أبوعرفات
10-04-2020, 04:59 PM
كيف تستعد لرمضان؟ من خطب الجمعة لفضيلة الشيخ محمد نبيه يوضح فيها كيف نستقبل شهر رمضان المبارك وما ينبغي لنا فعله من ترك المعاصي والإكثار من صالح الأعمال.
# إدراك رمضان #
عباد الله، كان بالأمس معنا أناس، وكانوا يتمنون على الله تعالى أن يدركوا رمضان، لكن عُجل بهم وهم الآن في قبورهم، أماتهم الله تعالى وأبقانا، فهل أبقانا ليشقينا؟ أم أبقانا ليجود علينا ويتفضل؟
في مسند الإمام أحمد، أن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، رأى في منامه أن رجلين على باب الجنة وهو معهما.
فخرج منادي من الجنة يقول: ليقم فلان. فقام رجل، قال حذيفة: أعرفه. قال حذيفة في الرجلين: إنهما من بلي من قضاعة، أسلما معاً، وخرج أحدهم في غزوٍ مع النبي ﷺ واستشهد، وتأخر الثاني سنة، ثم مات بعده.
قال حذيفة: فبينما أنا والرجلان على باب الجنة إذ خرج منادي من الجنة وقال: ليقم فلان. فقام الذي مات متأخراً فدخل الجنة أولاً، قال: فعجبت من هذا. ثم خرج المنادي وقال: ليقم فلان. فقام الذي مات أولاً فدخل الجنة ثانياً.
وفي رواية ثانية أن حذيفة قال: فانتظرت، فقلت: وأنا. فقال: أما أنت فلم يحن وقتك بعد.
فلما استيقظ حذيفة رضي الله عنه وأرضاه، أتى مسجد النبي ﷺ لصلاة الفجر، وكان من هدي النبي ﷺ أنه كان يسأل أصحابه أيكم رأى الليلة رؤى، فقال حذيفة: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم، وقص عليه ما رأى.
فعجب الصحابة الكرام مما عجب منه حذيفة، يا رسول الله، أحدهما غزا معك واستشهد، والثاني مات بعده بسنة ويدخل الجنة قبله!
فقال النبي ﷺ: (أوعجبتم مما عجب منه حذيفة؟) قالوا: بلى يا رسول الله. فقال ﷺ: (أما عاش بعده سنة؟) قالوا: بلى. قال ﷺ: (كم صلى فيها وكم صام؟).
# كيف تستعد لرمضان #
إذاً ما أخرك الله تعالى إلا ليجود عليك، لكن يا ترى هل أنت مهيأ لقبول جود الله تعالى؟ هل أنت مستعد بأن تتقبل فضل الله تبارك وتعالى في هذه الأيام؟
الله تعالى لا يريد بعباده إلا الخير، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
ما من طاعة إلا ولها سبل توصل إليها، ولها عوامل تعين على أدائها وفعلها، في الصلاة تستعد لها بالطهارة، والخُطى إلى المساجد، والتبكير، والقرب من الإمام، والإنصات.
وفي الصيام كذلك، لا بد من الإستعداد لشهر رمضان المبارك، أصحاب الشهوات استعدوا منذ أمد بعيد، وأوضحوا ما استعدوا به، استعدوا بملهيات، تهدم الأسرة، وتقضي على التعليم، وتضرب القدوة.
تهدم الأسرة بإشغالها في برامج الطبخ، وتهدم المعلم بالتقليل من قدره في أفلامهم ومسلسلاتهم، ويضربوا القدوة ويميتوه بالطعن فيه.
لذلك ترى في أفلامهم ومسلسلاتهم الطعن في أهل العلم، فإذا ما طعنوا في القدوة أماتوها، وإذا ما قللوا في قدر المعلم وأنقصوه أماتوا المعلم والتعليم، وإذا ما شغلوا الأسرة ببرامج الطبخ شغلوها عن العشاء والتراويح وأناموها عن الفجر.
والله تعالى قال هذا كما ذكرنا في الآية من سورة النساء ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
فهل يا ترى ستكون في معية الله؟ أو يكن في معية أصحاب الشهوات؟ من أراد أن يحظى بمعية الله فما عليه إلا أن يلازم الصالحين، حتى يكون في عداد المقبولين.
