خضر صبح
14-05-2010, 08:45 PM
سداسية الايام الستة
تأليف : أميل حبيبي
تعليق الدكتور عادل الاوسطة
(1)
"سداسية الايام الستة" هي مجموعة قصصية للكاتب إميل حبيبي أنجزها إثر حرب حزيران في العام 7691، عكست قصصها اجواء الحرب وما نجم عنها، وعدها بعض الدارسين رواية، ربما لأن احداثها تدور في اجواء الحرب زماناً ومكاناً- أي لوحدة الزمان والمكان والحدث. وقد جلبت لصاحبها شهرة واسعة، اذ اعيدت طباعتها في العالم العربي، ما دفع (إميل) لأن يواصل كتابة القصص والروايات، هو كاتب المقالة بامتياز، وربما كانت السخرية أهم ما يميز هذه القصص، وربما كانت - أي السخرية- هي ما لفت الأنظار اليها، فهي لغة لا ترقى الى لغة "المتشائل".
تذكرت السداسية، هذه الايام، وتحديداً قصة "حين سعد مسعود بابن عمه"، لأقارن ما غدونا عليه الآن، بما صرنا عليه اثر الحرب المذكورة، تفرق اهل فلسطين اثر حرب العام 8491، أيدي عرب، كما يقول اميل، وجاءت الهزيمة الثانية في العام 1967 ليلتقي بعض هؤلاء ببعض اقاربهم تحت الاحتلال. هكذا عرف مسعود الذي ظل يعتقد، لمدة عشرين عاماً، انه مقطوع من شجرة، هكذا عرف ان له ابناء عم في مخيم جنين، وانه ليس مقطوعاً من شجرة، يزور ابناء عمه الناصرة بحثاً عن اقاربهم، وتلتقي العائلة، من جديد، ويغدو مسعود فرحاً يُفاخر اصحابه بان له أهلاً.
تذكرت هذه القصة، هذه الأيام، بخاصة اننا عدنا الى ما قبل اربعين عاماً الى الوراء. فقد غدا لقاؤنا بأهلنا في الداخل صعباً، نلتقي من وراء جدار. كان هناك عشرات البوابات التي تشبه بوابة (مندلباوم) التي لم يبق لها اثر الا في قصص إميل وسميرة عزام.
(2)
هل كانت حرب حزيران خطوة للخلف، من اجل عشر للأمام؟ ربما يتذكر قراء اشعار شعراء المقاومة مقطع توفيق زياد المشهور:
كبوة هذه،
وكم يحدث ان يكبو الهمام
انها للخلف خطوة
من اجل عشر للأمام.
هل كانت الحرب تلك حقاً للخلف خطوة من اجل عشر للأمام؟ كان توفيق زياد وشعراء المقاومة متفائلين، وكان تفاؤلهم ينبع من ايمانهم بالفكر الاشتراكي، فالاشتراكية سوف تنتصر، وحركة التاريخ لا تكون دائماً للأمام. انها حركة لولبية، فيها هبوط وصعود. ولا ادري ماذا سيقول توفيق زياد لو بقي حياً؟ لقد عدنا الى الوراء عشر خطوات واكثر. هل كان ثمة مبرر لتفاؤل زياد ورفاقه؟
مؤخراً بدأت اقرأ رواية "المزحة" لـ(ميلان كونديرا)، وهي رواية انجزها في ستينيات القرن المنصرم، ولم يتمكن من نشرها الا بعد مرور سنوات، لأن ما ورد فيها لم يكن يحظى برضى الحزب الشيوعي الحاكم. كان (كونديرا) يقيم في براغ، حين كتبها، وكان ينقد فيها الحزب. لقد لفت انتباهي فيها عبارة كتبها شيوعي يميل الى الدعابة ودفع ثمنها باهظاً، اذ عُدّ منشقاً (تروتسكيا)، علماً بانه لم يكن كذلك. واما العبارة فهي "التفاؤل افيون الشعوب". ولن يفهم الحزب ان كاتبها يميل الى الدعابة والمزاح. وعنوان الرواية، كما لاحظنا، المزحة سيفصل (لودفيك) من الحزب، وسيطرد من الجامعة، وسيسجن لسنوات، وسيظل موضع مراقبة، وسيتخلى عنه الرفاق. كل ذلك لانه يمزح. هل كانت حرب العام 1967 مزحة؟
ماذا يقول شعراء المقاومة، الان، بعد اربعين عاماً من الهزيمة، هم الذين كانوا متفائلين؟ توفي توفيق زياد، وما زال محمود درويش وسميح القاسم وآخرون على قيد الحياة، ولم يعد مسعود يلتقي بابن عمه، وغدت فلسطين ممزقة، والضفة عشر دول....؟!
