المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم الاحتفال بعيد الأم ( وقفات مع بعض الشبهات )


محمود عفيفى
21-03-2010, 11:17 AM
**حكم الاحتفال بعيد الأم ( وقفات مع بعض الشبهات )**


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ......................
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أما بعد .....................
فإنه لا يخفى على أحد من المسلمين هذه الأزمة العصيبة التى تمر بها الأمة في شتى بقاع الأرض, وقد التهبت واختلطت المشاعر بين حزن وغضب وحماس , وتباينت ردود الأفعال بين المسلمين بشتى طوائفهم كلٌ على قدر علمه و استطاعته . وهذا بوجه عام مبشرٌ بخير.
ولكن يأبى الله إلا أن يجعل هذه الأزمة اختباراً وابتلاءاً للمؤمنين ليظهر الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق . قال الله تعالى " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّاوَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ " ( العنكبوت /2 ) , وقال تعالى " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ" ( محمد / 29 ) .
فمع هذه الادعاءات والهتافات , فها هي أحد الاختبارات العملية التي تتعرض لها الأمة فيظهر فيها المحب الصادق الذي يعلم أن حب الإسلامليس كلاماً فقط بل هو طاعةٌ واتباعٌ وانقياد , قال الله تعالى " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ " ( آل عمران / 31 ) .
فمع حلول يوم 21 مارس من كل عام تعلن الأمة احتفالها المزعوم بعيد الأم اتباعاً لهذا العرف العالمي السائد منذ زمن , والمسلمون فيه ما بين مؤيد ومعارض .
فالمؤيدون يقولون أن هذه الأعياد تحمل في طياتها المعاني الجميلة ولا مانع من إقامتها في ديار المسلمين ,والمعارضون يقولون أن هذه الأعياد تحمل في طياتها سهاماً مسمومة تقع في جسد الأمة بما تحمله من بدعية واتباع للكفار.
ونحن هنا ومن هذا المقام نعلن انقيادنا لقوله تعالى " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " ( النساء / 59) . وسنقوم بفضل الله بتفنيد هذا الأمر وتوضيحه ليعلم طالب الحق ويُرشَد الضالين لأنوار الهداية بإذن الله .مستعينين في ذلك بكتاب الله والصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان .

محمود عفيفى
21-03-2010, 11:19 AM
وقبل أن نبدأ في بيان حكم ذلك الأمر نأصل بأصلين :---

أولاً : عناية الإسلام بالوالدين عامة وبالأم خاصة :-
فعلى سبيل المثال لا الحصرنجد أن الله تعالى في غيرما موضع من القرآن يأمر ببر الوالدين مباشرة بعد الأمر بالتوحيد قال تعالى " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... " ( البقرة / 83 ) , قال تعالى :
" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً " ( النساء / 36 ) , قال تعالى : " وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً " وغيرها من الآيات .
وأما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فأحاديث كثيرة حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على برالوالدين عامة والأم خاصة وحذر تحذيراً شديداً من عقوقهما ,فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : [ الصلاة على وقتها ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ بر الوالدين ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ الجهاد في سبيل الله ] ( البخاري ومسلم ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : [ أمك ] قال : ثم من ؟ قال : [ أمك ] قال : ثم من ؟ قال : [ أمك ] قال : ثم من ؟ قال : [ أبوك ] ( البخاري ومسلم ) .
وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ] ثلاثا . قلنا : بلى يا رسول الله قال : [ الإشراك بالله وعقوق الوالدين ] وكان متكئا فجلس فقال : [ ألا وقول الزور وشهادة الزور] فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ( البخاري ومسلم ), وغيرها كثير ( راجع كتاب رياض الصالحين للنووي ).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم" إلزم رجلها ( أي الأم ) فثم الجنة ٍ" ( صحيح –سنن بن ماجه ) .
ثانياً : بيان مشروعية الأعياد في الإسلام :-
وبدايةً فإن كلمة العيد عند أهل اللغة هو كل يوم فيه جمع , وظن الكثيرون من المسلمين أن الأعياد بمعزل عن الشريعة وأنها لا تمت إلي الإسلام بصلة!!!! وهذا غاية الخطأ .
فإن الأعياد من أعظم شعائر الإسلام ومظهر من أجَلِّ مظاهره , و الدليل علي ذلك ما رواه أحمد وأبوداود بسند صحيح من حديث أنس أنه قال : قدم النبى عليه الصلاة والسلامولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال :( قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما , يوم النحر ويوم الفطر ) .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية " الأعياد من أخص ما تتميز به بين الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر " ( اقتضاء الصراط المستقيم /191 ) , أي أن من أخص الشعائر الظاهرة التي تتميزبين الشرائع هي الأعياد , وهي أظهر ما تكون في الإسلام.
ومن ثم يتضح لنا مما سبق : ----
1- أن الأعياد جزء ٌ لا يتجزأ من الشريعة , بل وبإتيانها على الوجه الشرعى تكون من القُرُبات والعبادات لله تعالى.
2- أن الأعياد توقيفية أى ( ليس هناك عيد شرعي سوى ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)
قال الله تعالى " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ" ( الشورى / 21 ) .
3- قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فى كتابه حراسة التوحيد " أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقاً للجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة " أ .هـ. كما أخرج مسلم فى صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم " , كما أن الله تعالى حذر نبيه صلى الله عليه وسلم ببالغ التحذير أنه إذا أخفى شيئاً فما بلغ رسالة الله , قال تعالى " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ " ( المائدة / 67 ), فهل يُعقل بعد هذا البيان أن نشيرمن بعيد أو قريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي أن يدلنا على هذا الخير المزعوم , أو أنه صلى الله عليه وسلم مات ولم يعلم هذا الفضل ؟! قال تعالى : " اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً " ( المائدة / 3 )

