ذوالجناح
03-05-2010, 12:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[ذكرنا في درس سابق أن علوم البلاغة ثلاثة : المعاني والبيان والبديع (http://www.abc4web.net/vb/showthread.php?t=8034).
واليوم -بإذن الله- نتعرف على أول درس في علم المعاني وهو الخبر؛ حيث يقسم الكلام إلى خبر وإنشاء، فما هو الخبر وماهو الإنشاء؟ وكيف نميز بينهما؟ هذا ماسنعرفه في هذه السلسلة إن شاء الله.]
تعريف الخبر:
كلامٌ يحتملُ الصدقَ والكذبَ لذاتهِ ،وإن شئتَ فقل :«الخبرُ هو ما يتحقّقُ مدلولهُ في الخارجِ بدون النطقِ به» نحو: العلمُ نافعٌ . فقد أثبتنا صفةَ النفعِ للعلم، وتلكَ الصفةُ ثابتةٌ له، سواءٌ تلفظتَ بالجملةِ السابقة أمْ لم تتلفظْ.
لأنَّ نفعَ العلمِ أمرٌ حاصلٌ في الحقيقةِ والواقعِ، وإنما أنتَ تحكي ما اتفقَ عليه الناسُ قاطبةً، وقضَتْ به الشرائعُ، وهديتْ إليه العقولُ، بدونِ نظر ٍإلى إثباتٍ جديدٍ.
والمرادُ بصدقِ الخبر: مُطابقتُه للواقعِ ونفسِ الأمر ،والمرادُ بكذبهِ: عدمُ مطابقتهِ له، فجملةُ: العلمُ نافعٌ - إن كانتْ نسبتُه الكلاميَّة ُ(وهي ثبوتُ النفعِ المفهومةِ من تلك الجملةِ) مطابقةً للنسبةِ الخارجيّةِ - أي موافقةً لما في الخارجِ والواقعِ «فصدْقٌ» وإلا «فكذِبٌ» ، نحو «الجهلُ نافعٌ» فنسبتهُ الكلاميةُ ليستْ مطابقةً وموافقةً للنسبةِ الخارجيةِ.
-المقاصد والأغراض التي من أجلها يُلقى الخبر:
الأصلُ في الخبر أن يلقَى لأحدِ غرضينِ :
(أ)- إمَّا إفادةُ المخاطبِ الحكمَ الذي تضمنتْهُ الجملةُ، إذا كان جاهلاً له، ويسمَّى هذا النوع ُ« فائدةُ الخبرِ» نحو قولِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم « الدِّينُ النَّصِيحَةُ ».
(ب)- وإمَّا إفادةُ المخاطبِ أنَّ المتكلمَ عالمٌ أيضاً بأنهُ يعلمُ الخبرَ، كما تقولُ لتلميذٍ أخفَى عليكَ نجاحُه في الامتحانِ - وعلمتَه من طريقٍ آخرَ: أنتَ نجحتَ في الامتحانِ، ويسمَّى هذا النوعُ « لازمَ الفائدةِ» ، لأنه يلزم ُ في كلِّ خبرٍ أن يكونَ المخبَرُ به عنده علمٌ أو ظَن بهِ.
وقد يخرجُ الخبرُ عن الغرضينِ السابقينِ إلى أغراضٍ أخرى تُستفادُ بالقرائنَ، ومنْ سياقِ الكلامِ.
أهمها:
(1) - الاسترحامُ والاستعطافُ، نحو: إني فقيرٌ إلى عفوِ ربِّي .
(2)- تحريكُ الهمةِ إلى ما يلزمُ تحصيلُه، نحو قول الشاعر:
سَلي إنْ جهلتِ النَّاسَ عنَّا وعنكمُ ... وليسَ سواءٌ عالمٌ وجهُولُ
(3) -إظهارُ الضعفِ والخشوعِ، نحو قولهِ تعالى على لسان النبي زكريا عليه السلامُ : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ).
(4) -إظهارُ التحُّسرِ على شيءٍ محبوبٍ نحو قوله تعالى على لسان أمِّ مريمَ عليها السلامُ : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ).
(5) -إظهارُ الفرحِ بمقبلٍ ، والشماتةِ بمدبرٍ، نحو قوله تعالى : (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ).
(6) -التوبيخُ كقولكِ: للعاثرِ: (الشمسُ طالعةٌ) .
