المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قمر في بغداد ( قصيدة مؤثرة لابن زريق )


ذوالجناح
29-05-2009, 01:02 AM
:salam:

فراق الأهل والوطن ، والبعد عن الديار كلها تجعل الإنسان يشعر بالمرارة والألم ، وتصغر كل عظيم في عينه ، فيصبح ميتا وهو يمشي في الناس ، ولا ينبئكم مثل من يعاني هذه الحياة ويعيشها !
ورحم الله الحصري القيرواني القائل :
موت الكرام حياة في مواطنهم * * * * فإن هم اغتربوا ماتوا وما ماتوا

وهذا أبو الحسن بن زريق البغدادي المتوفي سنة 420 هجرية ، سافر إلى الأندلس لطلب المال والغنى ولكنه لم يوفق فتأثر ويقال أنه مرض بسبب ذلك حتى مات في خان كان ينزل فيه ، فوجدوا القصيدة في رقعة بجانبه .
يقول في قصيدته - رحمه الله - :



لا تعذليه فإنّ العذل يوجعُهُ = قد قلت حقّاً ولكنْ ليس يسمعُهُ
جاوزتِ في لومه حدَّاً أضرَّ به = من حيثُ قدّرتِ أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً = من عنفه فهو مُضنى القلب موجعُهُ
قد كان مضطلعاً بالبين يحمله = فضُلِّعت بخطوب البيت أضلعُه
يكفيه من لوعة التفنيد أنَّ له = من النَّوى كلَّ يومٍ ما يروِّعُهُ
ما آبَ من سفرٍ إلاَّ وأزعجَهُ = رأيٌ إلى سفرٍ بالرغم يتبعُهُ
كأنّما هو في حِلٍّ ومُرتحَلٍ = موكّلٌ بفضاء الأرض يذرعه
إذا الزمان أراه بالرحيل غنىً = ولو إلى السدّ أضحى وهو يزمعه
تأبى المطامع إلاّ أنْ تجشّمه = للرزق كدًّا وكم ممّن يودعه
وما مجاهدةُ الإنسان واصلةٌ = رزقاً ولا دِعةُ الإنسان تقطعه
والله قسّم بين الناس رزقَهُمُ = لم يخلقِ الله مخلوقاً يضيّعه
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى = مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
والحرص في المرء والارزاق قد قسمت = بغي ألا ان بغي المرء يصرعه
والدهرُ يعطي الفتى ما ليس يطلُبُهُ = حقّاً ويطعمُهُ من حيث يمنعه
أستودع الله في بغداد لي قمراً = بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودّعته وبودّي لو يودّعني = طيبُ الحياة وأنيّ لاأودعه
كم قد تشفّع بي أنْ لا أفارقه = وللضرورات حالٌ لا تشفِّعه
وكم تشبّث بي يوم الرحيل ضحىً = وأدمعي مستهلاتُ وأدمعه
لا أكذبُ الله ثوبُ العذر منخرقٌ = عنيّ برقته لكنْ أرقّعه
إنيّ أوسَّع عذري في جنايته = بالبين عنه وقلبي لا يوسّعه
أعطيت ملكاً فلم أحسن سياسته = كذاك من لا يسوس الملك يخلعُهُ
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا = شكر عليه فإنّ الله ينزعه
اعتضت من وجه خلِّي بعد فرقته = كأساً تجرع منها ما أجرعه
كم قائلٍ لي ذنبُ البين قلت له = الذنب والله ذنبي لست أدفعه
إلاَّ أقمت مكان الرشد أتبعه = لو أنني يوم بان الرشد أجمعه
أن لا أقطّع أياماً وأنفذها = بحسرةٍ منه في قلبي تقطّعه
بمن إذا هجع النّوام بتُّ به = بلوعةٍ منه ليلي لست أهجعه
لا يطمئن بجنبي مضجعٌ وكذا = لا يطمئن له مذْ بنت مضجعه
ما كنت أحسب ريب الدهر يفجعني = به ولا أظنُّ بيَ الأيام تفجعه
حتى جرى البين فيما بيننا بيدٍ = عسراء تمنعني حظّي وتمنعه
وكنت من ريب دهري جازعاً فرقا = فلم أوقّ الذي قد كنت أجزعه
بالله يا منزل الأنس الذي درست = آثاره وعفت مذ بنت أربُعُه
هل الزمان معيدٌ فيك لذّتنا = أم الليالي التي أمضته ترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله = وجاد غيثٌ على مغناك يمرعه
من عِنده ليَ عهدٌ لا يضيع كما = عندي له عهدُ ودٍّ لا أضيّعه
ومن يصدّع قلبي ذكره وإذا = جرى على قلبه ذكري يصدّعه
لأصبرن لدهرٍ لا يمتّعُني = به ولا بيَ في حالٍ يمتّعه
علماً بأن اصطباري معقبٌ فرجاً = فأضيق الأمر إن فكّرتُ أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا = جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه
وإن تنل أحداً منّا منيته = فما الذي بقضاء الله يصنعه

اللهم يسر أمر كل متغرب عن أهله ووطنه

تحياتي : ذوالجناح

أبو يوسف
29-05-2009, 02:00 PM
اللهم يسر أمر كل متغرب عن أهله ووطنه ....

