أبو يوسف
10-12-2014, 05:11 PM
القـصــر / جمعه الأخ الأحمر
تعريف القصر
القصر في اللغة معناه الحبس : فعندما تقصر موصوفاً على صفة فكأنك تقف به على هذه الصفة فلا يتعداه لأخرى . قال تعالى " حور مقصورات في الخيام " أي محبوسات وقوله تعالى " وعندهم قاصرات الطرف أتراب " أي يحبسن أنظارهن على أزواجهن .
القصر في الاصطلاح : تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص .
شرح التعريف : تخصيص شيء بشيء :- معناه أن نختص صفة بموصوف أو موصوف بصفة فعند قولنا " ما زيد إلا كاتب " قصرنا موصوفاً على صفة وقولنا .. ما كاتب إلا زيد قصرنا صفة على موصوف فكأننا أثبتنا له الكتابة ، ونفينا عنه غيرها مثل كونه شاعراً فهي في قوة جملتين .
بطريق مخصوص : توحي لنا هذه العبارة بأن القصر لابد أن يكون بأدوات وطرائق معينة وما عدا ذلك لا يسمى قصراً اصطلاحياً فمثل قولنا : اختص محمد بالكرم " فهذا لا يسمي قصراً اصطلاحياً لأنه لم يأت بطريقة من طرائق القصر .
ميزة أسلوب القصر :- فيه قوة الإثبات والتأكيد والتقرير والمبالغة ، كما أن فيه إيجازاً ، لأنه ينوب عن جملتين فالقصر يدل على النفي والإثبات في آن واحد .
أقسام القصر
ينقسم القصر إلى قسمين
1- حقيقي وينقسم إلى تحقيق وادعائي
2- إضافي " غير حقيقي " وينقسم إلى إفراد وقلب وتعيين
وينقسم القصر كذلك إلى 1- قصر موصوف على صفة 2-قصر صفة على موصوف
فالحقيقي جملة القصر فيها إثبات ونفي . مثل : إنما محمد طيب فالنفي عام فهو حقيقي وذلك باعتبار عموم النفي وخصوصه يعني أنك إذا كنت تثبت صفة لواحد وتنفيها عن كل من عداه كان القصر حقيقياً والحقيقي قسمان : تحقيقي وادعائي
وذلك باعتبار المطابقة للواقع وعدمها فالذي تنفيه أو تثبته إن كان مطابقاً للواقع على الحقيقة كان تحقيقياً .
وإن كان مدعى من المتكلم وليس مطابقاً للواقع كان ادعائياً أو مجازياً أو مبنياً على المبالغة . بمعنى أن المتكلم لا يعتد فيه بغير الذكور .
وعند قولنا : ما في الدار إلا محمد . ووجدنا هذا الكلام صحيحاً كان تحقيقياً لمطابقته للواقع . وإن وجدنا معه غيره كان ادعائياً ، لأن المتكلم أراد أن يقول : إن الوجود الحقيقي في هذا المكان لمحمد لأنه لا اعتداد بغيره وكل واحد منهما إما قصر صفة على موصوف أو موصوف على صفة باعتبار صيغة المقصور والمقصور عليه فالكلام إما أن يكون متضمناً لجعل الوصف مقصوراً على الموصوف أو جعل الموصوف مقصوراً على الوصف .
والإضافي يكون في كون النفي عن شخصين أو ثلاثة فأكثر معينين وهذا يرجع لقصد الكلام .
وهو ثلاثة أقسام :-
1- قصر الإفراد : وهذا يخاطب به من يعتقد الشركة أي باشتراك صفتين أو أكثر في موصوف واحد في قصر الموصوف على الصفة مثل قولنا ما محمد إلا كاتب . لمن يعتقد اتصافه بالكتابة والشعر والسفر ، أو اشتراك موصوفين أو أكثر في صفة واحدة في قصر الصفة على الموصوف مثل قولنا ما طبيب إلا محمد لمن اعتقد اشتراك محمد وخالد وعلى في مهنه الطب . وسمي إفراداً لأنه قطع الاشتراك المذكور في المثالين ولأنه أفرد الموصوف بصفة وأفرد الصفة بموصوف . ومن البلاغيين من اشترط في قصر الموصوف على الصفة إفرادا عدم التنافي بين الوصفين ليصح اجتماعهما في الموصوف في اعتقاد المخاطب ليكون المنفي في قولنا ما زيد إلا شاعر . كونه كاتباً أو منجماً لا كونه مفحماً لا يقول الشعر .
2- قصر التعيين ويخاطب به من تساوى الأمران عنده دون ترجيح لأحدهما على لآخر مثل قولنا ما محمد إلا مدرس ولا يعرف على التعيين وظيفته وذلك في قصر الموصوف على الصفة . ومثل قولنا " ما مزارع إلا إبراهيم وذلك في قصر الصفة على الموصوف لمن ظن أن المزارع إما إبراهيم أو أحمد من غير أن يعرفه على التعيين . وسمي قصر تعيين لأنك عينت له إحدى الصفتين وأبقيت الأخرى أو أحد الوصفين وأبقيت الآخر .
3- قصر القلب ويخاطب به من يعتقد عكس الحكم الذي أثبته المتكلم مثل ما محمد إلا قائم في الموصوف على الصفة لمن يعتقد اتصافه بالقعود دون القيام ومثل قولنا ما تاجر إلا محمد في قصر الصفة على الموصوف لمن يعتقد أن التاجر عبد الله . وسمى قصر قلب لأنه يقلب " يعكس " حكم المخاطب الذي كان معتقداً إياه ويثبت له غيره .
واشترط بعض البلاغيين في قصر الموصوف على الصفة قصر قلب تحقق تنافي الوصفين ليكون إثبات إحدى الصفتين مشعراً بانتقاء الأخرى ومن شواهده . قال تعالى " وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم " لأنهم لا يعتقدون أنهم يهلكون أنفسهم وإنما يعتقدون أنهم يقضون على القرآن بصرف الناس عنه .
