خضر صبح
29-04-2009, 06:48 PM
مقارنة بين نصيب المرأة والرجل في الميراث
قلم: صليحة بنت عاشور
* أستاذ مساعد بجامعة ورقلة- الجزائر.
أثار انتباهي- كما يثير انتباه أي قارئ- صورةٌ على إحدى الصحف الجزائرية، وهي عبارةٌ عن ميزان في إحدى كفتيه صورة رجل، وفي الكفة الثانية صورة امرأتين، والصورة غنيةٌ عن التعليق، ترمز إلى وجه الغرابة في أن يساوي نصيبُ الذكر نصيبَ أنثيين، أو كيف يساوي نصيب الرجل نصيب امرأتين؟! فهل فضَّل الإسلام حقًّا الرجلَ على المرأة في الميراث؟! وهل في هذا انتقاصٌ لإنسانية المرأة أو انتقاصٌ لمكانتها وكرامتها؟! وهل كان الإسلام بهذا الحكم غير عادل؟!
وهل عمل المشرع الجزائري بهذا الحكم في قانون الأسرة الجزائري ظلمٌ للمرأة الجزائرية حقًّا؟! وهل يمكن بناء أحكام الميراث على المساواة بين الذكر والأنثى؟! وعلى أي أساس إذًا بُنِيَت أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية؟! وهل ما يجري في أعرافنا اليوم من حرمان المرأة من الميراث مطلقًا تقرُّه الشريعة؟!
الميراث في الإسلام
تدرَّجت الشريعة الإسلامية في أمر الميراث تماشيًا مع فطرة النفس البشرية واجتنابًا للطفرة، فجاءت بالميراث مجملاً، ثم أعقبته بالبيان والتفصيل، حسبما اقتضته حكمته تعالى، وقرَّرت الشريعة أن للنساء والأطفال أيضًا حقًّا في الميراث إلى جوار الرجال.. قال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ (النساء: 7).
وقال أيضًا: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا* وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ (النساء: 11- 12).
وقال عز وجل أيضًا: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَ انُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النساء: 176).
وعن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بابنتَيها من سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وإن عمَّهما أخذ مالَهما، فلم يدع لهما مالاً ولا ينكحان إلا بمال، فقال: "يقضي الله في ذلك" فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمِّهما فقال: "أعطِ ابنتي سعد الثلثين، وأمَّهما الثمن، وما بقي فهو لك".
أ- مقارنة بين نصيب الذكر ونصيب الأنثى في الشريعة الإسلامية
برهن الإسلامُ بما لا يدع مجالاً للشك على إكرامه للمرأة، وحفظه لحقوقها كاملة غير منقوصة، خلافًا لما كان عليه الكثير من الأمم السابقة، وعرب الجاهلية وبعض الشعوب في العصر الحاضر بالنسبة للزوجة والأخت وغيرهما.
ونصيب المرأة يختلف في أحكام الإرث في الشريعة الإسلامية بين حالات:
الحالة الأولى: أن يكون نصيبها مثل نصيب الذكر.. مثال ذلك: الأخوات لأم، فالواحدة منهن إذا انفردت تأخذ السدس، والإخوة لأم: فالواحد منهم إذا انفرد يأخذ السدس، وإذا كانوا ذكورا وإناثًا.. اثنين فأكثر فإنهم يشتركون جميعًا في الثلث للذكر مثل حظ الأنثى.
الحالة الثانية: أن يكون نصيب المرأة مثل نصيب الذكر أو أقل منه.. مثال ذلك: الأم مع الأب إذا كان للميت أولاد، فإذا ترك الميت مع الأب والأم ذكورًا فقط أو ذكورًا وإناثًا كان لكل من الأب والأم السدس من التركة، وإذا ترك الميت مع الأب والأم إناثًا فقط كان لكل من الأب والأم السدس، ويأخذ الأب بعد ذلك ما زاد من التركة عن الأم.