(3)
اثر الهزيمة زارنا ابناء العمومة، واخذوا يتجولون في مدننا وقرانا ويشترون منا بضاعتنا: التحف واللوز (شكديما توف) والاسكيمو وما شابه. وكنت واحداً ممن اخذوا يبيعون التحف لليهود. كانت لي خالة جمعت من الاعراس كماً هائلاً من المطبقيات (مطبقيات الاعراس)، ورأيتني آخذها واتجول فيها في الشوارع صارخاً: كله بليرة يا خواجه، كله بليرة(؟)
واظن انني بعتها كلها في ايام قليلة، لأواصل بعدها بيع العلكة او الاسكيمو. كان ابناء العمومة يأتون زرافات زرافات، باصات باصات وشاحنات شاحنات. وربما التفت الى الفارق بين ثراثهم وعافيتهم، وبين فقرنا وهزالنا.
الآن ما عدنا نرى هؤلاء، فمنذ مدة لم نر الا العسكر والجنود. وربما تساءلنا الآن: هل انتهت الحرب؟ هل انتهت في ايام ستة؟ وأظن انها لما تنته!! سينفقون العمر في دبابة، وسننفق العمر في سجن ومنفى. وربما كررت مع (لودفيك) أحد شخصيات رواية (كونديرا) "المزحة" عبارته: "التفاؤل أفيون الشعوب"، وقد لا يوافقني احد قصاصينا على ذلك، لان قصصه تحفل بنهايات متفائلة.
قد.!
(4)
انها للخلف خطوة من أجل عشر للامام. قال زياد، وبعد هزيمة العام 1967 الف د. صادق جلال العظم كتابه الشهير "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، باحثاً عن اسبابها، مجتهداً في الكشف عنها. وما من حزيران يمر الا تذكرت الكتاب، وتذكرت اننا ما زلنا على ما كنا، وربما انحدرنا اكثر الى هاوية.
كثرت الجامعات في العالم العربي، وازداد عدد مواطنيه، ومع ذلك فهناك 7 جامعات اسرائيلية من بين افضل 500 جامعة في العالم، ليس بينها من الجامعات العربية سوى واحدة. وحين اذهب الى ان جامعاتنا تتحول الى مدارس ثانوية اغدو مثل الفلسطيني (بندلي جوزي) الذي ظنوه مستشرقاً.
(5)
قبل اسابيع سأصحو في الواحدة صباحاً، وسأتابع فضائية الجزيرة. كان البرنامج يبث من المغرب العربي، والمذيعة هي غادة عويس، والقضية هي حارس حمام عمومي مقابل مسجد، حوّل الى سكن له ولعائلته المكونة منه ومن زوجته ومن ثلاثة اطفال. وعنوان الرجل في البلدية هو: مرحاض عمومي، سأقول: هل سننتصر؟ وسأتذكر العشوائيات في القاهرة والمغرب، سأتذكر القرافات في مصر التي يقيم فيها مئات الألوف، والقرافات هي المقابر لمن لم يقرأ نجيب محفوظ. ولا ادري ان كان ثمة مبرر للتفاؤل. هل اخطأ (لودفيك)؟
(6)
وانا في الحافلة تقعد امرأة لا اعرفها، معها ثلاثة اطفال لا يزيد عمر اكبرهم على ثلاثة اعوام. تخاطب الأم ابنها الاوسط بحدة: يا غبي، دون سبب. مقموعون منذ طفولتنا. في الاسرة وفي المؤسسة وفي الدولة ومن الاحتلال. وربما كررنا مع (لودفيك): "التفاؤل أفيون الشعوب" ربما!؟
عادل الأسطة
تاريخ نشر المقال 10 حزيران 2007
تأليف : أميل حبيبي
تعليق الدكتور عادل الاوسطة
(1)
"سداسية الايام الستة" هي مجموعة قصصية للكاتب إميل حبيبي أنجزها إثر حرب حزيران في العام 7691، عكست قصصها اجواء الحرب وما نجم عنها، وعدها بعض الدارسين رواية، ربما لأن احداثها تدور في اجواء الحرب زماناً ومكاناً- أي لوحدة الزمان والمكان والحدث. وقد جلبت لصاحبها شهرة واسعة، اذ اعيدت طباعتها في العالم العربي، ما دفع (إميل) لأن يواصل كتابة القصص والروايات، هو كاتب المقالة بامتياز، وربما كانت السخرية أهم ما يميز هذه القصص، وربما كانت - أي السخرية- هي ما لفت الأنظار اليها، فهي لغة لا ترقى الى لغة "المتشائل".
