخاص، ويعرف بالسياق، وبالكلام ينبئ أوله عن آخره، وآخره عن أوله، وأن تتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون اللفظ كما تعرف بالإشارة وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، والمعاني الكثيرة بالاسم الواحد، ثم قال: "فمن جهل هذا من لسانها- وبلسانها نزل الكتاب وجاءت به السنة؛ فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه، ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته؛ كانت موافقته للصواب وإن وافقه من حيث لا يعرف غير محمودة، وكان بخطئه غير معذور، إذا نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب والخطأ فيه".
هذا قوله، وهو الحق الذي لا محيص عنه، وغالب ما صنف في أصول الفقه من الفنون إنما هو المطالب العربية التي تكفل المجتهد فيها بالجواب عنها، وما سواها من المقدمات؛ فقد يكفي فيه التقليد، كالكلام في الأحكام تصورًا وتصديقًا؛ كأحكام النسخ، وأحكام الحديث، وما أشبه ذلك.
فالحاصل أنه لا غنى للمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب، بحيث يصير فهم خطابها له وصفا غير متكلف ولا متوقف فيه في الغالب إلا بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب."ا.هـ
وقال في الاعتصام 2/297:
فإذا ثبت هذا _أي سعة لسان العرب وأن القرآن نزل به _ فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولا وفروعا أمران:
أحدهما : أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربيا أو كالعربي في كونه عارفا بلسان العرب بالغا فيه مبالغ العرب أو مبالغ الأئمة المتقدمين كالخليل وسيبويه والكسائي والفراء ومن أشبههم وداناهم وليس المراد أن يكون حافظا كحفظهم وجامعا كجمعهم وإنما المراد أن تصير فهمه عربيا في الجملة وبذلك امتاز المتقدمون من علماء العربية على المتأخرين إذ بهذا المعنى أخذوا أنفسهم حتى صاروا أئمة فإن لم يبلغ ذلك فحسبه في فهم معاني القرآن التقليد ولا يحسن ظنه بفهمه دون أن يسأل فيه أهل العلم به
قال الشافعي لما قرر معنى ما تقدم : فمن جهل هذا من لسانها يعني لسان العرب ـ وبلسانها نزل القرآن وجاءت السنة به ـ فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل لفظه ومن تكلف ما جهل وما لم يثبته معرفة كانت موافقته للصواب ـ إن وافقه ـ من حيث لا يعرفه غير محمودة وكان في تخطئته غير معذور إذ نظر فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب والخطأ فيه .
وما قاله حق فإن القول في القرآن والسنة بغير علم تكلف ـ وقد نهينا عن التكلف ـ ودخول تحت معنى الحديث حيث قال عليه الصلاة و السلام :
"حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا " الحديث .
لأنهم إذا لم يكن لهم لسان عربي يرجعون إليه في كتاب الله وسنة نبيه رجع الأعجمي إلى فهمه وعقله المجرد عن التمسك بدليل يضل عن الجادة
وقد خرج ابن وهب عن الحسن أنه قيل له : أرأيت الرجل يتعلم العربية ليقيم بها لسانه ويصلح بها منطقه ؟ قال: نعم فليتعلمها فإن الرجل يقرأ فيعيا بوجهها فيهلك
وعن الحسن قال : أهلكتهم العجمة يتأولون على غير تأويله ".ا.هـ
والكلام عليه من وجوه:
الأول: نفي تفرد الشاطبي بذلك.
الثاني: تقرير برهانه وبيان صحته.
الثالث: ذكر ما يشكل عليه ودفع ما يمكن دفعه.
أما الأول والثاني:
فالشاطبي رحمه الله لا يرى منافاة بين كلامه وكلام الأصوليين
فهو رحمه الله وصف المقدار المطلوب لفهم كلام العرب وخطابها وهو الذي اشترطه الأصوليون
ووصفُ هذا المقدار عنده هو أن يُصيِّر فهمَ الحامل له مضاه لفهم العربي والصحابة رضوان الله عليهم وأهل الفصاحة لخطاب الشارع
فيلزم المجتهد معرفة مقاصد العرب، وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولا يقتصر على معرفة أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك.
