أبوعرفات
21-11-2022, 10:22 PM
خطبة عن الحلال والحرام (https://aboarafat.com/%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85/) للشيخ محمد نبيه بمسجد العطار يوضح فيها تعريف الحلال والحرام ويبين قواعد الحلال والحرام في الإسلام.
مقدمة عن الحلال والحرام
قال تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ). (سورة الأنعام: الآية 153)
هذا الصراط المستقيم هو منهج المسلم، وطريقه الذي يسير فيه، وفقاً لأمر الله (افعل) و(لا تفعل)؛ لأن (افعل) يعني المسلك “الحلال”، الذي من سلكه فاز ونجا، و(لا تفعل) هو المسلك “الحرام”، الذي من سلكه ضل وهلك.
ويبقى بين الخطين المستقيمين: افعل ولا تفعل، منطقة متداخلة، هي الأمور (المشتبهات)، التي يُقارب حلالها حرامها، وعلى المسلم أن يحذر منها، ويحتاط لنفسه.
لذلك ورد أن من يترك الحلال خشية أن يقع في الحرام، فقد استبرأ لدينه أي حقق لدينه الكمال والبراءة من النقصان.
ما هو تعريف الحلال لغة وشرعا؟
تعريف الحلال لغة هو: الفعل (حَلَّ) متشعب المعاني، ومنه حَلَّ الشيء يَحِلُ حِلاً: أُبيح وجاز. وأحلّ الله الشيء وحَلَّلَه: أباحه، ومنه قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). (سورة البقرة: 275)
واللفظ (حِلّ) بالكسر أي الحلال، وهو ضد الحرام، وأحل له الشيء جعله حلالاً له. واستحل الشيء عدّه حلالاً.
أما تعريف الحلال شرعاً هو: الفعل الحسن الذي يُثاب فاعله ويفوز بمرضاة الله وهو المباح الذي انحلت عنده عقدة الحظر، وأذن الله في فعله.
ما هو تعريف الحرام لغة وشرعا؟
تعريف الحرام لغة هو: حَرُمَ الشيء حُرْمَةً: صار ممنوعاً. وحَرُم عليه الشيء حُرْمَاً وحراماً: فهو غير مباح. وحَرَّم الله الشيء تحريماً، جعله محظوراً.
أما تعريف الحرام شرعاً هو: هو الأمر الذي نهى الله عن فعله، نهياً جازماً، بحيث يتعرض من خالف النهي لعقوبة في الآخرة، وقد يتعرض لعقوبة شرعية في الدنيا أيضاً.
وقد ورد في السنة النبوية الشريفة: (الْحلالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ). (سنن ابن ماجه:3358)
وتشمل هذه الإباحة في الأصل، ليس فقط الأشياء التي ينتفع بها الإنسان في مأكله ومشربه وملبسه، بل تتعدى ذلك إلى الأفعال والتصرفات.
سوى تلك التي من أمور العبادة وهي ما يسمى (العادات أو المعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم، إلا ما حرمه الله، مثل الربا، أو بعض أنواع الأنكحة في الجاهلية.
يقول الله تعالى في نص واضح وصريح على هذا المعنى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُم). (سورة الأنعام:119)
الأعمال منها :
عبادات وهي ما يتصل بما أوجبه الله وما أحبه، يثبت أمرها بالشرع.
ومنها عادات وهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى.
ما هي قواعد الحلال والحرام في الإسلام؟
الأصل في الأشياء الإباحة
يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا). (سورة البقرة:29)
ويقول الله عز وجل: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ). (سورة الجاثية:13)
ولقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ). (سورة لقمان:20)
أيّ قضية سكت عنها الدين قضية مباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح.
إذاً النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح صحيح في تحريمها.
لذلك المؤمن لا يعمل فكره إلا بالطريقة التالية؛ إن كنت ناقلاً فالصحة، إن كنت مدعياً فالدليل.
لا يقبل شيئاً محرماً إلا بالدليل القطعي، طالبه بنص صحيح، قرآن كريم، حديث صحيح، حديث متواتر، حديث حسن، وطالبه بدلالة واضحة صريحة.
