قسورة الشام
13-08-2009, 09:06 PM
بقلمِ الأستاذ: ياسر محمّد مطره جي
بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الفعل الماضي في التَّعريف يدلُّ على مجموع أمرينِ: حَدَث (مَعْنَى)، وزَمَن فات قبل النّطق به، نحو: ذَهَبَ زيدٌ، فالفعل (ذَهَبَ) يدلُّ على حدثٍ هو الذّهاب، وزمنٍ هو الماضي الفائت قبل النّطق.
ومن علاماته أنّه يقبل تاء التَّأنيث السَّاكنة في آخره (تْ)، وتاء الفاعل المتحرّكة (تُ َِ)، فالفعل "ذَهَبَ" السَّابق يقبل في العقل دخول تاء التّأنيث السّاكنة في آخره (ذهبَتْ)، وكذلك تاء الفاعل المتحرّكة (ذهبتُ َِ)، فهو فعلٌ ماضٍ.
1- وما يجهله كثيرٌ من الطّلبة عنِ الفعل الماضي أنَّه لا يدلُّ فقط على الزَّمن الماضي وحدَه، بل يدلُّ الفعل الماضي على أربعة أزمنة هي:
أ- الزَّمن الماضي: وهو الأكثر فيه وبه سُمِّيَ، وهو الزّمن الذي فات وانقضى، ويُسَمَّى الفعل هنا ماضياً لفظاً ومعنىً، والزمن الماضي قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً:
فإن سبقته (قَدْ) دلّ على الماضي القريب من الحال، فقولك "سافرَ زيدٌ" تحتمل الماضي القريب والبعيد، أمّا قولُك "قَدْ سافرَ زيدٌ" فزمن سفره قريب.
وكذلك إن سُبِقَ بـ (ما) كانَ زمن النّفي في الماضي القريب من الحال، وكذلك إذا اتّصلَ به فعلٌ من أفعال المقاربة، نحو: "ما انطلقَ محمّدٌ" ونحو: "كادَ المطرُ يهطلُ"، فزمن عدم انطلاق محمّد هو الماضي القريب، وكذلك زمن هطول المطر في الماضي القريب.
وإن سبقته (كانَ) دلَّ على الزَّمنِ البعيد جدّاً، نحو: "وكانَ ابتُلِيَ أيّوب" فزمن ابتلاء أيوب عليه السلام بعيدٌ جدّاً لوجود (كانَ) قبل الفعل (ابتُلِيَ).
ب- الزَّمن الحاضر: وكذلك يدلُّ الفعل الماضي على الزَّمنِ الحاضرِ، فيكون ماضي اللفظ دون المعنى، كقولِ طبيبِ لأهلِ المريضِ وهو يفحصُهُ: ماتَ الرَّجلُ، أو كقولِ بائعٍ لمشترٍ منه شيئاً بعدَ عراكٍ طويل على سعر السّلعة: بعتُكَ إيّاها، فالفعلان (ماتَ، وبعتُكَ) زمنها الحال لا الماضي.
ومن ذلك صيغ العقود، نحو: زوَّجْتُكَ ابنتي، قبلت، بعتُكَ بيتِي، وهكذا... فكلّها أفعال ماضية زمنها الحاضر لا الماضي.
وكذلك إذا اتّصلَ فيه فعلٌ من أفعال الشّروع، نحو: "شَرَعَ المطرُ يهطلُ"، فالفعل شرع ماضي اللّفظ حاضرُ الزَّمن والمعنى...
جـ- الزَّمن المستقبل: وأيضاً يدلُّ الفعل الماضي على الزَّمنِ المستقبلِ، فيكون ماضي اللفظ دون المعنى، ومن ذلك ما دلَّ على دعاء، كقول المصلّي لأخيه بقربه بعد تسليمهما: تقبَّلَ اللهُ، أو كقولِ أخٍ لأخيه قبلَ سفره بيوم: حماكَ اللهُ، فالفعلان "تقبَّلَ وحماكَ" فعلانِ ماضيانِ في اللّفظ مستقبلانِ في الزمن والمعنى...
ويكون ذلك أيضاً في ألفاظ الوعد، نحو قولِهِ تعالى: إنَّا أعطيناكَ الكوثرَ"...
