المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البلاغة العربية في أحاديث الفتن


أبو يوسف
22-05-2010, 09:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


كتب مهاجر من شبكة الفصيح



من حديث أبي بكرة ، رضي الله عنه ، مرفوعا :

"إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ قَالَ يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ"

ففيه توكيد لوقوع الفتنة ، فكينونتها فرع عن مشيئة الله ، عز وجل ، النافذة ، وإن لم توافق إرادته الشرعية إذ لم يأمر الله ، عز وجل ، عباده بإيقاع الفتن ، وإن قدر وقوعها كونا ، لحكم بالغة تربو على مفسدة وقوعها . فالشر ليس إليه ، وإن كان مخلوقا له ، إذ فعله كله خير ، وإنما يكون الشر في المقدور المخلوق لا القدر الذي يقع الخلق به ، على أنه شر جزئي فليس شرا محضا من كل وجه ، بل له من المآلات الحميدة ما يجعل وقوعه عين الحكمة ، ولكن ذلك يخفى على العباد حال وقوع المصيبة إذ يريهم الشيطان الشر الكائن حالا ، ويصرفهم عن الخير الكائن مآلا .

والتنكير في : فتنة : للتعظيم ، وقد زيد في بيانها بالإطناب في ذكر أوصاف الداخلين فيها ، فلكل نصيب من الذم بقدر ولوجه فيها ، إلا أن يقوم في حقه عذر معتبر من تأويل سائغ ، كما جرى في فتنة الجمل وصفين ، إذ أثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كلا الطائفتين بوصف : الإسلام ، كما في حديث أبي بكرة ، رضي الله عنه ، مرفوعا : "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ" .
قال الحافظ ، رحمه الله ، في "الفتح" : "وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَصْوِيب رَأْي مَنْ قَعَدَ عَنْ الْقِتَال مَعَ مُعَاوِيَة وَعَلِيي وَإِنْ كَانَ عَلِيّ أَحَقّ بِالْخِلَافَةِ وَأَقْرَب إِلَى الْحَقّ ، وَهُوَ قَوْل سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَابْن عُمَر وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ وَسَائِر مَنْ اِعْتَزَلَ تِلْكَ الْحُرُوب" . اهــ

فضلا عن وصفهما بالإيمان في قوله تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ، فكلاهما بوصف الإيمان جدير ، وإنما تأولت طائفة منهما فبغت على الأخرى مع كون الثانية : الأدنى إلى الحق ، فوقعت الفتنة التي حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الولوج فيها ، فاجتنبها جل الصحابة ، رضي الله عنه ، واجتهدت طائفة منهم ، وهم للاجتهاد أهل ، فترجح عندهم أن الحق مع طائفتهم فانتصروا لها انتصار طالب الحق لا طالب الهوى ، ولما كان الراجح في مسائل الخلاف السائغ أن المصيب واحد بعينه أصابت طائفة علي ، رضي الله عنه ، أجري الاجتهاد ابتداء والإصابة انتهاء ، واصابت الطائفة الأخرى سواء أكان ذلك في الجمل أو صفين أجر الاجتهاد دون الإصابة ، فكلاهما ممدوح شرعا ، وإن وقع منه ما لا يسلم منه بشر سوى الأنبياء فلم تكن إحدى الطائفتين راجية عصمة .

الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا : تناسب في الأطراف مع مع التدرج من الأدنى إلى الأعلى وذلك أصل في الحكم على الأفعال والأعيان ، فليس الفعل مدحا أو ذما نمطا واحدا بل هو متفاوت بقدر ولوج صاحبه فيه ، فليس من آمن إيمانا مجملا كمن ولج باب الإيمان فحصل من العلم والعمل ما انشرح به صدره واطمئن به قلبه ولهج به لسانه وعمرت به أركانه ، وقل مثل ذلك في كل عمل ، فإن البشر تتفاوت ملكاتهم وقدراتهم في الخير أو الشر فيقع التفاضل بينهم ، وإن جمعهم وصف مدح أو ذم كلي ، وكذلك يقع التفاوت في الفعل الواحد وإن وصف إجمالا بالمدح ترغيبا ، أو الذم ترهيبا ، كما في هذا الحديث ، وإن لم يلزم من ذم الفعل ذم فاعله ، فقد يكون الفعل : كفرا ولا يكفر فاعله لقيام مانع من موانع التكفير من : جهل أو نسيان أو .............. إلخ ، في حقه ، فكيف بما هو دونه من المسائل العملية التي يسوغ الخلاف فيها ، فلم يجر الخلاف فيها على قاعدة دينية كلية إذ هي من مسائل الخلاف في استيفاء حد من حدود الله ، فلم ينكر أحدهما مشروعية الحد ، بل لم ينكر أحد استحقاق قتلة الخليفة عثمان ، رضي الله عنه ، حد القصاص الشرعي ، وإنما اختلفوا في التوقيت والكيفية تبعا للمصالح والمفاسد الشرعية المعتبرة التي قد تترتب على ذلك ، فرأى فريق المصلحة في التأجيل حتى تهدأ الأحوال وتنطفئ نيران الفتنة المتقدة ، ورأى فريق المصلحة في التعجيل انتصارا للخليفة الشهيد ، رضي الله عنه ، ولئلا يتجرأ مفسد على التطاول على مقام الخلافة الراشدة بعد ذلك ، فيكون ذلك حسما لمادة الفتنة فيما يأتي من مستقبل الأيام . فإذا كان الأمر كذلك : أفلا يكون العذر بالاجتهاد والتأول كائنا فيها من باب أولى ؟!

فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ : سبر وتقسيم باعتبار أصناف الأموال آنذاك ، فهو حاصر من جهة الأحوال ، لا من جهة الأعيان ، فإذا وقعت الفتنة وعمت ، ولمعتزلها مال من غير تلك الأجناس فإن الحكم يجري عليه ، إذ ذكر تلك الأجناس من قبيل : ذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه ، وإنما وردت مورد التمثيل لا السبر والتقسيم .

وفي الإطناب بالتكرار زيادة في المعنى ، فذلك أوقع في النفس بيانا لعظم تلك الفتنة وتحذيرا من الولوج فيها ، وقد كان ذلك حال معظم الأصحاب ، رضي الله عنهم ، وصنيع سعد ، رضي الله عنه ، أصل في امتثال ذلك الأمر النبوي الرشيد .

يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ : كناية عن الكف عن القتال بإتلاف آلته ، فليس المراد كسر السيف بكيفية بعينها ، وإنما المراد كف البأس عن الجماعة بإغماد السيوف وما شاكلها من آلات الحرب ، فهو ، أيضا ، من قبيل ذكر بعض أفراد العام فلا يخصصه .

فإرادة الكناية هنا ليست مرادة من جهة الحصر ، وإن لم يمنع إيرادها إرادة الصورة المذكورة على حد الحقيقة كما تقرر في حد الكناية في كلام البلاغيين .

وفي الأمر بالنجاء بصيغة الشرط : ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ : إلهاب لهمة الفار لينجو ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
والله أعلى وأعلم .

.

.

أبو يوسف
22-05-2010, 09:54 PM
.

ومن هذا الباب أيضا : قول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : "إن هذه الفتنة فتنة باقرة كداء البطن ، لا ندري أنى تؤتى ، تأتيكم من مأمنكم وتدع الحليم كأنه ابن أمس ، قطعوا أرحامكم وانتصلوا رماحكم" ، وهذه رواية ابن أبي شيبة ، رحمه الله ، في "المصنف" ، ورواية الطبري ، رحمه الله ، في تاريخه : "إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت بينت وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجرى بها الشمال والجنوب والصبا والدبور فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين تأتي تذر الحليم كابن أمس شيموا سيوفكم واقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم" .


ففي قوله على وجازته بيان بليغ لحال الفتنة فالمقابلة بين حال إقبالها وحال إدبارها بــ : "أقبلت شبهت" ، و : "أدبرت بينت" : مئنة من اشتباهها على ذوي الأفهام وإلا ما كانت فتنة بظهور الحق جليا في أول أمرها ، وإنما يظهر وجه الحق فيها بعد انقضائها .