أما أن تعتمد نصاً ضعيفاً، أو موضوعاً، أو أن تعتمد مدلولاً ظنياً، فهذا لا يجعل هذا الشيء حراماً.
بالمناسبة أي إنسان مهما كان علمه محدوداً بإمكانه أن يقول لك: هذا حرام، لكن البطولة ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، هذا حرام وهذا الدليل.
واعلموا، هذا الشرع من عند الله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، فعندما يتطاول الإنسان ويحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله، فقد ارتكب إثماً كبيراً لأنه جعل من نفسه مشرعا أشرك نفسه فيما لله.
والله يقول : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ). (سورة النحل:116)
وهذا من أكبر المعاصي على الإطلاق.
واعلموا أن في الشرع الإسلامي أشياء أمرنا الله بها، و أشياء نهانا الله عنها، وأشياء كثيرة جداً سكت الله عنها لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها هي المباحات.
لذلك يمكن أن نقول: هناك أمر واجب، فرض، واجب مستحب أو مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام.
فيجب أن يعقل عقل المؤمن دائماً، كل حركة، كل سكنة، كل تصرف، كل موقف، يجب أن يصنفه في أحد هذه الأحكام الستة، فرض، واجب، مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً تحريماً، حرام.
التحليل والتحريم من حق الله وحده
اعلموا أن دائرة المباحات كبيرة جداً، وأن دائرة المحرمات صغيرة جداً، أي لو أخذنا نسبة المحرمات إلى نسبة المباحات لوجدنا أنها نسبة تكاد لا تذكر.
عن أبي الدرداء: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)). (المستدرك على الصحيحين:3/127)
وعن أبى ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ فرائِضَ فلا تُضَيِّعوها، وحَدَّ حُدودًا فلا تَعْتَدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تَنْتَهكوها، وسَكَتَ عن أشياءَ رَحْمةً لكم غيرَ نِسيانٍ، فلا تَبْحَثوا عنها). (تخريج رياض الصالحين:1832)
فالإباحة ليست متعلقة بالأعيان والذوات، تشمل الأفعال والعادات والتقاليد ما لم يأت نص في تحريمها.
أصل العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ). (سورة الشورى:21)
ويقول تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا). (سورة يونس:59)
أصل الحلال والحرام في العبادات أن الله شرعها ابتداء، بينما أصل المعاملات أن الناس ابتدؤها، لكن الشرع صححها، أو أقرها، أو عدلها، أو بدلها.
قال بعض الصحابة الكرام – سيدنا جابر بن عبد الله – في الحديث الصحيح قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن). (صحيح مسلم:1440)
هذه قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح في تحريمها.
لا يستطيع إنسان كائناً من كان ولو كان نبيا أن يحرم من عنده أو أن يحلل، قال تعالى: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ). (سورة الأنعام:50)
قال بعضهم ثلاث نصائح تكتب: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع.
أول كلمة في الخلافة التي ألقاها الخليفة الصديق عليه رضوان الله قال: إنما أنا متبع ولست بمبتدع.
الله جلّ جلاله في القرآن الكريم نعى على أهل الكتاب أنهم جعلوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31)
فالتحليل والتحريم من حق الله وحده، الأنبياء يبلغون، والعلماء يبينون، والمشرع هو الله، هذه قواعد خطيرة وأساسية في علوم الدين.
جاء عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد اتبع النصرانية قبل الإسلام، فلما سمع النبي يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31)
قال: يا رسول الله! إنهم لم يعبدوهم، فقال عليه الصلاة والسلام: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.
روى الإمام الشافعي في كتابه (الأم) عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتية.
الحقيقة أجرؤكم على الفتية أجرؤكم على النار، كلمة كبيرة جداً أن تقول هذا حلال وهذا حرام، طبعاً إلا إذا كان هناك دليل يقيني كالشمس تقول له: هذا حلال أو هذا حرام.
لذلك ترفع العلماء عن قول هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعي.