إذن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: من أين كانت نشأة هذا العيد المسمى بعيد الأم ؟؟؟
والإجابة كما هو معلوم عند غالبية الناس أنه قد استُحدث فى بلاد الكفار بدايةً من فرنسا وكان يسمى فيها بعيد اللقطاء ,
يحتفلون فيه في يوم 21 مارس من كل عام بالمربيات في ملاجئ الأيتام على أنهن أمهاتهم , ثم أصبح يوما رسمياً للبلاد الغربية الكافرة عندما فرّطوا فى حق الأم باقى العام فجعلوا لها هذا اليوم عيداً يزورونها فيه ويقدمون لها الهدايا, ثم يرجعون لعقوقها وهجرها باقي أيام العام ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وللأسف فقد صَدَّر هذا الإحتفال الغربى المحدث إلى بلاد المسلمين بعض الصحفيين فى ذلك الوقت مثل مصطفى أمين , فهي بضاعة غربية بحتة لا تمت حتى للعرب بصلة فضلاً عن المسلمين .
ولم يُعلم أى دليل صحيح أو ضعيف ولا قريب أو بعيد على أن مثل هذه الأعياد المزعومة كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلمولا حتى فى عهد القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين , ولا تمت للسنة النبوية القولية أو التقريرية أو الفعلية بأى صلة ........

** لذا من خلال هذا التأصيل يتضح لنا حكم مثل هذه الأعياد بأنها بدعة محدثة يأثم فاعلها لما يتضح من الأدلة الآتية :-

-1- إن اتقاء سبل الكفار وطرقهم والتشبه بهم أمرٌ حتمي , فها هو المسلم يدعو في كل يوم سبع عشرة مرة " اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ , صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ" ( الفاتحه / 6-7) ,
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم" ليس منا من تشبه بغيرنا " ( حديث حسن –السلسلة الصحيحة 2194 ) , وقوله صلى الله عليه وسلم" لا تشبهوا باليهود والنصارى " ( حديث حسن – الجامع الصحيح 5434 ) , وقوله صلى الله عليه وسلم" من تشبه بقوم فهو منهم " (صحيح – الإرواء 1269) , وقوله صلى الله عليه وسلم" ليس منا من عمل بسنة غيرنا " (حسن – صحيح الجامع 5439 ) , قال عمربن الخطاب رضي الله عنه : اجتنبوا أعداء الله في عيدهم (رواه البيهقي في السنن الكبرى)
-2- حرمة الإحداث والإبتداع في دين الله عز وجل مما ليس له أصل في الشريعة لقول النبي صلى الله عليه وسلمفى الحديث المتفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفى رواية " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " قال الشيخ بن العثيمين رحمه الله فى شرحه لهذا الحديث " أى من أوجد شيئاً فى الدين لم يكن في شريعتنا مما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلمفهو مردود على صاحبه حتى ولو صدر عن إخلاص ".
وكما أصلنا أن الأعياد من الأمور الشرعية ومن لب الدين والتي لا تقبل الابتداع والزيادة الغير مشروعة لقول الله تعالى " اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً " ( المائدة / 3 ).