كذلك ليس المقصود معرفة أن معنى (عزين) جماعات متفرقة وأن معنى (الخزيرة) دقيق يخلط بشحم ويطبخ فقط
وإنما المراد ما نبه عليه الشافعي رحمه الله من نحو معرفة العام الذي يراد به الخاص ويعرف من السياق وغير ذلك من أنحاء تصرفاتهم في كلامهم مما تقدم بعضه في كلام الشافعي المنقول من الرسالة
لأن العرب الذين نزل عليهم القرآن لا تعتبر ألفاظها كل الاعتبار إلا من جهة ما تؤدي المعاني المركبة
ولا يصح أن يقال: إن التمكن في التفقه في الألفاظ والعبارات وسيلة إلى التفقه في المعاني بإجماع العلماء كما نبه عليه الشاطبي في أكثر من موضع
ولذلك كان الصواب عدم إمكان ترجمة القرآن إلا من جهة كون اللغة ألفاظا وعبارات مطلقة، دالة على معان مطلقة لا من جهة كونها ألفاظا وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة.
ولا يمكن الوصول إلى هذه الدرجة إلى لمن بلغ رتبة الاجتهاد في هذا العلم
بمعنى آخر :
الغاية المنشودة من اشتراط تعلم هذا العلم للمجتهد هي معرفة مقاصد العرب من خطابها بحيث يكون فهمه لها كفهم العربي والصحابي رضي الله عنهم
فلما كانت أحكام الشريعة موضوعة لتحقيق مقاصد الشارع
صح اشتراط معرفة مقاصد الشريعة للمجتهد
ولما كانت معرفة هذه المقاصد شرط في المجتهد فلا يوثق بفهمه للنصوص إلا بعد معرفتها
وكانت هذه المعرفة لا تحصل إلا ببلوغ درجة الاجتهاد في هذه الأحكام
وكان خطاب الشارع موضوع على مقاصد العرب من خطابها وما تعرفه من معاني لسانها وأنحائه
وكانت قد نزلت على المعهود من لسان الأميين من العرب
صح اشتراط معرفة مقاصد العربية للمجتهد
ولما كانت معرفة مقاصد العرب من خطابها لا تتأتى إلا بالاجتهاد في هذه اللغة
كان اشتراط بلوغ درجة الاجتهاد في لغة العرب للمجتهد في الشرع وجيها صحيحا
بمعنى آخر:
خلاصة ما يدندن حوله الشاطبي هو تحرير الفهم
فمن لم يكن فهمه حجة للنصوص وكلام العرب كيف يوثق بفهمه
وما هو السبيل إلى أن يكون فهم المجتهد حجة للنصوص الشرعية يا شاطبي ؟
الجواب: بلوغ درجة الاجتهاد في علم العربية
وأما الثالث:
فإنه يشكل عليه أنه يلزم من اشتراطه انعدام وجود مجتهد واللازم باطل فالملزوم مثله
ويجاب عنه بأنه لا يلزم منه الانعدام بل يلزم منه الندرة ولا مانع من وقوع الثاني عقلا وشرعا
ويشكل عليه أن يكون أهل اللغة أحق بوصف المجتهد في الشرع من غيرهم وليس الأمر كذلك
ويجاب عنه بأن شرطي المجتهد:
العلم بمقاصد الشارع
ومقاصد العرب
وبلوغ درجة الاجتهاد لا تتحقق إلا بالشرطين معا لا بكل واحد منهما على الانفراد
ويشكل عليه انعدام وجود المجتهد في اللغة الذي بلغ فهمه فهم العربي منذ عصور فكيف لمن يطلب هذه الدرجة أن يبلغها بلا تعلمها على يد من وصل إليها
ويمكن أن يسلك في الجواب عنه مسلكان:
الأول البحث عمن بلغ هذه المرتبة فيبطل الاعتراض.
الثاني أن يقال لقد ذلل لنا أئمة اللغة الطريق إلى ذلك في المصنفات فبلوغ هذه الدرجة من هذه الطريق ممكن.