تحريم الحلال أو تحليل الحرام قرين الشرك
يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (سورة الأعراف:33)
حتى إن بعض أهل العلم قالوا إن أصل الفساد في الدين هو القول على الله بغير علم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام خصّ تحريم الحلال بحديث خاص قال فيما رواه مسلم عن ابن مسعود: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون). (صحيح مسلم:2670)
ومن التنطع سرعة الحكم بالحل والحرمة دون مسوغ شرعي، الإنسان بحاجة إلى خبير في أمور الدنيا، وبحاجة إلى خبير في أمور الآخرة، والقضية قضية ثقة من دون رسوم، فاسأل به خبيراً: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). (سورة النحل:43)
عن عياض بن حمار المجاشعي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال فيما يرويه عن ربه جل جلاله أنه قال: (وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا). (صحيح مسلم:2865)
أي فطرتهم كانت سليمة متوافقة مع الدين الحنيف فجاءت الشياطين فأبعدتهم فشوهت أمامهم معالم الدين، حرمت عليهم ما أحل الله، مثلاً امرأة يمكن أن ترضى من زوجها أن يزني ولا ترضى لزوجها أن يتزوج امرأة ثانية.
فلذلك قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). (سورة الأحزاب:36)
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). (سورة الأعراف:32)
في الحلال ما يغني عن الحرام
من محاسن الإسلام ومما جاء به من تيسير على الناس أنه ما حرم شيئا عليهم إلا عوضهم خيرا منه مما يسد مسده، ويغني عنه، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله.
حرم عليهم الاستقسام بالأزلام وعوضهم عنه دعاء الاستخارة.
وحرم عليهم الربا وعوضهم التجارة الرابحة.
وحرم عليهم القمار، وأعاضهم عنه أكل المال بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام.
وحرم عليهم الحرير، وأعاضهم عنه أنواع الملابس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن.
وحرم عليهم الزنا واللواط، وأعاضهم عنهما بالزواج الحلال.
وحرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن.
وحرم عليهم الخبائث من المطعومات، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات.
لا يوجد حرام إلا وله بدائل عشرات بل مئات بل ألوف، وهذا يعني بأنه ليس في الإسلام حرمان، فالله حرم الزنى وأحل الزواج، وكما حرم لحم الخنزير أحل مئات أنواع اللحوم، إذا حرم الخمر أباح الأشربة الطيبة، إذا حرم الربا أحل البيع.
وهكذا إذا تتبعنا أحكام الإسلام كلها، وجدنا أن الله جل شأنه لم يضيق على عباده في جانب إلا وسع عليهم في جانب آخر من جنسه، فإنه سبحانه لا يريد بعباده عنتا ولا عسرا ولا إرهاقا، بل يريد اليسر والخير والهداية والرحمة.
قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)). (سورة النساء)
التحايل على الحرام حرام
لا تساهم في الحرام لا من قريب ولا من بعيد، لا تقدم مشورة ولا نصيحة، أنا أعمل تزيينات لملهى، أنت ساهمت في هذا المكان الذي يُعصى الله فيه، لا كهرباء ولا تزيين قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). (سورة المائدة:2)
والتحريم سببه أن هذه المحرمات تضر أو إنها خبيثة، وهذه قاعدة عامة، أي شيء يضر الأصل أنه محرم، وأي شيء خبيث الأصل أنه محرم والله تبارك وتعالى قال: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ). (سورة الأعراف:157)
التحايل على الحرام حرام، الإنسان بدل أن يرتكب الحرام صراحة يلتوي ويذهب إلى طريق أخر يوصل به إلى الحرام، هذه طريقة اليهود.
حُرم عليهم الصيد يوم السبت، جعلوا حفراً على شاطئ البحر يوم الجمعة تأتي الحيتان إلى هذه الحفر، الجمعة مساءً يغلقون طريق العودة، الحيتان حصرت في هذه الأحواض، يصطادونها يوم الأحد.
أنا لا أتعامل بالربا لكن أتبايع بالعينة احتيالا!
بل إن بعض أهل العلم قالوا: أن الذي يتحايل على الحرام يأثم من جهتين، من جهة وقوعه في الحرام، ومن جهة أيضا احتياله على الله جل وعلا وهذا لا شك أنه استخفاف برب العالمين.
ومن الحيل تسمية الشيء بغير اسمه وتغيير صورته مع بقاء حقيقته، مثلاً ليستحل طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع.