(7)- التَّذكيرُ بما بين المراتبِ من التَّفاوتِ - نحو قوله تعالى :{ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}، ونحو قولنا : (لا يستوي كسلانٌ ونشيطٌ).
(8)- التحذيرُ - نحو قولهِ صلى الله عليه وسلَّم : « أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ ».
(9) الفخرُ نحو قولِ النبي صلى الله عليه وسلم : « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
(10) المدحُ كقول النابغةِ في المديحِ:
فإِنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبٌ ... إِذا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهنَّ كَوْكَبُ.
وقد يجيءُ لأغراضٍ أخرى - والمرجعُ في معرفة ذلك إلى الذوقِ والعقلِ السليمِ.
-أضربُ الخبرِ(صوره):
حيثُ كان الغرضُ من الكلام الإفصاحَ والإظهارَ، يجبُ أن يكونَ المتكلمُ مع المخاطَبِ كالطبيبِ مع المريضِ، يشخِّصُ حالتَهُ، ويعطيهِ ما يناسبُها.
فحقُّ الكلامِ:، أن يكونَ بقدرِ الحاجةِ، لا زائداً عنها، لِئلا يكونَ عبثاً، ولا ناقصاً عنها، لئلا يُخِلَّ بالغرضِ، وهو: الإفصاحُ والبيانُ.
لهذا - تختلفُ صورُ الخبرِ في أساليب اللغةِ باختلافِ أحوالِ المخاطبِ الذي يعتريهِ ثلاثةُ أحوالٍ:
أولا - أنْ يكونَ المخاطبُ خاليَ الذهنِ من الخبرِ، غيرَ مترددٍ فيه.ولا منكرٍ له - وفي هذه الحالِ لا يؤكدُ له الكلامُ، لعدم الحاجةِ إلى التوكيد نحو قوله تعالى : « الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» .
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبرِ (ابتدائياً) ، ويستعملُ هذا الضربُ حين يكون المخاطبُ خاليَ الذهنِ من مدلولِ الخبرِ ، فيتمكنُ فيه لمصادفتهِ إياهُ خالياً .
ثانياً - أنْ يكونَ المخاطبُ متردداً في الخبرِ، طالباً الوصولَ لمعرفتهِ، والوقوفَ على حقيقته، فيستحسنُ تأكيدُ الكلامِ المُلقَى إليه تقويةً للحُكم، ليتمكَّنَ من نفسهِ، ويطرحَ الخلافَ وراء ظهرهِ، نحو : إنَّ الأميرَ منتصرٌ.
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبرِ (طلبياً) ويؤتَى بالخبرِ من هذا الضربِ حين يكونُ المخاطبُ شاكَّا في مدلولِ الخبرِ، طالباً التثبُّتَ من صدقهِ.
ثالثاً - أنْ يكونَ المخاطَبُ منكراً للخبرِ الذي يرادُ إلقاؤهُ إليه، معتقداً خلافَهُ، فيجبُ تأكيدُ الكلامِ له بمؤكدٍ أو مؤكدينِ أو أكثرَ، على حسبِ حالهِ من الإنكارِ، قوةً وضعفاً ، نحو: إنَّ أخاك قادمٌ - أو إنهُ لقادمٌ - أو واللهِ إنه لقادمٌ، أو لعمري إنَّ الحقَ يعلو ولا يُعلَى عليهِ.وكقوله تعالى : "إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى"،وكقوله تعالى عن النبي يعقوب عليه السلام : "وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ".
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبر (إنكارياً)، ويؤتَى بالخبرِ من هذا الضربِ حين يكونُ المخاطَبُ مُنكراً، واعلمْ أنهُ كما يكونُ التأكيد في الإثباتِ، يكون في النفي أيضاً، نحو: ما المقتصدُ بمفتقرٍ، ونحو: واللهِ ما المُستشيرُ بنادمٍ.
- لتوكيدِ الخبر أدوات كثيرة، أشهرُها إنَّ، وأنَّ، ولام الابتداءِ، وأحرفَ التنبيه، والقسمِ، ونونا التوكيد، والحروف َالزائدة (كتفعل واستفعل) والتكرارَ، وقدْ، وأمَّا الشرطيةُ، وإنما واسميةُ الجملةِ، وضميرَ الفصل، وتقديمَ الفاعل المعنويِّ.