أخي باركك الله، أأنت من المقبولين؟ أم لم تزل في قائمة المنتظرين؟ ينبغي أن تسائل نفسك، إذا كان عندك عزم على أن تكون من أهل القبول فلازم أهل القبول، لازمهم، لازم أهل الصلاح، كن صالحاً في بيتك، كن صالحاً خارج بيتك.
امتلأت البيوت عن آخرها بالطعام؟ امتلأت، لكن هناك بيوت لم يدخلها شيء، وهي تريد أن يدخلها، هناك أهل الفقر والمسكنة، هناك أهل الحاجة، هناك أهل العوز، هناك الأرامل، هناك اليتامى، هناك الغارمين، كل هذه أحوال تتمنى أن يدخل بيوتها كما دخل بيوت الآخرين.
لذلك أخي باركك الله، الله تبارك وتعالى ما منعك أن تأكل أو تشرب أو تلبس، إنما منعك الإسراف فقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
نهى سبحانه وتعالى عن الإسراف لأنه لا يحب المسرفين، لذلك في نفقتك على نفسك وأهل بيتك، وفي نفقتك على الغير، وفي نفقتك في وجوه الخير، لا بد أن تكون رشيداً حتى لا توصف بالسفه.
# الرشد وعدم الإسراف
لأن الرشد مطلب عزيز، جاء الدعاء به في القرآن الكريم ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾، الرشد هداية، الرشد فعل حسن وقول حسن ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
فأهل الرشد أهل هداية، أهل الرشد أهل صلاح، أهل الرشد هم المرحومون من خلق الله، لذلك جاء في صفات عباد الله المرحومين في سورة الفرقان ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾.
لا تصل إلى حد الإسراف ولا تبقى مقتراً بخيلاً، إنما بين بين، لذلك أريد أن أُطلعك على بيت النبي ﷺ لأنه هو القدوة.
في الصحاح والمسانيد من قول أم المؤمنين عائشة: (ما شبع آل النبي من خبز الشعير يومين متتابعين).
الشعير في بلادنا لم يخبز، إنما اليوم الخبز من القمح من البُر وتمتلأ البطون به، بيت النبي ﷺ لم يشبع من فيه من خبز الشعير يومين متتابعين.
بل ولم يجلس رسول الله ﷺ على خوان، الخوان يعني السفرة، المائدة، لم يأكل ﷺ على خوان، ولم يأكل خبزاً مرققاً حتى مات صلوات الله وسلامه عليه.
الخبز المرقق الذي لا تنفك عنه السفرة اليوم في الإفطار وفي السحور، ما أكله النبي ﷺ حتى مات، يا ترى ألفقر أم عوز؟ حاشا وكلا.
كان أول أمره ﷺ غير واجد، ولو تمنى أن تكون الجبال ذهباً لكانت، وارتضى أن يبقى على حاله يجوع يوماً ويشبع يوماً، وفي آخر أمره فتح الله تعالى عليه.
ومع الفتح ومع امتلاء بيت المال بالمال، لكنه ﷺ لم يأكل خبزاً مرققاً، ألحرمته؟ حاشا وكلا، إنما كان يؤثر غيره على نفسه صلوات الله وسلامه عليه.
إذا هذا هو رسول الله ﷺ وهذا بيته، بيوتنا هل هي على شاكلة بيت النبي ﷺ؟
# النفقة
لذلك في النفقة على نفسك وأهلك كن رشيداً، قال الله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾.
في النفقة على النفس والأهل لا تكن كالسفهاء، تضيع المال وتتلفه، ولا تكن كالباخلين، إنما كن بين بين، وكل على قدر حاله.
للموسر نفقة، وللمعدم نفقة، إذا ما عاش الموسر حياة المعدمين، تمنى بنوه أن يموت حتى يروا من فتح الدنيا وبهرجتها.
وإذا ما عاش المعدم حياة الموسرين، كان مآله إلى السجن والحبس، لذلك لينفق ذو سعة من سعته، ومن ضُيق عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله.
ثم اعلم باركك الله، أنه جاء في صحيح الإمام البخاري من قول النبي ﷺ: (كُلوا وتصدَّقوا، والبَسوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخيَلةٍ).