مثلاً فن العمل الخليع اسمه فن، والخمر اسمه مشروبات روحية، والربا اسمها فائدة، لو غيرت الأسماء فالحقيقة ثابتة إذاً التحايل على الحرام حرام.
فقد يؤدي المباح إلى الحرام ومنه جاءت قاعدة سد الذرائع الموصلة إلى ما حرم الله تعالى.
من حكمة التشريع الإلهي أن جعل الإسلام للحرام حمى لمحاصرة الحرام وتضييق نطاقه، والوقاية من آثاره، بسد الذرائع وقطع سبل الغواية وطلب من المسلم أن لا يقترب من حمى الحرام حتى لا يتمادى به الأمر فيقع في الحرام.
فحين حرم الله الزنا حرم كل مقدماته ودواعيه كالتبرج والخلوة الآثمة، والاختلاط المريب، والغناء الفاحش، والسهرات الماجنة وغيرها .
وحين حرم الخمر لعن كل من يشارك أو يساهم فيها من قريب أو بعيد، عن أنس بن مالك قال: لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في الخَمرِ عشرةً: عاصرَها، ومُعتصرَها، والمعصورةَ لَهُ، وحاملَها، والمَحمولةَ لَهُ، وبائعَها، والمبيوعةَ لَهُ، وساقيَها، والمستقاةَ لَهُ، حتَّى عدَّ عشرةً، من هذا الضَّربِ. (صحيح ابن ماجه:2742)
وحين حرم الربا، حرم كل عملياته، عن جابر بن عبدالله رضي الله قال: لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ. (صحيح مسلم:1598)
حكم بيع السلاح في زمن الفتنة هو الحرمة؛ لأن من المحتمل أن يُقتل به إنسانا بريئا، وحكم بيع العنب لمن يعصره خمراً هو الحرمة مع أنه كان جائزاً.
الحرام يحرم على الجميع ما يستثنى أحدا
عندنا في دين الله الشريعة تطبق على الجميع، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا). (صحيح البخاري:3475)
الشريعة هنا تطبق على الجميع، وليس عندنا تمييز في أحكام الشريعة .
الضرورات تبيح المحظورات
هذه القاعدة تحتاج إلى تفصيل، لكن أشير إليها إشارة؛ لأن بعض المحرمات يحتاج المسلم أحيانا إلى الوقوع فيها مضطرا، فالله تبارك وتعالى يرفع الحرج عنه لأن الشريعة جاءت لرفع الحرج، والله تبارك وتعالى يقول: (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ). (سورة الأنعام:119)
وقد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة.
المباحات التي تفضي إلى المفاسد ثلاث:
ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة نادرا قليلا، فالحكم بالإباحة ثابت له بناء على الأصل، مثاله: زراعة العنب، فلا يمنع منها تذرعا بأن من الناس من يعصر منها الخمر، وتعليم الرجل النساء عند الحاجة، فلا يمنع منه تذرعا بالفتنة المفضية إلى الزنا، وكذا خروجهن من بيوتهن لمصالحهن، وشهودهن المساجد، ودور العلم، فتقاس المصالح والمفاسد، فإن كان جانب المصلحة راجحا – وهو الأصل في المباحات – فلا تمنع بدعوى (سد الذرائع) لمجرد ظن المفسدة، أو لورودها لكنها ضعيفة في مقابلة المصلحة.
ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة كثيرا غالبا، فالرجحان في جانب المفسدة فيمنع منه (سدا للذريعة) وحسما لمادة الفساد، مثاله: بيع السلاح وقت وقوع الفتنة بين المسلمين بقتال بعضهم بعضا، وإجارة العقار لمن علم أنه يتخذه لمعصية الله، ويلاحظ في هذا أن (سد الذريعة) إلى المفسدة عارض حيث يكون المباح موصلا إلى المحظور؛ وإلا فإن بيع السلاح، وإجارة العقار لا يمتنعان في ظرف عادي.
ما يحتال به المكلف ليستبيح به المحرم، مثاله: الاحتيال على الربا ببيع العينة، وهو: أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به، فهذه الصورة من البيع حيلة محرمة بالنص، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم). (صحيح أبي داود:3462)
ومن القواعد أيضا:
أن النية الحسنة لا تحلل الحرام ، وينتج عن هذا أن الغاية لا تبرر الوسيلة.
