أبو يوسف
20-02-2015, 06:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما راودتني فكرة كتابة موضوع عن بعض خصائص الرسم العثماني، وعن ضبط المصحف الشريف والفرق بين ضبط المغاربة وضبط المشارقة؛ إلا أني كنتُ أتوقف عند كتابة أول جملة، نظرا لتشعُّب المواضيع وصعوبة حصرها من جهة، وصعوبة تمثيل كتابة المصحف باستعمال خط الحاسوب من جهة أخرى.
وعملا بمقولة (ما لا يُدرَك كله لا يُترك جله)، ولَمَّا كنتُ قد كتبتُ عدة مشاركات عن الفرق بين ضبط المغاربة وضبط المشارقة للمصحف الشريف، بدا لي أن أبدأ بالحديث عن موضوع الضبط هذا، وأن يكُون الحديث على حلقات، بحسب ما تسمح به الظروف، على أن يُجمَع بين روابطها لاحِقًا في موضوع مستقل.
فبالله التوفيق، وعليه التُّكلان، وبملاحظات إخوتي الأفاضل أستعين على تصحيح ما قد أقع فيه من سهو أو وهم.
الحلقة الأُولى
نشأة علم الضبط
-1-
كانت المصاحف في العصور الأولى:
* خالية من نُقَطِ الإعجام ، التي يُميَّزُ بها بيْنَ الحروف المتشابهة (ب/ت/ث ، د/ذ ، ر/ز ...).
* وخالية من علامات الشكل (كالفتحة والضمة والكسرة والسكون والتنوين والشدة والمدة ...).
* وخالية من صُورة كتابية مستقِلة تُميِّزُ حرف الهمزة.
* ومتضمنة لكلمات رُسمت بطريقة تُخالفُ ما يقتضيه القِيَاسُ الإملائي.
* وخالية من علاماتِ الوَقْف، وأرقامِ الآيات، وأسماءِ السُّوَر، وبَيَانِ أوائلِ الأجزاءِ والأحزاب وأقسامِها، وبَيَانِ مَواضِعِ السَّجَدات، والفَهارِس، والزَّخارِف، ونحْوِ ذلك.
-2-
لقد أتاحت الخصائص السابقة للمصاحف العثمانية أن تستوعب أوْجُهَ القراءات الصحيحة المعتمدة، المروية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
لنتأمّل مثلا هذه اللوحة:
وٮوم ٮحسر اعدا اللـه
الى الٮار ڡهم ٮورعوں
إن الأمر يتعلق هنا بالآية 19 من سورة فُصّلت. وقد رُويت لنا بقراءتَيْن مختلفتين:
* (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أعْداءُ اللهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)؛ وهي قراءة جميع القراء العشرة عدا نافعا ويعقوب (بصرف النظر هنا عمّا بينهم من اختلافات أدائية طفيفة.
* (وَيَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَ اللهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)؛ وهي قراءة الإمامين نافع ويعقوب (بصرف النظر هنا عمّا بينهما من اختلافات أدائية طفيفة).
ونحن نرى هنا أن طريقة الكتابة السابقة (المجردة من النقط والشكل) تحتمل كلتا القراءتين.
-3-
كانت معرفةُ القراءةِ والكتابة عند العرب الأوائل مقصورةً على فئةٍ قليلة، يُمكِن نَعْتُها بـ(النُّخْبة المُثقَّفة)؛ وهذه كانت تَملِكُ من الذَّوق اللُّغَويّ الرفيعِ ما يُغْنيها عن النَّقْطِ والشَّكْل، فكانت تَقرأُ بالسَّجِيّة والسَّليقةِ، مُراعِيَةً ما يَقتضِيهِ سِيَاقُ الكلام.