وقال تعالى " إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون "
فقد نفى عنهم الهداية المنبثقة عن نور الحقيقة والعلم وأثبت لهم أنهم ينطلقون وراء الخيال والجهل . إن هم إلا يخرصون " قصر لهم صفة الخرص وهو التخمين لأن التخمين لا يجتمع معه التحقيق والصدق فالصفة المثبتة منافية للصفة المنفية لأنه لا يتصور اجتماعها في آن واحد .
" قال تعالى " ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "
لأن النصارى اتخذوه وأمه إلهين . فنفى القرآن عنه الألوهية وأثبت له الرسالة . والرسول يموت والإله
لا يكون رسولاً .
قال تعالى " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم "
لأن المنفي فيها ضد المثبت ولا يجتمعان في شخص واحد لأنهم يثبتون له كونه إلهاً أو اتخاذه وأمه إلهين فنفت الآية ذلك و أثبتت له العبودية والعبودية تناقض الألوهية أي قلت لهم ذلك ولم أتجاوزه إلى غيره وهو طلب الألوهية وهم مخاطبون هنا بخطاب غير مباشر دل عليه سياق الكلام .
وقال الشاعر :-
وكنت امرأ ألقى الزمان مسالماً
### فآليت لا ألقاه إلا مجاريا
فأثبت الشاعر صفة ضد التي كان يعتقدها .
وقال شاعر آخر :-
وهل كنت إلا مذنباً يوم انتحى
### سواك بآمال فأقبلت تائبا
فقصر نفسه على الذنب ونفى عن نفسه الرشد
وقال أبو تمام :-
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
### متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة
### بين الخميسين لا في السبعة الشهب
فكلها قصر قلب لان الصفة المنفية بعد " لا " تقابل الصفة المثبتة قبلها ومن أمثلة قصر الإفراد وشواهده قوله تعالى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " لأنه لما شيع أن النبي مات في إحدى غزواته أذهل ذلك بعض المسلمين لأنهم كانوا يظنون فيه الرسالة وأنه سيظل بينهم فهم يظنون فيه وجود الصفتين فجاء أسلوب القصر فقصره على كونه رسولاً ونفى بقاءه وهذا من قصر الإفراد .قال تعالى " وما أنت بمسمع من في القبور ، إن أنت إلا نذير " لأنه يحرص على هدايتهم وتحمل العناء في ذلك كان بمنزلة من يعتقد أنه مع الإنذار يستطيع الهداية فقصره على كونه نذيراً وليس نذيراً وهادياً معاً .
طرائق القصر
أولا :- العطف بـ " لا ، بل ، لكن "
وقدم لأنه أقوى الطرق للدلالة فيه على المثبت والمنفي معاً .
1- " لا " مثل أنا دعوك إلى الله لا إلى الشيطان . وأنا أفعل هذا رغبة لا رهبة ومثل قول أبى تمام :
بيض الصفائح لا سود الصحائف
### في متونهن جلاء الشك واريب
ومثل قول المتنبي :
ويشرق عدنان به لا ربيعه
### وتفخر الدنيا به لا العواصم
فقد نص هنا على أن النفي والإثبات معاً بخلاف بقية الطرائق التي يفهم النفي فيها بالفحوى " المعنى "
2- " بل ، لكن " لا تفيد " بل " العطف إلا إذا وقعت بعد نفي مثل ما جاءني زيد بل خالد وأما بعد الإثبات فلا تفيد كقولك جاء زيد بل خالد لأنك نقلت حكم المجيء إلى التابع الذي هو خالد ، وجعلت المتبوع الذي هو زيد في حكم المسكوت عنه وبذلك تفيد الجملة الإثبات فقط لأن المسكوت عنه لا يوصف بنفي ولا إثبات .
الفرق بين " لا " و " لكن " من حيث الدلالة في الإثبات والنفي
الذي بعد " لا " منفى عنه الحكم ، والذي بعد " لكن " ثابت له الحكم
ثانيا : طريقة النفي والاستثناء
لا يستعمل إلا في المعنى الذي يحتاج إلى زيادة تقرير وتوكيد وذلك قوله تعالى " حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين " وكقوله تعالى " وإن يهلكون إلا أنفسهم "
فقد جاء الأسلوب في القصر الأول بالنفي والاستثناء لأنه يواجه عقيدة رافضة، ومخاطباً منكرًا أشد الإنكار أن يكون ما يدعوهم إليه أساطير بينما يعتقد عليه الصلاة والسلام أنه حق لا ريب فيه وكذا قوله تعالى " إن أنتم إلا تكذبون " أي لستم مترددين بين الصدق والكذب عندنا وإنما أنتم كاذبون .
وقال تعالى " إن أتبع إلا ما يوحى إلي " حيث أكد قصر اتباعه على الوحي وأنه لا يتعدى ذلك إلى غيره قصراً حقيقياً تحقيقياً لعدم اتباعه في أمر الدين أى شيء غير الوحي وهذا مطابق للواقع .
وقال تعالى " ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم " فهم لا يعتقدون أنهم يضلون أنفسهم فأفادت الآية قصر الإضلال الواقع منهم على أنفسهم وحدهم لا يتعداها للمؤمنين . وقال تعالى " لا إله إلا أنت " فقد راعى في ذلك حال المتكلم فقد قصر الألوهية على الله سبحانه .
" وما محمد الا رسول " فالصحابة لا يجهلون ذلك لكن لما استعظموا موته . صلى الله عليه وسلم . نزلوا منزلة من ينكر ذلك . وقال تعالى " قالوا : إن أنتم الا بشر مثلنا " وقال تعالى " بل الله يمن على من يشاء من عباده " فقد قصر الرسل على البشرية والرسل لم ينكروا بشريتهم ولكن ذلك كان في تصور المتكلمين المرسل إليهم .
ثالثا : طريقة " إنما "
قال البلاغيون : دلالتها على القصر وضعية وأنها تفيد القصر في كل صورة فتأتي للحقيقي والإضافي بأقسامه .
وقد ذكر عبد القاهر : أنها تكون للرد على من يعتقد نفي ما أثبته بها تقول إنما جاءني زيد لمن يعلم أن أحداً جاءك لكنه ظنه محمداً ولا تقوله لمن ظن أن زيدا وعمحاً جاءك ولا لمن يتردد المجيء بينهما يعني أنها عنده لقصر القلب ولا تستعمل في قصر الإفراد والتعيين وهذا مردود والدليل " إنما الصدقات
للفقراء والمساكين ................"
دليل إفادة " إنما " القصر ما يلي:
1- أنها متضمنة معنى " ما " و " إلا " بدليل قوة المفسرين في قوله تعالى " إنما حرم عليكم الميتة ......... " أى ما حرم الا الميتة .
2- قالت النحاة إنها لإثبات ما يذكر بعدها ونفي ما عداه . فهي لا تثبت ما بعدها فقط وإلا ما كان هناك فرق بين قولك محمد كاتب . وقولك إنما محمد كاتب لأن الجملة بدون إنما تثبت أنه كاتب ولكن " إنما " تزيد على هذا أنها تنفي ما سواه وهذا هو القصر . لصحة انفصال الضمير معها . مثل إنما يضرب أنا . كما تقول ما يضرب إلا أنا . والأصل في ذلك أن الضمير المتصل لا يؤتى به منفصلاً إلا إذا كان محصوراً فيه تقول أضرب ولا يجوز يضرب أنا فإذا أردت القصر قلت لا يضرب إلا أنا وكقول عمرو بن معد يكرب
قد علمت سلمى وجاراتها
### ما قطر الفارس الا أنا
فقد جاء الضمير المنفصل لغرض القصر وأن ما فعل ذلك أحد غيره وقال الفرز دق :
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما
### يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
فلما كان الغرض هو تخصيص نفسه بالدفاع وأنه يقول ما يدافع عن أحسابهم الا أنا فصل الضمير وأخره لتحمل عبارته هذا المعنى ولو أبقاه متصلاً وقال أتنم أدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي لأفاد جعل الضمير المؤخر توكيداً وليس فاعلاً والمؤخر المقصور عليه لا يكون توكيداً و لا معطوفاً ولا نعتاً وحينئذ يكون المؤخر المقصور عليه هو قوله عن أحسابهم ويفيد أنه لا يدافع عن أحساب قومه أحد إلا هو .
وقال تعالى " إنما العلم عند الله " ردا على قولهم لهود فائتنا بما تعدنا " أي لا علم عندي بالوقت الذي يكون تعذيبكم فيه حكمة وصواب إنما علم ذلك عند الله وقال تعالى " انم علمها عند ربي " رداً على سؤالهم عن وقت الساعة أي علمها عند ربي وليس عندي وقال تعالى " إنما يأتيكم به الله إن شاء " رداً على قوم نوح في قولهم " فأتنا بما تعدنا " أي يأتيكم به الله وليس أنا الذي سأتيكم به . والأمثلة الثلاثة أفادت الإثبات والنفي معاً ولو جاءت بدون إنما ما أفادت ذلك .
وقال تعالى " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " فقد قصر شكواه على كونها لله وليست لأحد غيره والمقصور عليه في الآية هو الجار والمجرور وليس الضمير كما في البيتين السابقين لأن الضمير في " الآية " غير منفصل فانفصاله يجعله هو المقصور عليه
3- النفي بها غير مصرح به لذا يصح أن تأتي معها " لا " العاطفة التي من شرطها ألا ينتفي بها شيء قد نفى قبلها . ولا يقع في جملة " إنما " " من "الزائدة ولا لفظة " أحد " لأنهما لا يقعان إلا في حيز النفي و " إنما " لا ينص فيها على النفي ولذا صح أن تقول في طريق النفي والاستثناء ، ما من مسيء إلا ولقد لقي عقابه وما من أحد إلا وهو يقول ذلك ولا يصح استعمال " إنما " في المثالين .
استعمالات " إنما "
1- تستعمل " إنما " فيما هو معروف " معلوم " لا إنكار فيه ولا غرابة تقول إنما هو صاحبك . ومثل إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية بخلاف استعمال النفي والاستثناء فيستعمل في عكس ذلك ومن أمثلتها قوله تعالى " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء "
2- وقال تعالى " إنما أنت منذر من يخشاها " وقوله " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها " وقال المتنبي لكافور الإخشيدي:
إنما أنت والد والأب القا ( مـــــــ )
### طع أحنى من واصل الأبناء
لم يرد إخباره بكونه والداً وإنما يذكره بذلك لأنه لا ينكر كونه بمنزلة الوالد وكقوله أيضاً
إنما تنجح المقالة في المر ( مــــــــــــــــ )
### ء إذا صادفت هوى في الفؤاد
فقصر نجاح المقالة على مصادفة الهوى لدى المرء أمر معلوم لا ينكر
ولذا جاء بإنما وكقول المتلمس
عصاني فلم يلق الرشاد وإنما
### يتبين عن أمر الغوي عواقبه
لما كان من المعلوم أن عاقبة الغوي الذي لا يستجيب للنصح إنما يظهر له ذلك عند ملاقاة عواقب ما صنعه استعمل إنما ومثل قول الشاعر
وما الزين في ثوب تراه و إنما
### يزين الفتى مخبوره حين يخبر
وكقولهم إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، إن صال صال بجنانه وان حال حال ببيانه " وهذا من قصر القلب
3- وتستعمل " إنما " فيما هو مجهول لتنزيله منزلة المعلوم .
4- كقول المتنبي في كافور
فما لك تختار القسي وإنما
### عن السعد يرسي دونك الثقلان
يقول لا ينبغي الاهتمام بجمع القسي إعداد العدة لأن الثقلين يقاتلان عنك وهذا معنى غريب وموضع شك لذا كان الأولى به أسلوب النفي والاستثناء لكنه أراد أن يصبغه بصبغة الأمر المسلم به . وتنزيله منزلة المعلوم فاستعمل " إنما " التي لا تستعمل الا فيما هو معلوم وقال تعالى عن المنافقين " إنما نحن مصلحون "
حيث جعلوا إصلاحهم كأنه أمر مسلم به مع أنهم لا صلاح لهم ، وهذا لما كان منكراً كان الأولى به طريقة النفي والاستثناء لكنهم جعلوه كالمسلم به . وقال ابن قيس الرقيات
إنما مصعب شهاب من الله ( مــــــــ )
### تجلت عن وجهه الظلماء
حيث ادعى أن كونه بهذه الصفة أمر معلوم لا جدال فيه وقال الشاعر
ألا أيها الناهي فزاره بعد ما
### أجدت لغزو إنما أنت حالم
حيث استعمل إنما فيما هو محل إنكار ليلبسها لباس الأمر المعلوم .
