المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهواتف في العصر الجاهلي


أبو يوسف
29-04-2009, 10:14 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لعل العنوان غريبا بعض الشيء ؛ ولكن إذا عرفنا معنى الهواتف سيبطل العجب



ذكر المسعودي في كتاب "مروج الذهب"


كانت الهواتف قد كثرت في العرب خاصة أيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم وفي أولية مبعثه. ومن حكم الهواتف أن تهتف بصوت مسموع، وجسم غير مرئي. ‏ ‏ وإنما تعرض الهواتف والجان للناس من قـِبـَل التوحـّد في القـِفار، والتفرّد في الأودية، لأن الإنسان إذا صار في مثل هذه الأماكن وتوحـّد، تفكـّر، وإذا هو تفكـّر وَجـِلَ وجـَبـُنَ، وإذا هو جـَبـُن داخلتـْه الظنون الكاذبة، والأوهام الفاسدة، فصوّرت له الأصوات، ومثـّلت له الأشخاص، وأوهمته المحال، بنحو ما يعرض لذوي الوسواس. وأُسُّ ذلك سوء التفكير، وخروجه على غير نظام قوي، لأن المتفرّد في القفار مستشعر للمخاوف، فيتوهم ما يحكيه من هـَتـْف الهواتف به، واعتراض الجان له. ‏ ‏ وقد كانت العرب قبل ظهور الإسلام تقول: إن من الجن مـَنْ هو على صورة نصف إنسان، وأنه كان يظهر لها في أسفارها وحين خلواتها.
‏ ‏ وذكروا عن الجن بيتين من الشعر قالتهما حين قـَتَلـَتْ حرب بن أمية، وهما: ‏
‏ وقـَبـْرُ حـَرْبٍ بمكانٍ قـَفـْرْ ‏ وليس قـُرْبَ قبرِ حـَرْبٍ قَبـْرْ ‏
واستدلـّوا على أن هذا الشعر من قول الجن بأن أحدًا من الناس لا يتأتى له أن ينشد هذين البيتين ثلاث مرات متواليات لا يتتعتع في إنشادهما، لأن الإنسان قد ينشد العشرين بيتـًا والأكثر والأقل أشدّ من هذا الشعر وأثقل منه ولا يتتعتع فيه. ‏
اهـ


****************


تقوم الجن بأعمالها بشكل غير منظور، في الغالب؛ لأنها أرواح. وقد تحذّر الإنسان أو تُرشده إلى شيء يريده بصوت جهوري مسموع، يقال له: الهاتف، من دون أن يرى الشخص أو الأشخاص صاحب ذلك الصوت.

وقد ذكر ( الجاحظ ) أن " الأعراب وأشباه الأعراب لا يتحاشون من الإيمان بالهاتف، بل يتعجبون ممن ردّ ذلك ".

ثم قال: " قالوا: وبسبب نقل الجن للأخبار علمَ الناس بوفاة الملوك، والأمور المهمة، كما تسامعوا بموت المنصور بالبصرة، وفي اليوم الذي توفي فيه بقرب مكة. ونحو هذا من الأخبار ".


أما قصص الأساطير فقد التصقت بالجاهليين وبقيت حتى يومنا هذا مرتبطة بهم وهي ذات صلة بعالم الشياطين والجن وعالم الأرواح حيث تتمثل هذه الأشياء في صور و أجسام تؤثر على حياة الناس سلبا أو إيجابا قال الجاحظ : " فإذا ذكروا الجن سالما قالوا جني ، فان أرادوا انه ممن سكن مع الناس قالوا : عامر والجمع عمار وإذا كان ممن يعرض للصبيان فهم أرواح ، فان خبث أحدهم فهو شيطان ، فان زاد على ذلك فهو مارد ... الخ "


ومن الامثلة على هذه القصص قصة علقمة بن صفوان وشق من الجن ، روى الجاحظ قال : قالوا : " خرج علقمة بن صفوان بن امية جد مروان بن الحكم ، خرج في الجاهلية وهو يريد مالا له بمكة ، وهو على حمار ، وعليه ازار ورداء ومعه مقرعة حتى انتهى الى موضع يقال له حائط خرمان فاذا هو بشق له يد ورجل ومعه سيف وهو يقول :
علقم إني مقتول وان لحمي مأكول
فقال علقمة :
يا شقها مالي ولك اغمد عني منصلك
تقتل من لا يقتلك
اضربهم بالهذلول ضرب غلام شملول
رحب الذراع بهلول ....الخ

************


وكان العرب في الجاهلية، يعتقدون بأن الجن هم ملهموا الشعراء والكهان، وحكي عنهم كثيراً، في آدابهم الشعبية، خصوصاً في كتاب ألف ليلة وليلة.