فلما اتسعت دولة الإسلام، وخالَط العربُ أبناءَ اللُّغاتِ الأُخرى، تَسرَّبَتِ العُجْمةُ إلى أَلْسِنَتِهم، وفشا اللَّحْنُ في كلامِهم، فشاعَ فيهِمُ التَّصْحيفُ [أي : قراءةُ الكلماتِ على غيْرِ حقيقتِها]، فكان هذا باعِثًا على التفكير في وَضْع علاماتٍ تُرشِدُ القُرّاءَ إلى النُّطْق السليم، وخصوصًا عند تلاوة القرآنِ الكريم.
-4-
وأشهَرُ الأقوال: أن أول مَن نَقَط المصحف هو أبو الأَسْوَدِ الدؤلي، وذلك بوضع نُقَط تدُلُّ على الحرَكات والتَّنْوِين ، قبل ظهور نقط الإعجام الذي يُميَّز به بين الحروف المتشابهة.
والمشهور أن ذلك كان بإيعازٍ من زياد ابن أبيه، والي معاوية على البصرةِ، الذي طلَب من أبي الأسود وضْعَ شيءٍ يُعِينُ على القراءة السليمة.
وتحدثنا بعض الروايات أن أبا الأسود قال لكاتبه: (خُذِ المصحف، وصِبْغًا يُخالِفُ المِدَادَ [أي: يُخالف لونَ المِدَاد الذي كُتِبتْ به الحروفُ]. فإذا فَتَحْتُ شَفَتَيَّ فانقُطْ واحدةً فوْقَ الحَرْف، وإذا ضَمَمْتُهما فاجعَلِ النُّقطةَ إلى جانب الحَرْف، وإذا كَسَرْتُهما فاجعَلِ النُّقطةَ في أسفَلِه، فإنْ أَتْبَعْتُ شيئًا مِن هذه الحرَكاتِ غُنَّةً [يقصد: تَنوينًا] فانقُطْ نُقطتَيْن).
لقد اقتصر أبو الأَسْوَدِ على وضع نُقَط تَدُلُّ على الحرَكاتِ الثَّلاث والتَّنْوِين، ولم يتعرض لإعجامِ الحروف، ولا لعلامات السُّكون والشَّدَّة والهمزة وغيْرِ ذلك.
وقد آثَرَ استعمالَ لون مغاير لِلَّون الأَسْوَدِ الذي كُتِبَتْ به الحروفُ، إشارةً إلى كوْنِ هذه العلامات استُحدِثتْ بعْدَ زمن الصحابة. ولمْ تُبَيِّن لنا الرِّوايةُ السابقةُ هذا اللَّوْنَ المخالِف؛ إلاّ أنّ الثابتَ أنّ علماءَ الضَّبْطِ كانوا يستعمِلون اللَّوْنَ الأحمر.
لقد جعَل أبو الأسود علامةَ الفتحةِ نُقطةً فوق الحرف، وعلامةَ الضَّمَّةِ نُقطةً إلى جانبه من الجهة اليُسرى، وعلامةَ الكَسْرةِ نُقطةً تحتَهُ.
فمثلا: (كَ، كُ، كِ)، تُضبَط عنده بالطريقة الآتية:
http://www7.0zz0.com/2015/02/20/19/158680761.jpg
وجعل علامة التنوين نُقطةً ثانيَةً تُضافُ إلى النُّقطةِ الدَّالَّةِ على حركةِ الحرفِ المُنوَّنِ. وقد سكَتَتِ الرِّوايةُ السابقةُ عن مسألتَيْن تَفصيليَّتَيْن:
* عن هَيْئة النُّقطتَيْن؛ أمُتَراكِبَتانِ هُما [:] أم مُتَتابِعَتان [..].
* وعن مَوْضِع الفَتحتَيْن، في نَحْوِ: (عَلِيما) و(هُدى)؛ أفَوْقَ الحرْفِ المُنوَّنِ نَفْسِه، أم فوق الألِفِ التي تَلِيهِ.