مثال تطبيقي: توفي شخص وترك بنتًا، زوجةً، أمًا، أبًا.
الزوجة: تأخذ 1/8 (الثمن) فرضًا لوجود الفرع الوارث المباشر المؤنث.
البنت: تأخذ 1/2 (النصف) فرضًا لانفرادها وعدم التعدد.
الأم: تأخذ 1/6 (السدس) فرضًا.
الأب: يأخذ 1/6 (السدس) والباقي.
والحالة الأولى والثانية يجهلهما الكثير ممن يتزعَّم الدفاع عن حقوق المرأة في الميراث.
الحالة الثالثة: أن يكون نصيب المرأة نصف نصيب الذكر، وهذه هي القاعدة العامة في توريث المرأة، وما سبق ذلك استثناء من هذه القاعدة.
ب- الحكمة من جعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل
لا يُعتبر إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث في الشريعة الإسلامية محاباةً لجنس على جنس آخر، بل على العكس تمامًا؛ حيث في الأمر توازنٌ وعدلٌ، ذلك أن الرجل يتزوَّج المرأةَ ويكلَّف بإعالتها وإعالة أبنائها منه في كل حالة، وهي معه وهي مطلقة منه.. إلخ، أما هي فإما أن تقوم بنفسها فقط، وإما أن يقوم بها الرجل قبل الزواج وبعده، سواء بسواء، وليست مكلَّفةً بالإنفاق على الزوج ولا الأبناء في أي حال؛ لذا فهو مكلَّفٌ على الأقل بضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي والنظام الاجتماعي الإسلامي، ومن ثمَّ يبدو العدل والتناسق بين الغنم والغرم، والتوزيع المحكم للأعباء والواجبات.
مثال ذلك: لنفرض أن رجلاً مات وترك ابنًا وبنتًا، وترك لهما مالاً، فماذا يكون مصير هذا المال غالبًا بعد أمدٍ قليلٍ؟!
الجواب: أنه بالنسبة للبنت سيزيد ولا ينقص، يزيد بالمهر الذي تأخذه من زوجها حين تتزوَّج، ويزيد المال حين تنمِّيه بالتجارة أو بأية وسيلة من وسائل الاستثمار، أما بالنسبة لأخيها الشاب فإنه ينقص منه المهر الذي سيدفعه لعروسه ونفقات العرس، وأثاث البيت وقد يذهب ذلك بكل ما ورثه، ثم عليه دائمًا أن ينفق على نفسه وعلى زوجه وأولاده، أفلا ترون أن ما تأخذه البنت من تركة أبيها يبقى مدخرًا لها لأيام النكبات وفقد المعيل من الزوج أو الأب أو الأخ أو القريب، بينما ما يأخذه الابن معرَّضٌ للاستهلاك لمواجهة أعبائه المالية التي لا بد له من القيام بها، فهل ظَلَم الإسلامُ حقًّا المرأةَ في الميراث أو انتقصها حقَّها؟!
يقول الشيخ مصطفى شلبي: "فما يقال من حين لآخر ممن يزعمون أنهم أنصار المرأة: كيف فضل الإسلام الرجل على المرأة في الميراث؟! وينادون بتسويتها بالرجل..!! ما يقال من ذلك كلام نابع من الهوى، صادر عن الجهل بشريعة الله المحكمة، ونحن نقول لهؤلاء: أأنتم أعلم أم الله؟!
إلى أن يقول: فلا غرابة أن جعل الحكيمُ سبحانه نصيبَها على النصف من الرجل الذي في مرتبتها، فأين الغبن الذي وقع عليها من قسمة الله جل وعلا؟! أليس هو الذي رفَعَ عنها ظلمَ الجاهليةِ، وكفلَ لها الحياةَ بتحريم وأْدِها في التراب، ورتب لها حياةً زوجيةً هانئةً، فحماها من تعسف الرجل الجاهلي أثناء الزوجية وبعدها".