وفي قوله : "وإن هذه الفتنة باقرة" : مجاز إسنادي بنسبة البقر ، الذي هو القطع ، للفتنة ، ويمكن إجراؤه مجرى مجاز السببية إذ الفتنة سبب في وقوع البقر ، ويمكن إجراؤه ، أيضا ، مجرى الاستعارة إذ استعار القطع الحسي للقطع المعنوي ، ولا يمتنع الجمع بينهما إذ الفتنة مظنة القطع المعنوي بذهول العقول عن وجه الحق فيها ، والقطع بإتلاف الأبدان .

وتشبيهها بداء البطن : تشبيه مرسل مجمل حذف فيه وجه الشبه لظهوره ، فذكره فضلة لا حاجة إليها ، إذ كلاهما مما يفسد الحال فالفتن مما يفسد القلوب ، وداء البطن مما يفسد الأبدان .


وجريان الريح بها مئنة من سرعة سريانها ، فاستعار الجريان الحسي للجريان المعنوي ، فهي على وزان قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث الدجال : "كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ" ، فلو أجريت الاستعارة على هذا الوجه لقيل : هي استعارة مكنية إذ شبه الفتنة بما تحمله الريح وحذف المشبه به وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو جريان الريح به ، وهي من جهة أخرى : تبعية وقعت في الفعل المشتق : "تجري" ، وهي تحقيقية إذ الصورة مما يمكن الإشارة إليه حسا ، فحملان الريح لما دق من غيث أو غبار ......... إلخ أمر مدرك بالأبصار . وقد يقال بأن ذلك من باب تشبيه التمثيل ، إذ انتزع من الريح التي تعصف تارة وتسكن أخرى صورة مركبة للفتنة التي توقد تارة وتخبو أخرى .

تذر الحليم كابن أمس : مبالغة في وصف اشتباهها على ذوي العقول فتذرهم كالرضع الذين لا عقل لهم .
وفي قوله : "شيموا سيوفكم واقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم" .

سبر وتقسيم على ما تقدم بيانه فيه الأمر لهم إرشادا بالكف بإتلاف آلات القتال ، والكف بالقرار في أجواف الدور .

وشيم السيوف : سلها أو غمدها ، قال في اللسان" : "وشامَ السيفَ شَيْماً سلَّه وأغمده وهو من الأضداد" ، وسياق الكف عن القتال رافع لإجماله مزيل لإلباسه ، فالمراد : كفها بالغمد . والسياق ، كما تقدم في أكثر من مناسبة ، قرينة معتبرة في معرفة مراد المتكلم .


والله أعلى وأعلم .

.

أبو يوسف
22-05-2010, 09:57 PM
ومما يتعلق بهذا الشأن أيضا :

قول حذيفة رضي الله عنه : إياكم والفتن ، لا يشخص لها أحد ، والله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن ، إنها مشبهة مقبلة ، حتى يقول الجاهل : هذه تشبه مقبلة ، وتبين مدبرة ، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم ، واكسروا سيوفكم ، وقطعوأ أوتاركم .

إياكم والفتن : تحذير إذ سيق الإغراء مساق التحذير .

لا يشخص لها أحد ، والله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن :

تشبيه تمثيلي انتزع وجهه من صورة السيل إذ يجتاح بقايا الأبوال والأبعار المتبلدة ، فكذلك الفتنة حال اجتياحها النفوس .

إنها مشبهة مقبلة حتى يقول الجاهل : هذه سنة وتبين مدبرة : مقابلة على وزان المقابلة في قول أبي موسى ، رضي الله عنه ، في المداخلة السابقة ، فهي حال إقبالها مشتبهة حتى يقول الجاهل فيها بضد وصفها ، فيرى الخير فيما ولج فيه فإذا ارتحلت علم وجه الحق فيها إذ الكف عن مباشرة أسبابها لمن لم يترجح له وجه فيها : أسلم عاقبة ، فلا يعذر في تلك المضائق إلا أهل الاجتهاد الذين حصلوا آلته فبذلوا الجهد واستفرغوا الطاقة طلبا لوجه الحق ، كما كان حال رءوس الأصحاب ، رضي الله عنهم ، في الجمل وصفين ، لا عموم المكلفين الذين تشتبه عليهم الأمور فيخوضون في الأمر لمطمع عاجل أو هوى غالب وذلك الغالب على الناس زمن الفتن .
فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم ، واكسروا سيوفكم ، واقطعوا أوتادكم : على ما اطرد من أمر أبي موسى ، رضي الله عنه ، في معرض النصح والإرشاد .
والجثوم أبلغ اللزوم ، إذ هو التلبد بالأَرض ، كما ذكر صاحب اللسان ، رحمه الله ، فهو مئنة من التوكيد بالقرار في البيوت .