-5-
أما نُقَطُ الإعجام، التي تميز الحروف المتشابهة بعضَها عن بعض، فيُنسَبُ وضْعُها تارةً إلى يحيى بن يَعْمَرَ وتارةً إلى نَصْر بن عاصم، وكِلاَهُما من تلامذة أبي الأَسْوَد. ولا يُستبعَدُ أن يكُونا اشتَركا في وضعها، استجابةً لطلب الحَجَّاجِ بنِ يوسفَ الثَّقَفيّ.
وقد سُمِّيَت (نُقَطُ الإعجامِ) بهذا الاسم، مِن (أَعْجَمْتُ الكِتابَ)، بمعنى: أَزَلْتُ عُجْمَتَه وإبْهامَه والْتِباسَه. وقد سُمِّيَت الحروفُ المنقوطةُ (مُعْجَمةً)، والحروفُ غيْرُ المنقوطةِ (مُهْمَلةً).
وقد ارتأى علماء الضبط وضع هذه النُّقَط بالمِداد الأسْوَد، الذي كُتِبت به الحروفُ نفسُها؛ لأن نُقَطَ الحرفِ جزءٌ منه. أما نُقَط أبي الأسْوَد، فاستمر العملُ على كتابتها بالأحمر.
-6-
قام الخليل بن أحمد بعمَلٍ تعديليٍّ وتكميليٍّ لِما قام به أبو الأَسْوَدِ. فقدِ اقتَرح تعويضَ نُقَطِ أبي الأَسْوَدِ بعلاماتِ الحرَكات التي نستعملُها اليومَ؛ كما أضاف علاماتِ ضَبْطٍ أُخرى لم يتعرض لها أبو الأسود.
- إضافة -
وجدتُ هذه الصورة لصفحة من سورة الأعراف، مكتوبة بالطريقة القديمة الخالية من النَّقْط والشكل.
http://www7.0zz0.com/2015/02/20/19/195732408.jpg
ويتعلق الأمر بالجزء الملون بالأحمر والأخضر (غيرتُ اللون عند بداية كل سطر) من قوله تعالى: (وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَــٰـقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ ءَامَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَــٰـكِمِينَ).
دمتم بكل خير.
ســعــيــد بـنـعـيــــــــــــــــاد
كثيرا ما راودتني فكرة كتابة موضوع عن بعض خصائص الرسم العثماني، وعن ضبط المصحف الشريف والفرق بين ضبط المغاربة وضبط المشارقة؛ إلا أني كنتُ أتوقف عند كتابة أول جملة، نظرا لتشعُّب المواضيع وصعوبة حصرها من جهة، وصعوبة تمثيل كتابة المصحف باستعمال خط الحاسوب من جهة أخرى.
وعملا بمقولة (ما لا يُدرَك كله لا يُترك جله)، ولَمَّا كنتُ قد كتبتُ عدة مشاركات عن الفرق بين ضبط المغاربة وضبط المشارقة للمصحف الشريف، بدا لي أن أبدأ بالحديث عن موضوع الضبط هذا، وأن يكُون الحديث على حلقات، بحسب ما تسمح به الظروف، على أن يُجمَع بين روابطها لاحِقًا في موضوع مستقل.
فبالله التوفيق، وعليه التُّكلان، وبملاحظات إخوتي الأفاضل أستعين على تصحيح ما قد أقع فيه من سهو أو وهم.
الحلقة الأُولى
نشأة علم الضبط
-1-
كانت المصاحف في العصور الأولى:
* خالية من نُقَطِ الإعجام ، التي يُميَّزُ بها بيْنَ الحروف المتشابهة (ب/ت/ث ، د/ذ ، ر/ز ...).
* وخالية من علامات الشكل (كالفتحة والضمة والكسرة والسكون والتنوين والشدة والمدة ...).
* وخالية من صُورة كتابية مستقِلة تُميِّزُ حرف الهمزة.
* ومتضمنة لكلمات رُسمت بطريقة تُخالفُ ما يقتضيه القِيَاسُ الإملائي.
* وخالية من علاماتِ الوَقْف، وأرقامِ الآيات، وأسماءِ السُّوَر، وبَيَانِ أوائلِ الأجزاءِ والأحزاب وأقسامِها، وبَيَانِ مَواضِعِ السَّجَدات، والفَهارِس، والزَّخارِف، ونحْوِ ذلك.
