أبو يوسف
07-12-2014, 08:45 PM
ظواهر لهجية عربية قديمة
رُوي عن الأصمعي قال: " قال مُعاوية يوماً لجلسائه: أيّ الناس أفصح؟ فقال رجلٌ من السِّماط: يا أميرَ المؤمنين، قوم قد ارتفعوا عن رُتَّة العراق، وتياسَرُوا عن كَشْكشة بكر، وتيامَنُوا عن: شَنْشَنة تَغْلب، ليس فيهم غَمْغمة قُضاعة، ولا طمطمانيّة حِمْير.
قال: مَن هم؟ قال: قومُك يا أميرَ المؤمنين قُريش؛ قال: صدقتَ، فمن أنت؟ قال: مِن جَرْم قال الأصمعيّ: جَرْم فُصْحَى الناس."[1]
جاء في المزهر للسيوطي: كانت العربُ تحضر المَوسِم في كل عام وتحجُّ البيتَ في الجاهلية وقريشٌ يسمعون لغاتِ العرب فما اسْتحسنوه من لغاتهم تكلّموا به فصاروا أفصحَ العرب وخلَتْ لغتُهم من مُستبْشع اللغات ومُستقبَح الألفاظ من ذلك:
الاستنطاء في لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار تجعل العين الساكنة نوناً إذا جاورت الطاء كأنْطي في أعْطِي. ومن شواهده قراءة (إنا انطيناك الكوثر). ويذكر رمضان عبد التواب أن هذا الإبدال شائع حتى اليوم في العراق، والتوزيع الجغرافي يوضح أن له علاقة بطرق القوافل من الجنوب إلى الشمال. وهذه الظاهرة ليست عامة في كل ع ساكنة جاورت ط وإنما هو خاص بكلمة (أعطى) ومشتقاتها. وقلب الـ ع إلى ط ليس له تفسير صوتي لبعد مخرجيهما. ويربط رابين بين هذا الفعل والفعل العبري (نطى) "مد يده" ويربطه رمضان عبد التواب بالفعل العبري (نتن) "أعطى" والفعل السرياني (نتل) "يعطي."[2]
التضجع: يعزى إلى قيس، ولم يُفسر، وربما يعني التباطؤ والتمهل.وفي اصطلاحات ويطلق اصطلاح إضجاع الحركات في كتب النحو والقراءات على الإمالة، ولكنها لاتعزى إلى قيس وحدها، بل يشاركها فيه عـامة أهل نجـد.[3]
التلتلة: كسر حرف المضارعة: أن إعلم أنت تكتب، وتعزى إلى قيس وتميم وأسد وربيعة وعامة العرب. أما أعجاز هوازن وأزد السراة وهذيل فيفتحون حرف المضارعة.
وهي ظاهرة سامية قديمة توجد في العبرية والسريانية والحبشية، وهذا من الركام الباقي من هذه الظاهرة في العربية.
الرتة: تعني قلب اللام ياء وهي عيب كلام لا يمكن أن يكون شائعا في لهجة كاملة، وتعني أيضا العجلة في الكلام، وفي هذا تشبه اللخلخانية وهي تنسب إلى أهل العراق، ومن ظواهرها قصر الحركات وحذف الهمزة، في مثل: (مشا لله كان)
الشَّنشنة في لغة اليمن تجعل الكاف شيناً مطلقاً كلبَّيْش اللهم لبَّيْش أي لبيك.
ويبدو أنها ناتجة من تحول الصوت المزدوج ch إلى أحد مكونيه وهو ش، وهي ظاهرة مصاحبة للأصوات المزدوجة.
الطُّمْطُمانيَّة تَعْرِض في لغة حِمْيَر وطي والأزد كقولهم: طاب أمْهَوَاء: أي طاب الهواءُ.
وتفسيره أن اللام والميم من الأصوات المائعة (liquids) وهي ل م ن ر وهي أصوات يُبد بعضها من يعض.
العَجْعَجَة في لغة قضاعة، يجعلون الياء المشدَّدة جيماً يقولون في تميميّ تميمِجّ.
المطعمون اللحم بالعشجّ
وقد سهل إبدال الياء بالجيم اتحادهم في المخرج وهو الغار وكونهما مجهورين والفارق بينهما أن الجيم انفجاري احتكاكي والياء لينة. لذا نجد عكس هذه الظاهرة وهو إبدال الجيم ياء فيقال صهريّ بد صهريج.