والله أعلى وأعلم .

.

.

أبو يوسف
22-05-2010, 10:02 PM
ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه :

كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، وتتخذ سنة ، فإن غيرت يوما قيل : هذا منكر ، وقالوا : ومتى ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : ذاك إذا قلت أمناؤكم ، وكثرت أمراؤكم ، وقل فقهاؤكم ، وكثر قراؤكم ، وتفقه لغير الدين ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة .

فالاستفهام قد أشرب معنى التعجب ، والإنكار لتلك الحال ، والإشفاق على من حضرته ، والتحذير لمن عمته .

واستعار الملابسة الحسية للملابسة المعنوية ، من باب الاستعارة التصريحية في الفعل : "لبس" الذي استعير للفعل : "عم" ، على تقدير : إذا عمتكم ، أو على سبيل الاستعارة المكنية ، إذ شبهت الفتنة بالثوب الذي يلابس البدن ، وحذف المشبه به وكني عنه بما يدل عليه ، إذ اللبس دال على الملبوس دلالة لزوم عقلية ، فلا ينفك اللابس عن ملبوس يستر به بدنه .

ومن ينكر المجاز فإن المسألة عنده من مسائل الحقيقة العرفية المشتهرة ، إذ قد اطرد في لسان العرب استعمال العرب الملابسة في الدلالة على المخالطة ، والمخالطة إما أن تكون حسية على وزان قوله تعالى : (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) ، مع احتمالها الملابسة المعنوية بما يكون بين الزوجين من مودة ورحمة ، أو : معنوية ، على وزان قوله تعالى : (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) ، قال في "اللسان" : "وفي حديث جابر لما نزل قوله تعالى : (أَو يُلْبِسَكُم شِيَعا)ً اللَّبْس الخلْط يقال لَبَسْت الأَمر بالفتح أَلْبِسُه إِذا خَلَطت بعضه ببعض أَي يَجْعَلكم فِرَقاً مختلفين ومنه الحديث : (فَلَبَسَ عليه صَلاتَه) والحديث الآخر : من لَبَسَ على نفسه لَبْساً ............. ولابَسْتُ الأَمرَ خالَطْتُه وفيه لُبْسٌ ولُبْسَةٌ أَي التِباسٌ وفي التنزيل العزيز : (وللبَسْنا عليهم ما يَلْبِسُون) يقال لَبَسْت الأَمر على القوم أَلْبِسُه لَبْساً إِذا شَبَّهْتَه عليهم وجَعَلتَه مُشْكِلاً وكان رؤساء الكفار يَلْبِسُون على ضَعَفَتهم في أَمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا هَلاَّ أُنزل إِلينا مَلَك ؟ قال اللَّه تعالى ولو أَنزَلْنا مَلَكاً فرأَوْه يعني المَلَك رجُلاً لكان يَلْحَقهم فيه من اللَّبْس مثل ما لحق ضَعَفَتَهُم منه" . اهــ

فلا حاجة إلى تكلف المجاز في لفظ قد عرفت دلالته ابتداء إذ تبادر إلى الذهن منه معنى صحيح على جهة الحقيقة .


يربو فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير : إطناب في بيان تلك الفتنة ، بذكر أوصافها على جهة المقابلة بين : "يربو فيها الصغير" ، و : "ويهرم فيها الكبير" فذلك مئنة من عمومها لكل الأعيان فلا يسلم منها كبير ولا صغير .

وتتخذ سنة : مئنة من التكلف إذ الاتخاذ من الافتعال كالاكتساب الذي يتكلف فيه المكتسب ما لا يتكلفه الكاسب ، وفي التنزيل : (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ، فالكسب مئنة من التلقائية فالحسنة توافق الفطرة فلا تجد النفس تكلفا في عملها ، والاكتساب مئنة من التكلف فالسيئة تخالف الفطرة فتجد تكلفا وعدم ارتياح في عملها إلا إن فسدت فصارت تلتذ بها فذلك من العقوبة المعجلة بموت القلب .