-خروجُ الخبر عن مقتضَى الظاهرِ :
قدْ تقتضي الأحوالُ العدولَ عن مقتضَى الظاهرِ، ويورَدُ الكلامُ على خلافهِ لاعتباراتٍ يلحظُها المتكلِّمُ ومنها :
(1)- تنزيلُ خالي الذهنِ منزلةَ السائلِ المترددِ، إذا تقدمَ في الكلام ما يشيرُ إلى حكمِ الخبر ،كقوله تعالى على لسان النبي يوسف عليه السلامُ : "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي " فمدخولُ إنَّ مؤكدُ لمضمونِ ما تقدَّمه، لإشعارهِ بالترددِ، فيما تضمنَهُ مدخولُها- وكقوله تعالى مخاطبا النبي نوح عليه السلامُ: « وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ»، لما أمرَ المولى « نوحاًعليه السلامُ » أوّلاً بصنعِ الفلك، ونهاهُ ثانياً عن مخاطبتهِ بالشفاعةِ فيهم، صارَ مع كونهِ غير َ سائلِ في مقام السائلِ المترددِ،هل حكَمَ اللهُ عليهم بالإغراقِ فأجيبَ بقوله تعالى : « إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ » .
(2) - تنزيلُ غيرِ المنُكِر منزلةَ المنكِر: إذا ظهرَ عليه شيءٌ من أماراتِ الإنكارِ، كقول حَجَل بن نضلَة القيسيِّ « من أولادِ عَمِّ شقيقٍ»:
جاءَ شقيقٌ عارضاً رُمْحَهُ ... إنّ بَني عمِّكَ فيهم رِماحْ
(فشقيقٌ) رَجلٌ لا يُنكرُ رماحَ بني عمّه، ولكنَّ مجيئهُ على صورةِ المعجَبِ بشجاعتهِ، واضعاً رُمحَه على فخذيهِ بالعرضِ- وهو راكبٌ- أو حَاملاً له عرضاً على كتفهِ في جهةِ العدُوِّ بدون اكتراثهِ به، بمنزلةِ إنكارهِ أنَّ لبني عمّهِ رماحاً، ولنْ يجدَ منهم مُقاوماً له ،كأنهم كلَّهم في نظرهِ عُزَّلٌ، ليسَ مع أحد منهم رمحٌ.
فأكَد له الكلامَ استهزاءً به، وخُوطبَ خطابَ التفاتٍ بعد غيبةٍ تهكُّماً به، ورمياً لهُ بالنزَّقِ وخرقِ الرَّأي.
(3)- تنزيلُ المنكِرِ منزلةُ الخالي، إذا كانَ لديه دلائلُ وشواهدُ لو تأمَّلها لارتدعَ وزال إنكارُه، كقوله تعالى : "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ "، وكقولكَ لمن ينكرُ منفعةَ الطبِّ (الطبُّ نافعٌ).
(4)- تنزيلُ المترددِ منزلةُ الخالي، كقولكَ للمترددِ في قدومِ مسافرٍ معَ شهرته:قدِمَ الأميرُ.
(5)- تنزيلُ المترددِ منزلةَ المنكرِ، كقولكَ للسائلِ المستبعِدِ لحصولِ الفرجِ: إنَّ الفرجَ لقريبٌ. ونحو قوله الله تعالى : "أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ"
تقسيمِ الخبر إلى جملةٍ فعليةٍ وجملةٍ اسميةٍ:
(أ)- الجملةُ الفعليةُ:هي ما تركبتْ من فعلٍ وفاعلٍ، أو من فعلٍ ونائبَ فاعلٍ:
وهي موضوعةٌ لإفادةِ التّجددِ والحدوثِ في زمنٍ معينٍّ مع الاختصار ِ، نحو: يعيشُ البخيلُ عيشةَ الفقراءِ، ويحاسب ُفي الآخرةِ حسابَ الأغنياءِ. ونحو أشرقتِ الشمسُ وقدْ ولَّى الظلامُ هارباً .
فلا يستفادُ من ذلكَ إلاّ ثبوتُ الإشراقِ للشمسِ، وذهابُ الظّلامِ في الزّمانِ الماضي.
(ب) -الجملةُ الاسميةُ: هي ما تركبتْ من مبتدأٍ وخبرٍ، وهيَ تفيدُ بأصلِ وضعها ثبوتَ شيءٍ لشيءٍ ليسَ إلَّا - بدونِ نظرٍ إلى تجدّدٍ ولا استمرارٍ - نحو: الأرضُ متحركةٌ - فلا يستفادُ منها سوى ثبوتِ الحركةِ للأرضِ.