ليس هناك أصعب من الغربة وخصوصا إذا كانت نهائية



جزاك الله خيرا أخي ذو الجناح


.

ارتقاء
29-05-2009, 05:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حيّاك الله اًخي الكريم ذو الجناح

كما قلت (((خير الردود ماكان تصويباً للموضوع أو إضافة فائدة عليه )))

اًرجو ذلك

إذا ما تساءلنا عن الشاعر وعن سائر شعره
فلن نظفر من بين ثنايا الصفحات بغيـــر بضعة سطور تحكي لنا مأساة الشاعر العباسي
/ ابن زريق البغدادي الذي ارتحل عن موطنه الأصلي في بغداد قاصداً بلاد الأندلس ،
عله يجد فيها من لين العيــــش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره
وترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبـه
وفي الأندلس صار الشاعر يجاهد ويكافح من أجل تحقيق الحلم ،
لكن التوفيق لا يصاحبه ، والحظ لا يبتسم له ، فهناك مرض و اًشتد به المرض ،فكانت نهايته
و هذه القصيدة التي لا يعرف له شعرٌ سواها وجدت تحت وسادته عند وفاته
يخاطب فيها زوجته ، ويؤكد لها حبه حتى الرمق الأخير من حياته

، ها هو يترك لنا - نحن قراءه من بعده - خلاصة أمينة لتجربته مع الغربة والرحيل
اًعتراف بعدم اًمتثاله لللتي نصحته بعدم الرحيل و في ختام قصيدته نادم - حيث لم يعد ينفع النــدم
والمتأمل في قصيدة ابن زريق البغدادي
يــكتشف رقة التعبير،، وصدق العاطفة ، وحرارة التجربة

كما ذكرت لم يكن لابن زريق غير هذه القصيدة ،
مثله كمثل دوقلة المنبجي الذي لم تحفظ له كتب تراثنا الشعري غيــر قصيدته (( اليتيمة )) .
. وهكذا استحق الشاعران فضل البقاء والذكر - في ذاكرة الشعر العربي كله

بارك الله فيك اًخي الكريم وجزاك خير الجزاء
تقبل ا تحياتي وتقديري ومروري

اًختكم ارتقاء

ذوالجناح
30-05-2009, 12:40 AM
جزاك الله خيرا أختنا العزيزة على الإضافة المناسبة
كماقلت فقد بحثت أمس حين أردت إضافة القصيدة ولم أظفر بتفاصيل عن القصيدة وعن الشاعر إلا بماورد في مصارع العشاق للسراج القاري عن قصة الشاعر مع أبي عبدالرحمن الأندلسي حين أعطاه عطاء قليلا فصدم الشاعر ومرض حتى مات . ولكن الذي جعلني أنقل القصيدة صدق العاطفة فيها وشعور قارئها كأنها تتحدث عن نفسه !

خضر صبح
01-06-2009, 08:15 PM
ابن زريق البغدادي...عاشق أنكره تراث الحب
تصنف قصيدة على بن زريق البغدادي الذائعة ( لا تعذليه ) بين قصائد الحنين والاغتراب عن الاوطان لكن الدكتور ة سناء الحمصي تجادل - ومعها الحق ربما - انها من اجمل قصائد الغزل في الشعر العربي خصوصا وان الاحساس بالذنب وتأنيب الضمير وطلب المغفرة عن الخطأ انما يتم توجيهه لزوجة حبيبة لم يستمع الزوج الى نصائحها فهاجر في طلب الرزق وأخفق ووجدت هذه القصيدة تحت وسادته بعد ان مات شوقا وحنينا ان لم يكن حزنا وكمدا
وتقول الدكتورة سناء متسائلة : هل تريدون ابعاد هذه القصيدة الجميلة لانكم لا تعترفون بعشق الزوجات انما بعشق الحبيبات فقط ؟ ولمزيد من اقتناعها بعمق الحب الزوجي تشير الى اراغون وعشقه لالزا وتسأل : الا تعتبر قصائده في زوجته الروسية من ارق الغزل الحديث ؟
ونظرا لهذه الأدلة المقنعة ستضيف صحيفة الهدهد الدولية قصيدة ابن زريق التالية الى مجموعة أشهر واجمل مئة قصيدة حب في الشعر العربي فليس من العدل ان يستمر تراث الحب في استبعاد هذا الشاعر لمجرد ان الاغلبية تضع هذه القصيدة في تصنيفات الحنين ولابأس ان يعترف هؤلاء بان الحنين مهما قيل فيه يظل من ارقى اشكال الحب واعمقها

اشكرك ذا الجناح
واشكر الاخوة العابرين من هذه الصفحة

جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم

خضر صبح
ابو نزار