فإن غيرت يوما قيل : هذا منكر : فقد عمت الأزمان كما عمت الأعيان ، فصار التعرض لها بالإنكار هو عين المنكر وإنما يكون ذلك في أزمان دروس العلم وانقطاعه بقبض العلماء كما في حديث عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، مرفوعا : "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" .


ذاك إذا قلت أمناؤكم : فيوسد الأمر لغير أهله .


وكثرت أمراؤكم : مع اتصافهم بعدم الأمانة ، والطباق بين القلة والكثرة إيجابا فضلا عن ورود الأمراء في مقابل الأمناء مئنة من فشو الخيانة في الأمراء حتى صاروا في حد مقابل لحد الأمناء ، فصارت القسمة : أمناء وأمراء ، بعد أن كانت : أمناء وخونة ! .

وقل فقهاؤكم ، وكثر قراؤكم : على وزان ما تقدم من الطباق والمقابلة ، فقد صار الغالب على القراء بعد زمن قراء الصحابة ، رضي الله عنهم ، صار الغالب عليهم : الجهل والغلو في الدين ، ولنا في الخوارج عبرة ، فقد جمعوا بين الاجتهاد في القراءة والغلو في العبادة في مقابل قلة الفقه ، بل عدمه ، فلم يعرف منهم راسخ في العلم أو حتى طالب له ، فالغالب عليهم : التنطع في العمل بلا علم ، على وزان طريقة الضالين من أمة النصارى الذين غلوا في العمل وجفوا في العلم ، فعبدوا الله ، عز وجل ، بالبدع والمحدثات ، وتعصبوا لباطلهم كأي جاهل بعلوم النبوات فليس عندهم منها إلا أثر دارس ، فوقعت العداوة بينهم ، مصداق قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) .

وتفقه لغير الدين ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة : وذلك من عطف المسبَب على سببه ، إذ قد فسدت الإرادات بإرادة الدنيا بعمل الآخرة ، والطباق بينهما يزيد الجناية تصورا في الذهن فيستبشعها كل من له حظ من دين ، إذ التمس الأدنى بالأعلى ، فجعل الوسيلة غاية ، والغاية وسيلة ، وذلك من فساد التصور بمكان فرعا عن فساد النية والإرادة . وتلك طريقة المغضوب عليهم من أمة يهود الذين علموا الحق فكتموه مع قيام الحاجة إلى بيانه ليشتروا به ثمنا قليلا من جاه أو رياسة زائلة ، مصداق قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) ، فاستوفت مقالة ابن مسعود ، رضي الله عنه ، طرق الأمم المتقدمة إذ دخل عليهم الفساد في العلم كحال النصارى ، أو العمل كاليهود ، وإنما تقع النجاة : بعلم النبوات النافع ، وما يتفرع عنها من أعمال صالحة ، وفي التنزيل : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ، فالعمل الصالح فرع عن التوحيد أجل علوم النبوات ، فلا يكفي العمل بمعزل عن العلم إذ هو مظنة الابتداع ، ولا يكفي العلم بمعزل عن العمل إذ هو مظنة العصيان .

والله أعلى وأعلم .

.


.

أبو يوسف
22-05-2010, 10:05 PM
ومن ذلك أيضا :

قول أبي هريرة رضي الله عنه :

أيها الناس ! أظللتكم فتنة كقطع الليل المظلم ، أنجى الناس فيها - أو قال : منها - صاحب شاء يأكل من رسل غنمه ، أو رجل وراء الدرب آخذ بعنان فرسه يأكل من سيفه .


ففي قوله : "أظلتكم" : استعارة غشيان الظل الحسي لغشيان الفتنة المعنوي ، فيجري مجرى الاستعارة التصريحية التحقيقية ، إذ غشيان الظل أو الظلمة .......... إلخ مما يحيط بالشخوص ، مما تمكن الإشارة إليه حسا .

وتشبيهها بقطع الليل المظلم : تشبيه مرسل مجمل ، حذف فيه وجه الشبه ، وهو عموم الفتنة وخفاء أمرها ، ففيه توكيد للممنى المتقدم فهي فتنة عامة مشتبهة لا يظهر فيها وجه الحق الخالص إلا لقلة من المسددين ، ولا يعذر فيها بالاجتهاد السائغ إلا قلة من سادات المؤمنين أصحاب الرأي والنظر على التفصيل المتقدم .