والهواتف موجودة تقريبا عند كل الفرق والطوائف فالهندوس مثلا : يؤمنون بوجود الجن، وأن بعض الجن للخير وبعضها للشر. ومن الجن الخيرَّ من يكلف بتوزيع الغنى ومن بينهم موكلون بالموسيقى، وأمّا الشريرون فيكونون على شكل حيات لهم أذرع لا يحصى لها عدد.

وفي الآداب الاسكندينافية: يكثر ذكر الجن فمنهم ( من الجن عندهم ) طائفة تسمى إلفا وأخرى تسمى إلفينة وهم ـ عندهم ـ يسكنون الكهوف وشقوق الصخور، وهم الذين ألقت إليهم المعبودات كل العلوم والفنون.

وفي أوروبا، في عصورها الوسطى: كان يكثر الاعتقاد بالجن، وكانوا يقسمونهم إلى سكان الهواء ويطلقون عليهم ( السيلفا )، وسكان النار ويسمونهم ( السلامندر )، وسكان الكهوف ( الجنوما )، وسكان المياه ( المرميدا )، واسم رئيسهم الأعلى أويزون وزوجته اسمها تيتانيا.



*********

أهمية الموضوع بالنسبة لي : أن هناك قصص وخرافات ومشاهدات لا تنتهي عن الهواتف ؛ جربت وخرجت لأماكن كان يدّعي القصّاصون أن هذه المنطقة مسكونة بالجن ؛ ذهبت إليها مرات ومرات وبالليل ؛ فلم اسمع ولم اشاهد شيئا من خرافاتهم ؛ فلذلك أؤكد ما قاله المتنبي : -


وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى = وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا


عن عائشة رضي الله عنها قالت: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ذات ليلة حديثا فقالت امرأة منهن:
يا رسول الله كان الحديث حديث خرافة! فقال: أتدرون ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلاً من عذرة أسرته الجن في الجاهلية، فمكث فيهن دهراً طويلاً ثم ردوه إلى الإنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة.
رواه أحمد والترمذي في الشمائل وأبو يعلى والبزار وضعفه الألباني..



ومع ذلك فالأفضل بلا شك أن يضن المسلم بوقته، ويتوجه بجهده إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته، وأن يتجنب ما يعرف كذبه، ويتحرى الصدق ما أمكنه سماعه كما يتحراه مقالاً ...وعدم الركون إلى هذه القصص والخرافات التي لا تزيدنا إلا خورا وجبنا .. فإذا سريت بواد مقفر بليل فما عليك إلا أن تقول : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق .. ثم سر على بركة الله فلن يضرك شيء لأنك متحصن برب العالمين .

.

رائد ابو فيصل
29-04-2009, 10:50 PM
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق

خضر صبح
01-05-2009, 04:57 PM
الله الله ابا يوسف عنوان جاذب صاعق

لا عدمنا مشاركاتك الغالية


ابو نزار:abc_152:

abohmam
01-05-2009, 05:53 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك
لك مني أجمل تحية .

ذوالجناح
01-05-2009, 06:16 PM
جزيت خيراً أخي أبا يوسف ولي تعقيب على ما ذكرت :
هواتف الجن مذكورة مشهورة ، فقد ورد في السيرة النبوية لابن هشام مايدل على ذلك وهو الهاتف الذي هتف بعد هجرة النبي :salla: :
جزى الله ربُّ الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتَيْ أم معبدِ
هما نزلا بالبر ثم تروَّحا * فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهنِ بنو كعب مكانُ فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد

والخرائطي رحمه اله ألف كتاباً أسماه : هواتف الجنان أورد فيه أخباراً بعضها من أيام الرسول :salla: والله أعلم بصحتها

وما ذكر من سبب إسلام ابن الدغنة وهو هاتف منالجن
ومن خرج في الصحراء أو في قمم الشعاب فلن يعدم شيئاً من ذلك وأفضل وقاية وأنجعها هي ذكر اله وكذلك رفع الصوت بالأذان ولو في غير وقت الصلاة وقد حدثنا بشيء من ذلك رجال أهل بداوة وشجاعة وهم ممن يقيم الصلوات في أوقاتها ويقرؤون القرآن .
إذن فالهواتف لا يمكن إنكارها ولكن مبالغة الناس في ذلك وكثرة الأخبار المختلقة هي ما ينكر وتصديقهم لأخبار مروية عن أناس قلوبهم أرق من أفئدة الطير يخؤجون للبرية لأول مرة فيوسوس الشيطان لهم بأن عفريتاً يتبعهم فيصبحون يحدثون الناس عن صَيَاد والشبّيح ( تسميتان شعبيتان يمنيتان للجن . وعندنا مثل يقول : ( من طلب الجن ركضوه ) أي : من أرى نفسه الخوف والهلع فسوف يتخيلهم لا محالة