تذكرت السداسية، هذه الايام، وتحديداً قصة "حين سعد مسعود بابن عمه"، لأقارن ما غدونا عليه الآن، بما صرنا عليه اثر الحرب المذكورة، تفرق اهل فلسطين اثر حرب العام 8491، أيدي عرب، كما يقول اميل، وجاءت الهزيمة الثانية في العام 1967 ليلتقي بعض هؤلاء ببعض اقاربهم تحت الاحتلال. هكذا عرف مسعود الذي ظل يعتقد، لمدة عشرين عاماً، انه مقطوع من شجرة، هكذا عرف ان له ابناء عم في مخيم جنين، وانه ليس مقطوعاً من شجرة، يزور ابناء عمه الناصرة بحثاً عن اقاربهم، وتلتقي العائلة، من جديد، ويغدو مسعود فرحاً يُفاخر اصحابه بان له أهلاً.
تذكرت هذه القصة، هذه الأيام، بخاصة اننا عدنا الى ما قبل اربعين عاماً الى الوراء. فقد غدا لقاؤنا بأهلنا في الداخل صعباً، نلتقي من وراء جدار. كان هناك عشرات البوابات التي تشبه بوابة (مندلباوم) التي لم يبق لها اثر الا في قصص إميل وسميرة عزام.
(2)
هل كانت حرب حزيران خطوة للخلف، من اجل عشر للأمام؟ ربما يتذكر قراء اشعار شعراء المقاومة مقطع توفيق زياد المشهور:
كبوة هذه،
وكم يحدث ان يكبو الهمام
انها للخلف خطوة
من اجل عشر للأمام.
هل كانت الحرب تلك حقاً للخلف خطوة من اجل عشر للأمام؟ كان توفيق زياد وشعراء المقاومة متفائلين، وكان تفاؤلهم ينبع من ايمانهم بالفكر الاشتراكي، فالاشتراكية سوف تنتصر، وحركة التاريخ لا تكون دائماً للأمام. انها حركة لولبية، فيها هبوط وصعود. ولا ادري ماذا سيقول توفيق زياد لو بقي حياً؟ لقد عدنا الى الوراء عشر خطوات واكثر. هل كان ثمة مبرر لتفاؤل زياد ورفاقه؟
مؤخراً بدأت اقرأ رواية "المزحة" لـ(ميلان كونديرا)، وهي رواية انجزها في ستينيات القرن المنصرم، ولم يتمكن من نشرها الا بعد مرور سنوات، لأن ما ورد فيها لم يكن يحظى برضى الحزب الشيوعي الحاكم. كان (كونديرا) يقيم في براغ، حين كتبها، وكان ينقد فيها الحزب. لقد لفت انتباهي فيها عبارة كتبها شيوعي يميل الى الدعابة ودفع ثمنها باهظاً، اذ عُدّ منشقاً (تروتسكيا)، علماً بانه لم يكن كذلك. واما العبارة فهي "التفاؤل افيون الشعوب". ولن يفهم الحزب ان كاتبها يميل الى الدعابة والمزاح. وعنوان الرواية، كما لاحظنا، المزحة سيفصل (لودفيك) من الحزب، وسيطرد من الجامعة، وسيسجن لسنوات، وسيظل موضع مراقبة، وسيتخلى عنه الرفاق. كل ذلك لانه يمزح. هل كانت حرب العام 1967 مزحة؟
ماذا يقول شعراء المقاومة، الان، بعد اربعين عاماً من الهزيمة، هم الذين كانوا متفائلين؟ توفي توفيق زياد، وما زال محمود درويش وسميح القاسم وآخرون على قيد الحياة، ولم يعد مسعود يلتقي بابن عمه، وغدت فلسطين ممزقة، والضفة عشر دول....؟!