ويقول العربي بلحاج: "إن الإعطاء على مقدار الحاجة هو العدل، والمساواة عند تفاوت الحاجة هو الظلم، وأولئك الذين يتكلَّمون في مساواة الرجل والمرأة في الميراث لا يسيرون وراء المساواة العادلة، بل يسيرون وراء المساواة الظالمة".
ج- حكم حرمان الإناث في عصرنا هذا من الميراث مطلقًا
إن حرمان الإناث من الميراث عودةٌ إلى الجاهلية الأولى، وإجحافٌ في حقِّ المرأة حقًّا، وظلمٌ لها ينبغي أن يُرفع.
الخاتمة:
مما سبق أستنتج ما يلي:
1- أحكام الميراث في الإسلام مبنيةٌ على العدل وليس على المساواة، وفرق بين المساواة والعدل.
2- للذكر مثل حظ الأنثيين من أحكام الشريعة الثابتة القطعية التي لا يجوز مخالفتها أو تعديلها.
3- إن الله سبحانه وتعالى هو الذي تولَّى بعلمه وحكمته وعدله قسمة التركات، فكانت أحكامها من النظام العام، ولم يدَع قسمتَها للأفراد كما يشاءون حتى لا يكون ذلك وسيلةً للمحاباة والظلم والإضرار بمصالح الأفراد والجماعات، بحسب اختلاف الأهواء والشهوات، فأعطى كل ذي حق حقه.
4- أعز الإسلام المرأة وأكرمَها وأنصفَها، وقدَّر لها من تركة زوجها وأقاربها نصيبًا، ولم يسوِّ بينها وبين الرجل لتفاوت تبعاتهما وأعبائهما وفق قاعدة الغنم بالغرم.
5- ما يجري في الواقع الآن من حرمان المرأة من الميراث زوجةً كانت أو أختًا أو جدةً أو بنتًا ليس من الإسلام في شيء، بل هو من الأعراف الفاسدة التي لا اعتبار لها.
6- وجوب الوقوف في الميراث عند حدود الله، فلا تُحرَم الإناثُ أو غيرُهن.
قلم: صليحة بنت عاشور
* أستاذ مساعد بجامعة ورقلة- الجزائر.
أثار انتباهي- كما يثير انتباه أي قارئ- صورةٌ على إحدى الصحف الجزائرية، وهي عبارةٌ عن ميزان في إحدى كفتيه صورة رجل، وفي الكفة الثانية صورة امرأتين، والصورة غنيةٌ عن التعليق، ترمز إلى وجه الغرابة في أن يساوي نصيبُ الذكر نصيبَ أنثيين، أو كيف يساوي نصيب الرجل نصيب امرأتين؟! فهل فضَّل الإسلام حقًّا الرجلَ على المرأة في الميراث؟! وهل في هذا انتقاصٌ لإنسانية المرأة أو انتقاصٌ لمكانتها وكرامتها؟! وهل كان الإسلام بهذا الحكم غير عادل؟!
وهل عمل المشرع الجزائري بهذا الحكم في قانون الأسرة الجزائري ظلمٌ للمرأة الجزائرية حقًّا؟! وهل يمكن بناء أحكام الميراث على المساواة بين الذكر والأنثى؟! وعلى أي أساس إذًا بُنِيَت أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية؟! وهل ما يجري في أعرافنا اليوم من حرمان المرأة من الميراث مطلقًا تقرُّه الشريعة؟!
الميراث في الإسلام
تدرَّجت الشريعة الإسلامية في أمر الميراث تماشيًا مع فطرة النفس البشرية واجتنابًا للطفرة، فجاءت بالميراث مجملاً، ثم أعقبته بالبيان والتفصيل، حسبما اقتضته حكمته تعالى، وقرَّرت الشريعة أن للنساء والأطفال أيضًا حقًّا في الميراث إلى جوار الرجال.. قال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ (النساء: 7).
وقال أيضًا: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا* وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ (النساء: 11- 12).
وقال عز وجل أيضًا: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَ انُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النساء: 176).