ويكون عندما يسبق الماضي بـ "لا" النافية دون أن يكرّر، فيفيد الدعاء في المستقبل، نحو: "لا سقاكَ اللهُ من زمزم"...
ويكون عندما يسبق الماضي بأداة شرط جازمة أو غير جازمة، نحو" إذا جاءَ نصرُ الله والفتحُ..."، ونحو: "إذا وقعتِ الواقعةُ"، فالفعلان "جاءَ، ووقعَتْ" ماضيان في اللفظ والإعراب، مستقبلان في الزمن والمعنى...
وانظروا إلى القرائن الحالية التي تدلّ على أنَّ الماضي في الآيات الكريمة الآتية هو في اللّفظ فقط، لأنَّه مستقبل في المعنى: " إلاَّ أصحاب اليمين، في جنّات يتساءلون، عن المجرمينَ، ما سلككم في سقر، قالوا لم نكُ من المصلِّين، ولم نكُ نطعم المسكين، وكنَّا نخوض مع الخائضين..." فالفعلان "سلككم، وقالوا" هما فعلانِ ماضيانِ ولكنْ: هل دلاَّ على الزمن الماضي، بالطبع لا، فقد أنزل تبارك وتعالى المستقبل الواجب الوقوع بمنزلة الماضي الذي قد وقع...
ء- الزَّمن المطلق (الماضي والحاضر والمستقبل): نحو قوله تعالى: وكانَ الله غفوراً رحيماً"، فالفعل "كانَ" ماضي اللفظ، ولكنَّ زمنه الماضي والحاضر والمستقبل، ومنه قوله تعالى: "كنتم خيرَ أمّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، فَمَنْ يجهل دلالة الماضي على زمن غير الماضي يعتقد أنَّ هذه الآية نزلت للصّحابة رضوان الله تعالى عليهم فقط، ولكنَّ مَنْ يعلم دلالة الأفعال يدرك أنَّ الفعل "كنتم" يدلُّ على مطلق الزمن، وأنّ أمّةَ نبيِّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم مشمولة بهذه الآية من أوّل بعثته عليه السّلام إلى يوم القيامة يوم القسط والميزان...
وإذا جاء الماضي بعد همزة التسوية المسبوقة بكلمة "سواء" دلَّ على مطلق الزمن، نحو: سواءٌ عليك أ سافرتَ أم لم تسافرْ؟".
وإذا وقع الماضي بعد أداةٍ للحضّ، نحو: "هلاَّ ساعدتَ المحتاج".
وإذا وقع الماضي بعد حيثُ، نحو: "ادخل المكّة حيثُ دخلَ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم، أو اجلس حيثُ جلسَ الصّالحونَ"...
وبقي أن أشير إلى أنَّ تسمية الفعل الماضي بالفعل الماضي دون غيره من الأزمنة هو من باب تسمية الكلّ باسم الجزء، أو من باب التّغليب؛ لأنَّه أكثر ما يدلُّ عليه هو الزَّمن الماضي... كأفعال المقاربة في العربيّة هي: أفعال المقاربة والرجاء والشروع...
وأن أشير أيضاً إلى أنَّ إعراب الفعل الماضي لا يتغيّر مهما كان زمنه، وإنَّما التنوّع في الأزمنة هو من اختصاص علم المعاني، الذّي يبيّن جماليّة ذلك كلّه، ولا علاقة لعلم الإعراب به.
2- وما يجهله أيضاً الطّلبة عن الماضي أنَّه في أصله وحقيقته لا يبنى إلاَّ على الفتح، وعليه فهو لا يبنى على السّكون ولا على الضّمّ؛ وسبب ذلك أنَّ الماضي من المبنيّات في علم النّحو، والمبنيّ هو الذي لا تتغيّر حركة آخره مهما تغيّرَ موقعه من الجملة، ولمّا كانَ الماضي مبنيّاً وجبَ أن يلزم حركة بناء واحدة لا تتغيّر مهما تغيّر موقعه في الكلام...
مثل "ذَهَبَ زيدٌ"، فـ "ذَهَبَ": فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح الظّاهر على آخره.
أ- وإن اتّصل بواو الجماعة مثلاً، فإنَّه يحرّك بالضّمّ لعلّة صوتيّة لا لعلّة نحويّة، ونقول في إعرابه:
ذهبُوا: فعل ماض مبني على الفتح قياساً، وحُرِّك بالضمّ لمناسبة الواو حرف المدّ واللين، والواو ضمير متّصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والألف للتفريق.
(فكما أنَّ تاء التأنيث الساكنة هي من المبنيات وعندما يأتي بعدها ساكنٌ تتحرّك بالكسر، ولا يتغيّر إعرابها فكذلك الماضي تماماً، فنحنُ نقول في إعراب التاء في قولنا: ذهبتِ المعلّمةُ: والتاء تاء التأنيث السَّاكنة وحرّكت بالكسر لالتقاء الساكنين، ولا نقول إنّها مبنيّة على الكسر لأنَّ العلّة صوتيّة لا نحويّة، وهذا بالضبط ما حدث للماضي عندما اتّصلت به واو الجماعة)...
ب- وإذا اتّصلت به تاء الفاعل المتحرّكة أو نون النسوة أو نا الدالة على الفاعلين، فإنّه يسكّن لتوالي أربعة متحرّكات طلباً للخفّة وهي علّة أيضاً صوتيّة، نحو: (ذَهَبَ + تُ = ذَهَبَتُ) ولا يتتالى في العربيّة أربعة متحرّكات؛ لذلك يُسَكَّنُ الحرفُ قبل الأخير صوتيَّاً لا نحويّاً.
وإعراب ذَهَبْتُ: فعل ماض مبني على الفتح قياساً وسُكِّنَ لتوالي أربعة متحرّكات طلباً للخفّة، وتاء الفاعل المتحرّكة ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ رفع فاعل.
ولا بدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ هذا الإعراب هو المطلوب في الجامعات السّورية؛ لأنَّ الإعرابَ المتداولَ باطلٌ، ولا أساسَ له من الصّحّة، وينافي قاعدة المعرب والمبنيّ في العربيّة، وهذا ما دفعني إلى توضيحه في هذا المقال...
ولكم منّي الشّكر الجزيل، والحمد لله الرَّبِّ الجليل
وإليكم بعضاً من النمازج المعربة من بعض الآيات القرآنيّة الكريمة تثبيتاً للمعلومات:
"وما أُوْتِيْتُمْ مِنَ العلمِ إلاَّ قليلاً":
الواو: حسب ما قبلها.
ما: حرف نفي.
أوتيتم: فعل ماض مبني لِمَا لمْ يُسَمَّ فاعلُهُ (أو مبني للمفعول) مبني على الفتح قياساً، وسُكِّنَ لتوالي أربعة متحرِّكات طلباً للخفّة، والتاء ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ رفع نائب فاعل، والميم علامة جمع الذكور العقلاء.
من العلم: معلّقان بالفعل أوتي.
إلاَّ: أداة حصر (وأعربت أداة حصر لا استثناء لأنّها سبقت بنفي، والاستثناء معها ناقص، ويعرب ما بعدها حسب موقعه من الجملة، وكأنّ "النفي" و"إلاَّ" غير مذكورين، وإنّما ذكرا توكيداً للكلام، فنفي النفي إثبات).
قليلاً: مفعول مطلق ناب عن المصدر (والذي ناب عن المصدر هنا هو صفته، والتقدير: "وما أوتيتم من العلم إلاّ إتياناً قليلاً" فحذفت المصر المفعول المطلق وناب عنه صفته قليلاً) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"هناك دعا زكريَّا ربَّهُ":
هناك: هنا: اسم إشارة مبني على السّكون في محلّ نصب على الظرفيّة المكانيّة معلّق بالفعل دعا، والكاف للخطاب.
دعا: فعل ماض مبني على الفتح المقدَّر على الألف للتعذّر.
زكريَّا: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة المقدّرة على الألف للتعذّر.
ربَّهُ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والهاء: ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ جرّ بالإضافة. (الضمير دائماً إذا اتّصل بالاسم يعرب في محلّ جرّ بالإضافة).
"ولقد علمُوا لمَنِ اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ":
الواو: حسب ما قبلها.
لقد: اللام واقعة في جواب قسم محذوف مقدّر... (ويجوز أن تعرب حرف ابتداء)، وقد: حرف تحقيق (لأنّه دخل على الماضي ولو دخل على المضارع لكان حرف تقليل).
علمُوا: فعل ماض مبني على الفتح قياساً وحُرِّك بالضّمّ لمناسبة الواو حرف المدّ واللّين، والواو ضمير متّصل مبني على السكون في محلّ رفع فاعل، والألف للتفريق.
لَمَنْ: اللام: حرف ابتداء (وعلَّقت الفعل علم عن العمل)، ومَنْ: اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محلّ رفع مبتدأ.
اشتراه: فعل ماض مبني على الفتح المقدَّر على الألف للتعذّر، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، والهاء: ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ نصب مفعول به للفعل اشترى.
ما: حرف نفي.
له: اللام حرف جرّ، والهاء: ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ جرّ باللام، والجار والمجرور معلّقان بخبر مقدّم محذوف للمبتدأ خلاق، تقديره موجودٌ أو كائنٌ...
في الآخرة: معلّقان بحال محذوفة من خلاق (وهما في الأصل معلقان بصفة محذوفة من خلاق ولكنَّ القاعدة تقول: إذا تقدَّمت الصفة على موصوفها تعرب حالاً).
من خلاقٍ: لها إعرابان وكلاهما مقبولٌ حسنٌ:
الأوّل: من: حرف جرّ زائد، وخلاقٍ: اسم مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنّه مبتدأ مؤخّر، وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة تحت آخره.
والثاني: من: حرف جرّ، وخلاقٍ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة الحكاية.
وجملة (قد علموا...): فعليّة جواب قسم لا محلّ لها من الإعراب.
وجملة (اشتراه): فعليّة صلة الموصول الاسمي لا محلّ لها من الإعراب.
وجملة (ما له في الآخرة من خلاق): اسميّة في محلّ رفع خبر للمبتدأ مَنْ.
وجملة (من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق): اسميّة في محلّ نصب سدّت مسدّ مفعولي علم.
منقول بقلم الأستاذ ياسر محمّد مطره جي
بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الفعل الماضي في التَّعريف يدلُّ على مجموع أمرينِ: حَدَث (مَعْنَى)، وزَمَن فات قبل النّطق به، نحو: ذَهَبَ زيدٌ، فالفعل (ذَهَبَ) يدلُّ على حدثٍ هو الذّهاب، وزمنٍ هو الماضي الفائت قبل النّطق.
ومن علاماته أنّه يقبل تاء التَّأنيث السَّاكنة في آخره (تْ)، وتاء الفاعل المتحرّكة (تُ َِ)، فالفعل "ذَهَبَ" السَّابق يقبل في العقل دخول تاء التّأنيث السّاكنة في آخره (ذهبَتْ)، وكذلك تاء الفاعل المتحرّكة (ذهبتُ َِ)، فهو فعلٌ ماضٍ.
1- وما يجهله كثيرٌ من الطّلبة عنِ الفعل الماضي أنَّه لا يدلُّ فقط على الزَّمن الماضي وحدَه، بل يدلُّ الفعل الماضي على أربعة أزمنة هي:
أ- الزَّمن الماضي: وهو الأكثر فيه وبه سُمِّيَ، وهو الزّمن الذي فات وانقضى، ويُسَمَّى الفعل هنا ماضياً لفظاً ومعنىً، والزمن الماضي قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً:
فإن سبقته (قَدْ) دلّ على الماضي القريب من الحال، فقولك "سافرَ زيدٌ" تحتمل الماضي القريب والبعيد، أمّا قولُك "قَدْ سافرَ زيدٌ" فزمن سفره قريب.
وكذلك إن سُبِقَ بـ (ما) كانَ زمن النّفي في الماضي القريب من الحال، وكذلك إذا اتّصلَ به فعلٌ من أفعال المقاربة، نحو: "ما انطلقَ محمّدٌ" ونحو: "كادَ المطرُ يهطلُ"، فزمن عدم انطلاق محمّد هو الماضي القريب، وكذلك زمن هطول المطر في الماضي القريب.
وإن سبقته (كانَ) دلَّ على الزَّمنِ البعيد جدّاً، نحو: "وكانَ ابتُلِيَ أيّوب" فزمن ابتلاء أيوب عليه السلام بعيدٌ جدّاً لوجود (كانَ) قبل الفعل (ابتُلِيَ).
ب- الزَّمن الحاضر: وكذلك يدلُّ الفعل الماضي على الزَّمنِ الحاضرِ، فيكون ماضي اللفظ دون المعنى، كقولِ طبيبِ لأهلِ المريضِ وهو يفحصُهُ: ماتَ الرَّجلُ، أو كقولِ بائعٍ لمشترٍ منه شيئاً بعدَ عراكٍ طويل على سعر السّلعة: بعتُكَ إيّاها، فالفعلان (ماتَ، وبعتُكَ) زمنها الحال لا الماضي.
ومن ذلك صيغ العقود، نحو: زوَّجْتُكَ ابنتي، قبلت، بعتُكَ بيتِي، وهكذا... فكلّها أفعال ماضية زمنها الحاضر لا الماضي.
وكذلك إذا اتّصلَ فيه فعلٌ من أفعال الشّروع، نحو: "شَرَعَ المطرُ يهطلُ"، فالفعل شرع ماضي اللّفظ حاضرُ الزَّمن والمعنى...
جـ- الزَّمن المستقبل: وأيضاً يدلُّ الفعل الماضي على الزَّمنِ المستقبلِ، فيكون ماضي اللفظ دون المعنى، ومن ذلك ما دلَّ على دعاء، كقول المصلّي لأخيه بقربه بعد تسليمهما: تقبَّلَ اللهُ، أو كقولِ أخٍ لأخيه قبلَ سفره بيوم: حماكَ اللهُ، فالفعلان "تقبَّلَ وحماكَ" فعلانِ ماضيانِ في اللّفظ مستقبلانِ في الزمن والمعنى...
ويكون ذلك أيضاً في ألفاظ الوعد، نحو قولِهِ تعالى: إنَّا أعطيناكَ الكوثرَ"...
ويكون عندما يسبق الماضي بـ "لا" النافية دون أن يكرّر، فيفيد الدعاء في المستقبل، نحو: "لا سقاكَ اللهُ من زمزم"...
ويكون عندما يسبق الماضي بأداة شرط جازمة أو غير جازمة، نحو" إذا جاءَ نصرُ الله والفتحُ..."، ونحو: "إذا وقعتِ الواقعةُ"، فالفعلان "جاءَ، ووقعَتْ" ماضيان في اللفظ والإعراب، مستقبلان في الزمن والمعنى...
وانظروا إلى القرائن الحالية التي تدلّ على أنَّ الماضي في الآيات الكريمة الآتية هو في اللّفظ فقط، لأنَّه مستقبل في المعنى: " إلاَّ أصحاب اليمين، في جنّات يتساءلون، عن المجرمينَ، ما سلككم في سقر، قالوا لم نكُ من المصلِّين، ولم نكُ نطعم المسكين، وكنَّا نخوض مع الخائضين..." فالفعلان "سلككم، وقالوا" هما فعلانِ ماضيانِ ولكنْ: هل دلاَّ على الزمن الماضي، بالطبع لا، فقد أنزل تبارك وتعالى المستقبل الواجب الوقوع بمنزلة الماضي الذي قد وقع...
ء- الزَّمن المطلق (الماضي والحاضر والمستقبل): نحو قوله تعالى: وكانَ الله غفوراً رحيماً"، فالفعل "كانَ" ماضي اللفظ، ولكنَّ زمنه الماضي والحاضر والمستقبل، ومنه قوله تعالى: "كنتم خيرَ أمّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، فَمَنْ يجهل دلالة الماضي على زمن غير الماضي يعتقد أنَّ هذه الآية نزلت للصّحابة رضوان الله تعالى عليهم فقط، ولكنَّ مَنْ يعلم دلالة الأفعال يدرك أنَّ الفعل "كنتم" يدلُّ على مطلق الزمن، وأنّ أمّةَ نبيِّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم مشمولة بهذه الآية من أوّل بعثته عليه السّلام إلى يوم القيامة يوم القسط والميزان...
وإذا جاء الماضي بعد همزة التسوية المسبوقة بكلمة "سواء" دلَّ على مطلق الزمن، نحو: سواءٌ عليك أ سافرتَ أم لم تسافرْ؟".
وإذا وقع الماضي بعد أداةٍ للحضّ، نحو: "هلاَّ ساعدتَ المحتاج".
وإذا وقع الماضي بعد حيثُ، نحو: "ادخل المكّة حيثُ دخلَ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم، أو اجلس حيثُ جلسَ الصّالحونَ"...
وبقي أن أشير إلى أنَّ تسمية الفعل الماضي بالفعل الماضي دون غيره من الأزمنة هو من باب تسمية الكلّ باسم الجزء، أو من باب التّغليب؛ لأنَّه أكثر ما يدلُّ عليه هو الزَّمن الماضي... كأفعال المقاربة في العربيّة هي: أفعال المقاربة والرجاء والشروع...
وأن أشير أيضاً إلى أنَّ إعراب الفعل الماضي لا يتغيّر مهما كان زمنه، وإنَّما التنوّع في الأزمنة هو من اختصاص علم المعاني، الذّي يبيّن جماليّة ذلك كلّه، ولا علاقة لعلم الإعراب به.
2- وما يجهله أيضاً الطّلبة عن الماضي أنَّه في أصله وحقيقته لا يبنى إلاَّ على الفتح، وعليه فهو لا يبنى على السّكون ولا على الضّمّ؛ وسبب ذلك أنَّ الماضي من المبنيّات في علم النّحو، والمبنيّ هو الذي لا تتغيّر حركة آخره مهما تغيّرَ موقعه من الجملة، ولمّا كانَ الماضي مبنيّاً وجبَ أن يلزم حركة بناء واحدة لا تتغيّر مهما تغيّر موقعه في الكلام...
مثل "ذَهَبَ زيدٌ"، فـ "ذَهَبَ": فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح الظّاهر على آخره.
أ- وإن اتّصل بواو الجماعة مثلاً، فإنَّه يحرّك بالضّمّ لعلّة صوتيّة لا لعلّة نحويّة، ونقول في إعرابه:
ذهبُوا: فعل ماض مبني على الفتح قياساً، وحُرِّك بالضمّ لمناسبة الواو حرف المدّ واللين، والواو ضمير متّصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والألف للتفريق.
(فكما أنَّ تاء التأنيث الساكنة هي من المبنيات وعندما يأتي بعدها ساكنٌ تتحرّك بالكسر، ولا يتغيّر إعرابها فكذلك الماضي تماماً، فنحنُ نقول في إعراب التاء في قولنا: ذهبتِ المعلّمةُ: والتاء تاء التأنيث السَّاكنة وحرّكت بالكسر لالتقاء الساكنين، ولا نقول إنّها مبنيّة على الكسر لأنَّ العلّة صوتيّة لا نحويّة، وهذا بالضبط ما حدث للماضي عندما اتّصلت به واو الجماعة)...
ب- وإذا اتّصلت به تاء الفاعل المتحرّكة أو نون النسوة أو نا الدالة على الفاعلين، فإنّه يسكّن لتوالي أربعة متحرّكات طلباً للخفّة وهي علّة أيضاً صوتيّة، نحو: (ذَهَبَ + تُ = ذَهَبَتُ) ولا يتتالى في العربيّة أربعة متحرّكات؛ لذلك يُسَكَّنُ الحرفُ قبل الأخير صوتيَّاً لا نحويّاً.
وإعراب ذَهَبْتُ: فعل ماض مبني على الفتح قياساً وسُكِّنَ لتوالي أربعة متحرّكات طلباً للخفّة، وتاء الفاعل المتحرّكة ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ رفع فاعل.
ولا بدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ هذا الإعراب هو المطلوب في الجامعات السّورية؛ لأنَّ الإعرابَ المتداولَ باطلٌ، ولا أساسَ له من الصّحّة، وينافي قاعدة المعرب والمبنيّ في العربيّة، وهذا ما دفعني إلى توضيحه في هذا المقال...
ولكم منّي الشّكر الجزيل، والحمد لله الرَّبِّ الجليل
وإليكم بعضاً من النمازج المعربة من بعض الآيات القرآنيّة الكريمة تثبيتاً للمعلومات:
"وما أُوْتِيْتُمْ مِنَ العلمِ إلاَّ قليلاً":
الواو: حسب ما قبلها.
ما: حرف نفي.
أوتيتم: فعل ماض مبني لِمَا لمْ يُسَمَّ فاعلُهُ (أو مبني للمفعول) مبني على الفتح قياساً، وسُكِّنَ لتوالي أربعة متحرِّكات طلباً للخفّة، والتاء ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ رفع نائب فاعل، والميم علامة جمع الذكور العقلاء.
من العلم: معلّقان بالفعل أوتي.
إلاَّ: أداة حصر (وأعربت أداة حصر لا استثناء لأنّها سبقت بنفي، والاستثناء معها ناقص، ويعرب ما بعدها حسب موقعه من الجملة، وكأنّ "النفي" و"إلاَّ" غير مذكورين، وإنّما ذكرا توكيداً للكلام، فنفي النفي إثبات).
قليلاً: مفعول مطلق ناب عن المصدر (والذي ناب عن المصدر هنا هو صفته، والتقدير: "وما أوتيتم من العلم إلاّ إتياناً قليلاً" فحذفت المصر المفعول المطلق وناب عنه صفته قليلاً) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"هناك دعا زكريَّا ربَّهُ":
هناك: هنا: اسم إشارة مبني على السّكون في محلّ نصب على الظرفيّة المكانيّة معلّق بالفعل دعا، والكاف للخطاب.
دعا: فعل ماض مبني على الفتح المقدَّر على الألف للتعذّر.
زكريَّا: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة المقدّرة على الألف للتعذّر.
ربَّهُ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والهاء: ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ جرّ بالإضافة. (الضمير دائماً إذا اتّصل بالاسم يعرب في محلّ جرّ بالإضافة).
"ولقد علمُوا لمَنِ اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ":
الواو: حسب ما قبلها.
لقد: اللام واقعة في جواب قسم محذوف مقدّر... (ويجوز أن تعرب حرف ابتداء)، وقد: حرف تحقيق (لأنّه دخل على الماضي ولو دخل على المضارع لكان حرف تقليل).
علمُوا: فعل ماض مبني على الفتح قياساً وحُرِّك بالضّمّ لمناسبة الواو حرف المدّ واللّين، والواو ضمير متّصل مبني على السكون في محلّ رفع فاعل، والألف للتفريق.
لَمَنْ: اللام: حرف ابتداء (وعلَّقت الفعل علم عن العمل)، ومَنْ: اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محلّ رفع مبتدأ.
اشتراه: فعل ماض مبني على الفتح المقدَّر على الألف للتعذّر، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، والهاء: ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ نصب مفعول به للفعل اشترى.
ما: حرف نفي.
له: اللام حرف جرّ، والهاء: ضمير متّصل مبني على الضمّ في محلّ جرّ باللام، والجار والمجرور معلّقان بخبر مقدّم محذوف للمبتدأ خلاق، تقديره موجودٌ أو كائنٌ...
في الآخرة: معلّقان بحال محذوفة من خلاق (وهما في الأصل معلقان بصفة محذوفة من خلاق ولكنَّ القاعدة تقول: إذا تقدَّمت الصفة على موصوفها تعرب حالاً).
من خلاقٍ: لها إعرابان وكلاهما مقبولٌ حسنٌ:
الأوّل: من: حرف جرّ زائد، وخلاقٍ: اسم مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنّه مبتدأ مؤخّر، وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة تحت آخره.
والثاني: من: حرف جرّ، وخلاقٍ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة منع من ظهورها اشتغال المحلّ بحركة الحكاية.
وجملة (قد علموا...): فعليّة جواب قسم لا محلّ لها من الإعراب.
وجملة (اشتراه): فعليّة صلة الموصول الاسمي لا محلّ لها من الإعراب.
وجملة (ما له في الآخرة من خلاق): اسميّة في محلّ رفع خبر للمبتدأ مَنْ.
وجملة (من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق): اسميّة في محلّ نصب سدّت مسدّ مفعولي علم.
منقول بقلم الأستاذ ياسر محمّد مطره جي