رابعا :- تقديم ما حقه التأخير
أحياناً يفيد الكلام في التقديم الاختصاص وأحياناً لمجرد الاهتمام والذي يحكم ذلك هو سياق الجملة قال تعالى " إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم " وهذا يفيد القصر وأما قوله تعالى " واعلموا أن فيكم رسول الله " فالتقديم لا يفيد الاختصاص بل يفيد الاهتمام وهو توبيخ القوم على من فرط منهم فقدم الخبر ( فيكم ) لأنه موضع التوبيخ وقال تعالى " أولئك الذين اشتروا الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون " حيث قدم الجار والمجرور ( عنهم ) على نائب الفاعل ( العذاب ) وقال تعالى " له الحمد في الأولى وفي الآخرة " وقال تعالى " لله ما في السماوات والأرض " وكقولنا سعودي أنا يفيد التخصيص لتقدم الخبر على المبتدأ .
فروق بين طرق القصر
1- الأصل في دلالة العطف هو النص على المثبت والمنفى معاً والثلاثة الباقية دلالتها على المثبت فقط ويفهم منها المنفى .
2- دلالة الطرائق الثلاثة الأولى على القصر بالوضع وأما التقديم فدلالته على القصر بالفحوى والذوق ومن سياق الكلام .
3- طريقة العطف لا يأتي معه طريقة النفي والاستثناء فلا تقول ما جاء الا محمد لا علي لأن شرط النفي بــ (لا ) ألا يكون المنفي بها منفياً قبلها .
4- الأصل في النفي والاستثناء أن يستعمل فيما هو مجهول ومنكر " وما من اله الا الله " وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل في النفي والاستثناء " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل " " وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت الا نذير " أى مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرئة من الهلاك فنزل استعظامهم موته منزلة الإنكار " إن أنتم الا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء " أى أنتم بشر وليس برسل فنزل الرسل منزلة من ينكر أنهم بشر فخاطبوهم خطاب المنكر وفي ردهم عليهم " إن نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده " فمن مجاراة الخصم للتبكيت والإلزام والإفحام .
5- شرط اجتماع العطف بــــ ( لا ) مع إنما ألا يكون الوصف مختصاً بالموصوف " إنما يستجيب الذين يسمعون " لأن كل عاقل يعلم أن الاستجابة لا تكون الا ممن يسمع وأما عبد القاهر الجرجاني فجعل ذلك الشرط شرطاً للاستحسان بمعنى أن يستحسن في الاجتماع ألا يكون الوصف مختصاً بالموصوف وهذا الاجتماع يكون عن طريقة تقديم إنما كقوله " إنما أنت مذكر " أو عن طريق تأخيرها كقولنا ما جاءني زيد وإنما علي .
مواقع المقصور والمقصور عليه في طرائق القصر
1 - في طريقة العطف :-
أ- مع لا :- يكون المقصور عليه في العطف بلا هو المقابل لما بعدها
قال الشاعر :
عمر الفتى ذكره لا طول مدته
### وموته خزيه لا يومه الداني
فالمقصور عليه في الشطر الأول ( ذكره ) لأنه مقابل طول مدته والمقصور عمر الفتي وفي الشطر الثاني المقصور عليه خزيه والمقصور موته .
ب- مع بل ولكن :- يكون المقصور عليه بعد الأداتين ففي قولنا ما زيد كاتب بل شاعر فالمقصور زيد والمقصور عليه شاعر وفي قوله تعالى " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله "فالمقصور هو محمد صلى الله عليه وسلم.والمقصور عليه كونه رسولاً
وليس أباً .
2 - في طريقة النفي والاستثناء :-
يكون المقصور عليه مؤخراً مع حروف الاستثناء مثل ما جاء إلا علي فالمقصور المجيء والمقصور عليه علي . لأنه وقع بعد " إلا " ويجوز تقديم المقصور عليه مع حروف الاستثناء بحالهما علي المقصور كقولك ما ضرب الا علياً محمد بشرط ألا يفصل بين الأداة والمقصور عليه .
أما إذا فصل بينهما أو تأخرت الأداة عن المقصور عليه فهذا غير جائز لأن ذلك يؤدى إلى اختلال المعنى حيث يصير المقصور مقصوراً عليه والمقصور عليه مقصوراً مثل ما ضرب علياً الا زيد .
ومن أمثلة التقديم الجائز للأداة مع المقصور عليه قول الشاعر :-
الناس ألب علينا فيك ليس لنا
### إلا السيوف وأطراف القنا ورد
أي ليس لنا ورد إلا السيوف وأطراف القنا
3- في طريقة " إنما "
يكون المقصور عليه مؤخراً . كقولك إنما زيد قائم . فالمقصور عليه قائم والمقصور زيد . ولا يجوز تقديم المقصور عليه هنا لئلا يلتبس بالمقصور .
4- في طريقة التقديم
يكون المقدم هو المقصور عليه والمؤخر هو المقصور ففي قولك شاعر هو فالمقصور عليه شاعر والمقصور هو
كما يقع القصر بين المبتدأ والخبر يقع أيضاً بين الفعل والفاعل وبين الحال وصاحبه وبين صاحب الحال والحال . وبين الفاعل والمفعول به وبين المفعول والفاعل وبين المفعول به الأول والمفعول به الثاني والأمثلة كالآتي
ما جاء إلا زيد . ما جاء راكباً إلا محمد ، ما جاء محمد إلا راكباً ، " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به " ما ضرب محمداً إلا زيدٌ ، ما كسوت زيداً إلا ثوباً .
الأحمر
تعريف القصر
القصر في اللغة معناه الحبس : فعندما تقصر موصوفاً على صفة فكأنك تقف به على هذه الصفة فلا يتعداه لأخرى . قال تعالى " حور مقصورات في الخيام " أي محبوسات وقوله تعالى " وعندهم قاصرات الطرف أتراب " أي يحبسن أنظارهن على أزواجهن .
القصر في الاصطلاح : تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص .
شرح التعريف : تخصيص شيء بشيء :- معناه أن نختص صفة بموصوف أو موصوف بصفة فعند قولنا " ما زيد إلا كاتب " قصرنا موصوفاً على صفة وقولنا .. ما كاتب إلا زيد قصرنا صفة على موصوف فكأننا أثبتنا له الكتابة ، ونفينا عنه غيرها مثل كونه شاعراً فهي في قوة جملتين .
بطريق مخصوص : توحي لنا هذه العبارة بأن القصر لابد أن يكون بأدوات وطرائق معينة وما عدا ذلك لا يسمى قصراً اصطلاحياً فمثل قولنا : اختص محمد بالكرم " فهذا لا يسمي قصراً اصطلاحياً لأنه لم يأت بطريقة من طرائق القصر .
ميزة أسلوب القصر :- فيه قوة الإثبات والتأكيد والتقرير والمبالغة ، كما أن فيه إيجازاً ، لأنه ينوب عن جملتين فالقصر يدل على النفي والإثبات في آن واحد .
أقسام القصر
ينقسم القصر إلى قسمين
1- حقيقي وينقسم إلى تحقيق وادعائي
2- إضافي " غير حقيقي " وينقسم إلى إفراد وقلب وتعيين
وينقسم القصر كذلك إلى 1- قصر موصوف على صفة 2-قصر صفة على موصوف
فالحقيقي جملة القصر فيها إثبات ونفي . مثل : إنما محمد طيب فالنفي عام فهو حقيقي وذلك باعتبار عموم النفي وخصوصه يعني أنك إذا كنت تثبت صفة لواحد وتنفيها عن كل من عداه كان القصر حقيقياً والحقيقي قسمان : تحقيقي وادعائي
وذلك باعتبار المطابقة للواقع وعدمها فالذي تنفيه أو تثبته إن كان مطابقاً للواقع على الحقيقة كان تحقيقياً .
وإن كان مدعى من المتكلم وليس مطابقاً للواقع كان ادعائياً أو مجازياً أو مبنياً على المبالغة . بمعنى أن المتكلم لا يعتد فيه بغير الذكور .
وعند قولنا : ما في الدار إلا محمد . ووجدنا هذا الكلام صحيحاً كان تحقيقياً لمطابقته للواقع . وإن وجدنا معه غيره كان ادعائياً ، لأن المتكلم أراد أن يقول : إن الوجود الحقيقي في هذا المكان لمحمد لأنه لا اعتداد بغيره وكل واحد منهما إما قصر صفة على موصوف أو موصوف على صفة باعتبار صيغة المقصور والمقصور عليه فالكلام إما أن يكون متضمناً لجعل الوصف مقصوراً على الموصوف أو جعل الموصوف مقصوراً على الوصف .
والإضافي يكون في كون النفي عن شخصين أو ثلاثة فأكثر معينين وهذا يرجع لقصد الكلام .
وهو ثلاثة أقسام :-
1- قصر الإفراد : وهذا يخاطب به من يعتقد الشركة أي باشتراك صفتين أو أكثر في موصوف واحد في قصر الموصوف على الصفة مثل قولنا ما محمد إلا كاتب . لمن يعتقد اتصافه بالكتابة والشعر والسفر ، أو اشتراك موصوفين أو أكثر في صفة واحدة في قصر الصفة على الموصوف مثل قولنا ما طبيب إلا محمد لمن اعتقد اشتراك محمد وخالد وعلى في مهنه الطب . وسمي إفراداً لأنه قطع الاشتراك المذكور في المثالين ولأنه أفرد الموصوف بصفة وأفرد الصفة بموصوف . ومن البلاغيين من اشترط في قصر الموصوف على الصفة إفرادا عدم التنافي بين الوصفين ليصح اجتماعهما في الموصوف في اعتقاد المخاطب ليكون المنفي في قولنا ما زيد إلا شاعر . كونه كاتباً أو منجماً لا كونه مفحماً لا يقول الشعر .
2- قصر التعيين ويخاطب به من تساوى الأمران عنده دون ترجيح لأحدهما على لآخر مثل قولنا ما محمد إلا مدرس ولا يعرف على التعيين وظيفته وذلك في قصر الموصوف على الصفة . ومثل قولنا " ما مزارع إلا إبراهيم وذلك في قصر الصفة على الموصوف لمن ظن أن المزارع إما إبراهيم أو أحمد من غير أن يعرفه على التعيين . وسمي قصر تعيين لأنك عينت له إحدى الصفتين وأبقيت الأخرى أو أحد الوصفين وأبقيت الآخر .
3- قصر القلب ويخاطب به من يعتقد عكس الحكم الذي أثبته المتكلم مثل ما محمد إلا قائم في الموصوف على الصفة لمن يعتقد اتصافه بالقعود دون القيام ومثل قولنا ما تاجر إلا محمد في قصر الصفة على الموصوف لمن يعتقد أن التاجر عبد الله . وسمى قصر قلب لأنه يقلب " يعكس " حكم المخاطب الذي كان معتقداً إياه ويثبت له غيره .
واشترط بعض البلاغيين في قصر الموصوف على الصفة قصر قلب تحقق تنافي الوصفين ليكون إثبات إحدى الصفتين مشعراً بانتقاء الأخرى ومن شواهده . قال تعالى " وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم " لأنهم لا يعتقدون أنهم يهلكون أنفسهم وإنما يعتقدون أنهم يقضون على القرآن بصرف الناس عنه .
وقال تعالى " إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون "
فقد نفى عنهم الهداية المنبثقة عن نور الحقيقة والعلم وأثبت لهم أنهم ينطلقون وراء الخيال والجهل . إن هم إلا يخرصون " قصر لهم صفة الخرص وهو التخمين لأن التخمين لا يجتمع معه التحقيق والصدق فالصفة المثبتة منافية للصفة المنفية لأنه لا يتصور اجتماعها في آن واحد .
" قال تعالى " ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "
لأن النصارى اتخذوه وأمه إلهين . فنفى القرآن عنه الألوهية وأثبت له الرسالة . والرسول يموت والإله
لا يكون رسولاً .
قال تعالى " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم "
لأن المنفي فيها ضد المثبت ولا يجتمعان في شخص واحد لأنهم يثبتون له كونه إلهاً أو اتخاذه وأمه إلهين فنفت الآية ذلك و أثبتت له العبودية والعبودية تناقض الألوهية أي قلت لهم ذلك ولم أتجاوزه إلى غيره وهو طلب الألوهية وهم مخاطبون هنا بخطاب غير مباشر دل عليه سياق الكلام .
وقال الشاعر :-
وكنت امرأ ألقى الزمان مسالماً
### فآليت لا ألقاه إلا مجاريا
فأثبت الشاعر صفة ضد التي كان يعتقدها .
وقال شاعر آخر :-
وهل كنت إلا مذنباً يوم انتحى
### سواك بآمال فأقبلت تائبا
فقصر نفسه على الذنب ونفى عن نفسه الرشد
وقال أبو تمام :-
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
### متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة
### بين الخميسين لا في السبعة الشهب
فكلها قصر قلب لان الصفة المنفية بعد " لا " تقابل الصفة المثبتة قبلها ومن أمثلة قصر الإفراد وشواهده قوله تعالى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " لأنه لما شيع أن النبي مات في إحدى غزواته أذهل ذلك بعض المسلمين لأنهم كانوا يظنون فيه الرسالة وأنه سيظل بينهم فهم يظنون فيه وجود الصفتين فجاء أسلوب القصر فقصره على كونه رسولاً ونفى بقاءه وهذا من قصر الإفراد .قال تعالى " وما أنت بمسمع من في القبور ، إن أنت إلا نذير " لأنه يحرص على هدايتهم وتحمل العناء في ذلك كان بمنزلة من يعتقد أنه مع الإنذار يستطيع الهداية فقصره على كونه نذيراً وليس نذيراً وهادياً معاً .
طرائق القصر
أولا :- العطف بـ " لا ، بل ، لكن "
وقدم لأنه أقوى الطرق للدلالة فيه على المثبت والمنفي معاً .
1- " لا " مثل أنا دعوك إلى الله لا إلى الشيطان . وأنا أفعل هذا رغبة لا رهبة ومثل قول أبى تمام :
بيض الصفائح لا سود الصحائف
### في متونهن جلاء الشك واريب
ومثل قول المتنبي :
ويشرق عدنان به لا ربيعه
### وتفخر الدنيا به لا العواصم
فقد نص هنا على أن النفي والإثبات معاً بخلاف بقية الطرائق التي يفهم النفي فيها بالفحوى " المعنى "
2- " بل ، لكن " لا تفيد " بل " العطف إلا إذا وقعت بعد نفي مثل ما جاءني زيد بل خالد وأما بعد الإثبات فلا تفيد كقولك جاء زيد بل خالد لأنك نقلت حكم المجيء إلى التابع الذي هو خالد ، وجعلت المتبوع الذي هو زيد في حكم المسكوت عنه وبذلك تفيد الجملة الإثبات فقط لأن المسكوت عنه لا يوصف بنفي ولا إثبات .
الفرق بين " لا " و " لكن " من حيث الدلالة في الإثبات والنفي
الذي بعد " لا " منفى عنه الحكم ، والذي بعد " لكن " ثابت له الحكم
ثانيا : طريقة النفي والاستثناء
لا يستعمل إلا في المعنى الذي يحتاج إلى زيادة تقرير وتوكيد وذلك قوله تعالى " حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين " وكقوله تعالى " وإن يهلكون إلا أنفسهم "
فقد جاء الأسلوب في القصر الأول بالنفي والاستثناء لأنه يواجه عقيدة رافضة، ومخاطباً منكرًا أشد الإنكار أن يكون ما يدعوهم إليه أساطير بينما يعتقد عليه الصلاة والسلام أنه حق لا ريب فيه وكذا قوله تعالى " إن أنتم إلا تكذبون " أي لستم مترددين بين الصدق والكذب عندنا وإنما أنتم كاذبون .
وقال تعالى " إن أتبع إلا ما يوحى إلي " حيث أكد قصر اتباعه على الوحي وأنه لا يتعدى ذلك إلى غيره قصراً حقيقياً تحقيقياً لعدم اتباعه في أمر الدين أى شيء غير الوحي وهذا مطابق للواقع .
وقال تعالى " ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم " فهم لا يعتقدون أنهم يضلون أنفسهم فأفادت الآية قصر الإضلال الواقع منهم على أنفسهم وحدهم لا يتعداها للمؤمنين . وقال تعالى " لا إله إلا أنت " فقد راعى في ذلك حال المتكلم فقد قصر الألوهية على الله سبحانه .
" وما محمد الا رسول " فالصحابة لا يجهلون ذلك لكن لما استعظموا موته . صلى الله عليه وسلم . نزلوا منزلة من ينكر ذلك . وقال تعالى " قالوا : إن أنتم الا بشر مثلنا " وقال تعالى " بل الله يمن على من يشاء من عباده " فقد قصر الرسل على البشرية والرسل لم ينكروا بشريتهم ولكن ذلك كان في تصور المتكلمين المرسل إليهم .
ثالثا : طريقة " إنما "
قال البلاغيون : دلالتها على القصر وضعية وأنها تفيد القصر في كل صورة فتأتي للحقيقي والإضافي بأقسامه .
وقد ذكر عبد القاهر : أنها تكون للرد على من يعتقد نفي ما أثبته بها تقول إنما جاءني زيد لمن يعلم أن أحداً جاءك لكنه ظنه محمداً ولا تقوله لمن ظن أن زيدا وعمحاً جاءك ولا لمن يتردد المجيء بينهما يعني أنها عنده لقصر القلب ولا تستعمل في قصر الإفراد والتعيين وهذا مردود والدليل " إنما الصدقات
للفقراء والمساكين ................"
دليل إفادة " إنما " القصر ما يلي:
1- أنها متضمنة معنى " ما " و " إلا " بدليل قوة المفسرين في قوله تعالى " إنما حرم عليكم الميتة ......... " أى ما حرم الا الميتة .
2- قالت النحاة إنها لإثبات ما يذكر بعدها ونفي ما عداه . فهي لا تثبت ما بعدها فقط وإلا ما كان هناك فرق بين قولك محمد كاتب . وقولك إنما محمد كاتب لأن الجملة بدون إنما تثبت أنه كاتب ولكن " إنما " تزيد على هذا أنها تنفي ما سواه وهذا هو القصر . لصحة انفصال الضمير معها . مثل إنما يضرب أنا . كما تقول ما يضرب إلا أنا . والأصل في ذلك أن الضمير المتصل لا يؤتى به منفصلاً إلا إذا كان محصوراً فيه تقول أضرب ولا يجوز يضرب أنا فإذا أردت القصر قلت لا يضرب إلا أنا وكقول عمرو بن معد يكرب
قد علمت سلمى وجاراتها
### ما قطر الفارس الا أنا
فقد جاء الضمير المنفصل لغرض القصر وأن ما فعل ذلك أحد غيره وقال الفرز دق :
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما
### يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
فلما كان الغرض هو تخصيص نفسه بالدفاع وأنه يقول ما يدافع عن أحسابهم الا أنا فصل الضمير وأخره لتحمل عبارته هذا المعنى ولو أبقاه متصلاً وقال أتنم أدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي لأفاد جعل الضمير المؤخر توكيداً وليس فاعلاً والمؤخر المقصور عليه لا يكون توكيداً و لا معطوفاً ولا نعتاً وحينئذ يكون المؤخر المقصور عليه هو قوله عن أحسابهم ويفيد أنه لا يدافع عن أحساب قومه أحد إلا هو .
وقال تعالى " إنما العلم عند الله " ردا على قولهم لهود فائتنا بما تعدنا " أي لا علم عندي بالوقت الذي يكون تعذيبكم فيه حكمة وصواب إنما علم ذلك عند الله وقال تعالى " انم علمها عند ربي " رداً على سؤالهم عن وقت الساعة أي علمها عند ربي وليس عندي وقال تعالى " إنما يأتيكم به الله إن شاء " رداً على قوم نوح في قولهم " فأتنا بما تعدنا " أي يأتيكم به الله وليس أنا الذي سأتيكم به . والأمثلة الثلاثة أفادت الإثبات والنفي معاً ولو جاءت بدون إنما ما أفادت ذلك .
وقال تعالى " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " فقد قصر شكواه على كونها لله وليست لأحد غيره والمقصور عليه في الآية هو الجار والمجرور وليس الضمير كما في البيتين السابقين لأن الضمير في " الآية " غير منفصل فانفصاله يجعله هو المقصور عليه
3- النفي بها غير مصرح به لذا يصح أن تأتي معها " لا " العاطفة التي من شرطها ألا ينتفي بها شيء قد نفى قبلها . ولا يقع في جملة " إنما " " من "الزائدة ولا لفظة " أحد " لأنهما لا يقعان إلا في حيز النفي و " إنما " لا ينص فيها على النفي ولذا صح أن تقول في طريق النفي والاستثناء ، ما من مسيء إلا ولقد لقي عقابه وما من أحد إلا وهو يقول ذلك ولا يصح استعمال " إنما " في المثالين .
استعمالات " إنما "
1- تستعمل " إنما " فيما هو معروف " معلوم " لا إنكار فيه ولا غرابة تقول إنما هو صاحبك . ومثل إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية بخلاف استعمال النفي والاستثناء فيستعمل في عكس ذلك ومن أمثلتها قوله تعالى " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء "
2- وقال تعالى " إنما أنت منذر من يخشاها " وقوله " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها " وقال المتنبي لكافور الإخشيدي:
إنما أنت والد والأب القا ( مـــــــ )
### طع أحنى من واصل الأبناء
لم يرد إخباره بكونه والداً وإنما يذكره بذلك لأنه لا ينكر كونه بمنزلة الوالد وكقوله أيضاً
إنما تنجح المقالة في المر ( مــــــــــــــــ )
### ء إذا صادفت هوى في الفؤاد
فقصر نجاح المقالة على مصادفة الهوى لدى المرء أمر معلوم لا ينكر
ولذا جاء بإنما وكقول المتلمس
عصاني فلم يلق الرشاد وإنما
### يتبين عن أمر الغوي عواقبه
لما كان من المعلوم أن عاقبة الغوي الذي لا يستجيب للنصح إنما يظهر له ذلك عند ملاقاة عواقب ما صنعه استعمل إنما ومثل قول الشاعر
وما الزين في ثوب تراه و إنما
### يزين الفتى مخبوره حين يخبر
وكقولهم إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، إن صال صال بجنانه وان حال حال ببيانه " وهذا من قصر القلب
3- وتستعمل " إنما " فيما هو مجهول لتنزيله منزلة المعلوم .
4- كقول المتنبي في كافور
فما لك تختار القسي وإنما
### عن السعد يرسي دونك الثقلان
يقول لا ينبغي الاهتمام بجمع القسي إعداد العدة لأن الثقلين يقاتلان عنك وهذا معنى غريب وموضع شك لذا كان الأولى به أسلوب النفي والاستثناء لكنه أراد أن يصبغه بصبغة الأمر المسلم به . وتنزيله منزلة المعلوم فاستعمل " إنما " التي لا تستعمل الا فيما هو معلوم وقال تعالى عن المنافقين " إنما نحن مصلحون "
حيث جعلوا إصلاحهم كأنه أمر مسلم به مع أنهم لا صلاح لهم ، وهذا لما كان منكراً كان الأولى به طريقة النفي والاستثناء لكنهم جعلوه كالمسلم به . وقال ابن قيس الرقيات
إنما مصعب شهاب من الله ( مــــــــ )
### تجلت عن وجهه الظلماء
حيث ادعى أن كونه بهذه الصفة أمر معلوم لا جدال فيه وقال الشاعر
ألا أيها الناهي فزاره بعد ما
### أجدت لغزو إنما أنت حالم
حيث استعمل إنما فيما هو محل إنكار ليلبسها لباس الأمر المعلوم .
رابعا :- تقديم ما حقه التأخير
أحياناً يفيد الكلام في التقديم الاختصاص وأحياناً لمجرد الاهتمام والذي يحكم ذلك هو سياق الجملة قال تعالى " إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم " وهذا يفيد القصر وأما قوله تعالى " واعلموا أن فيكم رسول الله " فالتقديم لا يفيد الاختصاص بل يفيد الاهتمام وهو توبيخ القوم على من فرط منهم فقدم الخبر ( فيكم ) لأنه موضع التوبيخ وقال تعالى " أولئك الذين اشتروا الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون " حيث قدم الجار والمجرور ( عنهم ) على نائب الفاعل ( العذاب ) وقال تعالى " له الحمد في الأولى وفي الآخرة " وقال تعالى " لله ما في السماوات والأرض " وكقولنا سعودي أنا يفيد التخصيص لتقدم الخبر على المبتدأ .
فروق بين طرق القصر
1- الأصل في دلالة العطف هو النص على المثبت والمنفى معاً والثلاثة الباقية دلالتها على المثبت فقط ويفهم منها المنفى .
2- دلالة الطرائق الثلاثة الأولى على القصر بالوضع وأما التقديم فدلالته على القصر بالفحوى والذوق ومن سياق الكلام .
3- طريقة العطف لا يأتي معه طريقة النفي والاستثناء فلا تقول ما جاء الا محمد لا علي لأن شرط النفي بــ (لا ) ألا يكون المنفي بها منفياً قبلها .
4- الأصل في النفي والاستثناء أن يستعمل فيما هو مجهول ومنكر " وما من اله الا الله " وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل في النفي والاستثناء " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل " " وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت الا نذير " أى مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرئة من الهلاك فنزل استعظامهم موته منزلة الإنكار " إن أنتم الا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء " أى أنتم بشر وليس برسل فنزل الرسل منزلة من ينكر أنهم بشر فخاطبوهم خطاب المنكر وفي ردهم عليهم " إن نحن الا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده " فمن مجاراة الخصم للتبكيت والإلزام والإفحام .
5- شرط اجتماع العطف بــــ ( لا ) مع إنما ألا يكون الوصف مختصاً بالموصوف " إنما يستجيب الذين يسمعون " لأن كل عاقل يعلم أن الاستجابة لا تكون الا ممن يسمع وأما عبد القاهر الجرجاني فجعل ذلك الشرط شرطاً للاستحسان بمعنى أن يستحسن في الاجتماع ألا يكون الوصف مختصاً بالموصوف وهذا الاجتماع يكون عن طريقة تقديم إنما كقوله " إنما أنت مذكر " أو عن طريق تأخيرها كقولنا ما جاءني زيد وإنما علي .
مواقع المقصور والمقصور عليه في طرائق القصر
1 - في طريقة العطف :-
أ- مع لا :- يكون المقصور عليه في العطف بلا هو المقابل لما بعدها
قال الشاعر :
عمر الفتى ذكره لا طول مدته
### وموته خزيه لا يومه الداني
فالمقصور عليه في الشطر الأول ( ذكره ) لأنه مقابل طول مدته والمقصور عمر الفتي وفي الشطر الثاني المقصور عليه خزيه والمقصور موته .
ب- مع بل ولكن :- يكون المقصور عليه بعد الأداتين ففي قولنا ما زيد كاتب بل شاعر فالمقصور زيد والمقصور عليه شاعر وفي قوله تعالى " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله "فالمقصور هو محمد صلى الله عليه وسلم.والمقصور عليه كونه رسولاً
وليس أباً .
2 - في طريقة النفي والاستثناء :-
يكون المقصور عليه مؤخراً مع حروف الاستثناء مثل ما جاء إلا علي فالمقصور المجيء والمقصور عليه علي . لأنه وقع بعد " إلا " ويجوز تقديم المقصور عليه مع حروف الاستثناء بحالهما علي المقصور كقولك ما ضرب الا علياً محمد بشرط ألا يفصل بين الأداة والمقصور عليه .
أما إذا فصل بينهما أو تأخرت الأداة عن المقصور عليه فهذا غير جائز لأن ذلك يؤدى إلى اختلال المعنى حيث يصير المقصور مقصوراً عليه والمقصور عليه مقصوراً مثل ما ضرب علياً الا زيد .
ومن أمثلة التقديم الجائز للأداة مع المقصور عليه قول الشاعر :-
الناس ألب علينا فيك ليس لنا
### إلا السيوف وأطراف القنا ورد
أي ليس لنا ورد إلا السيوف وأطراف القنا
3- في طريقة " إنما "
يكون المقصور عليه مؤخراً . كقولك إنما زيد قائم . فالمقصور عليه قائم والمقصور زيد . ولا يجوز تقديم المقصور عليه هنا لئلا يلتبس بالمقصور .
4- في طريقة التقديم
يكون المقدم هو المقصور عليه والمؤخر هو المقصور ففي قولك شاعر هو فالمقصور عليه شاعر والمقصور هو
كما يقع القصر بين المبتدأ والخبر يقع أيضاً بين الفعل والفاعل وبين الحال وصاحبه وبين صاحب الحال والحال . وبين الفاعل والمفعول به وبين المفعول والفاعل وبين المفعول به الأول والمفعول به الثاني والأمثلة كالآتي
ما جاء إلا زيد . ما جاء راكباً إلا محمد ، ما جاء محمد إلا راكباً ، " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به " ما ضرب محمداً إلا زيدٌ ، ما كسوت زيداً إلا ثوباً .
الأحمر