العَنْعََنة وهي في كثير من العرب في لغة قيس وتميم وأسد. وهي قلب الهمزة عينا، وقد خصها ثعلب والفراء بأنّ المفتوحةفي مثل قولهم: أشهد عنّك رسول الله. أما السيوطي فلم يخصصها بأن المفتوحة وإنما أطلقها في كل همزة مبدوء بها فعزا إليهم قولهم: في أنك عنّك وفي أسْلم عَسْلم وفي أذُن عُذُن. ولقب هذه الظاهرة مأخوذ من قولهم عنّ.
وسبب القلب تجاور المخرجين فالهمزة حنجرية مهموسة والعين حلقية مجهورة
الفَحفَحة في لغة هُذَيل يجعلون الحاء عَيْناً. وقد وردت به قراءة (عتى حين)، ويبدو أن هذا خاص بـ (حتى) بدليل عدم قلب (حين). وذُكر أنه يقابل (حتى) العربية (عد) في العبرية والآرمية والأكادية والسبئية.
الفراتية: راجع الرتة واللخلخانية
القطعة: تعزى إلى طيئ، وهي قطع اللفظ قبل تمامه، فهي نوع من الترخيم ، مثل قولهم (يا أبا الحكا) بدل (يا أبا الحكم)، وذكر عبد التواب أنها شائعة في مصر في بعض الألفاظ مثل (ياولَ) (يا ولد)، سلخي (مساء الخير)
الكَسْكَسة وهي في ربيعة ومُضر وعزي أيضا إلى بكر وهوازن وتميم، لأنهم يتبعون كافِ المخاظبة سيناً. وقد اختلفوا في طبيعة ذلك:
إبدال كاف المخاطبة سينا
اتباع كاف المخاطبة سينا
اتباع كاف المذكر سينا عند ربيعة ومضر (الفراء)
الكشكشة: إبدال كاف المخاطبة في الوقف شينا أو إلحاقها شينا. وهي تعزى إلى ربيعة ومضر وإلى بكر وبعض تميم وأسد. ومن أمثلتها: (جعل الله البركة في دارش) و (ويحك مالش). ووردت في غير الوقف:
فعيناش عيناها وجيدش جيدها ولكن عظم الساق منش دقيق
وقد قرئ بها (قد جعل ربش تحتش سريا).
ويبدو أن ما حدث كما بين رمضان عبد التواب هو تغير الكاف في الكسكسة إلى حرف مزدوج من الكاف والسين تس يشبه الحرف الألماني في كلمة Leipzig ، وتغيره في حال الكشكشة إلى حرف مزدوج من الكاف والشين يشبه الصوت الإنجليزي ch في children. ويفسر هذا التغير بأنه ناتج عن قانون الأصوات الحنكية حيث تميل أصوات أقصى الحنك وهي الكاف والجيم غير المعطشة بمخرجها إلى نظائرها من أصوات أمامية حين تليها الكسرة لأنها تجذبها قليلا إلى الأمام.[4]
اللخلخانية: راجع: الرتة
الوتم قلب السين تاء عند بعض أهل حيث ينطقون الناس النات. ويمكن تفسير هذا الإبدال من الناحية الصوتية، فالحرفين متشابهين في المخرج لأنهما من الحروف الأسنانية اللثوية، كما يتفقان في الهمس والترقيق. والفرق الوحيد بينهما أن السين صوت احتكاكي صفيري fricative sibliant والتاء صوت شديدة انفجارية plosive stop
الوكْم في لغة ربيعة وهم قوم من كَلْب يقولون: عليكِم وبكِم حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة. وهذه ظاهرة حادثة بسبب المماثلة بين الأصوات المتجاورة، فقد تأثرت ضمة الكاف بكسرة الباء فجعلت مكسورة لتنسجم مع ما قبلها.
الوهْم في لغة كلْب يقولون: منهِمْ وعنهِم وبينهِمْ وإن لم يكن قبل الهاء ياءٌ ولا كسرة.
والفصحى تبقي الضم في مثل منهُم وصاحبُهم وقائدهم إلا إذا وقع بعد فتحة قصيرة أو طويلة أو ياء مثل: بجانبهِم، راعيهِم عليهِم.
اللَّخْلَخَانيَّة تَعْرِض فِي لغة أعراب الشِّحْر وعُمان كقولهم: مَشَا اللّه كان يريدون: ما شاء اللّه كان.
حرف بين القاف والكاف في لغة تميم وهذا هو صوت g المتغير عن ق.
حرف بين الجيم والكاف في لغة اليمن.