وعن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بابنتَيها من سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وإن عمَّهما أخذ مالَهما، فلم يدع لهما مالاً ولا ينكحان إلا بمال، فقال: "يقضي الله في ذلك" فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمِّهما فقال: "أعطِ ابنتي سعد الثلثين، وأمَّهما الثمن، وما بقي فهو لك".
أ- مقارنة بين نصيب الذكر ونصيب الأنثى في الشريعة الإسلامية
برهن الإسلامُ بما لا يدع مجالاً للشك على إكرامه للمرأة، وحفظه لحقوقها كاملة غير منقوصة، خلافًا لما كان عليه الكثير من الأمم السابقة، وعرب الجاهلية وبعض الشعوب في العصر الحاضر بالنسبة للزوجة والأخت وغيرهما.
ونصيب المرأة يختلف في أحكام الإرث في الشريعة الإسلامية بين حالات:
الحالة الأولى: أن يكون نصيبها مثل نصيب الذكر.. مثال ذلك: الأخوات لأم، فالواحدة منهن إذا انفردت تأخذ السدس، والإخوة لأم: فالواحد منهم إذا انفرد يأخذ السدس، وإذا كانوا ذكورا وإناثًا.. اثنين فأكثر فإنهم يشتركون جميعًا في الثلث للذكر مثل حظ الأنثى.
الحالة الثانية: أن يكون نصيب المرأة مثل نصيب الذكر أو أقل منه.. مثال ذلك: الأم مع الأب إذا كان للميت أولاد، فإذا ترك الميت مع الأب والأم ذكورًا فقط أو ذكورًا وإناثًا كان لكل من الأب والأم السدس من التركة، وإذا ترك الميت مع الأب والأم إناثًا فقط كان لكل من الأب والأم السدس، ويأخذ الأب بعد ذلك ما زاد من التركة عن الأم.
مثال تطبيقي: توفي شخص وترك بنتًا، زوجةً، أمًا، أبًا.
الزوجة: تأخذ 1/8 (الثمن) فرضًا لوجود الفرع الوارث المباشر المؤنث.
البنت: تأخذ 1/2 (النصف) فرضًا لانفرادها وعدم التعدد.
الأم: تأخذ 1/6 (السدس) فرضًا.
الأب: يأخذ 1/6 (السدس) والباقي.
والحالة الأولى والثانية يجهلهما الكثير ممن يتزعَّم الدفاع عن حقوق المرأة في الميراث.
الحالة الثالثة: أن يكون نصيب المرأة نصف نصيب الذكر، وهذه هي القاعدة العامة في توريث المرأة، وما سبق ذلك استثناء من هذه القاعدة.
ب- الحكمة من جعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل
لا يُعتبر إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث في الشريعة الإسلامية محاباةً لجنس على جنس آخر، بل على العكس تمامًا؛ حيث في الأمر توازنٌ وعدلٌ، ذلك أن الرجل يتزوَّج المرأةَ ويكلَّف بإعالتها وإعالة أبنائها منه في كل حالة، وهي معه وهي مطلقة منه.. إلخ، أما هي فإما أن تقوم بنفسها فقط، وإما أن يقوم بها الرجل قبل الزواج وبعده، سواء بسواء، وليست مكلَّفةً بالإنفاق على الزوج ولا الأبناء في أي حال؛ لذا فهو مكلَّفٌ على الأقل بضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي والنظام الاجتماعي الإسلامي، ومن ثمَّ يبدو العدل والتناسق بين الغنم والغرم، والتوزيع المحكم للأعباء والواجبات.
مثال ذلك: لنفرض أن رجلاً مات وترك ابنًا وبنتًا، وترك لهما مالاً، فماذا يكون مصير هذا المال غالبًا بعد أمدٍ قليلٍ؟!