كُل لكن لا تسرف ولا تختال، واشرب الطيب اللذيذ لكن لا تسرف ولا تختال، والبس الجميل الحسن لكن لا تسرف ولا تختال، وتصدق ولكن لا تخرج من جميع مالك ولا تختال، هذا هو الرشد الذي ينبغي أن يتخلق به الطامع في رحمة الله تعالى وجوده وفضله.
النفقة على الغير، على أهل الفقر والمسكنة، ما في وسعك فابذله، وإن استطعت أن تنفع أخاك فانفعه.
# نفع الغير
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: كان لي خال من الأنصار، وكان يرقي من العقرب، يعني من لُدغ من عقرب يأتيه يرقيه، وكان النبي ﷺ قد نهى عن الرقية.
قال جابر: فجئت النبي ﷺ وقلت: يا رسول الله، إن خالي يرقي من العقرب، وقد نهيت عن الرقى، فقال النبي ﷺ: (مَنِ استَطاعَ منكم أنْ ينفَعَ أخاهُ فلْيَفعَلْ).
جئت بالرواية لأبين لك المناسبة التي قيلت فيها هذه الجملة الشريفة، من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل، وسع لك مضمار، وسع لك ميدان السبق، ما استطعت من بذل معروف فابذله ولا تبخل به، ولا تحتقر المعروف وإن كان صغيراً.
وفي السنة النبوية قال رسول الله ﷺ: (لا تحقِرَنَّ مِن المعروفِ شيئًا ولو أنْ تُفرِغَ مِن دَلوِك في إناءِ المُستسقي وأن تلقَى أخاك ووجهُك إليه مُنبسِطٌ).
أي معروف، إن كنت طامعاً أن تكون من المقبولين المرحومين، فلا تحقرن معروفاً وإن صغر، ابذل المعروف لأهله ولغير أهله، إن أتاك السائل ومعك من الخير فأعطه، ولا تسأله عن مذهبه، أعطه لفقره ولا تسأله عن مذهبه.
إذا هذا هو التعامل مع الغير، وكل هذا في ميزانك ستجده يوم القيامة، والله قال في كتابه: ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
# صلة الرحم
كذلك من الإستعداد لشهر رمضان (https://aboarafat.com/%d8%ae%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%b9%d8%a9/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%a7%d 8%af-%d9%84%d8%b4%d9%87%d8%b1-%d8%b1%d9%85%d8%b6%d8%a7%d9%86/) أن تجلس مع بنيك وأهلك، وتعرفهم على أقاربهم، حتى إذا عُجل بي استدار على أقاربه فوصلهم، ومن صلة الميت صلة أقاربه.
وفي الحديث قال النبي ﷺ: (تعلَّموا من أنسابِكم ما تَصِلُون به أرحامَكم ، فإنَّ صِلةَ الرحمِ محبةٌ في الأهلِ ، مثراةٌ في المالِ ، منسأةٌ في الأثرِ).
علم ولدك أقاربه، إن مت وعُجل بي ووصلهم جاء هذا في ميزاني، هذا من صلة الميت أن تصل أهل وده كما أخبر النبي ﷺ.
من منا ذهب لأخته، أو ذهب لعمته، أو ذهب لخالته، أو ذهب لقريبته، أو قريبه، في أول ليلة في رمضان؟
كان هناك زمان في المناسبات يسمونها مواسم، وعلقوا الصلة على المواسم، وأصبحت لازمة سيئة، لا يذهب الإنسان إلى رحمه إلا في المواسم، يعودها أو يزورها أربع مرات في السنة.
الصلة ليست هكذا، الصلة أن تذهب بنفسك ولو كنت فارغ الوفاض، لو لم يكن معك شيء، ذهابك إلى الرحم صلة، وسؤالك عنها صلة، ومباشرتك لأحوالها صلة.
يمرض المريض ولا يعرف به أحد، ويموت الميت ولا يعرف به أحد، لماذا؟ لأننا قطعنا روابط الصلة.
قلت الإعلام استعد لنا بما يلهينا، استعد لنا بما يقصينا، استعد لنا بما يبعدنا عن الله تعالى وطاعته، ونحن استمرأنا هذا واستعذبناه، وأصبحنا في ركابه، ابتعدنا عن الهدى.