أفصح العرب
وأفصح العرب قريش قال ابنُ فارس في فقه اللغة: باب القول في أفصح العرب أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد مولى بني هاشم بقَزْوين قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عباس الحشكي قال: حدثنا إسماعيل بن أبي عبيد اللّه قال: أَجْمَع علماؤنا بكلام العرب والرُّواة لأشعارهم والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومحالِّهم أن قُرَيْشاً أفصحُ العربِ أَلْسِنَةً وأَصْفَاهُمْ لَغةً وذلك أن اللّه تعالى اختارَهم من جميع العرب واختارَ منهم محمداً ، فجعلَ قريشاً قُطَّانَ حَرَمه ووُلاَةَ بَيْته فكانت وفودُ العرب من حجَّاجها وغيرهم يَفِدُونَ إلى مكة للحج ويتحاكمون إلى قريش في دارهم وكانت قريشٌ مع فصاحتها وحسْن لُغاتها ورِقَّة أَلْسِنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخَيَّرُوا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لُغَاتهم وأصْفَى كلامهم فاجتمعَ ما تخَيَّرواْ من تلك اللغات إلى سلائقِهم التي طُبعوا عليها فصاروا بذلك أفصحَ العرب.
لغة القرآن الكريم
وروى أبو عبيد من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات منها خمسٌ بلغة العَجُز من هوازن وهم الذين يقال لهم عُلْيا هوازن وهم خمس قبائل أو أربع منها سعد بن بكر وجُشَم بن بكر ونَصْر بن معاوية وثقيف.
قال أبو عبيد: وأحسب أفصحَ هؤلاء بني سعد بن بكر وذلك لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أنا أفصح العرب بَيْدَ أني من قريش وأني نشأْتُ في بني سعد بن بكر.
وكان مُسْتَرْضعاً فيهم وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصحُ العرب عُلْيا هَوازن وسُفْلَى تميم.
وعن ابن مسعود: إنه كان يُسْتَحَبُّ أن يكون الذين يكتبون المصاحفَ من مُضَر.
وقال عمر: لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا إلا غِلْمان قريش وثقيف.
وقال عثمان: اجعلوا المُمْلِي من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف.
قال أبو عبيدة: فهذا ما جاء في لغات مضر.
وقد جاءت لغاتٌ لأهلِ اليمن في القرآن معروفةٌ، ويروى مرفوعاً: نزل القرآن على لغة الكَعْبَيْن كعب بن لُؤَيّ وكعب بن عمرو وهو أبو خزاعة.
وقال ثعلب في أماليه: ارتفعت قريشٌ في الفصاحة عن عَنْعَنَةِ تميم وتَلْتَلةِ بَهْرَاء وكَسْكَسَة ربيعة وكَشْكَشَةِ هَوَازن وتضجع [قيس] وعجرفيه ضبّة، وفسّر تَلْتَلَة بَهْرَاء بكسر أوائل الأفعال المُضَارعة.
وقال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمّى بالألفاظ والحروف: كانت قريشٌ أجودَ العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النُّطْق وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانَة عمّا في النفس، والذين عنهم نُقِلت اللغة العربية وبهم اقْتُدِي وعنهم أُخِذَ اللسانُ العربيٌّ من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثرُ ما أُخِذ ومعظمه وعليهم اتُّكل في الغريب وفي الإعراب والتَّصْريف ثم هذيل وبعض كِنانة وبعض الطائيين ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضَريٍّ قطّ ولا عن سكَّان البَرَاري ممن كان يسكنُ أطرافَ بلادِهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم فإنه لم يؤخذ لا مِنْ لَخْم ولا من جذَام لِمُجاوَرتهم أهل مصر والقِبْط ولا من قُضاعة وغَسَّان وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية ولا من تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ولا من عبد القيس وأَزْدعُمَان لأنهم كانوا بالبحرين مُخالطين للهِند والفُرس ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجّار اليمن المقيمين عندهم ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغةَ العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت أَلسِنتهم والذي نقل اللغةَ واللسانَ العربيَّ عن هؤلاء وأَثْبَتها في كتاب فصيَّرها عِلْماً وصناعة هم أهلُ البصرة والكوفة فقط من بين أمصار العرب.
منقول مع الشكر
**************************************
[1] ابن عبد ربه، العقد الفريد.
[2] رمضان عبد التواب، فصول في فقه اللغة، 122، راجع, Lexicon Veterris Testaminti 642 . Koehler
[3] رمضان عبد التواب، فصول في فقه اللغة، 123.
[4] عبد التواب، 140.
رُوي عن الأصمعي قال: " قال مُعاوية يوماً لجلسائه: أيّ الناس أفصح؟ فقال رجلٌ من السِّماط: يا أميرَ المؤمنين، قوم قد ارتفعوا عن رُتَّة العراق، وتياسَرُوا عن كَشْكشة بكر، وتيامَنُوا عن: شَنْشَنة تَغْلب، ليس فيهم غَمْغمة قُضاعة، ولا طمطمانيّة حِمْير.
قال: مَن هم؟ قال: قومُك يا أميرَ المؤمنين قُريش؛ قال: صدقتَ، فمن أنت؟ قال: مِن جَرْم قال الأصمعيّ: جَرْم فُصْحَى الناس."[1]
جاء في المزهر للسيوطي: كانت العربُ تحضر المَوسِم في كل عام وتحجُّ البيتَ في الجاهلية وقريشٌ يسمعون لغاتِ العرب فما اسْتحسنوه من لغاتهم تكلّموا به فصاروا أفصحَ العرب وخلَتْ لغتُهم من مُستبْشع اللغات ومُستقبَح الألفاظ من ذلك:
الاستنطاء في لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار تجعل العين الساكنة نوناً إذا جاورت الطاء كأنْطي في أعْطِي. ومن شواهده قراءة (إنا انطيناك الكوثر). ويذكر رمضان عبد التواب أن هذا الإبدال شائع حتى اليوم في العراق، والتوزيع الجغرافي يوضح أن له علاقة بطرق القوافل من الجنوب إلى الشمال. وهذه الظاهرة ليست عامة في كل ع ساكنة جاورت ط وإنما هو خاص بكلمة (أعطى) ومشتقاتها. وقلب الـ ع إلى ط ليس له تفسير صوتي لبعد مخرجيهما. ويربط رابين بين هذا الفعل والفعل العبري (نطى) "مد يده" ويربطه رمضان عبد التواب بالفعل العبري (نتن) "أعطى" والفعل السرياني (نتل) "يعطي."[2]
التضجع: يعزى إلى قيس، ولم يُفسر، وربما يعني التباطؤ والتمهل.وفي اصطلاحات ويطلق اصطلاح إضجاع الحركات في كتب النحو والقراءات على الإمالة، ولكنها لاتعزى إلى قيس وحدها، بل يشاركها فيه عـامة أهل نجـد.[3]
التلتلة: كسر حرف المضارعة: أن إعلم أنت تكتب، وتعزى إلى قيس وتميم وأسد وربيعة وعامة العرب. أما أعجاز هوازن وأزد السراة وهذيل فيفتحون حرف المضارعة.
وهي ظاهرة سامية قديمة توجد في العبرية والسريانية والحبشية، وهذا من الركام الباقي من هذه الظاهرة في العربية.
الرتة: تعني قلب اللام ياء وهي عيب كلام لا يمكن أن يكون شائعا في لهجة كاملة، وتعني أيضا العجلة في الكلام، وفي هذا تشبه اللخلخانية وهي تنسب إلى أهل العراق، ومن ظواهرها قصر الحركات وحذف الهمزة، في مثل: (مشا لله كان)
الشَّنشنة في لغة اليمن تجعل الكاف شيناً مطلقاً كلبَّيْش اللهم لبَّيْش أي لبيك.
ويبدو أنها ناتجة من تحول الصوت المزدوج ch إلى أحد مكونيه وهو ش، وهي ظاهرة مصاحبة للأصوات المزدوجة.
الطُّمْطُمانيَّة تَعْرِض في لغة حِمْيَر وطي والأزد كقولهم: طاب أمْهَوَاء: أي طاب الهواءُ.
وتفسيره أن اللام والميم من الأصوات المائعة (liquids) وهي ل م ن ر وهي أصوات يُبد بعضها من يعض.
العَجْعَجَة في لغة قضاعة، يجعلون الياء المشدَّدة جيماً يقولون في تميميّ تميمِجّ.
المطعمون اللحم بالعشجّ
وقد سهل إبدال الياء بالجيم اتحادهم في المخرج وهو الغار وكونهما مجهورين والفارق بينهما أن الجيم انفجاري احتكاكي والياء لينة. لذا نجد عكس هذه الظاهرة وهو إبدال الجيم ياء فيقال صهريّ بد صهريج.
العَنْعََنة وهي في كثير من العرب في لغة قيس وتميم وأسد. وهي قلب الهمزة عينا، وقد خصها ثعلب والفراء بأنّ المفتوحةفي مثل قولهم: أشهد عنّك رسول الله. أما السيوطي فلم يخصصها بأن المفتوحة وإنما أطلقها في كل همزة مبدوء بها فعزا إليهم قولهم: في أنك عنّك وفي أسْلم عَسْلم وفي أذُن عُذُن. ولقب هذه الظاهرة مأخوذ من قولهم عنّ.
وسبب القلب تجاور المخرجين فالهمزة حنجرية مهموسة والعين حلقية مجهورة
الفَحفَحة في لغة هُذَيل يجعلون الحاء عَيْناً. وقد وردت به قراءة (عتى حين)، ويبدو أن هذا خاص بـ (حتى) بدليل عدم قلب (حين). وذُكر أنه يقابل (حتى) العربية (عد) في العبرية والآرمية والأكادية والسبئية.
الفراتية: راجع الرتة واللخلخانية
القطعة: تعزى إلى طيئ، وهي قطع اللفظ قبل تمامه، فهي نوع من الترخيم ، مثل قولهم (يا أبا الحكا) بدل (يا أبا الحكم)، وذكر عبد التواب أنها شائعة في مصر في بعض الألفاظ مثل (ياولَ) (يا ولد)، سلخي (مساء الخير)
الكَسْكَسة وهي في ربيعة ومُضر وعزي أيضا إلى بكر وهوازن وتميم، لأنهم يتبعون كافِ المخاظبة سيناً. وقد اختلفوا في طبيعة ذلك:
إبدال كاف المخاطبة سينا
اتباع كاف المخاطبة سينا
اتباع كاف المذكر سينا عند ربيعة ومضر (الفراء)
الكشكشة: إبدال كاف المخاطبة في الوقف شينا أو إلحاقها شينا. وهي تعزى إلى ربيعة ومضر وإلى بكر وبعض تميم وأسد. ومن أمثلتها: (جعل الله البركة في دارش) و (ويحك مالش). ووردت في غير الوقف:
فعيناش عيناها وجيدش جيدها ولكن عظم الساق منش دقيق
وقد قرئ بها (قد جعل ربش تحتش سريا).
ويبدو أن ما حدث كما بين رمضان عبد التواب هو تغير الكاف في الكسكسة إلى حرف مزدوج من الكاف والسين تس يشبه الحرف الألماني في كلمة Leipzig ، وتغيره في حال الكشكشة إلى حرف مزدوج من الكاف والشين يشبه الصوت الإنجليزي ch في children. ويفسر هذا التغير بأنه ناتج عن قانون الأصوات الحنكية حيث تميل أصوات أقصى الحنك وهي الكاف والجيم غير المعطشة بمخرجها إلى نظائرها من أصوات أمامية حين تليها الكسرة لأنها تجذبها قليلا إلى الأمام.[4]
اللخلخانية: راجع: الرتة
الوتم قلب السين تاء عند بعض أهل حيث ينطقون الناس النات. ويمكن تفسير هذا الإبدال من الناحية الصوتية، فالحرفين متشابهين في المخرج لأنهما من الحروف الأسنانية اللثوية، كما يتفقان في الهمس والترقيق. والفرق الوحيد بينهما أن السين صوت احتكاكي صفيري fricative sibliant والتاء صوت شديدة انفجارية plosive stop
الوكْم في لغة ربيعة وهم قوم من كَلْب يقولون: عليكِم وبكِم حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة. وهذه ظاهرة حادثة بسبب المماثلة بين الأصوات المتجاورة، فقد تأثرت ضمة الكاف بكسرة الباء فجعلت مكسورة لتنسجم مع ما قبلها.
الوهْم في لغة كلْب يقولون: منهِمْ وعنهِم وبينهِمْ وإن لم يكن قبل الهاء ياءٌ ولا كسرة.
والفصحى تبقي الضم في مثل منهُم وصاحبُهم وقائدهم إلا إذا وقع بعد فتحة قصيرة أو طويلة أو ياء مثل: بجانبهِم، راعيهِم عليهِم.
اللَّخْلَخَانيَّة تَعْرِض فِي لغة أعراب الشِّحْر وعُمان كقولهم: مَشَا اللّه كان يريدون: ما شاء اللّه كان.
حرف بين القاف والكاف في لغة تميم وهذا هو صوت g المتغير عن ق.
حرف بين الجيم والكاف في لغة اليمن.