-2-
لقد أتاحت الخصائص السابقة للمصاحف العثمانية أن تستوعب أوْجُهَ القراءات الصحيحة المعتمدة، المروية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
لنتأمّل مثلا هذه اللوحة:
وٮوم ٮحسر اعدا اللـه
الى الٮار ڡهم ٮورعوں
إن الأمر يتعلق هنا بالآية 19 من سورة فُصّلت. وقد رُويت لنا بقراءتَيْن مختلفتين:
* (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أعْداءُ اللهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)؛ وهي قراءة جميع القراء العشرة عدا نافعا ويعقوب (بصرف النظر هنا عمّا بينهم من اختلافات أدائية طفيفة.
* (وَيَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَ اللهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)؛ وهي قراءة الإمامين نافع ويعقوب (بصرف النظر هنا عمّا بينهما من اختلافات أدائية طفيفة).
ونحن نرى هنا أن طريقة الكتابة السابقة (المجردة من النقط والشكل) تحتمل كلتا القراءتين.
-3-
كانت معرفةُ القراءةِ والكتابة عند العرب الأوائل مقصورةً على فئةٍ قليلة، يُمكِن نَعْتُها بـ(النُّخْبة المُثقَّفة)؛ وهذه كانت تَملِكُ من الذَّوق اللُّغَويّ الرفيعِ ما يُغْنيها عن النَّقْطِ والشَّكْل، فكانت تَقرأُ بالسَّجِيّة والسَّليقةِ، مُراعِيَةً ما يَقتضِيهِ سِيَاقُ الكلام.
فلما اتسعت دولة الإسلام، وخالَط العربُ أبناءَ اللُّغاتِ الأُخرى، تَسرَّبَتِ العُجْمةُ إلى أَلْسِنَتِهم، وفشا اللَّحْنُ في كلامِهم، فشاعَ فيهِمُ التَّصْحيفُ [أي : قراءةُ الكلماتِ على غيْرِ حقيقتِها]، فكان هذا باعِثًا على التفكير في وَضْع علاماتٍ تُرشِدُ القُرّاءَ إلى النُّطْق السليم، وخصوصًا عند تلاوة القرآنِ الكريم.
-4-
وأشهَرُ الأقوال: أن أول مَن نَقَط المصحف هو أبو الأَسْوَدِ الدؤلي، وذلك بوضع نُقَط تدُلُّ على الحرَكات والتَّنْوِين ، قبل ظهور نقط الإعجام الذي يُميَّز به بين الحروف المتشابهة.
والمشهور أن ذلك كان بإيعازٍ من زياد ابن أبيه، والي معاوية على البصرةِ، الذي طلَب من أبي الأسود وضْعَ شيءٍ يُعِينُ على القراءة السليمة.
وتحدثنا بعض الروايات أن أبا الأسود قال لكاتبه: (خُذِ المصحف، وصِبْغًا يُخالِفُ المِدَادَ [أي: يُخالف لونَ المِدَاد الذي كُتِبتْ به الحروفُ]. فإذا فَتَحْتُ شَفَتَيَّ فانقُطْ واحدةً فوْقَ الحَرْف، وإذا ضَمَمْتُهما فاجعَلِ النُّقطةَ إلى جانب الحَرْف، وإذا كَسَرْتُهما فاجعَلِ النُّقطةَ في أسفَلِه، فإنْ أَتْبَعْتُ شيئًا مِن هذه الحرَكاتِ غُنَّةً [يقصد: تَنوينًا] فانقُطْ نُقطتَيْن).
لقد اقتصر أبو الأَسْوَدِ على وضع نُقَط تَدُلُّ على الحرَكاتِ الثَّلاث والتَّنْوِين، ولم يتعرض لإعجامِ الحروف، ولا لعلامات السُّكون والشَّدَّة والهمزة وغيْرِ ذلك.