لذلك أقاربك أرحامك هم أولى الناس بمعروفك، لأن معروفك إن وصل إلى رحمك كان بأجرين، أجر المعروف وأجر الصلة.
# الصدقة
في صحيح البخاري، أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنها وعن زوجها، كانت في درس عند رسول الله ﷺ، وأوصى رسول الله النساء بالصدقة فقال ﷺ: (يا معشرَ النِّساءِ تصدَّقنَ ولو من حُليِّكُنَّ).
وكانت امرأة ابن مسعود في يدها صنعة، في يدها حرفة، كانت تغزل وتصنع الثياب وتبيعه، وكان لها مال خاصتها هي، وكان ابن مسعود رجلاً خفيف ذات اليد، يعني لم يكن من الواجدين الميسورين، إنما كان فقيراً.
فذهبت زينب لزوجها وقالت له: يا أبا عبد الرحمن، ايت النبي ﷺ واسأله: أيجزئ عني أن أعطيك صدقتي؟ أو أن أنفقها على أيتام في حجري؟ ابن مسعود قمة العزة وقمة العفة، قال: لا، بل ايتيه أنتي.
فجاءت زينب إلى بيت النبي ﷺ فرأت بلال رضي الله عنه فقالت له: يا بلال، استأذن لنا على رسول الله ﷺ، فإن أذن وإلا فاسأله السؤال.
ثم قالت لبلال: سله وقل له: إن بالباب امرأتين تسألانك، أيجزئ عنهما صدقتهما لأزواجهما وأيتام في حجورهما؟ ثم قالت: يا بلال ولا تخبره من نحن.
دخل بلال على الرسول ﷺ وأخبره بالسؤال، فقال النبي ﷺ: (نَعم، لهما أجرانِ: أجرُ القرابةِ وأجرُ الصَّدقةِ).
فأولى الناس بمعروفك قرابتك، لأن قرابتي محسوبين علي، يمتنع الناس عن الذهاب إليهم لأنهم أقاربي، محروم من الناس ومحروم من عطائي، ضاع، لم يعد في خبر كان ولا حتى في خبر عسى.
لذلك أنت قد ظللت على قريبك، ومنعته صدقة الآخرين وبخلت عليه، قتلته، فيأتي في القيامة يتعلق برقبتك ويسأل الله تعالى هذا قتلني.
لذلك أولى الناس بمعروفك أهل قرابتك، لك بهذا أجران، أجر على الصدقة وأجر على الصلة.
إذا أخي الكريم هكذا أهل الرشد، فالزم الرشد وكن من أهله، لعل الله تعالى أن يجود عليك فيقبله، ونسأل الله تبارك وتعالى الثبات وحسن الخاتمة.
# آداب الصيام
واعلم أخي الكريم أن السلف ما كانوا يعدون العبادة الصلاة والصيام، إنما كانوا يعدون العبادة الصيانة عن الأعراض، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله تعالى عليه: العبادة أن تصون لسانك عن أعراض الناس.
وقال سفيان الثوري: هذا زمان لزوم البيوت.
يعني لا تأخذ عرض أخيك وتتفكه به، إنما إذا اشتغل الناس في هذا الزم بيتك وأمسك لسانك، حافظ على صيامك، أي كذب أي خبث يجعل الصيام بلا أثر.
قال النبي ﷺ: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ).
واعلم باركك الله أن الشبع يُلهي ويُمرض، قد يصوم طول النهار ويصبر، لكن عند الإفطار يملأها عن آخره، فينام لا يقوم ليله ولا يشهد فجره.
وصحابي اسمه أبو جحيفة كان يجلس مع النبي ﷺ وكان قد أكل خبز بُر بدهن، فتجشأ، فقال النبي ﷺ: (اكفُفْ عليكَ جُشاءَكَ أبا جُحَيفةَ فإنَّ أكثَرَ النَّاسِ شِبَعًا في الدُّنيا أطوَلُهم جوعًا يومَ القيامةِ).
فحتى لا تجوع يوم القيامة كن بين بين، لا تشبع ولا تجع، كن بين الشبع والجوع لا تمرض، ولا تتلف منك المعدة، ولا ترهق، لذلك هكذا فكن، كن رشيداً أيها الصائم.