أفصح العرب
وأفصح العرب قريش قال ابنُ فارس في فقه اللغة: باب القول في أفصح العرب أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد مولى بني هاشم بقَزْوين قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عباس الحشكي قال: حدثنا إسماعيل بن أبي عبيد اللّه قال: أَجْمَع علماؤنا بكلام العرب والرُّواة لأشعارهم والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومحالِّهم أن قُرَيْشاً أفصحُ العربِ أَلْسِنَةً وأَصْفَاهُمْ لَغةً وذلك أن اللّه تعالى اختارَهم من جميع العرب واختارَ منهم محمداً ، فجعلَ قريشاً قُطَّانَ حَرَمه ووُلاَةَ بَيْته فكانت وفودُ العرب من حجَّاجها وغيرهم يَفِدُونَ إلى مكة للحج ويتحاكمون إلى قريش في دارهم وكانت قريشٌ مع فصاحتها وحسْن لُغاتها ورِقَّة أَلْسِنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخَيَّرُوا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لُغَاتهم وأصْفَى كلامهم فاجتمعَ ما تخَيَّرواْ من تلك اللغات إلى سلائقِهم التي طُبعوا عليها فصاروا بذلك أفصحَ العرب.
لغة القرآن الكريم
وروى أبو عبيد من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات منها خمسٌ بلغة العَجُز من هوازن وهم الذين يقال لهم عُلْيا هوازن وهم خمس قبائل أو أربع منها سعد بن بكر وجُشَم بن بكر ونَصْر بن معاوية وثقيف.
قال أبو عبيد: وأحسب أفصحَ هؤلاء بني سعد بن بكر وذلك لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أنا أفصح العرب بَيْدَ أني من قريش وأني نشأْتُ في بني سعد بن بكر.
وكان مُسْتَرْضعاً فيهم وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصحُ العرب عُلْيا هَوازن وسُفْلَى تميم.
وعن ابن مسعود: إنه كان يُسْتَحَبُّ أن يكون الذين يكتبون المصاحفَ من مُضَر.
وقال عمر: لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا إلا غِلْمان قريش وثقيف.
وقال عثمان: اجعلوا المُمْلِي من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف.
قال أبو عبيدة: فهذا ما جاء في لغات مضر.
وقد جاءت لغاتٌ لأهلِ اليمن في القرآن معروفةٌ، ويروى مرفوعاً: نزل القرآن على لغة الكَعْبَيْن كعب بن لُؤَيّ وكعب بن عمرو وهو أبو خزاعة.
وقال ثعلب في أماليه: ارتفعت قريشٌ في الفصاحة عن عَنْعَنَةِ تميم وتَلْتَلةِ بَهْرَاء وكَسْكَسَة ربيعة وكَشْكَشَةِ هَوَازن وتضجع [قيس] وعجرفيه ضبّة، وفسّر تَلْتَلَة بَهْرَاء بكسر أوائل الأفعال المُضَارعة.
وقال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمّى بالألفاظ والحروف: كانت قريشٌ أجودَ العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النُّطْق وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانَة عمّا في النفس، والذين عنهم نُقِلت اللغة العربية وبهم اقْتُدِي وعنهم أُخِذَ اللسانُ العربيٌّ من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثرُ ما أُخِذ ومعظمه وعليهم اتُّكل في الغريب وفي الإعراب والتَّصْريف ثم هذيل وبعض كِنانة وبعض الطائيين ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضَريٍّ قطّ ولا عن سكَّان البَرَاري ممن كان يسكنُ أطرافَ بلادِهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم فإنه لم يؤخذ لا مِنْ لَخْم ولا من جذَام لِمُجاوَرتهم أهل مصر والقِبْط ولا من قُضاعة وغَسَّان وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية ولا من تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ولا من عبد القيس وأَزْدعُمَان لأنهم كانوا بالبحرين مُخالطين للهِند والفُرس ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجّار اليمن المقيمين عندهم ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغةَ العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت أَلسِنتهم والذي نقل اللغةَ واللسانَ العربيَّ عن هؤلاء وأَثْبَتها في كتاب فصيَّرها عِلْماً وصناعة هم أهلُ البصرة والكوفة فقط من بين أمصار العرب.
منقول مع الشكر
**************************************
[1] ابن عبد ربه، العقد الفريد.
[2] رمضان عبد التواب، فصول في فقه اللغة، 122، راجع, Lexicon Veterris Testaminti 642 . Koehler
[3] رمضان عبد التواب، فصول في فقه اللغة، 123.
[4] عبد التواب، 140.