وقد آثَرَ استعمالَ لون مغاير لِلَّون الأَسْوَدِ الذي كُتِبَتْ به الحروفُ، إشارةً إلى كوْنِ هذه العلامات استُحدِثتْ بعْدَ زمن الصحابة. ولمْ تُبَيِّن لنا الرِّوايةُ السابقةُ هذا اللَّوْنَ المخالِف؛ إلاّ أنّ الثابتَ أنّ علماءَ الضَّبْطِ كانوا يستعمِلون اللَّوْنَ الأحمر.
لقد جعَل أبو الأسود علامةَ الفتحةِ نُقطةً فوق الحرف، وعلامةَ الضَّمَّةِ نُقطةً إلى جانبه من الجهة اليُسرى، وعلامةَ الكَسْرةِ نُقطةً تحتَهُ.
فمثلا: (كَ، كُ، كِ)، تُضبَط عنده بالطريقة الآتية:
http://www7.0zz0.com/2015/02/20/19/158680761.jpg
وجعل علامة التنوين نُقطةً ثانيَةً تُضافُ إلى النُّقطةِ الدَّالَّةِ على حركةِ الحرفِ المُنوَّنِ. وقد سكَتَتِ الرِّوايةُ السابقةُ عن مسألتَيْن تَفصيليَّتَيْن:
* عن هَيْئة النُّقطتَيْن؛ أمُتَراكِبَتانِ هُما [:] أم مُتَتابِعَتان [..].
* وعن مَوْضِع الفَتحتَيْن، في نَحْوِ: (عَلِيما) و(هُدى)؛ أفَوْقَ الحرْفِ المُنوَّنِ نَفْسِه، أم فوق الألِفِ التي تَلِيهِ.
-5-
أما نُقَطُ الإعجام، التي تميز الحروف المتشابهة بعضَها عن بعض، فيُنسَبُ وضْعُها تارةً إلى يحيى بن يَعْمَرَ وتارةً إلى نَصْر بن عاصم، وكِلاَهُما من تلامذة أبي الأَسْوَد. ولا يُستبعَدُ أن يكُونا اشتَركا في وضعها، استجابةً لطلب الحَجَّاجِ بنِ يوسفَ الثَّقَفيّ.
وقد سُمِّيَت (نُقَطُ الإعجامِ) بهذا الاسم، مِن (أَعْجَمْتُ الكِتابَ)، بمعنى: أَزَلْتُ عُجْمَتَه وإبْهامَه والْتِباسَه. وقد سُمِّيَت الحروفُ المنقوطةُ (مُعْجَمةً)، والحروفُ غيْرُ المنقوطةِ (مُهْمَلةً).
وقد ارتأى علماء الضبط وضع هذه النُّقَط بالمِداد الأسْوَد، الذي كُتِبت به الحروفُ نفسُها؛ لأن نُقَطَ الحرفِ جزءٌ منه. أما نُقَط أبي الأسْوَد، فاستمر العملُ على كتابتها بالأحمر.
-6-
قام الخليل بن أحمد بعمَلٍ تعديليٍّ وتكميليٍّ لِما قام به أبو الأَسْوَدِ. فقدِ اقتَرح تعويضَ نُقَطِ أبي الأَسْوَدِ بعلاماتِ الحرَكات التي نستعملُها اليومَ؛ كما أضاف علاماتِ ضَبْطٍ أُخرى لم يتعرض لها أبو الأسود.
- إضافة -
وجدتُ هذه الصورة لصفحة من سورة الأعراف، مكتوبة بالطريقة القديمة الخالية من النَّقْط والشكل.
http://www7.0zz0.com/2015/02/20/19/195732408.jpg
ويتعلق الأمر بالجزء الملون بالأحمر والأخضر (غيرتُ اللون عند بداية كل سطر) من قوله تعالى: (وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَــٰـقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ ءَامَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَــٰـكِمِينَ).
دمتم بكل خير.
ســعــيــد بـنـعـيــــــــــــــــاد