قاعدة إتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام.
مقدمة عن الحلال والحرام
قال تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ). (سورة الأنعام: الآية 153)
هذا الصراط المستقيم هو منهج المسلم، وطريقه الذي يسير فيه، وفقاً لأمر الله (افعل) و(لا تفعل)؛ لأن (افعل) يعني المسلك “الحلال”، الذي من سلكه فاز ونجا، و(لا تفعل) هو المسلك “الحرام”، الذي من سلكه ضل وهلك.
ويبقى بين الخطين المستقيمين: افعل ولا تفعل، منطقة متداخلة، هي الأمور (المشتبهات)، التي يُقارب حلالها حرامها، وعلى المسلم أن يحذر منها، ويحتاط لنفسه.
لذلك ورد أن من يترك الحلال خشية أن يقع في الحرام، فقد استبرأ لدينه أي حقق لدينه الكمال والبراءة من النقصان.
ما هو تعريف الحلال لغة وشرعا؟
تعريف الحلال لغة هو: الفعل (حَلَّ) متشعب المعاني، ومنه حَلَّ الشيء يَحِلُ حِلاً: أُبيح وجاز. وأحلّ الله الشيء وحَلَّلَه: أباحه، ومنه قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). (سورة البقرة: 275)
واللفظ (حِلّ) بالكسر أي الحلال، وهو ضد الحرام، وأحل له الشيء جعله حلالاً له. واستحل الشيء عدّه حلالاً.
أما تعريف الحلال شرعاً هو: الفعل الحسن الذي يُثاب فاعله ويفوز بمرضاة الله وهو المباح الذي انحلت عنده عقدة الحظر، وأذن الله في فعله.
ما هو تعريف الحرام لغة وشرعا؟
تعريف الحرام لغة هو: حَرُمَ الشيء حُرْمَةً: صار ممنوعاً. وحَرُم عليه الشيء حُرْمَاً وحراماً: فهو غير مباح. وحَرَّم الله الشيء تحريماً، جعله محظوراً.
أما تعريف الحرام شرعاً هو: هو الأمر الذي نهى الله عن فعله، نهياً جازماً، بحيث يتعرض من خالف النهي لعقوبة في الآخرة، وقد يتعرض لعقوبة شرعية في الدنيا أيضاً.
وقد ورد في السنة النبوية الشريفة: (الْحلالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ). (سنن ابن ماجه:3358)
وتشمل هذه الإباحة في الأصل، ليس فقط الأشياء التي ينتفع بها الإنسان في مأكله ومشربه وملبسه، بل تتعدى ذلك إلى الأفعال والتصرفات.
سوى تلك التي من أمور العبادة وهي ما يسمى (العادات أو المعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم، إلا ما حرمه الله، مثل الربا، أو بعض أنواع الأنكحة في الجاهلية.
يقول الله تعالى في نص واضح وصريح على هذا المعنى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُم). (سورة الأنعام:119)
الأعمال منها :
عبادات وهي ما يتصل بما أوجبه الله وما أحبه، يثبت أمرها بالشرع.
ومنها عادات وهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى.
ما هي قواعد الحلال والحرام في الإسلام؟
الأصل في الأشياء الإباحة
يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا). (سورة البقرة:29)
ويقول الله عز وجل: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ). (سورة الجاثية:13)
ولقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ). (سورة لقمان:20)
أيّ قضية سكت عنها الدين قضية مباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح.
إذاً النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح صحيح في تحريمها.
لذلك المؤمن لا يعمل فكره إلا بالطريقة التالية؛ إن كنت ناقلاً فالصحة، إن كنت مدعياً فالدليل.
لا يقبل شيئاً محرماً إلا بالدليل القطعي، طالبه بنص صحيح، قرآن كريم، حديث صحيح، حديث متواتر، حديث حسن، وطالبه بدلالة واضحة صريحة.
أما أن تعتمد نصاً ضعيفاً، أو موضوعاً، أو أن تعتمد مدلولاً ظنياً، فهذا لا يجعل هذا الشيء حراماً.
بالمناسبة أي إنسان مهما كان علمه محدوداً بإمكانه أن يقول لك: هذا حرام، لكن البطولة ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، هذا حرام وهذا الدليل.
واعلموا، هذا الشرع من عند الله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، فعندما يتطاول الإنسان ويحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله، فقد ارتكب إثماً كبيراً لأنه جعل من نفسه مشرعا أشرك نفسه فيما لله.
والله يقول : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ). (سورة النحل:116)
وهذا من أكبر المعاصي على الإطلاق.
واعلموا أن في الشرع الإسلامي أشياء أمرنا الله بها، و أشياء نهانا الله عنها، وأشياء كثيرة جداً سكت الله عنها لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها هي المباحات.
لذلك يمكن أن نقول: هناك أمر واجب، فرض، واجب مستحب أو مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام.
فيجب أن يعقل عقل المؤمن دائماً، كل حركة، كل سكنة، كل تصرف، كل موقف، يجب أن يصنفه في أحد هذه الأحكام الستة، فرض، واجب، مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً تحريماً، حرام.
التحليل والتحريم من حق الله وحده
اعلموا أن دائرة المباحات كبيرة جداً، وأن دائرة المحرمات صغيرة جداً، أي لو أخذنا نسبة المحرمات إلى نسبة المباحات لوجدنا أنها نسبة تكاد لا تذكر.
عن أبي الدرداء: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)). (المستدرك على الصحيحين:3/127)
وعن أبى ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ فرائِضَ فلا تُضَيِّعوها، وحَدَّ حُدودًا فلا تَعْتَدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تَنْتَهكوها، وسَكَتَ عن أشياءَ رَحْمةً لكم غيرَ نِسيانٍ، فلا تَبْحَثوا عنها). (تخريج رياض الصالحين:1832)
فالإباحة ليست متعلقة بالأعيان والذوات، تشمل الأفعال والعادات والتقاليد ما لم يأت نص في تحريمها.
أصل العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ). (سورة الشورى:21)
ويقول تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا). (سورة يونس:59)
أصل الحلال والحرام في العبادات أن الله شرعها ابتداء، بينما أصل المعاملات أن الناس ابتدؤها، لكن الشرع صححها، أو أقرها، أو عدلها، أو بدلها.
قال بعض الصحابة الكرام – سيدنا جابر بن عبد الله – في الحديث الصحيح قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن). (صحيح مسلم:1440)
هذه قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح في تحريمها.
لا يستطيع إنسان كائناً من كان ولو كان نبيا أن يحرم من عنده أو أن يحلل، قال تعالى: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ). (سورة الأنعام:50)
قال بعضهم ثلاث نصائح تكتب: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع.
أول كلمة في الخلافة التي ألقاها الخليفة الصديق عليه رضوان الله قال: إنما أنا متبع ولست بمبتدع.
الله جلّ جلاله في القرآن الكريم نعى على أهل الكتاب أنهم جعلوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31)
فالتحليل والتحريم من حق الله وحده، الأنبياء يبلغون، والعلماء يبينون، والمشرع هو الله، هذه قواعد خطيرة وأساسية في علوم الدين.
جاء عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد اتبع النصرانية قبل الإسلام، فلما سمع النبي يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31)
قال: يا رسول الله! إنهم لم يعبدوهم، فقال عليه الصلاة والسلام: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.
روى الإمام الشافعي في كتابه (الأم) عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتية.
الحقيقة أجرؤكم على الفتية أجرؤكم على النار، كلمة كبيرة جداً أن تقول هذا حلال وهذا حرام، طبعاً إلا إذا كان هناك دليل يقيني كالشمس تقول له: هذا حلال أو هذا حرام.
لذلك ترفع العلماء عن قول هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعي.
تحريم الحلال أو تحليل الحرام قرين الشرك
يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (سورة الأعراف:33)
حتى إن بعض أهل العلم قالوا إن أصل الفساد في الدين هو القول على الله بغير علم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام خصّ تحريم الحلال بحديث خاص قال فيما رواه مسلم عن ابن مسعود: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون). (صحيح مسلم:2670)
ومن التنطع سرعة الحكم بالحل والحرمة دون مسوغ شرعي، الإنسان بحاجة إلى خبير في أمور الدنيا، وبحاجة إلى خبير في أمور الآخرة، والقضية قضية ثقة من دون رسوم، فاسأل به خبيراً: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). (سورة النحل:43)
عن عياض بن حمار المجاشعي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال فيما يرويه عن ربه جل جلاله أنه قال: (وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا). (صحيح مسلم:2865)
أي فطرتهم كانت سليمة متوافقة مع الدين الحنيف فجاءت الشياطين فأبعدتهم فشوهت أمامهم معالم الدين، حرمت عليهم ما أحل الله، مثلاً امرأة يمكن أن ترضى من زوجها أن يزني ولا ترضى لزوجها أن يتزوج امرأة ثانية.
فلذلك قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). (سورة الأحزاب:36)
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). (سورة الأعراف:32)
في الحلال ما يغني عن الحرام
من محاسن الإسلام ومما جاء به من تيسير على الناس أنه ما حرم شيئا عليهم إلا عوضهم خيرا منه مما يسد مسده، ويغني عنه، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله.
حرم عليهم الاستقسام بالأزلام وعوضهم عنه دعاء الاستخارة.
وحرم عليهم الربا وعوضهم التجارة الرابحة.
وحرم عليهم القمار، وأعاضهم عنه أكل المال بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام.
وحرم عليهم الحرير، وأعاضهم عنه أنواع الملابس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن.
وحرم عليهم الزنا واللواط، وأعاضهم عنهما بالزواج الحلال.
وحرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن.
وحرم عليهم الخبائث من المطعومات، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات.
لا يوجد حرام إلا وله بدائل عشرات بل مئات بل ألوف، وهذا يعني بأنه ليس في الإسلام حرمان، فالله حرم الزنى وأحل الزواج، وكما حرم لحم الخنزير أحل مئات أنواع اللحوم، إذا حرم الخمر أباح الأشربة الطيبة، إذا حرم الربا أحل البيع.
وهكذا إذا تتبعنا أحكام الإسلام كلها، وجدنا أن الله جل شأنه لم يضيق على عباده في جانب إلا وسع عليهم في جانب آخر من جنسه، فإنه سبحانه لا يريد بعباده عنتا ولا عسرا ولا إرهاقا، بل يريد اليسر والخير والهداية والرحمة.
قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)). (سورة النساء)
التحايل على الحرام حرام
لا تساهم في الحرام لا من قريب ولا من بعيد، لا تقدم مشورة ولا نصيحة، أنا أعمل تزيينات لملهى، أنت ساهمت في هذا المكان الذي يُعصى الله فيه، لا كهرباء ولا تزيين قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). (سورة المائدة:2)
والتحريم سببه أن هذه المحرمات تضر أو إنها خبيثة، وهذه قاعدة عامة، أي شيء يضر الأصل أنه محرم، وأي شيء خبيث الأصل أنه محرم والله تبارك وتعالى قال: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ). (سورة الأعراف:157)
التحايل على الحرام حرام، الإنسان بدل أن يرتكب الحرام صراحة يلتوي ويذهب إلى طريق أخر يوصل به إلى الحرام، هذه طريقة اليهود.
حُرم عليهم الصيد يوم السبت، جعلوا حفراً على شاطئ البحر يوم الجمعة تأتي الحيتان إلى هذه الحفر، الجمعة مساءً يغلقون طريق العودة، الحيتان حصرت في هذه الأحواض، يصطادونها يوم الأحد.
أنا لا أتعامل بالربا لكن أتبايع بالعينة احتيالا!
بل إن بعض أهل العلم قالوا: أن الذي يتحايل على الحرام يأثم من جهتين، من جهة وقوعه في الحرام، ومن جهة أيضا احتياله على الله جل وعلا وهذا لا شك أنه استخفاف برب العالمين.
ومن الحيل تسمية الشيء بغير اسمه وتغيير صورته مع بقاء حقيقته، مثلاً ليستحل طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع.
مثلاً فن العمل الخليع اسمه فن، والخمر اسمه مشروبات روحية، والربا اسمها فائدة، لو غيرت الأسماء فالحقيقة ثابتة إذاً التحايل على الحرام حرام.