محمود عفيفى
21-03-2010, 11:21 AM
الرد على الشبهات

وهذا أهم ما سنتعرض له الآن, لأن قلة العلم تعطي الفرصة لسهام الشبهات أن تخترق القلوب لاسيما مع غياب العلم الشرعي بين عوام المسلمين وتغييب العلماء الربانيين العاملين , والله المستعان .

الشبهة الأولي :-

قول بعضهم (( أنا باحتفالي هذا لا أنوي التشبه بالكفار ولا أقصده لذاته )) .
والرد على هذه الشبهة : من كلام شيخ الإسلام بن تيميه " والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ويعم أيضاً من تشبه بهم لغرض له فى ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن الغير " أ.هـ.بتصرف ( الاقتضاء – 12 )

وبناءاً على ما ذكره شيخ الإسلام فإن موافقتهم على ما فعلوا علي قسمين :
-أ- تشبه بهم : وهو ما كان للمتشبه فيه قصد التشبه , وهو محرم .
-ب- مشابهه لهم : وهى ما تكون بلا قصد, لكن يُبَيَّن لصاحبها و يُنكَر عليه فإن انتهى وإلا وقع فى التشبه بدليل ما أخرجه مسلم في صحيحه ( 2077 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علىَّ ثوبين معصفرين فقال :" إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها ".
* ( فظاهر الحديث أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما لم يعلم بأنه يشبه لباس الكفار ومع ذلك أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن له الحكم الشرعى في ذلك ) أ.هـ . باختصار (من مجلة التوحيد عدد 10 – شوال 1420).

الشبهة الثانية :-

قول بعضهم (( نحن لا ننوي بهذه الاحتفالات الابتداع أو شيئاً مهيناً بل هى داخلة في عموم الأمر ببر الوالدين وبالأخص الأم )) .

والرد على هذه الشبهة من عدة وجوه : -
الوجه الأول- نسيَ هؤلاء أن البدعة دائماً ما تتعلق بالعبادات أو الطاعات , وإذا رأينا تعريف البدعة كما عرفها الإمام الشاطبى رحمه الله لفهمنا خطورتها التى قد تخفى على كثير من الناس , قال الشاطبى في كتابه الاعتصام (( أن البدعة طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشرعية يقصد من السلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى )) .أ .هـ .
قال الإمام الشاطبى رحمه الله : (( تضاهي الشرعية : أي تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون كذلك بل هي مضادة لها) .
قال الإمام بن رجب رحمه الله : (( فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصلٌ في الدين يرجع إليه فهو ضلالة سواء في الاعتقادات والأعمال )) ( باختصار من جامع العلوم والحكم 252-254) .
قال العلامة الألبانى رحمه الله (( إن كل عبادة مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ولم يتقرب هو بها إلى الله بفعله فهى مخالفة للسنة )) ( حجة النبى صلى الله عليه وسلم 100 –101 ) .

الوجه الثاني- أن الذي شرّع الغاية لم ينس الوسيلة , فلا يحق لأي أحد مهما كان قدره أن يخترع وسيلة لم يأت بها الشرع ولو كانت الغاية سليمة .
أي أنه يقول: ( أنا أبر أمي ) , ويتخذ لهذه الغاية الشرعية وسيلة ليست شرعية, وقد أورد البيهقي في السنن الكبرى ( 2 / 496 ) أن سعيد بن المسيب رحمه الله رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود , فنهاه عن ذلك فقال الرجل : يا أبا محمد أيعذبني الله على الصلاة ؟ , قال : لا ولكن يعذبك علي خلاف السنة .
أرأيتم يا إخواني ..... فوا عجباً لهؤلاء الذين يدَّعون أنهم يحتفلون بالأم بعيد لم يشرعه لنا رسول الله !!!!
زاعمين أنهم بذلك يطيعون الله في قوله " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً " وكأن الذي شرَّع لنا هذه الغاية قد نسي أن يُبين لنا وسيلة برهما , مع العلم بأن هذا العيد وسيلة حقيرة جداً مقارنةً بما شرَّعه اللهُ ورسولُه من وسائل لبر الوالدين كما سبق بيانه آنفاً .
فليتق الله أولئك القوم الذين يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم- ولو من بعيد - بتقصيره فى تبليغ رسالة ربه , قال الله تعالي " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى , إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى" ( النجم 4/5 ) وقال تعالي : " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم " ( النور / 63 ) .
وليتقوا الله في أولئك الصحب الكرام وقد قال الله فيهم " أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقاًّ" ( الأنفال / 74 ) فهل غفلوا عن تلك الأعياد المزعومة وقد كانوا أبر الناس؟؟؟؟!!!!! .
ومن أجمل ما قرأت في هذا الباب قول الحافظ بن حجر رحمه الله (( فأما ما اتفق السلف علي تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا لعلمهم أنه لا يُعمل به )) ( فضل علم السلف 31 ) .