وفي تقديم إسناد وصف النجاة لمن يأتي بيان حالهم : نوع تشويق بتصدير الكلام بما تتشوف إليه النفوس من الحكم إذ يتلهف المخاطب على معرفته إذا كان محط الفائدة ، لا سيما إن كان أحسن عاقبة فهو قائم مقام البشرى .

صاحب شاء : بيان بذكر أفراد المحكوم بعد إجمال حكم النجاة : و : "من" : للتبعيض فضلا عما اطرد من دلالتها على ابتداء الغاية ، فابتداء غاية أكله منها ، والبيان ، إذ أكله من جنس تلك الشياه بداهة .

أو رجل وراء الدرب آخذ بعنان فرسه يأكل من سيفه : للتقسيم وهو حاصر من جهة المعنى الكلي ، غير حاصر من جهة الأفراد : فمراد أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن خير ما يفعل في زمن الفتن عموما : الاعتزال أو جهاد الكفار ، فلم يرد النص على صورة الآكل من قطيعه أو المجاهد بسيفه خصوصا فالعبرة بالعموم لا بالأفراد المذكورة .

و : "من" في قوله : "يأكل من سيفه" : سببية على ما اطرد في كلام البلاغيين ومن صنف في معاني الحروف من دلالات : "من" المتعددة ، فالسيف آلة استخلاص الغنائم المأكولة .


والله أعلى وأعلم .


.

الدمشقي
23-05-2010, 12:21 AM
شــــ لك ــــكراً أخي أبو يوسف
على هذا الطرح القيم
وجزاك الله خيراً

المغربي الجديد
23-05-2010, 03:33 AM
موضوع كامل مكتمل
جزاك الله خير الدنيا والآخرة أخي الغالي ابو يوسف
تسلم الأيادي
:abc_152:

أبو يوسف
23-05-2010, 03:34 PM
ذكر الشيخ حاتم الفرائضي في خطبة له : -


أما (( الفتن )) فإن أبناء الأمة يُغزون بسيل من فتن الشهوات وأخطر منه سيل من زخرف الشبهات

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا : ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا )) عن أبي هريرة عند مسلم (2/300).


وروى الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القَطْر يفر بدينه من الفتن)).

و" شعف الجبال " هي رؤوس الجبال
قال في معجم مقاييس اللغة : [الشَّعَفة : رأسُ الجبل ]

بل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[ و الذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتَل و لا يدري المقتول في أي شيء قُتِل ] رواه مسلم

وروى مسلم برقم (2887) عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فقال رجل يا رسول الله : أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟

قال : يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء ، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟

فقال رجل يا رسول الله : أرأيت إن أكرهت حتى يُنطَلَقُ بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين ، فضربني رجل بسيفه ، أو يجيء سهم فيقتلني؟
قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار)) .

# وأما بداية الفتن فهي مخالفة شرع الله

قال الله : [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ][النور].

فإذا غفل المرء عن شرع الله وذكره صار أمره فرطاً ، من سيء إلى أسوأ

[[]] أما (( الوهن والغثائية )) فهما مرضان خطيران وهما ثمرتان مُرَّتان لضعف العلم والإيمان .

فلا يخفى أن كثيراً من أبناء الأمة صاروا "غثاء كغثاء السيل " كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم

وما أظن أني بحاجة إلى إثبات وجود أوانتشار ظاهرة الغثائية .!!

ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها

ولكن قِلَّةٌ من الدعاة من ينبه الأمة إلى هذه الأحاديث النبوية الصحيحة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[[ يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ؟
قال : بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، !!
وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. !!

فقال قائل : يا رسول الله!وما الوهن؟
قال : حب الدنيا وكراهية الموت ] !!

صحيح طالع صحيح أبي داود 3610

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[[ يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل : يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟
قال لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت ] !! صحيح الجامع 8183

[[]] أما (( الذل )) فلا أَدَلَّ على ابتلاء المسلمين به

من تمكن ألف ألف يهودي من استلاب أرض فلسطين من مليار مسلم

وقبل ذلك وبعده اعتداء النصارى والمشركين على بلاد أخرى والعالم كله يتفرج على ذبح المسلمين والاعتداء على نسائهم وحرماتهم .

ووسائل إعلامهم تتغنى بأناشيد الحرية والديموقراطية يسمون الأشياء بغير أسماءها .
فإن سألتني عن علاج الذل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بينه ووضحه لأهل السنة حقاً !!
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ إذا تبايعتم بالعِيْنَةِ وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلاًّ ، لا يَنزعه شيءٌ حتى ترجعوا إلى دينكم ]
رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان ، وقال الحافظ في البلوغ رجاله ثقات .

.

أبو يوسف
23-05-2010, 04:06 PM
والحديث روي من أكثر من طريق قال الشيخ سليم الهلالي حفظه الله :

[[ وقد جوَّد إسناده شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى» (29/ 30) ووافقه شيخنا -رحمه الله- في «الصحيحة» (1/43/11)، وصححه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (5/295 -296 / 2484)، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في «شرح المسند» (7/27/4825 ) ]]


## فأول أسباب الذل

استحلال الربا تحت ستار بيع العينة ،

فتأمل تحايل الناس اليوم على الربا بتزيين من الرؤوس الجهال الذين لا يملكون من العلم إلا حرف الدال وما عدا ذلك فهو لا يعدو زخرف القول وسفسطة الفكر .

## وثاني أسباب الذل

ترك أسباب عزة المسلمين والتخلي عن صناعة القوة التي ترهب العدو يكون ذلك عند التعلق بالدنيا والفرح والرضا بحصول ملذاتها كمطعم المرء ومسكنه وقد عبَّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ((وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع ))

قال الله تعالى : [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ] سورة الأنفال (60)

## وثالث أسباب الذل هو ترك الجهاد !!،

وليس الجهاد كما يتصور البعض قتال ولاة أمر المسلمين المصلين الموحدين ، ولا قتل الأبرياء من المسلمين ، ل ولا قتل اليهود أو النصارى غير المحاربين ، كالذين أعطاهم إمام المسلمين العهد أو الأمان .
كل ذلك ليس من الجهاد !! ، فلا يقوم الجهاد على فتاوى الجهال ولا على ترأس المتعالمين وليس من الجهاد الأعمال الفردية التي يُعصى بها إمام المسلمين لأن من مقتضى بيعة الإمام أن لا يعصى وأن يطاع وكل ذلك في غير معصية الله .

إن جهاد المسلمين :

حماية للمسلمين وأرضهم ودينهم ودعوتهم لتكون كلمة الله هي العليا ، لأن الفتنةَ أشدُّ من القتل وذلك عند من عظمت الآخرة في قلوبهم بخلاف من عظمت الدنيا في قلوبهم فإنهم يقولون إن "القتل أشد من الفتنة " ، فتأمل .
ولأن فتنة الناس أعظم من هلاك أنفسهم وأموالهم .

فإن الله قد أثنى على من بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله قال تعالى : [ إن اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللَّه فيَقتلون ويُقتلون، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن؛ ومن أوفى بعهده من اللَّه، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ] سورة التوبة آية 111

وما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد بأنه ذروة سنام الإسلام إلا لأنه يصان به الدين ، الذي صيانته أول مقاصد الشارع وبه يُرهبُ المسلمون أن يعتدى على أرواحهم التي حمايتها ثاني مقاصد الشارع وبه تصان أعراض نساء المسلمين التي صيانها من مقاصد الشارع المهمة عند أهل الإيمان والغيرة على محارم الله ، بخلاف من تبلد حسه ومات قلبه .

ولهذا يجب أن يُُربى أبناؤنا على الدفاع عن دينهم وأرضهم ونسائهم ويكون ذلك بالالتفاف حول قيادتهم وولاة أمورهم من العلماء والأمراء.

أما الذين ينشرون بين أبنائنا
أن أعداءنا أقوياء وأن الزمن تغير وأن " القتل أشد من الفتنة " !!!
وأن الواجب علينا نبذل ديننا وأنفسنا وأموالنا لتسلم دنيانا ودورنا وأموالنا !!
وأن نسلم بلادنا إلى أعدائنا إذا هوجمنا
فهم منافقون !!
أو قوم مرضت قلوبهم من فتن القنوات !!
سواء صرحوا بذلك أو لمحوا له .

كيف يكون ذلك مع أن من مات ولم يحدث نفسه بالغزو فهو ميت على شعبة من نفاق !! ،

قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم :

[ من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بغزو ، مات على شعبة من نفاق] رَوَاهُ مُسلِمٌ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

فكيف بمن يتجاهل أو يغطي هذه الأحاديث وهي لا تأمر بأكثر من حديث النفس !!

موعدهم الخزي وعذاب الله في الدنيا والآخرة

قال الله تعالى [[ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ

أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ]] (160)

أما الذين َيَشْتَرُونَ بكتمانهم العلم ثَمَناً قَلِيلاً !!

ف [أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ]

قال الله تعالى [[إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ]]

[[]] ولا شك أن تفوق عدد وعتاد العدو معتبر !!

ولهذا شُرع لإمام المسلمين أن يهادن ويصالح الأعداء متى رأى في ذلك مصلحة معتبرة ، لكن فرق بين هذا وذاك !!
فرق بين هذا وبين من يغرس في قلوب أبنائنا أن قوة العدو لا تقهر ، وأننا حتى لو نصرنا الله بنصرة دينه فلن ينصرنا الله لأننا أضعف منهم ويتناسى بدر وأخواتها ويتناسى تنزل الملائكة لنصرة المؤمنين .ويتناسى قوله تعالى :-

[ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ]
[ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ] وقوله تعالى [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ]

بل لسان حال بعض مفتي القنوات يقول [ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ] فلن يَنْصُركُمْ ولن َيُثَبِّت أَقْدَامَكُمْ لأنكم أضعف عتاداً

[[]] نعم !! ، إن تفوق عدد وعتاد العدو معتبر ولكن ليس على إطلاقه ،
فالأمر راجع إلى القرار الميداني لولاة الأمر ، لا دخل لعامة الناس بل ولا دخل لعامة الجند به .

## أما نتيجة (التبايع بالعينة ) و(أخذ أذناب البقر ) و(الرضا بالزرع )

فهي [[ سلط الله عليكم ذلا ]]

## فإن سألت عن العلاج والمَخْرَجُ والمَنْجَى من هذه الظلمات

فقد بيَّنه رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم في قوله :

(( لا ينزعه شيء حتى ترجعوا إلى دينكم )) !!

فليسمع هذه النصيحة النبوية أصحاب التجمعات الثورية والانقلابات العسكرية لا حل إلا بتربية الناس على الإسلام والعودة إلى الدين الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فذلك طريق النصر والعزة قال الله تعالى [ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ]

وقال [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ]
لا حل إلا بحمل تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهي العلم

عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول [[ من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل اللَّه له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر] رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ.

وبعد حمل الدعاة لتركة الأنبياء يأتي دورهم في تزكية أبناء الأمة و تعليمهم الكتاب والحكمة

قال تعالى [[ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129 ) ]]

وقال تعالى [[ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164 ) ]]

وقال تعالى [[ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2 ) ]]

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

.
.

براء عوض
02-06-2010, 04:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ذوالجناح
07-06-2010, 07:47 PM
جزاك الله خيرا أبايوسف فقد أجت الانتقاء وأحسنت الاختيار.
وجزى الله كاتبه خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
وإن القارئ لكتب الملاحم والفتن لا يشك في أن هذا زمن الفتن التي تتبع المؤمن حتى تدخل عليه بيته.
ولعلكم تقيمون ببلا لم تضعف فيها هيبة السلطان ولم يرجع الناس فيها لأمور الجاهلية وعاداتها من تنازع وتقاتل وثأرات حتى إن المؤمن ليفر بينه منها في الآفاق فلا تزال تتبعه حتى تدخل عليه إلى قعر بيته ففق الناس نعمة الأمن في القفار وما يخرج أحدهم إلا برفقة تدججت بالسلاح وأخذت حيطتها وحذرها من كل غريب أو مألوف ولا حول ولا وقوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الهمام
09-06-2010, 03:41 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الحارث بن فيصل
10-06-2010, 11:16 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

الضمير
28-06-2010, 09:09 PM
م


وفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية