أبو يوسف
27-10-2009, 08:39 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
----------
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في شرح المحبة :
فأما المحبة فقيل أصلها الصفاء لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان .
وقيل مأخوذة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة غليان القلب وثورانه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب
وقيل مشتقة من اللزوم والثبات ومنه أحب البعير إذا برك فلم يقم، قال الشاعر :
حلت عليه بالفلاة ضربا = ضرب بعير السوء إذ أحبا
فكأن المحب قد لزم قلبه محبوبه فلم يرم عنه انتقالا
وقيل بل هي مأخوذة من القلق والاضطراب ومنه سمي القرط حبا لقلقه في الأذن واضطرابه، قال الشاعر :
تبيت الحية النضناض منه = مكان الحب تستمع السرارا
وقيل بل هي مأخوذة من الحب جمع حبة وهو لباب الشيء وخالصه وأصله فإن الحب أصل النبات والشجر
وقيل بل هي مأخوذة من الحب الذي هو إناء واسع يوضع فيه الشيء فيمتلئ به بحيث لا يسع غيره وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير محبوبة
وقيل مأخوذة من الحب وهو الخشبات الأربع التي يستقر عليها ما يوضع عليها من جرة أو غيرها فسمى الحب بذلك لأن المحب يتحمل لأجل محبوبه الأثقال كما تتحمل الخشبات ثقل ما يوضع عليها
وقيل بل هي مأخوذة من حبة القلب وهي سويداؤه ويقال ثمرته فسميت المحبة بذلك لوصولها إلى حبة القلب وذلك قريب من قولهم ظهره إذا أصاب ظهره ورأسه إذا أصاب رأسه ورآه إذا أصاب رئته وبطنه إذا أصاب بطنه ولكن في هذه الأفعال وصل أثر الفاعل إلى المفعول وأما في المحبة فالأثر إنما وصل إلى المحب
وبعد ففيه لغتان حب وأحب قال الشاعر :
أحب أبا مروان من أجل تمره = وأعلم أن الرفق بالمرء أرفق
ووالله لولا تمره ما حببته = ولا كان أدنى من عبيد ومشرق
كذلك أنشده الجوهري بالإقواء فجمع بين اللغتين ولكن في جانب الفعل واسم الفاعل غلبوا الرباعي فقالوا أحبه يحبه فهو محب وفي المفعول غلبوا فعل فقالوا في الأكثر محبوب ولم يقولوا محب إلا نادرا، قال الشاعر :
ولقد نزلت فلا تظني غيره= مني بمنزلة المحب المكرم
فهذا من أفعل وأما حبيب فأكثر استعمالهم له بمعنى المحبوب، قال الشاعر :
وما زرت ليلى أن تكون حبيبة = إلي ولا دين لها أنا طالبه
وقد استعملوه بمعنى المحب قال الشاعر :
وما هجرتك النفس أنك عندها = قليل ولا أن قل منك نصيبها
ولكنهم يا أحسن الناس أولعوا = بقول إذا ما جئت هذا حبيبها
فهذا يحتمل أن يكون بمعنى المحبوب وأن يكون بمعنى المحب وأما الحب بكسر الحاء فلغة في الحب وغالب استعماله بمعنى المحبوب قال في الصحاح الحب المحبة وكذلك الحب بالكسر والحب أيضا الحبيب مثل خدن وخدين
قلت : وهذا نظير ذبح بمعنى مذبوح ونهب بمعنى منهوب ورشق بمعنى مرشوق ومنه السب ويشترك فيه الفاعل والمفعول قال أبو عبيد السب بالكسر الكثير السباب قال الجوهري وسبك الذي يسابك، قال حسان :
لا تسبنني فلست بسبي = إن سبي من الرجال الكريم
والصواب أنه عبدالرحمن بن حسان
وقد يشترك فيه المصدر والمفعول نحو رزق وفي إعطائهم ضمة الحاء للمصدر سر لطيف فإن الكسرة أخف من الضمة والمحبوب أخف على قلوبهم من نفس الحب فأعطوا الحركة الخفيفة للأخف والثقيلة للأثقل
ويقال أحبه حبا ومحبة والمحبة أم باب هذه الأسماء
وأما كلام الناس في حدها فكثير :
فقيل هي الميل الدائم بالقلب الهائم
وقيل إيثار المحبوب على جميع المصحوب
وقيل موافقة الحبيب في المشهد والمغيب
وقيل اتحاد مراد المحب ومراد المحبوب
وقيل إيثار مراد المحبوب على مراد المحب
وقيل إقامة الخدمة مع القيام بالحرمة
وقيل استقلال الكثير منك لمحبوبك واستكثار القليل منه إليك
وقيل استيلاء ذكر المحبوب على قلب المحب
وقيل حقيقتها أن تهب كلك لمن أحببته فلا يبقى لك منك شيء
وقيل هي أن تمحو من قلبك ما سوى المحبوب
وقيل هي الغيرة للمحبوب أن تنتقص حرمته والغيرة على القلب أن يكون فيه سواه
وقيل هي الإرادة التي لا تنقص بالجفاء ولا تزيد بالبر
وقيل هي حفظ الحدود فليس بصادق من ادعى محبة من لم يحفظ حدوده
وقيل هي قيامك لمحبوبك بكل ما يحبه منك
وقيل هي مجانبة السلو على كل حال كما قيل :
ومن كان من طول الهوى ذاق سلوة = فإني من ليلي لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها = أماني لم تصدق كلمعة بارق
وقيل نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب
وقيل ذكر المحبوب على عدد الأنفاس، كما قيل :
يراد من القلب نسيانكم = وتأبى الطباع على الناقل
وقيل عمى القلب عن رؤية غير المحبوب وصممه عن سماع العذل فيه. وفي الحديث : "حبك للشيء يعمي ويصم" رواه الإمام أحمد
وقيل ميلك إلى المحبوب بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك ثم موافقتك له سرا وجهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه
وقيل هي بذلك المجهود فيما يرضى الحبيب
وقيل هي سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون فيضطرب القلب فلا يسكن إلا إلى محبوبه فيضطرب شوقا إليه ويسكن عنده، وهذا معنى قول بعضهم هي حركة القلب على الدوام إلى المحبوب وسكونه عنده
وقيل هي مصاحبة المحبوب على الدوام، كما قيل :
ومن عجب أني أحن إليهم = وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها = ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وقيل هي أن يكون المحبوب أقرب إلى المحب من روحه، كما قيل :
يا مقيما في خاطري وجناني = وبعيدا عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست أراها = فهي أدنى إلي من كل داني
وقيل هي حضور المحبوب عند المحب دائما، كما قيل :
خيالك في عيني وذكرك في فمي = ومثواك في قلبي فأين تغيب
وقيل هي أن يستوي قرب دار المحبوب وبعدها عند المحب، كما قيل :
يا ثاويا بين الجوانح والحشى = مني وإن بعدت علي دياره
عطفا على صب يحبك هائم = إن لم تصله تصدعت أعشاره
لا يستفيق من الغرام وكلما = حجبوك عنه تهتكت أستاره
وقيل هي ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه والملام، كما قيل :
وقف الهوى بي حيث أنت فليـــ=ـــس لي متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا = ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم = إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواك لذيذة = حبا لذكرك فليلمني اللوم
ا.هـ
وقريب من هذا المعنى قول عنترة العبسي :-
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني =وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها = لمعت كبارق ثغرك المتبسم
.
.
----------
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله في شرح المحبة :
فأما المحبة فقيل أصلها الصفاء لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان .
وقيل مأخوذة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة غليان القلب وثورانه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب
وقيل مشتقة من اللزوم والثبات ومنه أحب البعير إذا برك فلم يقم، قال الشاعر :
حلت عليه بالفلاة ضربا = ضرب بعير السوء إذ أحبا
فكأن المحب قد لزم قلبه محبوبه فلم يرم عنه انتقالا
وقيل بل هي مأخوذة من القلق والاضطراب ومنه سمي القرط حبا لقلقه في الأذن واضطرابه، قال الشاعر :
تبيت الحية النضناض منه = مكان الحب تستمع السرارا
وقيل بل هي مأخوذة من الحب جمع حبة وهو لباب الشيء وخالصه وأصله فإن الحب أصل النبات والشجر
وقيل بل هي مأخوذة من الحب الذي هو إناء واسع يوضع فيه الشيء فيمتلئ به بحيث لا يسع غيره وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير محبوبة
وقيل مأخوذة من الحب وهو الخشبات الأربع التي يستقر عليها ما يوضع عليها من جرة أو غيرها فسمى الحب بذلك لأن المحب يتحمل لأجل محبوبه الأثقال كما تتحمل الخشبات ثقل ما يوضع عليها
وقيل بل هي مأخوذة من حبة القلب وهي سويداؤه ويقال ثمرته فسميت المحبة بذلك لوصولها إلى حبة القلب وذلك قريب من قولهم ظهره إذا أصاب ظهره ورأسه إذا أصاب رأسه ورآه إذا أصاب رئته وبطنه إذا أصاب بطنه ولكن في هذه الأفعال وصل أثر الفاعل إلى المفعول وأما في المحبة فالأثر إنما وصل إلى المحب
وبعد ففيه لغتان حب وأحب قال الشاعر :
أحب أبا مروان من أجل تمره = وأعلم أن الرفق بالمرء أرفق
ووالله لولا تمره ما حببته = ولا كان أدنى من عبيد ومشرق
كذلك أنشده الجوهري بالإقواء فجمع بين اللغتين ولكن في جانب الفعل واسم الفاعل غلبوا الرباعي فقالوا أحبه يحبه فهو محب وفي المفعول غلبوا فعل فقالوا في الأكثر محبوب ولم يقولوا محب إلا نادرا، قال الشاعر :
ولقد نزلت فلا تظني غيره= مني بمنزلة المحب المكرم
فهذا من أفعل وأما حبيب فأكثر استعمالهم له بمعنى المحبوب، قال الشاعر :