الخلاصة في علوم البلاغة، الشحود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[ذكرنا في درس سابق أن علوم البلاغة ثلاثة : المعاني والبيان والبديع (http://www.abc4web.net/vb/showthread.php?t=8034).
واليوم -بإذن الله- نتعرف على أول درس في علم المعاني وهو الخبر؛ حيث يقسم الكلام إلى خبر وإنشاء، فما هو الخبر وماهو الإنشاء؟ وكيف نميز بينهما؟ هذا ماسنعرفه في هذه السلسلة إن شاء الله.]
تعريف الخبر:
كلامٌ يحتملُ الصدقَ والكذبَ لذاتهِ ،وإن شئتَ فقل :«الخبرُ هو ما يتحقّقُ مدلولهُ في الخارجِ بدون النطقِ به» نحو: العلمُ نافعٌ . فقد أثبتنا صفةَ النفعِ للعلم، وتلكَ الصفةُ ثابتةٌ له، سواءٌ تلفظتَ بالجملةِ السابقة أمْ لم تتلفظْ.
لأنَّ نفعَ العلمِ أمرٌ حاصلٌ في الحقيقةِ والواقعِ، وإنما أنتَ تحكي ما اتفقَ عليه الناسُ قاطبةً، وقضَتْ به الشرائعُ، وهديتْ إليه العقولُ، بدونِ نظر ٍإلى إثباتٍ جديدٍ.
والمرادُ بصدقِ الخبر: مُطابقتُه للواقعِ ونفسِ الأمر ،والمرادُ بكذبهِ: عدمُ مطابقتهِ له، فجملةُ: العلمُ نافعٌ - إن كانتْ نسبتُه الكلاميَّة ُ(وهي ثبوتُ النفعِ المفهومةِ من تلك الجملةِ) مطابقةً للنسبةِ الخارجيّةِ - أي موافقةً لما في الخارجِ والواقعِ «فصدْقٌ» وإلا «فكذِبٌ» ، نحو «الجهلُ نافعٌ» فنسبتهُ الكلاميةُ ليستْ مطابقةً وموافقةً للنسبةِ الخارجيةِ.
-المقاصد والأغراض التي من أجلها يُلقى الخبر:
الأصلُ في الخبر أن يلقَى لأحدِ غرضينِ :
(أ)- إمَّا إفادةُ المخاطبِ الحكمَ الذي تضمنتْهُ الجملةُ، إذا كان جاهلاً له، ويسمَّى هذا النوع ُ« فائدةُ الخبرِ» نحو قولِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم « الدِّينُ النَّصِيحَةُ ».
(ب)- وإمَّا إفادةُ المخاطبِ أنَّ المتكلمَ عالمٌ أيضاً بأنهُ يعلمُ الخبرَ، كما تقولُ لتلميذٍ أخفَى عليكَ نجاحُه في الامتحانِ - وعلمتَه من طريقٍ آخرَ: أنتَ نجحتَ في الامتحانِ، ويسمَّى هذا النوعُ « لازمَ الفائدةِ» ، لأنه يلزم ُ في كلِّ خبرٍ أن يكونَ المخبَرُ به عنده علمٌ أو ظَن بهِ.
وقد يخرجُ الخبرُ عن الغرضينِ السابقينِ إلى أغراضٍ أخرى تُستفادُ بالقرائنَ، ومنْ سياقِ الكلامِ.
أهمها:
(1) - الاسترحامُ والاستعطافُ، نحو: إني فقيرٌ إلى عفوِ ربِّي .
(2)- تحريكُ الهمةِ إلى ما يلزمُ تحصيلُه، نحو قول الشاعر:
سَلي إنْ جهلتِ النَّاسَ عنَّا وعنكمُ ... وليسَ سواءٌ عالمٌ وجهُولُ
(3) -إظهارُ الضعفِ والخشوعِ، نحو قولهِ تعالى على لسان النبي زكريا عليه السلامُ : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ).
(4) -إظهارُ التحُّسرِ على شيءٍ محبوبٍ نحو قوله تعالى على لسان أمِّ مريمَ عليها السلامُ : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ).
(5) -إظهارُ الفرحِ بمقبلٍ ، والشماتةِ بمدبرٍ، نحو قوله تعالى : (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ).
(6) -التوبيخُ كقولكِ: للعاثرِ: (الشمسُ طالعةٌ) .
(7)- التَّذكيرُ بما بين المراتبِ من التَّفاوتِ - نحو قوله تعالى :{ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}، ونحو قولنا : (لا يستوي كسلانٌ ونشيطٌ).