فقد يؤدي المباح إلى الحرام ومنه جاءت قاعدة سد الذرائع الموصلة إلى ما حرم الله تعالى.
من حكمة التشريع الإلهي أن جعل الإسلام للحرام حمى لمحاصرة الحرام وتضييق نطاقه، والوقاية من آثاره، بسد الذرائع وقطع سبل الغواية وطلب من المسلم أن لا يقترب من حمى الحرام حتى لا يتمادى به الأمر فيقع في الحرام.
فحين حرم الله الزنا حرم كل مقدماته ودواعيه كالتبرج والخلوة الآثمة، والاختلاط المريب، والغناء الفاحش، والسهرات الماجنة وغيرها .
وحين حرم الخمر لعن كل من يشارك أو يساهم فيها من قريب أو بعيد، عن أنس بن مالك قال: لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في الخَمرِ عشرةً: عاصرَها، ومُعتصرَها، والمعصورةَ لَهُ، وحاملَها، والمَحمولةَ لَهُ، وبائعَها، والمبيوعةَ لَهُ، وساقيَها، والمستقاةَ لَهُ، حتَّى عدَّ عشرةً، من هذا الضَّربِ. (صحيح ابن ماجه:2742)
وحين حرم الربا، حرم كل عملياته، عن جابر بن عبدالله رضي الله قال: لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ. (صحيح مسلم:1598)
حكم بيع السلاح في زمن الفتنة هو الحرمة؛ لأن من المحتمل أن يُقتل به إنسانا بريئا، وحكم بيع العنب لمن يعصره خمراً هو الحرمة مع أنه كان جائزاً.
الحرام يحرم على الجميع ما يستثنى أحدا
عندنا في دين الله الشريعة تطبق على الجميع، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا). (صحيح البخاري:3475)
الشريعة هنا تطبق على الجميع، وليس عندنا تمييز في أحكام الشريعة .
الضرورات تبيح المحظورات
هذه القاعدة تحتاج إلى تفصيل، لكن أشير إليها إشارة؛ لأن بعض المحرمات يحتاج المسلم أحيانا إلى الوقوع فيها مضطرا، فالله تبارك وتعالى يرفع الحرج عنه لأن الشريعة جاءت لرفع الحرج، والله تبارك وتعالى يقول: (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ). (سورة الأنعام:119)
وقد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة.
المباحات التي تفضي إلى المفاسد ثلاث:
ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة نادرا قليلا، فالحكم بالإباحة ثابت له بناء على الأصل، مثاله: زراعة العنب، فلا يمنع منها تذرعا بأن من الناس من يعصر منها الخمر، وتعليم الرجل النساء عند الحاجة، فلا يمنع منه تذرعا بالفتنة المفضية إلى الزنا، وكذا خروجهن من بيوتهن لمصالحهن، وشهودهن المساجد، ودور العلم، فتقاس المصالح والمفاسد، فإن كان جانب المصلحة راجحا – وهو الأصل في المباحات – فلا تمنع بدعوى (سد الذرائع) لمجرد ظن المفسدة، أو لورودها لكنها ضعيفة في مقابلة المصلحة.
ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة كثيرا غالبا، فالرجحان في جانب المفسدة فيمنع منه (سدا للذريعة) وحسما لمادة الفساد، مثاله: بيع السلاح وقت وقوع الفتنة بين المسلمين بقتال بعضهم بعضا، وإجارة العقار لمن علم أنه يتخذه لمعصية الله، ويلاحظ في هذا أن (سد الذريعة) إلى المفسدة عارض حيث يكون المباح موصلا إلى المحظور؛ وإلا فإن بيع السلاح، وإجارة العقار لا يمتنعان في ظرف عادي.
ما يحتال به المكلف ليستبيح به المحرم، مثاله: الاحتيال على الربا ببيع العينة، وهو: أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به، فهذه الصورة من البيع حيلة محرمة بالنص، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم). (صحيح أبي داود:3462)
ومن القواعد أيضا:
أن النية الحسنة لا تحلل الحرام ، وينتج عن هذا أن الغاية لا تبرر الوسيلة.
قاعدة إتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام.