أبو يوسف
01-03-2010, 04:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
النحوي هو الذي يتكلم العربية الفصحى ، لكن البعض يتقعر في كلامه فترى الناس من حوله صرعى ، لا يعلم أن العبرة ليست بالكلمات المنمقة ، أو المعقدة ، لا يفهم أولها من آخرها ، ولا مبتدأها من خبرها ، فبعض النحاة إذا بدأ المحاضرة ، قال الحاضرون يا ليتها كانت القاضية .
حتى انشد ابن دريد ، يتندر نفطويه ببيتين من القصيد :
أف من النحو وأصحابه = وصار من أصحابه نفطويه
احرقه الله بنصف اسمه = وصير الباقي نواحاً عليه
واليكم بعضاً من مواقف النحويين ، التي تدوخ الرأس وتزيغ العينين ، ولكنها ظريفة ، خفيفة لطيفة .
دخل أحد النحويين السوق ليشتري حماراً ، فقال للبائع قولاً عجيباً ، فظن البائع انه يريد أن يشتري قاضياً ، إذ قال أريد حماراً لا بالصغير المحتقر ، ولا بالكبير المشتهر ، إن أقللت طعامه صبر ، وان أكثرت طعامه شكر ، لا يدخل تحت البواري ، ولا يزاحم بي السواري ، إذا كان وحده في الطريق أسرع ، وإذا كثر الزحام أبطأ ، فشعر البائع باستغراب من ذلك ، وقال دعني فإذا مسخ الله القاضي حماراً بعته لك .
ودعنا ننتقل بالكلام من سوق الحيوانات ، إلى الفلاة ، وفي حفرة ، سقط نحوي سقطة ، فأنسته الكلمة والجملة ، ومن حسن حظه ، وطول صبره ، أتاه الفرج ، وباب الخلاص انفرج ، فإذا يمر بقرب الحفرة كنّاس ، فاخرج النحوي من رأسه وسواس الشيطان الخناس ، وقال قل أعوذ برب الناس ، يا كناس .. يا كناس .. اطلب لي حبلا دقيقاً ، وشدني شداً وثيقاً ، واجذبني جذباً رفيقاً ، فقال له الكناس ، ثكلتني أمي إن أخرجتك من البئر ، يا نحوي يا وسواس .
ويروى أن عيسى ابن عمر سقط عن حماره ، فغشي عليه ، فلما أفاق ، رأى الناس حوله وقد سدوا الآفاق ، قال : ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني .
وكان لابن علقمة النحوي غلام ، فأشقاه سيده بالمستغرب من الكلام ، وكل صباح ، تسمع ابن علقمة وقد صاح ، أصَقَعَتِ العَتَارِيف ؟ فيخلط الغلام الشتاء بالصيف ، لأنه لا يدري ما يريد سيده ، ولا بأية لغة يخاطبه ، إذا كانت بالإنكليزية فلا يفهمها ولا يعرفها ، وإذا كانت بلغة أهل الصين ، فيعرف أن فيها جن وجين ، فانزعج الغلام وفكر ، وفي طريقة دبر ، وقرر إذا ناداه سيده وتكلم ، أن يقول له زقفيلم ، وكعادة ابن علقمة النحوي ، وقبل ظهور ضوء الشمس البهي ، نادى غلامه : أن يا غلام أصَقَعَتِ العَتَارِيف ؟ فأجابه الغلام : زقفيلم ، فلم يفهم ابن علقمة الكلمة ، ونظر يمنة ويسرة ، أعوذ بالله من الوسواس الخناس ، وضرب الأخماس بأسداس ، وحرث في عقله بالمتراس ، لعله يجد للكلمة معنى ، تفسيراً أو تأويلاً ، لكنه ما وجد شيئاً ، فقال : ما قصدت بهذه الكلمة ، فقال الغلام : وأنت ماذا قصدت بالكلمة ؟ قال : قصدت أصاحت الديكة ، فأجابه الغلام بسرعة بديهة ، وأنا قصدت لم تصح بعد .
ويحكي الأصمعي ، الأديب الألمعي ، أنه مر بالسوق فإذا بنحوي ، يتقعر في لغته ، كأنه في سفرة أو نزهة ، فاقترب من احد الباعة ، باعة الفاكهة ، فقال النحوي للفاكهي : بكم تانك البطيختان ، اللتان بجنبهما السفرجلتان ، ومن دونهما الرمانتان ؟ فأجابه الفاكهي : بضربتان وصفعتان ولكمتان ، فبإيّ الآء ربكما تكذبان .
ونحوي مرض ، فعاده البعض ، فسألوه ، ما الذي تشكوه ؟ فأجابهم جواباً ، فسقط المعافى منهم مريضاً ، من وصفه لمرضه ، ومن تهويله لأمره ، فهو حمى جاسية ، نارها حامية ، منها الأعضاء واهية ، والعظام بالية ، فدعا احدهم عليه بدعوة ، عسى أن تكون لتقريب اجله خطوة ، فقال : لا شافاك الله بعافية ، يا ليتها كانت القاضية .
ويُروى أن رجلاً دُعي إلى حضور درس في النحو ، فلما حضره فإذا الدرس كالغيم في الصحو ، يضيق الأنفاس ، ويجلب الغم والباس ، فقد لاحظ أن النحويين يقولون ، وفي أمثلتهم يوردون : جاء زيدٌ ، ضرب زيدٌ عمرًا ، حدَّث زيدٌ عمرًا حديثًا ، وأشباه من هذه الجمل كثيرة ، منها ذات تأثير ومنها الثقيلة ، لكنه على أية حال شعر بضيق من ذلك ، وأنشأ يقول على سبيل الدعابة في ذلك :
لا إلى النَّحو جئتكم= لا ولا فيه أرغبْ
دعُوا زيْدًا وشَأنه= أينما شَاء يذهبْ
أنا مَالي وما لامريء= أبدَ الدَّهر يُضْربْ
وفي نصيحة نحوي لمحتضر ، قد جاءه الموت وحضر ، يا فلان قل لا إله إلا الله ، وإن شئت فقل لا إلهًا إلا الله ، والأولى أحب إلى سيبويه ، وأنا لا ادري أيهما أحب إلى نفطويه .
وقيل لبعضهم ما فعل أبوك بحمارهِ ؟ قال باعهِ ، فقيل له لم قلت باعهِ ؟ قال فلم قلت أنت بحمارهِ ، فقال الرجل أنا بالباء جررته ، فرد عليه وأجابه ، فلم باؤك تجر ، وبائي لا تجر ؟
وقال رجل لسماك في البصرة ، بكم هذه السمكة ؟ فقال السّماك بدرهمان ، فضحك الرجل لقوله بدرهمان ، لان الباء يجر ولا يرفع ، ويا ليتنا رفعنا أمر هذا الدين ولم نخنع ولم نخضع ، فقال له السّماك أنت أحمق ، سمعت سيبويه يقول ثمنها درهمان ، فلا تضحك ولا تنعق .
قال رجل لرجل ، قد عرفت النحو الذي يدني بالأجل ، إلا أني لا اعرف هذا الذي يقولون : أبو فلان وأبا فلان وأبي فلان ؟ فأجابه الرجل ، بلا تردد أو وجل ، هذا في النحو أسهل الأشياء ، ليس مثل تسلق الجبال أو قطع الصحراء ، فيقولون : أبا فلان لمن عظم قدره ، وأبو فلان لمن توسط قدره ، وأبي فلان لمن رذل قدره .
ورأى احد النحاة ، الذي عنده النحو هو الحياة ، رأى رجلاً ضريرًا ، يسأل الناس قائلاً : ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا ، فقال له : يا هذا ، علام نصبت ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا ؟ فقال الرجل : بإضمار إرحموا ، فأخرج النحوي كل النقود الذي معه ، فأعطاه للرجل الضرير لحسن ما سمعه .
هذا وبالمقابل ، هناك من لا يفرق بين النار والوابل ، فتراه يدرس في كلية اللغة العربية ، وإذا سألته عن الجملة الاسمية ، لقال لك جاء جمال ، وإذا سألته عن الأفعال ، لقال لك إمراة ، حماة أم زوجة ، ولكن إمراة اسم ، فيقول لكن فعلها كالسم ، وهذا ليس رأيي ، وإنما هو رأي هذا النحوي ، ويُعربون على فعلاً ، وذهب حرفاً ، والمبتدأ مفعولاً ، منصوباً تارة ومجروراً تارة أخرى ، فأية عربية هذه التي يدرسونها ، ويصرفون عليها أموالاً وعقولاً وجهوداً ؟..
!!!!!!!!!!!!!!!!!