ويشكل عليه شهادة بعض العلماء بالاجتهاد لعلماء لم يتحقق فيهم هذا الشرط
ويجاب عنه بأنه لا إلزام إلا إذا اتفقوا على هذه الشهادة
أو لاحتمال اعتقادهم أنه بلغ هذه الدرجة فيكون الاعتراض في غير محل النزاع
ويشكل عليه انعدام وجود المجتهد في اللغة الذي بلغ فهمه فهم العربي منذ عصور وهو مخالف لما تقرر في الأصول من بطلان خلو العصر من مجتهد
ويجاب عنه أن في المسألة خلاف والجمهور على خلاف هذا القول بل حكي الإجماع على انعدامه من المئة الرابعة
وإذا كان ذلك كذلك بطل الاعتراض لأن المعترض عليه لا يسلم بصحة ما اعترض عليه أصلا فكيف يعترض عليه بأصل هو لا يثبته.
ويشكل عليه أن الثلاثة دون الشافعي لم يتحقق فيهم هذا الشرط وقد اتفقوا على بلوغهم درجة الاجتهاد في الشرع
ويشكل عليه أنه يمكن الاطلاع على مقاصد العربية دون الاجتهاد فيها كما جوزته في باقي العلوم الخادمة إذ قلت : ((الموافقات (5/44)):
"لكن هذه المعارف تارة يكون الإنسان عالمًا بها مجتهدًا فيها.
وتارة يكون حافظًا لها متمكنًا من الاطلاع على مقاصدها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها.
وتارة يكون غير حافظ ولا عارف إلا أنه عالم بغايتها وأن له افتقارًا إليها في مسألته التي يجتهد فيها فهو بحيث إذا عنت له مسألة ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعارف المتعلقة بمسألته؛ فلا يقضي فيها إلا بمشورتهم، وليس بعد هذه المراتب الثلاث مرتبة يعتد بها في نيل المعارف المذكورة.
فإن كان مجتهدا فيها كما كان مالك في علم الحديث، والشافعي في علم الأصول؛ فلا إشكال، وإن كان متمكنا من الاطلاع على مقاصدها كما قالوا في الشافعي وأبي حنيفة في علم الحديث؛ فكذلك أيضا لا إشكال في صحة اجتهاده، وإن كان القسم الثالث؛ فإن تهيأ له الاجتهاد في استنباط الأحكام مع كون المجتهد في تلك المعارف كذلك فكالثاني وإلا فكالعدم."
وقد قرر الشاطبي عدم اشتراط أن يكون المجتهد في الشرع مجتهدا في كل علم يتعلق به الاجتهاد على الجملة
إلا أنه يستثني من ذلك علم العربية والله أعلم.
أبو يوسف
24-04-2009, 12:31 PM
الكلام لا يزال للأخ أمجد الفلسطيني
تذييلات :
من زعم أن أهل الأصول ذكروا في كتبهم القواعد والضوابط لفهم كلام العرب ومقاصدها من خطابها واستعمالاتها التي تغني طالب الاجتهاد في الشرع عن الاجتهاد في علم العربية فقد أبعد وما أصاب
وذلك أن الوصول إلى معرفة مقاصد الشارع من وضعه للأحكام لا يكون إلا بالاجتهاد في تعلمها فردا فردا فيكون ما فاته منها أقل مما عرفه ولا يتأتى ذلك بمعرفة ما ذكره أهل الأصول من قواعد وضوابط فقط
فكذلك لا يمكن معرفة مقاصد العرب من خطابها وما تعرفه من استعمالها للألفاظ والمعاني إلا بما وصفنا في علم الشريعة ومقاصدها
وذلك هو العلم الموروث من جملة معلومات متفرقة اكتسبه العارف بمقاصد العلمين مع الأيام والليالي.
للشاطبي كلام متفرق يخدم ما نحن فيه فمنه :
ذكر الشاطبي أن من فوائد كون الشريعة نزلت على الأميين العرب:
أنه لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف، فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه.
وهذا جارٍ في المعاني والألفاظ والأساليب، مثال ذلك أن معهود العرب أن لا ترى الألفاظ تعبدا عند محافظتها على المعاني، وإن كانت تراعيها أيضا، فليس أحد الأمرين عندها بملتزم، بل قد تبنى على أحدهما مرة، وعلى الآخر أخرى، ولا يكون ذلك قادحا في صحة كلامها واستقامته.
والدليل على ذلك أشياء:ألخ..
وقال أيضا : فإن القرآن والسنة لما كانا عربيين لم يكن لينظر فيهما إلا عربي، كما أن من لم يعرف مقاصدهما لم يحل له أن يتكلم فيهما؛ إذًا لا يصح له نظر حتى يكون عالمًا بهما، فإنه إذا كان كذلك؛ لم يختلف عليه شيء من الشريعة.
ولذلك مثال يتبين به المقصود، وهو أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس فقال له:...ثم ذكر نفي ابن عباس التناقض عن كلام الله الذي توهمه نافع
وبالجملة لا بد من تدقيق النظر في كلام الشاطبي رحمه الله وتتبعه حول معرفة مقاصد العرب من خطابها وبيانه لبعضها في كتابه الموافقات فلا أحسبه إلا تقصد ذلك كما تقصده في الركن الأول الذي وضع كتابه لشرحه وهو معرفة مقاصد الشارع
أنظر مثلا 4/261 و2/105 و2/138 وما بعدها.
الشاطبي يقرر أن الاجتهاد إن تعلق بالاستنباط من النصوص، فلا بد من اشتراط العلم بالعربية، وإن تعلق بالمعاني من المصالح والمفاسد مجردة عن اقتضاء النصوص لها أو مسلَّمة من صاحب الاجتهاد في النصوص، فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية، وإنما يلزم العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة وتفصيلا خاصة. الموافقات (5/124)
وبذلك لا يكون لأهل البدع حجة فيما فهموا من النصوص بما تقتضيه اللغة فقط.
ومع بلوغه درجة الاجتهاد فلا بد له من يسأل أهل العربية ويرجع إليهم لأنه لا يحيط بلسان العرب إلا نبي
قال الشاطبي في الاعتصام 2/299:
والأمر الثاني : أنه إذا أشكل عليه في الكتاب أو في السنة لفظ أو معنى فلا يقدم على القول فيه دون أن يستظهر بغيره ممن له علم بالعربية فقد يكون إماما فيها ولكنه يخفى عليه الأمر في بعض الأوقات فالأولى في حقه الاحتياط إذ قد يذهب على العربي المحض بعض المعاني الخاصة حتى يسأل عنها وقد نقل شيء من هذا عن الصحابة ـ وهم العرب ـ فكيف بغيرهم
نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي أنا ابتدأتها
وفيما يروى عن عمر رضي الله عنه أنه سأل وهو على المنبر عن معنى قوله تعالى :" أو يأخذهم على تخوف " فأخبره رجل من هذيل أن التخوف عندهم هو التنقص وأشباه ذلك كثيرة
ثم ذكر كلام الشافعي في سعة لسان العرب ثم قال:
هذا ما قال ولا يخالف فيه أحد فإذا كان الأمر على هذا لزم كل من أراد أن ينظر في الكتاب والسنة أن يتعلم الكلام الذي به أديت وأن لا يحسن ظنه بنفسه قبل الشهادة له من أهل علم العربية بأنه يستحق النظر وأن لا يستقل بنفسه في المسائل المشكلة التي لم يحط بها علمه دون أن يسأل عنها من هو من أهلها فإن ثبت على هذه الوصاة كان ـ إن شاء لله ـ موافقا لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه الكرام.
بعد بلوغه درجة الاجتهاد يكون الواجب عليه في هذا المقام إجراء الفهم في الشريعة على وزان الاشتراك الجمهوري الذي يسع الأميين كما يسع غيرهم.
فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه بحسب الألفاظ والمعاني.الموافقات 2/138وما قبلها.
كنت قبل مدة أعمل الفكر في تعمق الشافعي في لغة العرب وما يروى عنه أنه أقام في علم العربية وأيام الناس عشرين سنة فقيل له في ذلك فقال ما أردت به إلا الاستعانة على الفقه.