اللهم تقبل صيامنا وتقبل قيامنا واجعلنا من أهل القبول يا رب العالمين.
مشاهدة الخطبة (https://www.youtube.com/watch?v=lUkq5sGd2GI)
# إدراك رمضان #
عباد الله، كان بالأمس معنا أناس، وكانوا يتمنون على الله تعالى أن يدركوا رمضان، لكن عُجل بهم وهم الآن في قبورهم، أماتهم الله تعالى وأبقانا، فهل أبقانا ليشقينا؟ أم أبقانا ليجود علينا ويتفضل؟
في مسند الإمام أحمد، أن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، رأى في منامه أن رجلين على باب الجنة وهو معهما.
فخرج منادي من الجنة يقول: ليقم فلان. فقام رجل، قال حذيفة: أعرفه. قال حذيفة في الرجلين: إنهما من بلي من قضاعة، أسلما معاً، وخرج أحدهم في غزوٍ مع النبي ﷺ واستشهد، وتأخر الثاني سنة، ثم مات بعده.
قال حذيفة: فبينما أنا والرجلان على باب الجنة إذ خرج منادي من الجنة وقال: ليقم فلان. فقام الذي مات متأخراً فدخل الجنة أولاً، قال: فعجبت من هذا. ثم خرج المنادي وقال: ليقم فلان. فقام الذي مات أولاً فدخل الجنة ثانياً.
وفي رواية ثانية أن حذيفة قال: فانتظرت، فقلت: وأنا. فقال: أما أنت فلم يحن وقتك بعد.
فلما استيقظ حذيفة رضي الله عنه وأرضاه، أتى مسجد النبي ﷺ لصلاة الفجر، وكان من هدي النبي ﷺ أنه كان يسأل أصحابه أيكم رأى الليلة رؤى، فقال حذيفة: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم، وقص عليه ما رأى.
فعجب الصحابة الكرام مما عجب منه حذيفة، يا رسول الله، أحدهما غزا معك واستشهد، والثاني مات بعده بسنة ويدخل الجنة قبله!
فقال النبي ﷺ: (أوعجبتم مما عجب منه حذيفة؟) قالوا: بلى يا رسول الله. فقال ﷺ: (أما عاش بعده سنة؟) قالوا: بلى. قال ﷺ: (كم صلى فيها وكم صام؟).
# كيف تستعد لرمضان #
إذاً ما أخرك الله تعالى إلا ليجود عليك، لكن يا ترى هل أنت مهيأ لقبول جود الله تعالى؟ هل أنت مستعد بأن تتقبل فضل الله تبارك وتعالى في هذه الأيام؟
الله تعالى لا يريد بعباده إلا الخير، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
ما من طاعة إلا ولها سبل توصل إليها، ولها عوامل تعين على أدائها وفعلها، في الصلاة تستعد لها بالطهارة، والخُطى إلى المساجد، والتبكير، والقرب من الإمام، والإنصات.
وفي الصيام كذلك، لا بد من الإستعداد لشهر رمضان المبارك، أصحاب الشهوات استعدوا منذ أمد بعيد، وأوضحوا ما استعدوا به، استعدوا بملهيات، تهدم الأسرة، وتقضي على التعليم، وتضرب القدوة.
تهدم الأسرة بإشغالها في برامج الطبخ، وتهدم المعلم بالتقليل من قدره في أفلامهم ومسلسلاتهم، ويضربوا القدوة ويميتوه بالطعن فيه.
لذلك ترى في أفلامهم ومسلسلاتهم الطعن في أهل العلم، فإذا ما طعنوا في القدوة أماتوها، وإذا ما قللوا في قدر المعلم وأنقصوه أماتوا المعلم والتعليم، وإذا ما شغلوا الأسرة ببرامج الطبخ شغلوها عن العشاء والتراويح وأناموها عن الفجر.
والله تعالى قال هذا كما ذكرنا في الآية من سورة النساء ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.
فهل يا ترى ستكون في معية الله؟ أو يكن في معية أصحاب الشهوات؟ من أراد أن يحظى بمعية الله فما عليه إلا أن يلازم الصالحين، حتى يكون في عداد المقبولين.