.
النحوي هو الذي يتكلم العربية الفصحى ، لكن البعض يتقعر في كلامه فترى الناس من حوله صرعى ، لا يعلم أن العبرة ليست بالكلمات المنمقة ، أو المعقدة ، لا يفهم أولها من آخرها ، ولا مبتدأها من خبرها ، فبعض النحاة إذا بدأ المحاضرة ، قال الحاضرون يا ليتها كانت القاضية .
حتى انشد ابن دريد ، يتندر نفطويه ببيتين من القصيد :
أف من النحو وأصحابه = وصار من أصحابه نفطويه
احرقه الله بنصف اسمه = وصير الباقي نواحاً عليه
واليكم بعضاً من مواقف النحويين ، التي تدوخ الرأس وتزيغ العينين ، ولكنها ظريفة ، خفيفة لطيفة .
دخل أحد النحويين السوق ليشتري حماراً ، فقال للبائع قولاً عجيباً ، فظن البائع انه يريد أن يشتري قاضياً ، إذ قال أريد حماراً لا بالصغير المحتقر ، ولا بالكبير المشتهر ، إن أقللت طعامه صبر ، وان أكثرت طعامه شكر ، لا يدخل تحت البواري ، ولا يزاحم بي السواري ، إذا كان وحده في الطريق أسرع ، وإذا كثر الزحام أبطأ ، فشعر البائع باستغراب من ذلك ، وقال دعني فإذا مسخ الله القاضي حماراً بعته لك .
ودعنا ننتقل بالكلام من سوق الحيوانات ، إلى الفلاة ، وفي حفرة ، سقط نحوي سقطة ، فأنسته الكلمة والجملة ، ومن حسن حظه ، وطول صبره ، أتاه الفرج ، وباب الخلاص انفرج ، فإذا يمر بقرب الحفرة كنّاس ، فاخرج النحوي من رأسه وسواس الشيطان الخناس ، وقال قل أعوذ برب الناس ، يا كناس .. يا كناس .. اطلب لي حبلا دقيقاً ، وشدني شداً وثيقاً ، واجذبني جذباً رفيقاً ، فقال له الكناس ، ثكلتني أمي إن أخرجتك من البئر ، يا نحوي يا وسواس .
ويروى أن عيسى ابن عمر سقط عن حماره ، فغشي عليه ، فلما أفاق ، رأى الناس حوله وقد سدوا الآفاق ، قال : ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني .
وكان لابن علقمة النحوي غلام ، فأشقاه سيده بالمستغرب من الكلام ، وكل صباح ، تسمع ابن علقمة وقد صاح ، أصَقَعَتِ العَتَارِيف ؟ فيخلط الغلام الشتاء بالصيف ، لأنه لا يدري ما يريد سيده ، ولا بأية لغة يخاطبه ، إذا كانت بالإنكليزية فلا يفهمها ولا يعرفها ، وإذا كانت بلغة أهل الصين ، فيعرف أن فيها جن وجين ، فانزعج الغلام وفكر ، وفي طريقة دبر ، وقرر إذا ناداه سيده وتكلم ، أن يقول له زقفيلم ، وكعادة ابن علقمة النحوي ، وقبل ظهور ضوء الشمس البهي ، نادى غلامه : أن يا غلام أصَقَعَتِ العَتَارِيف ؟ فأجابه الغلام : زقفيلم ، فلم يفهم ابن علقمة الكلمة ، ونظر يمنة ويسرة ، أعوذ بالله من الوسواس الخناس ، وضرب الأخماس بأسداس ، وحرث في عقله بالمتراس ، لعله يجد للكلمة معنى ، تفسيراً أو تأويلاً ، لكنه ما وجد شيئاً ، فقال : ما قصدت بهذه الكلمة ، فقال الغلام : وأنت ماذا قصدت بالكلمة ؟ قال : قصدت أصاحت الديكة ، فأجابه الغلام بسرعة بديهة ، وأنا قصدت لم تصح بعد .
ويحكي الأصمعي ، الأديب الألمعي ، أنه مر بالسوق فإذا بنحوي ، يتقعر في لغته ، كأنه في سفرة أو نزهة ، فاقترب من احد الباعة ، باعة الفاكهة ، فقال النحوي للفاكهي : بكم تانك البطيختان ، اللتان بجنبهما السفرجلتان ، ومن دونهما الرمانتان ؟ فأجابه الفاكهي : بضربتان وصفعتان ولكمتان ، فبإيّ الآء ربكما تكذبان .