الوجه الثالث – أن النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد , لأن صلاح النية ليس هو وحده شرط قبول العمل بل لابد من شرط آخر آلا وهو ( صلاح العمل ) , كما في قوله تعالي " فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" ( الكهف / 110 ) . قال أهل العلم ( عملاَ صالحاَ )
أي موافقاً للسنة و (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) أي عملاً خالصاً لوجه الله تعالي.

الشبهة الثالثة:-

قول بعضهم (( هذه وإن كانت بدعة فهي بدعة حسنة )) .

والرد على هذه الشبهة :-
يكفينا في الرد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم" كل بدعة ضلالة " .رواه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم

قال الشيخ أحمد فريد: (( فقوله كل بدعة ضلالة من جوامع الكلم لا يخرج عنه شئ )) (البحر الرائق / 26)
أى ليس هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة فلفظ ( كل) يفيد الشمول والعموم ولم يُفصلها صلى الله عليه وسلم .
ثم قال : (( وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك المراد منه المعنى اللغوي لا الشرعي فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان علي إمام واحد قال " نعمت البدعة هذه " فإن هذا الفعل له أصل في الشرع وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه غير ليلة ثم امتنع خشية أن تُكتب عليهم )) . أ . هـ . والمعنى اللغوي لها هو الشيء المستحسن على غير مثال سابق ومنه قوله تعالي " بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ " ( البقرة / 117 ) .

الشبهة الرابعة :

قول بعضهم (( ألم يعد سوى هذه المسائل الفرعية التي تشغلنا وتفرقنا في وقت تُسفك فيه دماء المسلمين في كل وقت ومقدساتهم مسلوبة )) .

وللرد علي هؤلاء :فنقول سبحان الله , لماذا الجدال بالباطل ؟؟! , فوالله ما تمزقت الأمة وما تفرقت وما وصل حالها لما هو عليه الآن إلا لما بدَّلت فى شرع ربها واهتدت بغير هدى نبيها صلى الله عليه وسلم فحُكمَت الأهواء واختلفت الآراء , قال رب الأرض والسماء " أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ " ( محمد / 14 ).

وما حلت المصائب بالأمة إلا بالجدال بالباطل وبالزيغ عن الحق قال الله تعالى " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" ( الشورى / 30 ) .

وهل كان الإبتداع فى دين الله من الفرعيات ؟؟!! ومع ذلك فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التغافل عن المخالفات مهما بلغ قدرها , فها هو لما مر صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )( البخاري ومسلم )
وها هو صلى الله عليه وسلم في غمار أحداث الحديبية يبين هذا كما يقول زيد بن خالد الجهني أنه قال : "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: أتدرون ماذا قال ربكم قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب " )( البخاري ومسلم وغيرهما ) .
ووالله لولا ضيق المقام لبيَّنا الكثير من مظاهر رفض الصحابة والتابعين لجميع أشكال وأنواع الإبتداع في دين الله, مع العلم بأن الدولة الإسلامية في وقتها كانت دولة وليدة تحتاج لكل مظاهر القوة و التوحد وعدم التفرق , ولكنهم قومٌ آمنوا بأن مصدر قوتهم في تمسكهم بالحق وبأن أول أسباب التمكين هو كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة , وأن التناصح بالحق من أسباب النجاة من الخسران في الدنيا والآخرة .
قال الله " وَالْعَصْرِ , إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ , إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " ( العصر / 1-3) .