(8)- التحذيرُ - نحو قولهِ صلى الله عليه وسلَّم : « أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ ».
(9) الفخرُ نحو قولِ النبي صلى الله عليه وسلم : « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
(10) المدحُ كقول النابغةِ في المديحِ:
فإِنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبٌ ... إِذا طَلَعَتْ لَمْ يَبْدُ مِنْهنَّ كَوْكَبُ.
وقد يجيءُ لأغراضٍ أخرى - والمرجعُ في معرفة ذلك إلى الذوقِ والعقلِ السليمِ.
-أضربُ الخبرِ(صوره):
حيثُ كان الغرضُ من الكلام الإفصاحَ والإظهارَ، يجبُ أن يكونَ المتكلمُ مع المخاطَبِ كالطبيبِ مع المريضِ، يشخِّصُ حالتَهُ، ويعطيهِ ما يناسبُها.
فحقُّ الكلامِ:، أن يكونَ بقدرِ الحاجةِ، لا زائداً عنها، لِئلا يكونَ عبثاً، ولا ناقصاً عنها، لئلا يُخِلَّ بالغرضِ، وهو: الإفصاحُ والبيانُ.
لهذا - تختلفُ صورُ الخبرِ في أساليب اللغةِ باختلافِ أحوالِ المخاطبِ الذي يعتريهِ ثلاثةُ أحوالٍ:
أولا - أنْ يكونَ المخاطبُ خاليَ الذهنِ من الخبرِ، غيرَ مترددٍ فيه.ولا منكرٍ له - وفي هذه الحالِ لا يؤكدُ له الكلامُ، لعدم الحاجةِ إلى التوكيد نحو قوله تعالى : « الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» .
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبرِ (ابتدائياً) ، ويستعملُ هذا الضربُ حين يكون المخاطبُ خاليَ الذهنِ من مدلولِ الخبرِ ، فيتمكنُ فيه لمصادفتهِ إياهُ خالياً .
ثانياً - أنْ يكونَ المخاطبُ متردداً في الخبرِ، طالباً الوصولَ لمعرفتهِ، والوقوفَ على حقيقته، فيستحسنُ تأكيدُ الكلامِ المُلقَى إليه تقويةً للحُكم، ليتمكَّنَ من نفسهِ، ويطرحَ الخلافَ وراء ظهرهِ، نحو : إنَّ الأميرَ منتصرٌ.
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبرِ (طلبياً) ويؤتَى بالخبرِ من هذا الضربِ حين يكونُ المخاطبُ شاكَّا في مدلولِ الخبرِ، طالباً التثبُّتَ من صدقهِ.
ثالثاً - أنْ يكونَ المخاطَبُ منكراً للخبرِ الذي يرادُ إلقاؤهُ إليه، معتقداً خلافَهُ، فيجبُ تأكيدُ الكلامِ له بمؤكدٍ أو مؤكدينِ أو أكثرَ، على حسبِ حالهِ من الإنكارِ، قوةً وضعفاً ، نحو: إنَّ أخاك قادمٌ - أو إنهُ لقادمٌ - أو واللهِ إنه لقادمٌ، أو لعمري إنَّ الحقَ يعلو ولا يُعلَى عليهِ.وكقوله تعالى : "إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى"،وكقوله تعالى عن النبي يعقوب عليه السلام : "وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ".
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبر (إنكارياً)، ويؤتَى بالخبرِ من هذا الضربِ حين يكونُ المخاطَبُ مُنكراً، واعلمْ أنهُ كما يكونُ التأكيد في الإثباتِ، يكون في النفي أيضاً، نحو: ما المقتصدُ بمفتقرٍ، ونحو: واللهِ ما المُستشيرُ بنادمٍ.
- لتوكيدِ الخبر أدوات كثيرة، أشهرُها إنَّ، وأنَّ، ولام الابتداءِ، وأحرفَ التنبيه، والقسمِ، ونونا التوكيد، والحروف َالزائدة (كتفعل واستفعل) والتكرارَ، وقدْ، وأمَّا الشرطيةُ، وإنما واسميةُ الجملةِ، وضميرَ الفصل، وتقديمَ الفاعل المعنويِّ.