الجواب: أنه بالنسبة للبنت سيزيد ولا ينقص، يزيد بالمهر الذي تأخذه من زوجها حين تتزوَّج، ويزيد المال حين تنمِّيه بالتجارة أو بأية وسيلة من وسائل الاستثمار، أما بالنسبة لأخيها الشاب فإنه ينقص منه المهر الذي سيدفعه لعروسه ونفقات العرس، وأثاث البيت وقد يذهب ذلك بكل ما ورثه، ثم عليه دائمًا أن ينفق على نفسه وعلى زوجه وأولاده، أفلا ترون أن ما تأخذه البنت من تركة أبيها يبقى مدخرًا لها لأيام النكبات وفقد المعيل من الزوج أو الأب أو الأخ أو القريب، بينما ما يأخذه الابن معرَّضٌ للاستهلاك لمواجهة أعبائه المالية التي لا بد له من القيام بها، فهل ظَلَم الإسلامُ حقًّا المرأةَ في الميراث أو انتقصها حقَّها؟!
يقول الشيخ مصطفى شلبي: "فما يقال من حين لآخر ممن يزعمون أنهم أنصار المرأة: كيف فضل الإسلام الرجل على المرأة في الميراث؟! وينادون بتسويتها بالرجل..!! ما يقال من ذلك كلام نابع من الهوى، صادر عن الجهل بشريعة الله المحكمة، ونحن نقول لهؤلاء: أأنتم أعلم أم الله؟!
إلى أن يقول: فلا غرابة أن جعل الحكيمُ سبحانه نصيبَها على النصف من الرجل الذي في مرتبتها، فأين الغبن الذي وقع عليها من قسمة الله جل وعلا؟! أليس هو الذي رفَعَ عنها ظلمَ الجاهليةِ، وكفلَ لها الحياةَ بتحريم وأْدِها في التراب، ورتب لها حياةً زوجيةً هانئةً، فحماها من تعسف الرجل الجاهلي أثناء الزوجية وبعدها".
ويقول العربي بلحاج: "إن الإعطاء على مقدار الحاجة هو العدل، والمساواة عند تفاوت الحاجة هو الظلم، وأولئك الذين يتكلَّمون في مساواة الرجل والمرأة في الميراث لا يسيرون وراء المساواة العادلة، بل يسيرون وراء المساواة الظالمة".
ج- حكم حرمان الإناث في عصرنا هذا من الميراث مطلقًا
إن حرمان الإناث من الميراث عودةٌ إلى الجاهلية الأولى، وإجحافٌ في حقِّ المرأة حقًّا، وظلمٌ لها ينبغي أن يُرفع.
الخاتمة:
مما سبق أستنتج ما يلي:
1- أحكام الميراث في الإسلام مبنيةٌ على العدل وليس على المساواة، وفرق بين المساواة والعدل.
2- للذكر مثل حظ الأنثيين من أحكام الشريعة الثابتة القطعية التي لا يجوز مخالفتها أو تعديلها.
3- إن الله سبحانه وتعالى هو الذي تولَّى بعلمه وحكمته وعدله قسمة التركات، فكانت أحكامها من النظام العام، ولم يدَع قسمتَها للأفراد كما يشاءون حتى لا يكون ذلك وسيلةً للمحاباة والظلم والإضرار بمصالح الأفراد والجماعات، بحسب اختلاف الأهواء والشهوات، فأعطى كل ذي حق حقه.
4- أعز الإسلام المرأة وأكرمَها وأنصفَها، وقدَّر لها من تركة زوجها وأقاربها نصيبًا، ولم يسوِّ بينها وبين الرجل لتفاوت تبعاتهما وأعبائهما وفق قاعدة الغنم بالغرم.
5- ما يجري في الواقع الآن من حرمان المرأة من الميراث زوجةً كانت أو أختًا أو جدةً أو بنتًا ليس من الإسلام في شيء، بل هو من الأعراف الفاسدة التي لا اعتبار لها.
6- وجوب الوقوف في الميراث عند حدود الله، فلا تُحرَم الإناثُ أو غيرُهن.