(3)
اثر الهزيمة زارنا ابناء العمومة، واخذوا يتجولون في مدننا وقرانا ويشترون منا بضاعتنا: التحف واللوز (شكديما توف) والاسكيمو وما شابه. وكنت واحداً ممن اخذوا يبيعون التحف لليهود. كانت لي خالة جمعت من الاعراس كماً هائلاً من المطبقيات (مطبقيات الاعراس)، ورأيتني آخذها واتجول فيها في الشوارع صارخاً: كله بليرة يا خواجه، كله بليرة(؟)
واظن انني بعتها كلها في ايام قليلة، لأواصل بعدها بيع العلكة او الاسكيمو. كان ابناء العمومة يأتون زرافات زرافات، باصات باصات وشاحنات شاحنات. وربما التفت الى الفارق بين ثراثهم وعافيتهم، وبين فقرنا وهزالنا.
الآن ما عدنا نرى هؤلاء، فمنذ مدة لم نر الا العسكر والجنود. وربما تساءلنا الآن: هل انتهت الحرب؟ هل انتهت في ايام ستة؟ وأظن انها لما تنته!! سينفقون العمر في دبابة، وسننفق العمر في سجن ومنفى. وربما كررت مع (لودفيك) أحد شخصيات رواية (كونديرا) "المزحة" عبارته: "التفاؤل أفيون الشعوب"، وقد لا يوافقني احد قصاصينا على ذلك، لان قصصه تحفل بنهايات متفائلة.
قد.!
(4)
انها للخلف خطوة من أجل عشر للامام. قال زياد، وبعد هزيمة العام 1967 الف د. صادق جلال العظم كتابه الشهير "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، باحثاً عن اسبابها، مجتهداً في الكشف عنها. وما من حزيران يمر الا تذكرت الكتاب، وتذكرت اننا ما زلنا على ما كنا، وربما انحدرنا اكثر الى هاوية.
كثرت الجامعات في العالم العربي، وازداد عدد مواطنيه، ومع ذلك فهناك 7 جامعات اسرائيلية من بين افضل 500 جامعة في العالم، ليس بينها من الجامعات العربية سوى واحدة. وحين اذهب الى ان جامعاتنا تتحول الى مدارس ثانوية اغدو مثل الفلسطيني (بندلي جوزي) الذي ظنوه مستشرقاً.
(5)
قبل اسابيع سأصحو في الواحدة صباحاً، وسأتابع فضائية الجزيرة. كان البرنامج يبث من المغرب العربي، والمذيعة هي غادة عويس، والقضية هي حارس حمام عمومي مقابل مسجد، حوّل الى سكن له ولعائلته المكونة منه ومن زوجته ومن ثلاثة اطفال. وعنوان الرجل في البلدية هو: مرحاض عمومي، سأقول: هل سننتصر؟ وسأتذكر العشوائيات في القاهرة والمغرب، سأتذكر القرافات في مصر التي يقيم فيها مئات الألوف، والقرافات هي المقابر لمن لم يقرأ نجيب محفوظ. ولا ادري ان كان ثمة مبرر للتفاؤل. هل اخطأ (لودفيك)؟
(6)
وانا في الحافلة تقعد امرأة لا اعرفها، معها ثلاثة اطفال لا يزيد عمر اكبرهم على ثلاثة اعوام. تخاطب الأم ابنها الاوسط بحدة: يا غبي، دون سبب. مقموعون منذ طفولتنا. في الاسرة وفي المؤسسة وفي الدولة ومن الاحتلال. وربما كررنا مع (لودفيك): "التفاؤل أفيون الشعوب" ربما!؟
عادل الأسطة
تاريخ نشر المقال 10 حزيران 2007