أخي باركك الله، أأنت من المقبولين؟ أم لم تزل في قائمة المنتظرين؟ ينبغي أن تسائل نفسك، إذا كان عندك عزم على أن تكون من أهل القبول فلازم أهل القبول، لازمهم، لازم أهل الصلاح، كن صالحاً في بيتك، كن صالحاً خارج بيتك.
امتلأت البيوت عن آخرها بالطعام؟ امتلأت، لكن هناك بيوت لم يدخلها شيء، وهي تريد أن يدخلها، هناك أهل الفقر والمسكنة، هناك أهل الحاجة، هناك أهل العوز، هناك الأرامل، هناك اليتامى، هناك الغارمين، كل هذه أحوال تتمنى أن يدخل بيوتها كما دخل بيوت الآخرين.
لذلك أخي باركك الله، الله تبارك وتعالى ما منعك أن تأكل أو تشرب أو تلبس، إنما منعك الإسراف فقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
نهى سبحانه وتعالى عن الإسراف لأنه لا يحب المسرفين، لذلك في نفقتك على نفسك وأهل بيتك، وفي نفقتك على الغير، وفي نفقتك في وجوه الخير، لا بد أن تكون رشيداً حتى لا توصف بالسفه.
# الرشد وعدم الإسراف
لأن الرشد مطلب عزيز، جاء الدعاء به في القرآن الكريم ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾، الرشد هداية، الرشد فعل حسن وقول حسن ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
فأهل الرشد أهل هداية، أهل الرشد أهل صلاح، أهل الرشد هم المرحومون من خلق الله، لذلك جاء في صفات عباد الله المرحومين في سورة الفرقان ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾.
لا تصل إلى حد الإسراف ولا تبقى مقتراً بخيلاً، إنما بين بين، لذلك أريد أن أُطلعك على بيت النبي ﷺ لأنه هو القدوة.
في الصحاح والمسانيد من قول أم المؤمنين عائشة: (ما شبع آل النبي من خبز الشعير يومين متتابعين).
الشعير في بلادنا لم يخبز، إنما اليوم الخبز من القمح من البُر وتمتلأ البطون به، بيت النبي ﷺ لم يشبع من فيه من خبز الشعير يومين متتابعين.
بل ولم يجلس رسول الله ﷺ على خوان، الخوان يعني السفرة، المائدة، لم يأكل ﷺ على خوان، ولم يأكل خبزاً مرققاً حتى مات صلوات الله وسلامه عليه.
الخبز المرقق الذي لا تنفك عنه السفرة اليوم في الإفطار وفي السحور، ما أكله النبي ﷺ حتى مات، يا ترى ألفقر أم عوز؟ حاشا وكلا.
كان أول أمره ﷺ غير واجد، ولو تمنى أن تكون الجبال ذهباً لكانت، وارتضى أن يبقى على حاله يجوع يوماً ويشبع يوماً، وفي آخر أمره فتح الله تعالى عليه.
ومع الفتح ومع امتلاء بيت المال بالمال، لكنه ﷺ لم يأكل خبزاً مرققاً، ألحرمته؟ حاشا وكلا، إنما كان يؤثر غيره على نفسه صلوات الله وسلامه عليه.
إذا هذا هو رسول الله ﷺ وهذا بيته، بيوتنا هل هي على شاكلة بيت النبي ﷺ؟
# النفقة
لذلك في النفقة على نفسك وأهلك كن رشيداً، قال الله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾.
في النفقة على النفس والأهل لا تكن كالسفهاء، تضيع المال وتتلفه، ولا تكن كالباخلين، إنما كن بين بين، وكل على قدر حاله.
للموسر نفقة، وللمعدم نفقة، إذا ما عاش الموسر حياة المعدمين، تمنى بنوه أن يموت حتى يروا من فتح الدنيا وبهرجتها.
وإذا ما عاش المعدم حياة الموسرين، كان مآله إلى السجن والحبس، لذلك لينفق ذو سعة من سعته، ومن ضُيق عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله.
ثم اعلم باركك الله، أنه جاء في صحيح الإمام البخاري من قول النبي ﷺ: (كُلوا وتصدَّقوا، والبَسوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخيَلةٍ).
كُل لكن لا تسرف ولا تختال، واشرب الطيب اللذيذ لكن لا تسرف ولا تختال، والبس الجميل الحسن لكن لا تسرف ولا تختال، وتصدق ولكن لا تخرج من جميع مالك ولا تختال، هذا هو الرشد الذي ينبغي أن يتخلق به الطامع في رحمة الله تعالى وجوده وفضله.
