ذوالجناح
24-11-2009, 10:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة مؤثرة لأحد ملوك الأندلس ووفبها عبرة لمن يعتبر :
المعتمد بن عباد أيام حكمه صنع مخاضة من الطيب والمسك لتخوض فيها نساؤه كما تخوض نساء الفقراء في الوحل وهذا يمثل غاية البطر ولكن بعد أسره وسجنه تصبح بناته غزالات للناس طلباً لأجرة تسد رمقهن وتصونهن من مسألة الناس.
يقول المقري في كتابه الماتع: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب:
"ومن أخبار الرميكية -زوجة المعتمد- القصة المشهورة في قولها " ولا يوم الطين " وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين، فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطيب، وذرت في ساحة القصر حتى عمته، ثم نصبت الغرابيل، وصب فيها ماء الورد على أخلاط الطيب، وعجنت بالأيدي حتى عادت كالطين، وخاضتها مع جواريها. وغاضبها في بعض الأيام، فأقسمت أنها لم تر منه خيراً قط، فقال: ولا يوم الطين؟ فاستحيت واعتذرت، وهذا مصداق نبينا صلى الله عليه وسلم في حق النساء " لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط " .
قلت: ولعل المعتمد أشار في أبياته الرائية إلى هذه القضية حيث قال في بناته:
يطأن في الطين والأقدام حافية * * * كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما جرت به عادة الملوك من ذر الطيب في قصورهم حتى يطؤوه بأقدامهم، زيادة في التنعم.
وسبب قول المعتمد ذلك ما حكاه الفتح فقال: وأول عيد أخذه - يعني المعتمد - بأغمات وهو سارح، وما غير الشجون له مبارح، ولا زي إلا حالة الخمول، واستحالة المأمول، فدخل عليه من بنيه، من يسلم عليه ويهنيه، وفيهم بناته وعليهن أطمار، كأنها كسوف وهن أقمار، يبكين عند التساؤل، ويبدين الخشوع بعد التخايل، والضياع قد غير صورهن، وحير نظرهن، وأقدامهن حافية، وآثار نعيمهن عافية، فقال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا * * * فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة * * * يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة * * * أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية * * * كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
لا خد إلا تشكى الجدب ظاهره * * * وليس مع الأنفاس ممطورا
أفطرت في العيد لا عادت مساءته * * * فكان فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً * * * فردك الدهر منهياً ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسر به * * * فإنما بات بالأحلام مغرورا."
وجاء في نهاية الأرب للنويري:
"وتعرَّض له أهل الكُدية وهو في الحبس فقال:
سألوا اليسير من الأسير وإنه * * * بسؤالهم لأحق منهم فاعجبِ
لولا الحياء وعزَّة لخميةٌ * * * طيُّ الحشا لحكاهم في المطلبِ
ورثا ولديه وقد ذُبحا بين يديه فقال:
يقولون صبراً..لا سبيل إلى الصَّبر* * * سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري
أفتحٌ..لقد فتَّحت لي باب رحمةٍ * * * كما بيزيد الله قد زاد في أجري
هوى بكما المقدار عنِّي ولم أمت * * * فأُدعى وفياً قد نكصت إلى الغدر
ولو عُدتما لاخترتما العود في الثَّرى * * * إذا أنتما أبصرتماني في الأسرِ
أبا خالدٍ أورثتني البثَّ خالداً * * * أبا النَّصر مُذ ودَّعت ودَّعني نصري"
وجاء في وفيات الأعيان لابن خلّكان بعد ذكر قصيدته سالفة الذكر في بناته:
"ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضت بساقيه عض الأسود،
والتوت عليه التواء الأساود السود، وهو لا يطيق إعمال قدم، ولا يريق دمعاً إلا ممتزجاً بدم،
بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير، وفي وسط جنة وحرير، تخفق عليه الألوية، وتشرق
منه الأندية، فلما رآه بكى وعمل:
قيدي أما تعلمني مسلما * * * أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شرابٌ لك، واللحــــــــم قد أكلته، لا تهشم الأعظما
يبصرني فيك أبو هاشمٍ * * * فينثني والقلب قد هشمـــا
ارحم طفيلاً طائشاً لبه * * * لم يخش أن يأتيك مسترحما
وارحم أخياتٍ له مثله * * * جزعتهن السم والعلقمــــــا
منهن من يفهم شيئاً فقد * * * خفنا عليه للبكاء العمى
والغير لا يفهم شيئاً فما * * * يفتح إلا لرضـــــــاعٍ فما"
قلت: وصدق من قال:
إذا كنت في نعمة فارعها * * * فإن المعاصي تزيل النعم
أخوكم ومحبكم: ذوالجناح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة مؤثرة لأحد ملوك الأندلس ووفبها عبرة لمن يعتبر :
المعتمد بن عباد أيام حكمه صنع مخاضة من الطيب والمسك لتخوض فيها نساؤه كما تخوض نساء الفقراء في الوحل وهذا يمثل غاية البطر ولكن بعد أسره وسجنه تصبح بناته غزالات للناس طلباً لأجرة تسد رمقهن وتصونهن من مسألة الناس.
يقول المقري في كتابه الماتع: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب:
"ومن أخبار الرميكية -زوجة المعتمد- القصة المشهورة في قولها " ولا يوم الطين " وذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين، فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطيب، وذرت في ساحة القصر حتى عمته، ثم نصبت الغرابيل، وصب فيها ماء الورد على أخلاط الطيب، وعجنت بالأيدي حتى عادت كالطين، وخاضتها مع جواريها. وغاضبها في بعض الأيام، فأقسمت أنها لم تر منه خيراً قط، فقال: ولا يوم الطين؟ فاستحيت واعتذرت، وهذا مصداق نبينا صلى الله عليه وسلم في حق النساء " لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط " .
قلت: ولعل المعتمد أشار في أبياته الرائية إلى هذه القضية حيث قال في بناته:
يطأن في الطين والأقدام حافية * * * كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما جرت به عادة الملوك من ذر الطيب في قصورهم حتى يطؤوه بأقدامهم، زيادة في التنعم.
وسبب قول المعتمد ذلك ما حكاه الفتح فقال: وأول عيد أخذه - يعني المعتمد - بأغمات وهو سارح، وما غير الشجون له مبارح، ولا زي إلا حالة الخمول، واستحالة المأمول، فدخل عليه من بنيه، من يسلم عليه ويهنيه، وفيهم بناته وعليهن أطمار، كأنها كسوف وهن أقمار، يبكين عند التساؤل، ويبدين الخشوع بعد التخايل، والضياع قد غير صورهن، وحير نظرهن، وأقدامهن حافية، وآثار نعيمهن عافية، فقال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا * * * فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة * * * يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة * * * أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية * * * كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
لا خد إلا تشكى الجدب ظاهره * * * وليس مع الأنفاس ممطورا
أفطرت في العيد لا عادت مساءته * * * فكان فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً * * * فردك الدهر منهياً ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسر به * * * فإنما بات بالأحلام مغرورا."
وجاء في نهاية الأرب للنويري:
"وتعرَّض له أهل الكُدية وهو في الحبس فقال:
سألوا اليسير من الأسير وإنه * * * بسؤالهم لأحق منهم فاعجبِ
لولا الحياء وعزَّة لخميةٌ * * * طيُّ الحشا لحكاهم في المطلبِ
ورثا ولديه وقد ذُبحا بين يديه فقال:
يقولون صبراً..لا سبيل إلى الصَّبر* * * سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري
أفتحٌ..لقد فتَّحت لي باب رحمةٍ * * * كما بيزيد الله قد زاد في أجري
هوى بكما المقدار عنِّي ولم أمت * * * فأُدعى وفياً قد نكصت إلى الغدر
ولو عُدتما لاخترتما العود في الثَّرى * * * إذا أنتما أبصرتماني في الأسرِ
أبا خالدٍ أورثتني البثَّ خالداً * * * أبا النَّصر مُذ ودَّعت ودَّعني نصري"
وجاء في وفيات الأعيان لابن خلّكان بعد ذكر قصيدته سالفة الذكر في بناته:
"ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضت بساقيه عض الأسود،
والتوت عليه التواء الأساود السود، وهو لا يطيق إعمال قدم، ولا يريق دمعاً إلا ممتزجاً بدم،
بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير، وفي وسط جنة وحرير، تخفق عليه الألوية، وتشرق
منه الأندية، فلما رآه بكى وعمل:
قيدي أما تعلمني مسلما * * * أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شرابٌ لك، واللحــــــــم قد أكلته، لا تهشم الأعظما
يبصرني فيك أبو هاشمٍ * * * فينثني والقلب قد هشمـــا
ارحم طفيلاً طائشاً لبه * * * لم يخش أن يأتيك مسترحما
وارحم أخياتٍ له مثله * * * جزعتهن السم والعلقمــــــا
منهن من يفهم شيئاً فقد * * * خفنا عليه للبكاء العمى
والغير لا يفهم شيئاً فما * * * يفتح إلا لرضـــــــاعٍ فما"
قلت: وصدق من قال:
إذا كنت في نعمة فارعها * * * فإن المعاصي تزيل النعم
أخوكم ومحبكم: ذوالجناح