-خروجُ الخبر عن مقتضَى الظاهرِ :
قدْ تقتضي الأحوالُ العدولَ عن مقتضَى الظاهرِ، ويورَدُ الكلامُ على خلافهِ لاعتباراتٍ يلحظُها المتكلِّمُ ومنها :
(1)- تنزيلُ خالي الذهنِ منزلةَ السائلِ المترددِ، إذا تقدمَ في الكلام ما يشيرُ إلى حكمِ الخبر ،كقوله تعالى على لسان النبي يوسف عليه السلامُ : "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي " فمدخولُ إنَّ مؤكدُ لمضمونِ ما تقدَّمه، لإشعارهِ بالترددِ، فيما تضمنَهُ مدخولُها- وكقوله تعالى مخاطبا النبي نوح عليه السلامُ: « وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ»، لما أمرَ المولى « نوحاًعليه السلامُ » أوّلاً بصنعِ الفلك، ونهاهُ ثانياً عن مخاطبتهِ بالشفاعةِ فيهم، صارَ مع كونهِ غير َ سائلِ في مقام السائلِ المترددِ،هل حكَمَ اللهُ عليهم بالإغراقِ فأجيبَ بقوله تعالى : « إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ » .
(2) - تنزيلُ غيرِ المنُكِر منزلةَ المنكِر: إذا ظهرَ عليه شيءٌ من أماراتِ الإنكارِ، كقول حَجَل بن نضلَة القيسيِّ « من أولادِ عَمِّ شقيقٍ»:
جاءَ شقيقٌ عارضاً رُمْحَهُ ... إنّ بَني عمِّكَ فيهم رِماحْ
(فشقيقٌ) رَجلٌ لا يُنكرُ رماحَ بني عمّه، ولكنَّ مجيئهُ على صورةِ المعجَبِ بشجاعتهِ، واضعاً رُمحَه على فخذيهِ بالعرضِ- وهو راكبٌ- أو حَاملاً له عرضاً على كتفهِ في جهةِ العدُوِّ بدون اكتراثهِ به، بمنزلةِ إنكارهِ أنَّ لبني عمّهِ رماحاً، ولنْ يجدَ منهم مُقاوماً له ،كأنهم كلَّهم في نظرهِ عُزَّلٌ، ليسَ مع أحد منهم رمحٌ.
فأكَد له الكلامَ استهزاءً به، وخُوطبَ خطابَ التفاتٍ بعد غيبةٍ تهكُّماً به، ورمياً لهُ بالنزَّقِ وخرقِ الرَّأي.
(3)- تنزيلُ المنكِرِ منزلةُ الخالي، إذا كانَ لديه دلائلُ وشواهدُ لو تأمَّلها لارتدعَ وزال إنكارُه، كقوله تعالى : "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ "، وكقولكَ لمن ينكرُ منفعةَ الطبِّ (الطبُّ نافعٌ).
(4)- تنزيلُ المترددِ منزلةُ الخالي، كقولكَ للمترددِ في قدومِ مسافرٍ معَ شهرته:قدِمَ الأميرُ.
(5)- تنزيلُ المترددِ منزلةَ المنكرِ، كقولكَ للسائلِ المستبعِدِ لحصولِ الفرجِ: إنَّ الفرجَ لقريبٌ. ونحو قوله الله تعالى : "أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ"
تقسيمِ الخبر إلى جملةٍ فعليةٍ وجملةٍ اسميةٍ:
(أ)- الجملةُ الفعليةُ:هي ما تركبتْ من فعلٍ وفاعلٍ، أو من فعلٍ ونائبَ فاعلٍ:
وهي موضوعةٌ لإفادةِ التّجددِ والحدوثِ في زمنٍ معينٍّ مع الاختصار ِ، نحو: يعيشُ البخيلُ عيشةَ الفقراءِ، ويحاسب ُفي الآخرةِ حسابَ الأغنياءِ. ونحو أشرقتِ الشمسُ وقدْ ولَّى الظلامُ هارباً .
فلا يستفادُ من ذلكَ إلاّ ثبوتُ الإشراقِ للشمسِ، وذهابُ الظّلامِ في الزّمانِ الماضي.
(ب) -الجملةُ الاسميةُ: هي ما تركبتْ من مبتدأٍ وخبرٍ، وهيَ تفيدُ بأصلِ وضعها ثبوتَ شيءٍ لشيءٍ ليسَ إلَّا - بدونِ نظرٍ إلى تجدّدٍ ولا استمرارٍ - نحو: الأرضُ متحركةٌ - فلا يستفادُ منها سوى ثبوتِ الحركةِ للأرضِ.
الخلاصة في علوم البلاغة، الشحود