النفقة على الغير، على أهل الفقر والمسكنة، ما في وسعك فابذله، وإن استطعت أن تنفع أخاك فانفعه.
# نفع الغير
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: كان لي خال من الأنصار، وكان يرقي من العقرب، يعني من لُدغ من عقرب يأتيه يرقيه، وكان النبي ﷺ قد نهى عن الرقية.
قال جابر: فجئت النبي ﷺ وقلت: يا رسول الله، إن خالي يرقي من العقرب، وقد نهيت عن الرقى، فقال النبي ﷺ: (مَنِ استَطاعَ منكم أنْ ينفَعَ أخاهُ فلْيَفعَلْ).
جئت بالرواية لأبين لك المناسبة التي قيلت فيها هذه الجملة الشريفة، من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل، وسع لك مضمار، وسع لك ميدان السبق، ما استطعت من بذل معروف فابذله ولا تبخل به، ولا تحتقر المعروف وإن كان صغيراً.
وفي السنة النبوية قال رسول الله ﷺ: (لا تحقِرَنَّ مِن المعروفِ شيئًا ولو أنْ تُفرِغَ مِن دَلوِك في إناءِ المُستسقي وأن تلقَى أخاك ووجهُك إليه مُنبسِطٌ).
أي معروف، إن كنت طامعاً أن تكون من المقبولين المرحومين، فلا تحقرن معروفاً وإن صغر، ابذل المعروف لأهله ولغير أهله، إن أتاك السائل ومعك من الخير فأعطه، ولا تسأله عن مذهبه، أعطه لفقره ولا تسأله عن مذهبه.
إذا هذا هو التعامل مع الغير، وكل هذا في ميزانك ستجده يوم القيامة، والله قال في كتابه: ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
# صلة الرحم
كذلك من الإستعداد لشهر رمضان (https://aboarafat.com/%d8%ae%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%b9%d8%a9/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%a7%d 8%af-%d9%84%d8%b4%d9%87%d8%b1-%d8%b1%d9%85%d8%b6%d8%a7%d9%86/) أن تجلس مع بنيك وأهلك، وتعرفهم على أقاربهم، حتى إذا عُجل بي استدار على أقاربه فوصلهم، ومن صلة الميت صلة أقاربه.
وفي الحديث قال النبي ﷺ: (تعلَّموا من أنسابِكم ما تَصِلُون به أرحامَكم ، فإنَّ صِلةَ الرحمِ محبةٌ في الأهلِ ، مثراةٌ في المالِ ، منسأةٌ في الأثرِ).
علم ولدك أقاربه، إن مت وعُجل بي ووصلهم جاء هذا في ميزاني، هذا من صلة الميت أن تصل أهل وده كما أخبر النبي ﷺ.
من منا ذهب لأخته، أو ذهب لعمته، أو ذهب لخالته، أو ذهب لقريبته، أو قريبه، في أول ليلة في رمضان؟
كان هناك زمان في المناسبات يسمونها مواسم، وعلقوا الصلة على المواسم، وأصبحت لازمة سيئة، لا يذهب الإنسان إلى رحمه إلا في المواسم، يعودها أو يزورها أربع مرات في السنة.
الصلة ليست هكذا، الصلة أن تذهب بنفسك ولو كنت فارغ الوفاض، لو لم يكن معك شيء، ذهابك إلى الرحم صلة، وسؤالك عنها صلة، ومباشرتك لأحوالها صلة.
يمرض المريض ولا يعرف به أحد، ويموت الميت ولا يعرف به أحد، لماذا؟ لأننا قطعنا روابط الصلة.
قلت الإعلام استعد لنا بما يلهينا، استعد لنا بما يقصينا، استعد لنا بما يبعدنا عن الله تعالى وطاعته، ونحن استمرأنا هذا واستعذبناه، وأصبحنا في ركابه، ابتعدنا عن الهدى.
لذلك أقاربك أرحامك هم أولى الناس بمعروفك، لأن معروفك إن وصل إلى رحمك كان بأجرين، أجر المعروف وأجر الصلة.