نصيحة : لهؤلاء أن يسمعوا قول نبيهم صلى الله عليه وسلم" فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا " فانظروا ماذا نصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقع هذا ؟ هل قال فليعذر بعضكم بعضا أو قال فاتحدوا ولو على الباطل ؟؟!! لا والله , ولكن قال : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "
( رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بسند صحيح ). " فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون " .

الشبهة الخامسة :

قول بعضهم (( أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أثنى على حضوره يوم حلف الفضول قبل أن يبعث إليه وقال " لو دُعيت إلى مثله لأجبت " مع أنه كان بين طوائف من الكفار ولكنه احتوى على معانى طيبه من نصرة المظلوم وغيرها , فما المانع من الاحتفال بعيد الأم ولو كان من أعياد الكفرة فهو طيب )) .

وللرد علي هؤلاء :
فنقول أن ما ذكرناه عن حرمة التشبه بالكفرة في جميع مظاهر دينهم وحياتهم ما فيه الكفاية , كما أنه لم يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل لهذا اليوم يوماً محدداً يحتفل به هو وأصحابه مما يصبح عيداً بالمفهوم الشرعي الذي بيّناه ومما يوجد في مثل هذه الأعياد ( عيد الأم وعيد الحب وعيد العمال و .....) , كما أن الذي شرّع الثناء علي يوم حلف الفضول هو النبي صلى الله عليه وسلم, ولو أن ولى الأمر دُعى لمثل هذا الحلف فله أن يلبي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره بقوله وفعله .

محمود عفيفى
21-03-2010, 11:23 AM
فتــــوى هامــــه
سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : ما حكم الاحتفال بما يسمى بعيد الأم ؟ فأجاب رحمه الله :
" إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة , ما كانت معروفة في عهد السلف الصالح , وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً , فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى .
والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام وهى عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الأسبوع " يوم الجمعة", وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة , وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " .
وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد المذكور في السؤال والمسمى "عيد الأم" لا يجوز فيه إحداث شيئ من شعائر العيد كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك . والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم , فلا يزيد فيه وينقص لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من كل الوجوه . والأم أحق من أن يحتفى بها يوماً واحداً في السنة , بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها , وأن يقوموا بعنايتها وطاعتها في غير معصية الله تعالى في كل زمان ومكان " أ.هـ . (فتاوى العقيدة / 625)

محمود عفيفى
21-03-2010, 11:24 AM
فنسأل الله تعالى أن يكون الحقُ قد تبين لطالبه " فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ " ( يونس / 32 ) وأن يعود من ضل إلى رشده وأن يعيننا على نصرة نبيه وبُغض أعداءه وأن يعافينا من التشبه بهم ومن السير على دربهم وألا نكون ممن قال فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه :(لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا : يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ) .
وأسأل الله جل وعلا أن يتجاوز عن أي خطأٍ أو سهوٍ أو نسيانٍ و أن يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن لا يجعل فيه لأحد غيره شيئاً .

فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
و صلي اللهم علي محمد وعلى آله وصحبه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً


يقول النبي صلى الله عليه وسلم "نضَّر اللهُ عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرُبَّ حامل فقهٍ غير فقيه ورُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه "( صحيح الجامع 6766 )


ساعد على نشرها تصبك دعوة النبي بإذن الله تعالى



هذا البحث كاملا منقول من فرسان السنة
من أخى حسام أبو عبد الله جزاه الله خيرا الجزاء

abohmam
21-03-2010, 12:34 PM
جزاك الله خيرا أخي محمود

وبارك الله فيك على هذا النقل المفيد

لك التحية والشكر

محمود عفيفى
21-03-2010, 12:40 PM
حياك الله اخى أبوهمام وبارك الله فيك :abc_152:

الدمشقي
21-03-2010, 04:36 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك أخي الفاضل محمود
على هذا النقل الرائع والمفيد
لك مني أجمل تحية .

محمود عفيفى
21-03-2010, 04:59 PM
حياك الله اخى الدمشقى :abc_025:

أبو يوسف
21-03-2010, 06:16 PM
بوركت أخي محمود فلا خير في أمة كثرت أعيادها

.