أبو يوسف
01-05-2009, 07:00 PM
حياكم الله جميعا

أشكر لكم هذا المرور الطيب والتعقيب المفيد

لعل أهل اليمن اكثر الناس يملكون قصصا عن هذه الهواتف لطبيعة جغرافية المنطقة وكثرة القبائل العربية التي كانت تسكنها أو تمر منها

ولقد بلغ المدى بالإعتقاد بالهواتف أنهم ادعوا أن كل شاعر له هاتف من الجنّ حتى أنهم اسموهم بالأسماء فقد كان العرب في الجاهلية يفتخرون بالشعر، وكان لهم في مساجلات مختلفة تضاربوا بها وتباهو.. فعقدوا مقارنات ومساجلات أبرزت عبقريتهم في هذا المجال إلى حدود الجنون، إلى أن هذه الكلمة " جنون " كانت تعني عندهم الجزم في ظهور الشاعرية أو مصدرا لها . وتعني من جهة أخرى الخروج عن المألوف، فظهرالإلهام، والوحي، والرؤية، والسحر. وكان ابرزهم الشيطان، والجن، والهاتف، فوصفوا الشاعر المبدع بالعشق، والوله، والجنون،. وزادوا على ذلك الحسب والنسب فقرنوا لكل شاعر شيطان سموه " جن الشعر" وسموا هروبه عنهم وتخفيه في حالة عدم نظم الشعر أو قرضه "الحرن" . فتلقب البعض منهم بلقب (الجن)أو المجنون أضراب: "ديك الجن" و" مجنون ليلى"أو كما وردت في أساطيرهم بألوان مختلفة


والقصص التي تروي علاقة الجن بالشاعر كثيرة ومتشعبة وفقد تواتر البعض على أنهم يمتزجون وينهلون مع العرب من وادي "عبقر" المزعوم أنه مصدر إلهامهم، إلى أن أصبح الجنون عندهم ملاذا أو مرجعا للإبداع.، أو كما ورد في كتاب أبي زيد القرشي (جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام) . وقد تحدث الشعراء بالشعر على ألسنة الجن وإلهامهم بالشعراء، فعقدوا بينهم مساجلات تصدق أساطرهم كما جاء في تصوف ابن عربي – ضمن كتابه – (الفتوحات) . فكان إمرئ القيس مدينا لشيطانه المسمى" لافظ ابن لافظ" وللأعشى شيطان آخر هو" مسحل بن جندل السكران" و"هاذر" لزياد الذبياني، أما عبيد بن الأبرص فكان شيطانه على وزن إسمه ويدعى" هبيد" .، وربما لكل شاعر جن..

وبالنسبة لدلالة اللغوية لكلمة (جن) الشيء القابل للاختفاء وعدم الظهور أو التواري عن الأعين، وشملت لتدل على كل مستور خفي، ففعل"جن" الشيء يجنه إذا ستره وغطاه، وجن عليه الليل أي سَتَرَهُ ومنها جن الليل وجنونه، وجنانه شدة ظلامه وسمي الكفن والقبر بِالجََنَِن لستره الميت ومنه سمي الجن - بهذا الإسم - لإستجنانهم واختفائهم عن الأبصار، فالجان إذن نوع من العالم سمّوا بذلك لاستجنانهم عن الأنظار لإنهم استجنوا من الناس فلا يرون. والجن خلاف الإنس، والجنة من الجن وتعني الجنون كما جاء في التنزيل (أم به جنة )، وتجانن أي تظاهر بالجنون وهو زوال العقل بالجنون وفساده، وفي الحديث، ( لو أصاب الإنسان في كل شيء جن أي أعجب بنفسه حتى يصير كالمجنون من شدة إعجابه) .

أبو يوسف
01-05-2009, 07:10 PM
وللمزيد وجدت بحثا أو رسالة من أحد طلاب جامعة النجاح الوطنية بنابلس

وهو بصيغة الـــpdf

بعنوان الجن بالعصر الجاهلي


http://www.najah.edu/thesis/426.pdf

أبو أيهم
22-07-2009, 12:43 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية

موفق بإذن الله

سالي الفلسطينية
22-07-2009, 01:14 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أبو يوسف
31-07-2009, 03:52 PM
حياكم الله وأهلا بكم


تحيّتي لكما

حمزة راجح
07-08-2009, 09:06 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

براء عوض
10-08-2009, 10:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

أبو يوسف
24-01-2010, 06:08 PM
أشكر لكم هذا المرور الطيب

تحياتي لكم جميعا