# الصدقة
في صحيح البخاري، أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنها وعن زوجها، كانت في درس عند رسول الله ﷺ، وأوصى رسول الله النساء بالصدقة فقال ﷺ: (يا معشرَ النِّساءِ تصدَّقنَ ولو من حُليِّكُنَّ).
وكانت امرأة ابن مسعود في يدها صنعة، في يدها حرفة، كانت تغزل وتصنع الثياب وتبيعه، وكان لها مال خاصتها هي، وكان ابن مسعود رجلاً خفيف ذات اليد، يعني لم يكن من الواجدين الميسورين، إنما كان فقيراً.
فذهبت زينب لزوجها وقالت له: يا أبا عبد الرحمن، ايت النبي ﷺ واسأله: أيجزئ عني أن أعطيك صدقتي؟ أو أن أنفقها على أيتام في حجري؟ ابن مسعود قمة العزة وقمة العفة، قال: لا، بل ايتيه أنتي.
فجاءت زينب إلى بيت النبي ﷺ فرأت بلال رضي الله عنه فقالت له: يا بلال، استأذن لنا على رسول الله ﷺ، فإن أذن وإلا فاسأله السؤال.
ثم قالت لبلال: سله وقل له: إن بالباب امرأتين تسألانك، أيجزئ عنهما صدقتهما لأزواجهما وأيتام في حجورهما؟ ثم قالت: يا بلال ولا تخبره من نحن.
دخل بلال على الرسول ﷺ وأخبره بالسؤال، فقال النبي ﷺ: (نَعم، لهما أجرانِ: أجرُ القرابةِ وأجرُ الصَّدقةِ).
فأولى الناس بمعروفك قرابتك، لأن قرابتي محسوبين علي، يمتنع الناس عن الذهاب إليهم لأنهم أقاربي، محروم من الناس ومحروم من عطائي، ضاع، لم يعد في خبر كان ولا حتى في خبر عسى.
لذلك أنت قد ظللت على قريبك، ومنعته صدقة الآخرين وبخلت عليه، قتلته، فيأتي في القيامة يتعلق برقبتك ويسأل الله تعالى هذا قتلني.
لذلك أولى الناس بمعروفك أهل قرابتك، لك بهذا أجران، أجر على الصدقة وأجر على الصلة.
إذا أخي الكريم هكذا أهل الرشد، فالزم الرشد وكن من أهله، لعل الله تعالى أن يجود عليك فيقبله، ونسأل الله تبارك وتعالى الثبات وحسن الخاتمة.
# آداب الصيام
واعلم أخي الكريم أن السلف ما كانوا يعدون العبادة الصلاة والصيام، إنما كانوا يعدون العبادة الصيانة عن الأعراض، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله تعالى عليه: العبادة أن تصون لسانك عن أعراض الناس.
وقال سفيان الثوري: هذا زمان لزوم البيوت.
يعني لا تأخذ عرض أخيك وتتفكه به، إنما إذا اشتغل الناس في هذا الزم بيتك وأمسك لسانك، حافظ على صيامك، أي كذب أي خبث يجعل الصيام بلا أثر.
قال النبي ﷺ: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ).
واعلم باركك الله أن الشبع يُلهي ويُمرض، قد يصوم طول النهار ويصبر، لكن عند الإفطار يملأها عن آخره، فينام لا يقوم ليله ولا يشهد فجره.
وصحابي اسمه أبو جحيفة كان يجلس مع النبي ﷺ وكان قد أكل خبز بُر بدهن، فتجشأ، فقال النبي ﷺ: (اكفُفْ عليكَ جُشاءَكَ أبا جُحَيفةَ فإنَّ أكثَرَ النَّاسِ شِبَعًا في الدُّنيا أطوَلُهم جوعًا يومَ القيامةِ).
فحتى لا تجوع يوم القيامة كن بين بين، لا تشبع ولا تجع، كن بين الشبع والجوع لا تمرض، ولا تتلف منك المعدة، ولا ترهق، لذلك هكذا فكن، كن رشيداً أيها الصائم.
اللهم تقبل صيامنا وتقبل قيامنا واجعلنا من أهل القبول يا رب العالمين.
مشاهدة الخطبة (https://www.youtube.com/watch?v=lUkq5sGd2GI)