وما زرت ليلى أن تكون حبيبة = إلي ولا دين لها أنا طالبه
وقد استعملوه بمعنى المحب قال الشاعر :
وما هجرتك النفس أنك عندها = قليل ولا أن قل منك نصيبها
ولكنهم يا أحسن الناس أولعوا = بقول إذا ما جئت هذا حبيبها
فهذا يحتمل أن يكون بمعنى المحبوب وأن يكون بمعنى المحب وأما الحب بكسر الحاء فلغة في الحب وغالب استعماله بمعنى المحبوب قال في الصحاح الحب المحبة وكذلك الحب بالكسر والحب أيضا الحبيب مثل خدن وخدين
قلت : وهذا نظير ذبح بمعنى مذبوح ونهب بمعنى منهوب ورشق بمعنى مرشوق ومنه السب ويشترك فيه الفاعل والمفعول قال أبو عبيد السب بالكسر الكثير السباب قال الجوهري وسبك الذي يسابك، قال حسان :
لا تسبنني فلست بسبي = إن سبي من الرجال الكريم
والصواب أنه عبدالرحمن بن حسان
وقد يشترك فيه المصدر والمفعول نحو رزق وفي إعطائهم ضمة الحاء للمصدر سر لطيف فإن الكسرة أخف من الضمة والمحبوب أخف على قلوبهم من نفس الحب فأعطوا الحركة الخفيفة للأخف والثقيلة للأثقل
ويقال أحبه حبا ومحبة والمحبة أم باب هذه الأسماء
وأما كلام الناس في حدها فكثير :
فقيل هي الميل الدائم بالقلب الهائم
وقيل إيثار المحبوب على جميع المصحوب
وقيل موافقة الحبيب في المشهد والمغيب
وقيل اتحاد مراد المحب ومراد المحبوب
وقيل إيثار مراد المحبوب على مراد المحب
وقيل إقامة الخدمة مع القيام بالحرمة
وقيل استقلال الكثير منك لمحبوبك واستكثار القليل منه إليك
وقيل استيلاء ذكر المحبوب على قلب المحب
وقيل حقيقتها أن تهب كلك لمن أحببته فلا يبقى لك منك شيء
وقيل هي أن تمحو من قلبك ما سوى المحبوب
وقيل هي الغيرة للمحبوب أن تنتقص حرمته والغيرة على القلب أن يكون فيه سواه
وقيل هي الإرادة التي لا تنقص بالجفاء ولا تزيد بالبر
وقيل هي حفظ الحدود فليس بصادق من ادعى محبة من لم يحفظ حدوده
وقيل هي قيامك لمحبوبك بكل ما يحبه منك
وقيل هي مجانبة السلو على كل حال كما قيل :
ومن كان من طول الهوى ذاق سلوة = فإني من ليلي لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها = أماني لم تصدق كلمعة بارق
وقيل نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب
وقيل ذكر المحبوب على عدد الأنفاس، كما قيل :
يراد من القلب نسيانكم = وتأبى الطباع على الناقل
وقيل عمى القلب عن رؤية غير المحبوب وصممه عن سماع العذل فيه. وفي الحديث : "حبك للشيء يعمي ويصم" رواه الإمام أحمد
وقيل ميلك إلى المحبوب بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك ثم موافقتك له سرا وجهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه
وقيل هي بذلك المجهود فيما يرضى الحبيب
وقيل هي سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون فيضطرب القلب فلا يسكن إلا إلى محبوبه فيضطرب شوقا إليه ويسكن عنده، وهذا معنى قول بعضهم هي حركة القلب على الدوام إلى المحبوب وسكونه عنده
وقيل هي مصاحبة المحبوب على الدوام، كما قيل :
ومن عجب أني أحن إليهم = وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها = ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وقيل هي أن يكون المحبوب أقرب إلى المحب من روحه، كما قيل :
يا مقيما في خاطري وجناني = وبعيدا عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست أراها = فهي أدنى إلي من كل داني
وقيل هي حضور المحبوب عند المحب دائما، كما قيل :
خيالك في عيني وذكرك في فمي = ومثواك في قلبي فأين تغيب
وقيل هي أن يستوي قرب دار المحبوب وبعدها عند المحب، كما قيل :
يا ثاويا بين الجوانح والحشى = مني وإن بعدت علي دياره
عطفا على صب يحبك هائم = إن لم تصله تصدعت أعشاره
لا يستفيق من الغرام وكلما = حجبوك عنه تهتكت أستاره
وقيل هي ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه والملام، كما قيل :
وقف الهوى بي حيث أنت فليـــ=ـــس لي متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا = ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم = إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواك لذيذة = حبا لذكرك فليلمني اللوم
ا.هـ
وقريب من هذا المعنى قول عنترة العبسي :-
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني =وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السـيوف ، لأنها = لمعت كبارق ثغرك المتبسم
.
.