ونحوي مرض ، فعاده البعض ، فسألوه ، ما الذي تشكوه ؟ فأجابهم جواباً ، فسقط المعافى منهم مريضاً ، من وصفه لمرضه ، ومن تهويله لأمره ، فهو حمى جاسية ، نارها حامية ، منها الأعضاء واهية ، والعظام بالية ، فدعا احدهم عليه بدعوة ، عسى أن تكون لتقريب اجله خطوة ، فقال : لا شافاك الله بعافية ، يا ليتها كانت القاضية .
ويُروى أن رجلاً دُعي إلى حضور درس في النحو ، فلما حضره فإذا الدرس كالغيم في الصحو ، يضيق الأنفاس ، ويجلب الغم والباس ، فقد لاحظ أن النحويين يقولون ، وفي أمثلتهم يوردون : جاء زيدٌ ، ضرب زيدٌ عمرًا ، حدَّث زيدٌ عمرًا حديثًا ، وأشباه من هذه الجمل كثيرة ، منها ذات تأثير ومنها الثقيلة ، لكنه على أية حال شعر بضيق من ذلك ، وأنشأ يقول على سبيل الدعابة في ذلك :
لا إلى النَّحو جئتكم= لا ولا فيه أرغبْ
دعُوا زيْدًا وشَأنه= أينما شَاء يذهبْ
أنا مَالي وما لامريء= أبدَ الدَّهر يُضْربْ
وفي نصيحة نحوي لمحتضر ، قد جاءه الموت وحضر ، يا فلان قل لا إله إلا الله ، وإن شئت فقل لا إلهًا إلا الله ، والأولى أحب إلى سيبويه ، وأنا لا ادري أيهما أحب إلى نفطويه .
وقيل لبعضهم ما فعل أبوك بحمارهِ ؟ قال باعهِ ، فقيل له لم قلت باعهِ ؟ قال فلم قلت أنت بحمارهِ ، فقال الرجل أنا بالباء جررته ، فرد عليه وأجابه ، فلم باؤك تجر ، وبائي لا تجر ؟
وقال رجل لسماك في البصرة ، بكم هذه السمكة ؟ فقال السّماك بدرهمان ، فضحك الرجل لقوله بدرهمان ، لان الباء يجر ولا يرفع ، ويا ليتنا رفعنا أمر هذا الدين ولم نخنع ولم نخضع ، فقال له السّماك أنت أحمق ، سمعت سيبويه يقول ثمنها درهمان ، فلا تضحك ولا تنعق .
قال رجل لرجل ، قد عرفت النحو الذي يدني بالأجل ، إلا أني لا اعرف هذا الذي يقولون : أبو فلان وأبا فلان وأبي فلان ؟ فأجابه الرجل ، بلا تردد أو وجل ، هذا في النحو أسهل الأشياء ، ليس مثل تسلق الجبال أو قطع الصحراء ، فيقولون : أبا فلان لمن عظم قدره ، وأبو فلان لمن توسط قدره ، وأبي فلان لمن رذل قدره .
ورأى احد النحاة ، الذي عنده النحو هو الحياة ، رأى رجلاً ضريرًا ، يسأل الناس قائلاً : ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا ، فقال له : يا هذا ، علام نصبت ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا ؟ فقال الرجل : بإضمار إرحموا ، فأخرج النحوي كل النقود الذي معه ، فأعطاه للرجل الضرير لحسن ما سمعه .
هذا وبالمقابل ، هناك من لا يفرق بين النار والوابل ، فتراه يدرس في كلية اللغة العربية ، وإذا سألته عن الجملة الاسمية ، لقال لك جاء جمال ، وإذا سألته عن الأفعال ، لقال لك إمراة ، حماة أم زوجة ، ولكن إمراة اسم ، فيقول لكن فعلها كالسم ، وهذا ليس رأيي ، وإنما هو رأي هذا النحوي ، ويُعربون على فعلاً ، وذهب حرفاً ، والمبتدأ مفعولاً ، منصوباً تارة ومجروراً تارة أخرى ، فأية عربية هذه التي يدرسونها ، ويصرفون عليها أموالاً وعقولاً وجهوداً ؟..
!!!!!!!!!!!!!!!!!
.