وكنت أتساءل عن سبب تخصيصه هذه المدة الطويلة لتعلم هذا العلم من علوم الآلة وأقارن حاله مع حال طلبة العلم اليوم
فلما فهمت كلام الشاطبي هذا وما ذكره عن الشافعي في الرسالة علمت سر ما كنت أسأل عنه وكنهه
وتعجبت من غفلة عامة الطلبة عن ذلك
تعبير بعض الأصوليين عن هذا الشرط في كتاب الاجتهاد بقولهم:
" يكفيه منها معرفة ما يتعلق بنصوص الكتاب والسنة"خطأ
لأنه لا يرمي إلى المعنى الذي أراده الشافعي والغزالي والشاطبي
ومن هنا يعلم خطأ من اكتفى في تحقيق هذا الشرط في المجتهد بأن يحفظ مختصرا معينا أو معرفة ما في كتاب معين كأبي محمد ابن حزم مثلا عندما اكتفى في تحقيق هذا الشرط بمعرفة ما في كتاب الجمل للزجاجي فقط كما نقله عنه الزركشي في البحر وكلام ابن حزم في التقريب محتمل
قال الشوكاني إرشاد الفحول 2/ 209: " ومن جعل المقدار المحتاج إليه من هذه الفنون هو معرفة "مختصر من"** ختصراتها، أو كتاب متوسط من المؤلفات الموضوعة فيها، فقد أبعد، بل الاستكثار من الممارسة لها، والتوسع في الاطلاع على مطولاتها مما يزيد المجتهد قوة في البحث، وبصرًا في الاستخراج، وبصيرة في حصول مطلوبه".
وبذلك يعلم أن أهم علوم الآلات أو الوسائل هو علم العربية
فتقديم بعض الطلبة علم المصطلح وغيره من علوم الآلات عليه من تقديم المهم على الأهم
واهتمام جمهورهم بذلك على حساب التعمق في هذا العلم من باب الاشتغال بالمفضول عن الفاضل والله أعلم
قول الشاطبي: وبذلك امتاز المتقدمون من علماء العربية على المتأخرين، أي لأنهم أفهم لمقاصد العرب منهم.
فيه فضل علم الصحابة على غيرهم
وفضل علم المتقدمين على المتأخرين وأن ابن مالك مثلا ليس بأعلم من سيبويه والكسائي ونحوهم
وفيه تقديم فهم الصحابي ومن قرب من ذلك العهد للنصوص على فهم غيره
وفيه فضل فقه الشافعي وفهمه لأنه أعلم الأربعة باللغة
إذا تقرر صحة قول الشاطبي في تعداد كون الشريعة نزلت بلسان الأميين:
"أن تكون التكاليف الاعتقادية والعملية مما يسع الأمي تعقلها، ليسعه الدخول تحت حكمها"
ففيه رد قوي على أهل البدع ممن أوجب النظر في علم الكلام على العوام فإن هذا مما لا يسع الأمي تعقله.
يحسن بعد أن عرفنا منزلة كتاب سيبويه في هذا المعنى (معرفة مقاصد العرب من خطابها وأنحاء تصرفاتها) من كلام الشاطبي أن يتتبع بعض المجدين ذلك في كتابه وإفراده وضم ما يقف عليه من كلام الشافعي والشاطبي وغيرهما إليه
مما تقدم يعلم مدى الفوضى الاجتهادية التي نعيشها اليوم وسبب كثرة الفتاوى الشاذة
وتأكيد بطلان تصدر المتعالمين للإفتاء وكثرة دعاوى الاجتهاد
هذا ما عنّ لي حول هذه المسألة
وفي انتظار فوائد وتصحيحات الإخوة والمشايخ
والله أعلم
رائد ابو فيصل
24-04-2009, 02:52 PM
-يكون الاجتهاد مكروها في النوازل بعيدة الوقوع.
-ويكون محرما إذا لم يبلغ المجتهد درجة الاجتهاد أصلا
الاجتهاد له شروط،
خضر صبح
25-04-2009, 05:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لست بصدد الاجتهاد وانما بصدد الرأي
أعتقد ان الإحاطة بعلوم اللغة العربية شرط من شروط الإجتهاد
وهذا ما ذهبت اليه اثناء عرضك للموضوع
أبو يوسف
25-04-2009, 06:16 PM
أجزل الشكر إخواني على مروركم
كان بودي أن يتسع النقاش بالموضوع بين مؤيد ومعارض ولكن أظن أن الموضوع لا يحتاج إلى مناقشة
فمن يريد أن يجتهد بقضية عليه بالإحاطة الكاملة بلغة من يتعامل معهم
.
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2024, abohmam